موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

كتاب شمس المغرب

سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يقولون للشيء الذي يريدونه كن فيكون؛[1] فلا يتوهّمون أمراً ما ولا يخطر لهم خاطرٌ في تكوينِ أمرٍ ما إلا ويتكوّن بين أيديهم. وكذلك أهل النار لا يخطر لهم خاطرُ خوفٍ من عذاب أكبر مما هم فيه إلا تكوّن فيهم أو لهم ذلك العذاب وهو عين حصول الخاطر، فإن الدار الآخرة تقتضي تكوين العالم عن العالم لكن حساً وبمجرد حصول الخاطر والهمّ والإرادة والتمنّي والشهوة، كل ذلك محسوسا. وليس ذلك في الدنيا لكل أحد وقد يكون في الدنيا لغير الولي، كصاحب العين، ولكن ما يكون بسرعة تكوين الشيء بالهمّة في الدار الآخرة وهذا في الدار الدنيا نادر شاذّ كقضيب البان وغيره، وهو في الدار الآخرة للجميع.[2]

فيذكر الشيخ محي الدين عن صاحبه محمد الخيّاط أنه كان بين منزله ومنزلهم بعدٌ كثيرٌ فمرة بَعد أذان العشاء وجد الشيخ محي الدين في خاطره أمرين متناقضين الأول الانزعاج إلى الوصول إلى صاحبه محمد الخيّاط والثاني الرجوع إلى منزله، فحار كيف يجمع بين الخاطرين وكان يعمل على أوّل الخاطر،[3] فذهب إليه مسرعا ودخل عليه فوجده واقفا في وسط الدار وهو مستقبلٌ القبلة وأخوه أحمد يتنفّل فسلّم عليه، فتبسّم وقال له: "ما الذي أبطأ بك؟ قلبي متعلق بك. هل عندك شيء؟ جاءنا فقيرٌ يُقال له عليٌّ السلاوي وما عندنا شيء." وكان ذلك سبب تعلّق قلبه به لأنه يعلم أنه يملك المال وهو ينفق على الفقراء. فأخرج محي الدين من جيبه خمسة دراهم ودفعها له، ثم رجع إلى بيته مسرعا.

وهكذا أيضاً كان محمد الخياط يخدم الفقراء بنفسه ويؤثرهم بالطعام واللباس وكان رحيما عطوفا رؤوفا شفيقا يرحم الصغير ويعرف شرف الكبير، يعطي كل أحد حقه، له الحق على الناس وليس لأحد عليه حق إلا الله.[4]

أبو العبّاس أحمد الحريري



[1] ورد في ذلك العديد من الأحاديث التي تتكلم عن صفة أهل الجنة، ولعلّ هذا أيضاً معنى قول الله تعالى عنهم في سورة ق: ((لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ [35])). انظر أيضاً في الفتوحات المكية: ج1ص84، ج2ص157، 440، 441، ج3ص295. ولقد وضعنا تصوّرا لكيفيّة حصول ذلك بناءً على نموذج الجوهر الفرد لابن العربي الذي درسناه في الفصل السادس والسابع من الأطروحة التي سنعيد كتابتها باللغة العربية كما وعدنا إن شاء الله تعالى. فيبدو أن العالم الأخروي (سواء في الجنة أو في النار) سيكون ذا أربعة أبعاد حيث بدأ الخلق بالملائكة الذين خلقهم الله من نور [بُعد واحد أو جهتين؛ لقوله تعالى في سورة مريم: ((...لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا [64]))] ثم الجن الذين خلقهم الله من نار [بُعدين أو أربعة جهات لقوله تعالى في سورة الأعراف: ((ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ ... [17]))] ثم الإنس وهو عالمنا ذا الأبعاد الثلاثة (أو الجهات الست) ثم الآخرة التي يبدو أنها ستكون ذات أربعة أبعاد. فكما أن تخيّلاتنا اليوم هي في الحقيقة ذات بعدين وهي من عالم الجنّ فستكون تخيّلاتنا في الآخرة ذات ثلاثة أبعاد وهي من العالم المادّي. والله أعلم.

[2] انظر الباب 47 من الفتوحات المكية (ج1ص255)، وسيأتي ذكر قضيب البان في الفصل الخامس.

[3] العمل على أول الخاطر مفتاح للفلاح، وهو أن تترك الفكر والتردد وتنتبه لما يوقعه الله في قلبك من الخواطر فتعمل على أساسها. ولقد ذكرنا ذلك بالتفصيل في كتاب سلوك القلب فليراجع هناك.

[4] روح القدس ص59-61.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!