موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

كتاب شمس المغرب

سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


بعده من العلماء المسلمين وغيرهم من الفلاسفة والعلماء، وذلك بخصوص خلق العالم في ستة أيّام كما ذكر الله تعالى في القرآن الكريم وفي التوراة وكما ورد في العديد من الأحاديث النبوّية الشريفة، مثل قوله تعالى في سورة الحديد: ((هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ... [4])) وقال أيضاً في سورة ق: ((وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ [38])). فأغلب العلماء والمفسّرين يؤوّلون ذلك بطرقٍ مختلفةٍ وذلك لعدم إمكانيّة تصوّر استغراق الله تعالى لفترة زمنيّة حتى يتمّ الخلق وكذلك كون الأيام لم تكن معروفة قبل الخلق أصلا، كما يتخيّل الجميع.

والحقيقة أن رؤية ابن العربي تخرج من كلّ هذه التناقضات فتعطي تفسيراً علمياً جميلاً وبديعاً من غير أن يتناقض مع صفات التنزيه الإلهيّة. ولقد أوضحنا هذه الرؤية في بحث الدكتوراه عن مفهوم الزمن عند الشيخ محي الدين وأقوم الآن بإعادة صياغته باللغة العربية وسأعدّه للنشر قريبا بإذن الله تعالى. ولكن لا بأس أن أختصر هذه الرؤية الغريبة والبديعة للخلق هنا كونَ هذا الكتاب يتكلّم عن حياة الشيخ محي الدين ومذهبه، لأنّ هذه الرؤية هي في النهاية أساس الكثير من الأفكار الغامضة التي جاء بها الشيخ محي الدين مثل وحدة الوجود وغيرها، والتي انتقد كثيرا بسببها كما سنرى في الفصل السابع.

فيقول الشيخ محي الدين أن الله تعالى يعيد خلق العالَم بشكل مستمرّ في ستة أيام ثم يستوي على العرش، ولكننا لا نشهد العاَلم أثناء الخلق وإنما فقط نشهده مخلوقا أي نشهد منه حال استواء الله تعالى على العرش وهو يوم السبت، فكل حياتنا هي في الحقيقة يوم سبت وهو الزمن الذي يمرّ علينا، وهو يوم الأبد، أمّا الأيام الستة الأخرى فهي متوالجة في هذا اليوم بحيث تتكرّر في كلّ لحظة حيث أن الله تعالى يخلق بها العالم من حيث المكان الثلاثي الأبعاد أو السداسي الجهات، في كل يوم جهة؛ لأن اليوم في اللغة العربية يحمل معنى الجهة. ولقد قال الله تعالى في سورة الكهف: ((مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا [51]))، وقال أيضاً في سورة ق: ((أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ [15])). ففي كلّ لحظة يخلق الله تعالى العالم في ستة أيام ثم يستوي على العرش من غير تراخٍ زماني ولا انتقالٍ مكاني، بل هو سبحانه وتعالى يخلق بذلك المكان والزمان في هذا الأسبوع الأصلي الذي هو في الحقيقة لحظة واحدة من حياتنا؛ فالأيام الستة الأولى من يوم الأحد إلى يوم الجمعة هي لخلق المكان، وفي يوم السبت يظهر العالم فيكون لحظة في الزمان، ومع توالي الخلق تتوالى اللحظات التي هي في الحقيقة أيام وإنما نحن نشهدها لحظات لأننا نعيش في نقطة من العالم، فهي بالنسبة للعالم يوم وبالنسبة لنا لحظة، فالآن مثلاً هناك يوم كامل في كلّ أنحاء العالم؛ صباح في مكان ومساء في مكان وظهر في مكان وعصر في مكان.

وهكذا نجد أنّه ولأوّل مرّة في التاريخ يكون هناك معنى فيزيائياً للأسبوع فهو واحدة الزمكان (أي الزمان والمكان) كما وحّدت بينهما نظرية النسبيّة من غير فهم طبيعتهما وكيفية ارتباطهما. ويفسّر الشيخ محي الدين رضي الله عنه سبب كون الأيام سبعة وأصلها وأصل الزمان والمكان، ولكن ليس هنا موضع الحديث عن ذلك فنتركه إلى الكتاب القادم إن شاء الله تعالى.

ولكن من أهم النتائج الفلسفية، سوى النتائج العلمية التي فصّلناها في الأطروحة، لهذه الرؤية



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!