موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

كتاب شمس المغرب

سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


الحركة الصوفية في الإسلام

يختلف المفكرون كثيرا حول مفهوم التصوف، فمنهم من يصرّ على أنه شيء دخيل على الإسلام جاء إليه من الديانات الشرقية حينما بدأ الإسلام بالانتشار خارج الجزيرة العربية، ومنهم من يؤكد على أنه شيء من صميم الإسلام وقد بدأ منذ طلوع فجر الإسلام الأول. والحقيقة في ذلك أن الاصطلاح جديد ولكن المفهوم أصيل بأصالة الإسلام ذاته، فالصحابة والتابعون كانوا صوفيين بالفعل وإن لم يكونوا يسمون كذلك، فالتصوف ما هو إلا الزهد والعبادة وترك الدنيا والإقبال على الله تعالى. غير أن الشكل الهيكلي للتصوف بدأ يتبلور منذ بداية القرن الثاني الهجري مثله مثل بقية العلوم الإسلامية كالفقه وعلوم التفسير والحديث كلها لم تكن معروفة منذ بداية الإسلام.

واختلف الناس كثيرا عن أصل كلمة تصوف ومدلولها فمنهم من قال إن أصلها من لبس الصوف أو من أهل الصفّة، ومنهم من قال إنها من الصفاء أو من الاصطفاء وكذلك من الصفّ الأول، إلى ما هنالك.[1] والحقيقة أن الشيخ محي الدين ابن العربي، رغم أنه كثيرا ما يطلق لفظة الصوفيّة على عموم أهل الله، إلا أنه يعدّهم عند التحقيق صنفا معيّنا من رجال الله تعالى حيث يقسّم الشيخ رضي الله عنه رجال الله إلى ثلاثة أصناف: العبّاد والصوفيّة والملاميّة؛ فالعبّاد هم "رجال غلب عليهم الزهد والتبتّل والأفعال الطاهرة المحمودة كلها وطهّروا أيضاً بواطنهم من كل صفة مذمومة قد ذمّها الشارع (محمد صلّى الله عليه وسلّم)، غير أنهم لا يرون شيئاً فوق ما هم عليه من هذه الأعمال ولا معرفة لهم بالأحوال ولا المقامات ولا العلوم الوهبية اللدنّية ولا الأسرار ولا الكشوف ولا شيئاً مما يجده غيرهم."[2] وأما الصوفية، وهم أعلى من العبّاد، فهم "مثل العبّاد في الجدّ والاجتهاد والورع والزهد والتوكل وغير ذلك، غير أنهم مع ذلك يرون أن ثمّ شيئاً فوق ما هم عليه من الأحوال والمقامات والعلوم والأسرار والكشوف والكرامات، فتتعلق هممهم بنيلها فإذا نالوا شيئاً من ذلك ظهروا به في العامة من الكرامات، لأنهم لا يرون غير الله وهم أهل خُلق وفتوّة ... وهم بالنظر إلى الطبقة الثالثة أهل رعونة وأصحاب نفوس وتلامذتهم مثلهم أصحاب دعاوي يشمّرون على كل أحد من خلق الله ويظهرون الرياسة على رجال الله".[3] وأما الصنف الثالث وهم الأعلى بين مراتب الرجال، فهم الملاميّة وسوف نأتي على ذكرهم كثيرا خلال هذا الكتاب، ولكننا نقول هنا أنهم رجال لا يزيدون على الصلوات الخمس إلا الرواتب، لا يتميزون عن المؤمنين المؤدّين فرائض الله بحالة زائدة يُعرفون بها، يمشون في الأسواق ويتكلمون مع الناس فلا يُعرفون لاحتجاب أحوالهم عن عامة الناس، وهم أرفع الرجال وتلامذتهم أكبر الرجال. فالعبّاد متميّزون عند العامّة بتقشّفهم وابتعادهم عن الناس وأحوالهم وتجنّب



[1] راجع الباب الأول من كتاب حقائق عن التصوف للشيخ عبد القادر عيسى، دار الألباب-دمشق، 2002.

[2] الفتوحات المكية: ج3ص34.

[3] الفتوحات المكية: ج3ص34-35.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!