كتاب شمس المغرب
سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف
هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب
خُصصتُ بعلم لم يُخصَّ بمثله |
|
سواي من الرحمن ذي العرش والكرسي |
تحلّى بها من كان عقلا مجرّداً |
|
عن الفكرِ والتخمينِ والوهمِ والحدسِ |
فكانت رحلة ابن العربي بهذا الشكل الدوري المخالف لدورة الشمس، والمتميّز عن بقية الخلق، حتى يبيّن لنا هذه المعارف من الأسرار والآيات التي خفيت علينا مع أننا نعيش معها وفيها في كل يوم وفي كل حين.
وإذا لم يكن لابن العربي أي دور في اختيار مكان ولادته، فلا شكّ أنه اختار دمشق من بين بقية المدن، أقدم مدينة مأهولة في التاريخ، والشام من بين بقية البلدان، مهبط عيسى عليه السلام قبل يوم القيام، حتى يستقرّ فيها ويغيب كما تغيب الشمس في كل يوم. فاختار الشيخ الشام بالتحديد لأنها "خِيرة (أو صَفوة) الله من أرضه وإليها يَجتبي خيرتَه من عباده (فإنّ الله قد تكفّل لي بالشام وأهله)".[2] ولكن كما أنّ الشمس لا تلبث أن تطلع من بعد أن تغيب، وتسبح في فلكها في السماء، ليلا ونهارا، فكذلك محي الدين، صاحب الوقت وقطب الزمان،[3] وخاتم دورة الولاية المحمدية، لا تزال شمسه ساطعة في الشرق وفي الغرب، وفي الجنوب وفي الشمال؛ فذكرُه وآثارُه عمّت الآفاق، وعلومه ومعارفه فاضت منها العقول، وأسراره لا تزال تتقلب فيها القلوب وتستريح فيها الأرواح. فكما أنه كان باطناً منذ القِدَم في علم الله أولا ثم في ظهور
[1] الديوان: ص49.
[2] انظر كنز العمال في سنن الأقوال و الأفعال، للعلامة علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين الهندي البرهان فوري، ضبطه وفسر غريبه بكري حياني، صححه ووضع فهارسه ومفتاحه صفوة السقا، مؤسسة الرسالة-بيروت، 1979-1986، رقم 35020، وكذلك ذكره ابن العربي في الوصايا وفي الفتوحات المكية وسنتكلم عن ذلك بالتفصيل في الفصل السادس إن شاء الله تعالى. انظر كذلك أحاديث مشابهة في كنز العمال: حديث رقم35012-35025: ج12ص273-276.
[3] في الحقيقة ليس ابن العربي قطباً ولكنّه من الأولياء الأفراد الخارجين عن دائرة القطب كما سنشرح معنى ذلك لاحقا. ولكن نقول هنا أنّ القطب هي بالأصل أحد الأفراد ومن مرتبتهم.