موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

كتاب شمس المغرب

سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


الكومي قال إن ابن العربي ترك مجالسة الأحياء وراح يجالس الأموات، فبعث إليه أن لو جئتني لرأيت من أجالس! فصلى الشيخ يوسف الضحى وأقبل إليه وحده فوجده بين القبور قاعداً مطرقاً وهو يتكلم على من حضره من الأرواح فجلس إلى جانبه بهدوء، فنظر إليه الشيخ الأكبر فرآه قد تغير لونه وضاق نفسه فكان لا يقدر أن يرفع رأسه من الثقل الذي نزل عليه، وابن العربي ينظر إليه ويتبسم فلا يقدر الشيخ يوسف أن يتبسم لما هو فيه من الكرب. فلما فرغ ابن العربي من الكلام وصدر الوارد خُفّف عن الشيخ واستراح وردّ وجهه إليه فقبّل بين عينيه. فقال له الشيخ محي الدين: يا أستاذ من يجالس الموتى أنا أو أنت! قال: لا والله بل أنا أجالس الموتى، والله لو تمادى عليّ الحال فطست. ثم انصرف الشيخ يوسف وترك ابن العربي في خلوته مع الأحياء الذين في القبور. وبعد ذلك كان الشيخ يوسف يقول: من أراد أن يعتزل عن الناس فليعتزل مثل ابن العربي.[1]

لقاؤه بالأرواح

ولقد كان الشيخ محي الدين رضي الله عنه متمرّسا في عالم الأرواح لا يحجبه عنهم شيء، فكان يتصل بهم ويتواصل معهم كما لو أنه يتعامل مع العالم المادي لا فرق. وكان رضي الله عنه يقوم بذلك في النوم وفي اليقظة، وله في ذلك روايات كثيرة لا تحصر. فقد التقى مثلا بالقطب أحمد ابن هارون الرشيد (توفي سنة 184/800) كما سنرى ذلك بمزيد من التفصيل لاحقا: "لقيته بالطواف يوم الجمعة بعد الصلاة سنة تسع وتسعين وخمسمائة وهو يطوف بالكعبة وسألته وأجابني ونحن بالطواف وكان روحه تجسَّد لي في الطواف حساً تجسُّد جبريل في صورة أعرابي"[2] وذلك أن الشيخ محي الدين لما رآه في الطواف استغرب حاله: "فإني ما رأيته يزاحِم ولا يزاحَم ويخترق الرجلين ولا يفصل بينهما فقلت هذا روح تجسد بلا شك فمسكته وسلّمت عليه فردّ عليّ السلام وماشيته ووقع بيني وبينه كلام ومفاوضة".[3]

فمن حكم نفوذ البصر أن يدرك صاحبه الأرواح النورية والنارية عن غير إرادة من الأرواح ولا ظهور ولا تصور، كابن عباس وعائشة رضي الله عنهما حين أدركا جبريل عليه السلام وهو يكلّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على غير علم من جبريل بذلك ولا إرادة منه للظهور لهم، فأخبرا بذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولم يعلما أنه جبريل عليه السلام فقال لها صلّى الله عليه وسلّم أَوَقد رأيتيه؟ وقال لابن عباس أرأيته؟ قالا نعم، قال: ذلك جبريل.[4]



[1] الفتوحات المكية: ج3ص45.

[2] الفتوحات المكية: ج2ص15.

[3] الفتوحات المكية: ج1ص638.

[4] الفتوحات المكية: ج3ص332، والحديث ورد في معجم الطبراني الكبير للإمام الطبراني، من غير ذكر ابن عباس رضي الله عنهما. انظر: المعجم الكبير، أبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، وزارة الأوقاف والشؤون الدينية-بغداد، مطبعة الزهراء الحديثة-الموصل، 1983: ج23ص35، ج23ص37.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!