موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

كتاب شمس المغرب

سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


دخلت على شيخنا أبي العباس العريبي من أهل العلياء وكان مستهترا[1] بذكر الاسم "الله" لا يزيد عليه شيئا. فقلت ‏له: يا سيدي لم لا تقول "لا إله إلا الله"؟ فقال لي: يا ولدي الأنفاس بيد الله ما هي بيدي، فأخاف أن يقبض الله روحي ‏عندما أقول "لا إله" فأُقبض في وحشة النفي. وسألت شيخا آخر عن ذلك فقال لي: ما رأت عيني ولا سمعت أذني من ‏يقول أنا الله غير الله، فلم أجد من أنفي.[2]

وربما كان بفضل هذا الذكر أن الشيخ العريبي كان من الراسخين في منزل الذكر من العالم العلوي كما ذكره الشيخ الأكبر في الباب الثامن والتسعين ومائتين في معرفة منزل الذكر من العالم العلوي في الحضرة المحمدية، فقال في أول هذا الباب: "اعلم وفقك الله أن شيخنا أبا العباس العريبي كان ممّن تحقّق بهذا المنزل وفاوضناه فيه مراراً فكانت قدمه فيه راسخة رحمه الله."[3]

الحياة الطيبة

وكذلك كان الشيخ العريبي على درجة عالية من الذوق في معنى "الحياة الطيبة" من الآية الكريمة من سورة النحل: ((مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ... [97])) وهو واحدٌ من قطبين التقاهُما الشيخ محي الدين في حياته كان لهما هذا المنزل، كما ذكر الشيخ في الباب السابع والثمانين وأربعمائة من الفتوحات المكية، وهما من الذين عجّل الله لهم البشرى في الحياة الدنيا، فيحيُون حياةً طيبةً رغم وجود الألم والمشقات لأنهم يعلمون ما يؤولون إليه من النعيم لما بشّرهم الله تعالى الذي لا يخلف الميعاد:

قال الله تعالى: ((وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ)) [النور: 26]، و: ((إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ)) [فاطر: 10]، فالعمل الصالح له الحياة الطيبة وهي تعجيل البشرى في الحياة الدنيا كما قال تعالى: ((لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا)) [يونس: 64] فيحيى في باقي عمره حياة طيبة لما حصل له من العلم بما سبق له من سعادته في علم الله مما يؤول إليه في أبده، فتهوّن عليه هذه البشرى ما يلقاه من المشقات والعوارض المؤلمة؛ فإن وعد الله حق وكلامه صدق وقد خوطب بالقول الذي لا يُبدّل لديه. وكذلك أيضاً للعمل الصالح التبديل فيبدّل الله سيّآته حسنات حتى يودّ لو أنّه أتى جميع الكبائر الواقعة في العالم من العالم كله على شهود منه عين التبديل في ذلك. ولقد لقيت من هو بهذه الحال بمكة من أهل توزر من أرض الحرير، ولقيت أيضاً بإشبيلية أبا العباس العريبي شيخنا من أهل العلياء بغرب الأندلس ما لقيت في عمري إلا هذين من أهل هذا الذوق.[4]



[1] أي: مستغرقا.

[2] الفتوحات المكية: ج1ص329.

[3] الفتوحات المكية: ج2ص687.

[4] الفتوحات المكية: ج4ص123.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!