موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

كتاب شمس المغرب

سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


إلى الأندلس، وكأنه كان على موعد هناك لكي يولد في جنة الله على الأرض؛ حتى تُرضعه الطبيعة أصفى لبنٍ وتوفد إليه أعذبَ نسيمٍ، وتهبه نفائس العلوم ودُرر المعارف، ليسري بها من جديد إلى مطلع الشمس في المشرق حتى تفيض مزيداً من النور وتهب مزيداً من العطاء.

فعلى عكس مسيرة الشمس، أشرقت شمس محي الدين من الغرب، ثم ارتحل مقتفيا الطريق نفسه الذي أتى منه حين كان ما يزال في عالم الذرّ، وكأنه يريد أن يكشف لنا في تلك الدورة المعكوسة سرّ المعرفة؛ ذلك السرّ الذي يمثّل أساس العلاقة بين الحق والخلق، بين الوجود والعدم، بين الروح والجسم، بين النهار والليل، وبين النور والظلمة؛ فالله هو الّذي ((خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ [5])) [الزمر]، حيث يتبادل الباطن والظاهر الأدوار، فالكل يدور في أدوار، كما قال الله تعالى في سورة يس ((وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [40]))، فيَظهر الباطن ثم يعود الظاهر إلى الباطن، ويسافر الأول إلى الآخر ويعود الآخر إلى الأول، و((هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ... [3])) [الحديد] فـ((إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ... [4])) [يونس]، أي هو نفسه سبحانه وتعالى يبدأ الخلق ثم يعيده، ((قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ [34])) [يونس]، وهذا (أي بدء الخلق وإعادته وحركته الدورية)[1] هو أصل سرّ العلم الذي اختُصَّ به الشيخ الأكبر والذي أطلعنا على بعضه في كتبه وسكت عن أكثره إلا عن طريق الإشارة لفتح البريد أمام المريد:



[1] في الحقيقة فإنّ هذه الآيات وأمثالها في القرآن الكريم لا تتحدّث فقط عن إعادة الخلق يوم القيامة كما يُفهم من ظاهرها لأوّل وهلة، بل الله سبحانه وتعالى يبدؤ الخلق ثم يعيده في كلّ آنٍ من الزمن حيث يخلق السموات والأرض في ستة أيام أي في ست جهات وهي جهات الفضاء ذي الأبعاد الثلاثة، فنحن نرى الخلق مستمرّا في الزمان وكأنّ الوجود يتجدّد عليه وهو ليس كذلك بل هو دائماً في خلق جديد وليس متجدد لأنه لا تكرار في الوجود ونحن في لبس من هذا كما قال الله تعالى في سورة ق ((أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ [15])) وذلك لأنه سبحانه وتعالى قال في سورة الكهف ((مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا [51]))، فلو شهدنا ذلك لرأينا كيف يخلق الله السموات والأرض ويخلقنا في ستة أيام ثم يستوي على العرش. وهذه العلوم القرآنية التي نطالعها في كتب الشيخ محي الدين تعتبر بحق أساسا لرؤية كونية بديعة لم يتعرّض لها العلماء والفلاسفة قبل ابن العربي ولا بعده، وقد ناقشناها باستفاضة في الأطروحة التي نقوم الآن بإعادة صياغتها باللغة العربية وستنشر قريبا إن شاء الله تعالى.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!