موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

كتاب شمس المغرب

سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


فمسكه الشيخ ثلاثة أيام[1] ثم جاءه بحبل فقال له: أيها الملك قد فرغت أيام الضيافة قم فاحتطب. فكان يأتي بالحطب على رأسه ويدخل به السوق والناس ينظرون إليه ويبكون. فيبيع ويأخذ قوته ويتصدق بالباقي ولم يزل في بلده ذلك حتى درج ودفن خارج تربة الشيخ وقبره اليوم بها يزار.[2] فكان الشيخ إذا جاءه الناس يطلبون أن يدعو لهم يقول لهم التمسوا الدعاء من يحيى بن يغان؛ فإنه ملك فزهد[3] ولو ابتليت بما ابتلي به من الملك ربّما لم أزهد.[4]

ولقد توفى يحيى بن يغان قبل ولادة ابن العربي بحوالي ربع قرن وسوف يزوره الشيخ محي الدين عندما يذهب إلى تونس حيث يوجد قبره هناك. وإذا كان يحيى بن يغان من البربر وليس هناك صلة نسب وثيقة بينه وبين خاله الآخر أبي مسلم الخولاني، فمن الممكن أن يكون عليّ العربي أبو محي الدين قد تزوّج بامرأة من البربر وهي تكون خالته امرأة أبيه وليس أمّه لأنّ أمّه نور من الأنصار كما رأينا أعلاه. وبذلك فإن الشيخ محي الدين يعتبر أن يحيى بن يغان خاله، لأنه أخو خالته امرأة أبيه. والاحتمال الآخر هو أن يكون هناك قرابة وثيقة بين يحيى بن يغان، وإن كان من البربر، وخاله أبي مسلم، وذلك لأن فتح بلاد المغرب وتونس قد تمّ في مرحلة مبكّرة من التاريخ الإسلامي وتقاطعت الصلات بين البربر وبين العرب وتداخلت الأنساب.

الفقير الزاهد أبو محمد عبد الله القطان (إشبيلية/قرطبة)

ولقد كان الشيخ محي الدين يعطف على الفقراء والزهّاد الذين كانوا غالبا ما يتعرضون للإهانة من قِبل الأمراء والوزراء بسبب معارضة الفقهاء لهم. فكان الفقهاء غالباً ما يداهنون الوزراء ويعينونهم على ظلمهم، الأمر الذي لا يمكن لأهل طريق الله أن يفعلوه أو أن يسكتوا عنه فيحصل الخلاف. وهذا ما حصل مع الشيخ أبي محمد عبد الله القطان الذي كان يردّ على كلام السلاطين ولا يخشى في الله لومة لائم مهما عرّض نفسه للقتل أو للسجن. ولقد ذكر الشيخ الأكبر قصة عبد الله القطان في رسالة "روح القدس" وهو من أوائل الذين استفاد منهم في الطريق، فقال إنه كان من المفتوح عليهم في القرآن؛ لا يتكلم إلا بالقرآن ولا يرى غيره، ولم يكتب كتابا، وكان يقول في جماعة من المؤلفين رآهم بمدينة قرطبة: "مساكين أصحاب المصنَّفات والتآليف ما أطول حسابهم، في كتاب الله مَقْنع وفي حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم".



[1] وذلك حق الضيافة.

[2] وكما سنرى فإن ابن العربي سوف يزوره سنة 590 أثناء زيارته لصاحبه عبد العزيز في تونس، وكذلك سنة 598.

[3] يقول بعض الصوفية أنه لا يكون الزهد الحقيقي إلا للغني الذي يزهد فيما يملك، وأما الفقير فبماذا يزهد! ولكن في ذلك خلاف بين أهل الله الذين "اختلفوا في الفقير الذي لا ملك له هل يصح له اسم الزاهد أو لا قدم له في هذا المقام، فمذهبنا أن الفقير متمكن من الرغبة في الدنيا والتعمّل في تحصيلها ولو لم يحصل، فتركه لذلك التعمّل والطلب والرغبة عنه يسمى زهداً بلا شك" (الفتوحات المكية: ج2ص177).

[4] الفتوحات المكية: ج2ص18، وانظر أيضاً نفس القصة في "محاضرة الأبرار": ج2ص114.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!