موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

كتاب شمس المغرب

سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


أبي العبّاس العريبي الذي بدأ معه الطريق كما سنرى لاحقا، مع أنه انتقل بعد ذلك إلى المقام المحمدي.

بداية زهده وتخلّيه عن أمواله

كما هو الأمر على كل من يريد دخول طريق التصوف والزهد، كان لا بدّ لابن العربي من أن يتخلى عن ماله وملكه حتى يتفرّغ لعبادة ربّه ويحرّر نفسه من قيود التعلّقات الدنيوية. ويُرجع ابن العربي أصل هذا التصرّف إلى الحديث الشهير عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه:

أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما أن نتصدق ووافق ذلك مالا عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما، فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما أبقيت لأهلك؟ قلت، أبقيت لهم، قال: ما أبقيت لهم؟ قلت: مثله، وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال: يا أبا بكر! ما أبقيت لأهلك؟ فقال: أبقيت لهم الله ورسوله. قلت: لا أسبقه إلى شيء أبدا.[1]

ولكن بما أن محي الدين لم يكن بعدُ قد التزم مع شيخ يثق به، شاور بذلك والده وأعطاه كلَّ ما يملك من طوع نفسه:

وهكذا كان خروجنا عمّا بأيدينا ولم يكن لنا شيخ نحكّمه في ذلك ولا نرميه بين يديه فحكّمنا فيه الوالد رحمه الله لمّا شاورنا في ذلك، فإنّا تركنا ما بأيدينا ولم نسند أمره إلى أحد لأنّا لم نرجع على يد شيخ، ولا كنت رأيت شيخاً في الطريق بل خرجت عنه خروج الميت عن أهله ومالِه. فلمّا شارونا الوالد وطلب منّا الأمر في ذلك حكّمناه في ذلك ولم أسأل بعد ذلك ما صنع فيه إلى يومي هذا. هذا ما يعطي حكم ذوق النفس ولا بدّ منه لكل طالب.[2]

ثم يقول إن أصل ذلك هو إتيان أبي بكر بجميع ما يملكه إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم حين قال له ائتني بما عندك، وأتاه عمر بشطر ماله فإنه صلّى الله عليه وسلّم ما حدّ لهم في ذلك ولو حدّ لهم في ذلك ما تعدى أحد منهم ما حدّه له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وإنما أراد صلّى الله عليه وسلّم أن تتميز مراتب القوم عندهم فقال لأبي بكر: "ما تركت لأهلك؟" فقال: "الله ورسوله" وهذا غاية الأدب، حيث قال "ورسوله"، فإنه لو قال: "الله" لم يتمكن له أن يرجع في شيء من ذلك إلاّ حتى يرده الله عليه من غير واسطة حالاً وذوقاً، فلما علم ذلك قال: "رسوله"، فلو ردّ إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من ماله شيئاً قبِله لأهله من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإنه تركه لأهله فما حكّم فيه إلاّ من استنابه ربّ المال. فانظر ما أحكم هذا وما أشد معرفة أبي بكر بمراتب الأمور. وتخيّل عمرٌ أنه يسبق أبا بكر في ذلك اليوم لأنه رأى إتيانه بشطر ماله عظيما. ثم قال رسول الله صلى الله عليهم وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: "ما تركت



[1] أخرجه الدارمي وقال: حسن صحيح، وأخرجه الترمذي في كتاب مناقب أبي بكر الصديق، رقم 3757، وقال حسن صحيح، وكذلك الشاشي وابن أبي عاصم وابن شاهين في السنة. انظر في كنز العمال: رقم 35611.

[2] الفتوحات المكية: ج2ص548.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!