موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

كتاب شمس المغرب

سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


ذات يوم دخل على الشيخ محي الدين وهو فرح مسرور فقال له: يا سيدي الفناء الذي تذكره الصوفية صحيح عندي بالذوق قد شاهدته اليوم! قال له كيف؟ قال: ألست تعلم أن أمير المؤمنين دخل اليوم من الأندلس إلى هذه المدينة؟ قلت له بلى، قال اعلم أني خرجت أتفرج مع أهل فاس فأقبلت العساكر فلما وصل أمير المؤمنين ونظرت إليه فنيت عن نفسي وعن العسكر وعن جميع ما يحسه الإنسان وما سمعت دوي الكوسات ولا صوت طبل مع كثرة ذلك ولا البوقات ولا ضجيج الناس ولا رأيت ببصري أحداً من العالم جملة واحدة سوى شخص أمير المؤمنين. ثم أنه ما أزاحني أحد عن مكاني ووقفت في طريق الخيل وازدحام الناس وما رأيت نفسي ولا علمت أني ناظر إليه بل فنيت عن ذاتي وعن الحاضرين كلهم بشهودي فيه، ولما انحجب عني ورجعت إلى نفسي أخذتني الخيل وازدحام الناس فأزالوني عن موضعي وما تخلصت من الضيق إلا بشدة وأدرك سمعي الضجيج وأصوات الكوسات والبوقات فتحققت أن الفناء حق وأنه حال يعصم ذات الفاني من أن يؤثر فيه ما فني عنه. فيقول ابن العربي: هذا يا أخي فناء في مخلوق فما ظنك بالفناء في الخالق![1]

وجه بلا قفا (فاس)

وبالإضافة إلى الفناء حيث ينسلخ المرء بشكل ما عن جسمانيته ويصبح روحاً محضاً خارجاً عن المادة، فقد ذاق ابن العربي حالة أخرى مشابهة أصبح فيها كله وجه بلا قفا. ولقد كان مثل هذا الحال لرسول الله صلى الله عليه وسلّم فيقول ابن العربي أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كله وجه بلا قفا فإنه قال صلّى الله عليه وسلّم إني أراكم من خلف ظهري[2] فأثبت الرؤيا لحاله ومقامه فثبتت الوجهية له، وذكر الخلف والظهر لبشريّته فإنهم ما يرون رؤيته ويرون خلفه وظهره. ثم يضيف ابن العربي أنه لمّا ورث النبي صلّى الله عليه وسلّم في هذا المقام وكانت له هذه الحال كان يصلي بالناس بالمسجد الأزهر بمدينة فاس فإذا دخل المحراب يرجع بذاته كلها عيناً واحداً فيرى من جميع جهاته كما يرى قبلته لا يخفى عليه الداخل ولا الخارج ولا واحد من الجماعة حتى إنه ربما يسهو من أدرك معه ركعة من الصلاة فإذا سلّم وردّ وجهه إلى الجماعة يدعو فيرى ذلك الرجل يجبر ما فاته فيخلّ بركعة فيقول له فاتك كذا وكذا فيتمّ صلاته ويتذكّر. ويضيف الشيخ محي الدين أن لا يعرف هذه الأشياء ولا هذه الأحوال إلا من ذاقها ومن كانت هذه حاله فحيث كانت القبلة فهو مواجهها وهكذا ذاقه هو بنفسه.[3]



[1] الفتوحات المكية: ج2ص514.

[2] في الحديث عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: "يا فلان ألا تتقي الله؟ ألا تنظر كيف تصلي؟ إن أحدكم إذا قام يصلي إنما يقوم يناجي ربه، فلينظر كيف يناجيه، إنكم ترون أني لا أراكم إني والله لأرى من خلف ظهري كما أرى من بين يدي". أخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب الصلاة وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي. انظر كنز العمال: رقم 20103.

[3] الفتوحات المكية: ج1ص491.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!