موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

كتاب شمس المغرب

سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


وقد كان (هذا المقام الذي يحصل للعبد من إطلاق عبوديته وهو أنه يصبح لا يفرح لشيءٍ ولا يحزن لشيءٍ ولا يضحك ولا يبكي ولا يقيّده وصف[1]) لشيخنا أبي العباس العريبي من العليا من غرب الأندلس وهو أول شيخ خدمته وانتفعت به، وله قدم راسخة في هذا الباب باب العبودية.[2]

ذكر الله

وكان الشيخ العريبي يذكر الله تعالى بالاسم الجامع وهو لفظ الجلالة "الله" كما يفعل معظم الصوفية. وهذه نقطة استغلها أكثر المنكرين عليهم محتجّين بحديث النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم: "أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله."[3] والحديث الآخر: "خير الدعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيّون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير."[4] وهذه الأحاديث الصحيحة لا تعني أن الذكر بلفظ الجلالة غير جائز! وليس من المهم أيهما أفضل، فمع أن الذكر بالتهليل أفضل من الذكر بالتحميد أو التكبير، كما يُفهم من نصّ الحديث، فلا يعني هذا أن الذكر بالتحميد أو التكبير أو غيرهما غير جائز. ولكن مع ذلك فإن الذكر بلفظ الجلالة هو خيرُ وسيلةٍ لاستحضار عظمة الله سبحانه وتعالى في نفس الصوفي وهو معنى الذكر الحقيقي، أي أنّه يبقى ذاكراً لله ومستحضراً عظمته في قلبه حتى تخمد نفسُه وتزول رعونتها. والصوفي يعلم يقيناً أنه لا إله إلا الله، فهو لا يحتاج أن يردّدها كثيراً كما يفعل مع لفظ الجلالة من أجل استحضار عظمة الله تعالى ودوام ذلك في ذاكرته.

ولا أدري لماذا يجادل بعض الناس في أنواع الذكر ويرفض الذكر بلفظ الجلالة أو غيره من الأسماء الإلهية، والله سبحانه يقول بشكل واضح في سورة المزّمل موجّهاً الأمر لمحمّد صلّى الله عليه وسلّم: ((وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا [8]))، فاسم ربّنا وربّ محمّد هو الله، ولنا في رسول الله أسوة حسنة، فيجب أن نذكر اسم الله ونتبتّل إليه تبتيلاً، أي ننقطع إليه انقطاعاً كليّاً، وهذا هو معنى التصوّف الصحيح.

وفي هذا الخصوص سأل الشيخ محي الدين شيخان من شيوخ التصوف أحدهما شيخه العريبي عن سبب تركيزه على الذكر بلفظ الجلالة فأعطاه جواباً رائعاً، ينمّ عن حضور حادّ وعن إدراكٍ عميق لقدرة الله عزّ وجلّ الذي بيده الخلق والأمر وبيده أنفاس العباد في كل آن:



[1] قال أبو يزيد البسطامي رضي الله عنه: ضحكت زماناً وبكيت زماناً وأنا اليوم لا أضحك ولا أبكي، وقال في هذا المقام لما قيل له كيف أصبحت فقال: لا صباح لي ولا مساء إنما الصباح والمساء لمن تقيد بالصفة وأنا لا صفة لي. (الفتوحات المكية: ج2ص73، ج2ص187، ج3ص539، ج4ص40.).

[2] الفتوحات المكية: ج3ص539.

[3] كنز العمال: رقم 1748.

[4] كنز العمال: رقم 12078.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!