موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

شرح التلمساني
على فصوص الحكم

تأليف: الشيخ عفيف الدين سليمان التلمساني

فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية

  السابق

المحتويات

التالي  

فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية


22 - فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر شرح الشيخ عفيف الدين سليمان التلمساني

شرح الشيخ عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
إلياس هو إدريس كان نبيا قبل نوح، ورفعه الله مكانا عليا، فهو في قلب الأفلاك ساكن وهو فلك الشمس.
ثم بعث إلى قرية بعلبك، وبعل اسم صنم، وبك هو سلطان تلك القرية.
وكان هذا الصنم المسمى بعلا مخصوصا بالملك.
وكان إلياس الذي هو إدريس قد مثل له انفلاق الجبل المسمى لبنان من اللبنانة، وهي الحاجة عن فرس من نار، وجميع آلاته من نار.
فلما رآه ركب عليه فسقطت عنه الشهوة، فكان عقلا بلا شهوة، فلم يبق له تعلق بما تتعلق به الأعراض النفسية.
فكان الحق فيه منزها، فكان على النصف من المعرفة بالله، فإن العقل إذا تجرد لنفسه من حيث أخذه العلوم عن نظره، كانت معرفته بالله على التنزيه لا على التشبيه.
وإذا أعطاه الله المعرفة بالتجلي كملت معرفته بالله، فنزه في موضع و شبه في موضع، ورأى سريان الحق في الصور الطبيعية والعنصرية.
وما بقيت له صورة إلا ويرى عين الحق عينها.
وهذه المعرفة التامة التي جاءت بها الشرائع المنزلة من عند الله، و حكمت بهذه المعرفة الأوهام كلها.
ولذلك كانت الأوهام أقوى سلطانا في هذه النشأة من العقول، لأن العاقل ولو بلغ في عقله ما بلغ لم يخل من حكم الوهم عليه والتصور فيما عقل.
فالوهم هو السلطان الأعظم في هذه الصورة الكاملة الإنسانية، و به جاءت الشرائع المنزلة فشبهت و نزهت، شبهت في التنزيه بالوهم، و نزهت في التشبيه بالعقل.
فارتبط الكل بالكل، فلم يتمكن أن يخلو تنزيه عن تشبيه ولا تشبيه عن تنزيه: قال تعالى «ليس كمثله شيء» فنزه و شبه، «وهو السميع البصير» فشبه.
وهي أعظم آية تنزيه نزلت، ومع ذلك لم تخل عن التشبيه بالكاف.
فهو أعلم العلماء بنفسه، وما عبر عن نفسه إلا بما ذكرناه.
ثم قال «سبحان ربك رب العزة عما يصفون» وما يصفونه إلا بما تعطيه عقولهم.
فنزه نفسه عن تنزيههم إذ حدوده بذلك التنزيه، وذلك لقصور العقول عن إدراك مثل هذا.
ثم جاءت الشرائع كلها بما تحكم به الأوهام. فلم تخل عن صفة يظهر فيها.
كذا قالت، و بذا جاءت. فعملت الأمم على ذلك فأعطاها الحق التجلي فلحقت بالرسل وراثة ، فنطقت بما نطقت به رسل الله «الله أعلم حيث يجعل رسالته .
«فالله أعلم» موجه: له وجه بالخبرية إلى رسل الله، و له وجه بالابتداء إلى أعلم حيث يجعل رسالاته .
و كلا الوجهين حقيقة فيه، ولذلك قلنا بالتشبيه في التنزيه وبالتنزيه في التشبيه.
وبعد أن تقرر هذا فنرخي الستور و نسدل الحجب على عين المنتقد والمعتقد ، وإن كانا من بعض صور ما تجلى فيها الحق.
ولكن قد أمرنا بالستر ليظهر تفاضل استعداد الصور، وأن المتجلي في صورة بحكم استعداد تلك الصورة، فينسب إليه ما تعطيه حقيقتها و لوازمها لا بد من ذلك: مثل من يرى الحق في النوم ولا ينكر هذا وأنه لا شك الحق عينه فتتبعه لوازم تلك الصورة وحقائقها التي تجلى فيها في النوم، ثم بعد ذلك يعبر أي يجاز عنها إلى أمر آخر يقتضي التنزيه عقلا.
فإن كان الذي يعبرها ذا كشف و إيمان ، فلا يجوز عنها إلى تنزيه فقط، بل يعطيها حقها في التنزيه و مما ظهرت فيه.
فالله على التحقيق عبارة لمن فهم الإشارة.
وروح هذه الحكمة و فصها أن الأمر ينقسم إلى مؤثر و مؤثر فيه وهما عبارتان: فالمؤثر بكل وجه وعلى كل حال وفي كل حضرة و هو الله.
والمؤثر فيه بكل وجه و على كل حال و في كل حضرة هو العالم فإذا ورد.
فألحق كل شيء بأصله الذي يناسبه ، فإن الوارد أبدا لا بد أن يكون فرعا عن أصل كما كانت المحبة الإلهية عن النوافل من العبد .
فهذا أثر بين مؤثر و مؤثر فيه: و كما كان الحق سمع العبد وبصره و قواه عن هذه المحبة. فهذا أثر مقرر لا يقدر على إنكاره لثبوته شرعا إن كنت مؤمنا.
وأما العقل السليم، فهو إما صاحب تجل إلهي في مجلى طبيعي فيعرف ما قلناه، وإما مؤمن مسلم يؤمن به كما ورد في الصحيح.
ولا بد من سلطان الوهم أن يحكم على العاقل الباحث فيما جاء به الحق في هذه الصورة لأنه مؤمن بها.
وأما غير المؤمن فيحكم على الوهم بالوهم فيتخيل بنظره الفكري أنه قد أحال على الله ما أعطاه ذلك التجلي في الرؤيا، و الوهم في ذلك لا يفارقه من حيث لا يشعر لغفلته عن نفسه ، ومن ذلك قوله تعالى «ادعوني أستجب لكم».
قال تعالى «و إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان» إذ لا يكون مجيبا إلا إذا كان من يدعوه، وإن كان عين الداعي عين المجيب.
فلا خلاف في اختلاف الصور، فهما صورتان بلا شك.
وتلك الصور كلها كالأعضاء لزيد: فمعلوم أن زيدا حقيقة واحدة شخصية، وأن يده ليست صورة رجله و لا رأسه ولا عينه ولا حاجبه.
فهو الكثير الواحد: الكثير بالصور ، الواحد بالعين.
وكالإنسان: واحد بالعين بلا شك. ولا نشك أن عمرا ما هو زيد ولا خالد ولا جعفر، وأن أشخاص هذه العين الواحدة لا تتناهى وجودا.
فهو و إن كان واحدا بالعين، فهو كثير بالصور والأشخاص .
وقد علمت قطعا إن كنت مؤمنا أن الحق عينه يتجلى يوم القيامة في صورة فيعرف، ثم يتحول في صورة فينكر، ثم يتحول عنها في صورة فيعرف، وهو المتجلي ليس غيره في كل صورة.
ومعلوم أن هذه الصورة ما هي تلك الصورة الأخرى: فكأن العين الواحدة قامت مقام المرآة، فإذا نظر الناظر فيها إلى صورة معتقده في الله عرفه فأقر به.
وإذا اتفق أن يرى فيها معتقد غيره أنكره، كما يرى في المرآة صورته وصورة غيره.
فالمرآة عين واحدة والصور كثيرة في عين الرائي، وليس في المرآة صورة منها جملة واحدة، مع كون المرآة لها أثر في الصور بوجه وما لها أثر بوجه: فالأثر الذي لها كونها ترد الصورة متغيرة الشكل من الصغر والكبر والطول والعرض، فلها أثر في المقادير، وذلك راجع إليها.
وإنما كانت هذه التغيرات منها لاختلاف مقادير المرائي: فانظر في المثال مرآة واحدة من هذه المرايا، لا تنظر الجماعة، وهو نظرك من حيث كونه ذاتا: فهو غني عن العالمين، ومن حيث الأسماء الإلهية فذلك الوقت يكون كالمرايا: فأي اسم إلهي نظرت فيه نفسك أو من نظر، فإنما يظهر في الناظر حقيقة ذلك الاسم: فهكذا هو الأمر إن فهمت .
فلا تجزع ولا تخف فإن الله يحب الشجاعة ولو على قتل حية، وليست الحية سوى نفسك.
والحية حية لنفسها بالصورة والحقيقة.
والشيء لا يقتل عن نفسه. و إن أفسدت الصورة في الحس فإن الحد يضبطها و الخيال لا يزيلها. و إذا كان الأمر على هذا فهذا هو الأمان على الذوات و العزة و المنعة، فإنك لا تقدر على فساد الحدود.
وأي عزة أعظم من هذه العزة؟ فتتخيل بالوهم أنك قتلت، وبالعقل و الوهم لم تزل الصورة موجودة في الحد .
والدليل على ذلك «و ما رميت إذ رميت ولكن الله رمى» : والعين ما أدركت إلا الصورة المحمدية التي ثبت لها الرمي في الحس، وهي التي نفى الله الرمي عنها أولا ثم أثبته لها وسطا، ثم عاد بالاستدراك أن الله هو الرامي في صورة محمدية.
ولا بد من الإيمان بهذا. فانظر إلى هذا المؤثر حتى أنزل الحق في صورة محمدية.
وأخبر الحق نفسه عباده بذلك، فما قال أحد منا عنه ذلك بل هو قال عن نفسه.
وخبره صدق والإيمان به واجب، سواء أدركت علم ما قال أو لم تدركه: فإما عالم و إما مسلم مؤمن .
ومما يدلك على ضعف النظر العقلي من حيث فكره، كون العقل يحكم على العلة أنها لا تكون معلولة لمن هي علة له : هذا حكم العقل لا خفاء به، وما في علم التجلي إلا هذا، وهو أن العلة تكون معلولة لمن هي علة له.
والذي حكم به العقل صحيح مع التحرير في النظر، وغايته في ذلك أن يقول إذا رأى الأمر على خلاف ما أعطاه الدليل النظري، إن العين بعد ثبت أنها واحدة في هذا الكثير، فمن حيث هي علة في صورة من هذه الصور لمعلول ما، فلا تكون معلولة لمعلولها، في حال كونها علة، بل ينتقل الحكم بانتقالها في الصور، فتكون معلولة لمعلولها، فيصير معلولها علة لها .
هذا غايته إذا كان قد رأى الأمر على ما هو عليه، و لم يقف مع نظره الفكرى.
وإذا كان الأمر في العلية بهذه المثابة، فما ظنك باتساع النظر العقلي في غير هذا المضيق؟
فلا أعقل من الرسل صلوات الله عليهم وقد جاءوا بما جاءوا به في الخبر عن الجناب الإلهي، فأثبتوا ما أثبته العقل وزادوا ما لا يستقل العقل بإدراكه، وما يحيله العقل رأسا ويقر به في التجلي.
فإذا خلا بعد التجلي بنفسه حار فيما رآه: فإن كان عبد رب رد العقل إليه، و إن كان عبد نظر رد الحق إلى حكمه .
وهذا لا يكون إلا ما دام في هذه النشأة الدنيوية محجوبا عن نشأته الأخروية في الدنيا.
فإن العارفين يظهرون هنا كأنهم في الصورة الدنيا لما يجري عليهم من أحكامها، والله تعالى قد حولهم في بواطنهم في النشأة الأخروية، لا بد من ذلك.
فهم بالصورة مجهولون إلا لمن كشف الله عن بصيرته فأدرك.
فما من عارف بالله من حيث التجلي الإلهي إلا و هو على النشأة الآخرة: قد حشر في دنياه و نشر في قبره ، فهو يرى ما لا ترون، ويشهد ما لا تشهدون، عناية من الله ببعض عباده في ذلك.
فمن أراد العثور على هذه الحكمة الإلياسية الإدريسية الذي أنشأه الله نشأتين، فكان نبيا قبل نوح ثم رفع و نزل رسولا بعد ذلك، فجمع الله له بين المنزلتين فلينزل عن حكم عقله إلى شهوته، و يكون حيوانا مطلقا حتى يكشف ما تكشفه كل دابة ما عدا الثقلين، فحينئذ يعلم أنه قد تحقق بحيوانيته.
وعلامته علامتان الواحدة هذا الكشف، فيرى من يعذب في قبره و من ينعم، ويرى الميت حيا والصامت متكلما والقاعد ماشيا.
والعلامة الثانية الخرس بحيث إنه لو أراد أن ينطق بما رآه لم يقدر فحينئذ يتحقق بحيوانيته.
وكان لنا تلميذ قد حصل له هذا الكشف غير أنه لم يحفظ عليه الخرس فلم يتحقق بحيوانيته.
ولما أقامني الله في هذا المقام تحققت بحيوانيتي تحققا كليا، فكنت أرى وأريد النطق
بما أشاهده فلا أستطيع، فكنت لا أفرق بيني و بين الخرس الذين لا يتكلمون.
فإذا تحقق بما ذكرناه انتقل إلى أن يكون عقلا مجردا في غير مادة طبيعية، فيشهد أمورا هي أصول لما يظهر في صور الطبيعة فيعلم من أين ظهر هذا الحكم في صور الطبيعة علما ذوقيا.
فإن كوشف على أن الطبيعة عين نفس الرحمن فقد أوتي خيرا كثيرا، وإن اقتصر معه على ما ذكرناه فهذا القدر يكفيه من المعرفة الحاكمة على عقله: فيلحق بالعارفين و يعرف عند ذلك ذوقا «فلم تقتلوهم و لكن الله قتلهم»: و ما قتلهم إلا الحديد و الضارب، و الذي خلف هذه الصور.
فبالمجموع وقع القتل و الرمي، فيشاهد الأمور بأصولها و صورها، فيكون تاما. فإن شهد النفس كان مع التمام كاملا: فلا يرى إلا الله عين ما يرى.
فيرى الرائي عين المرئي . و هذا القدر كاف، و الله الموفق الهادي.
قلت : الشيخ رضي الله عنه وصف حال الوهم في الإنسان وأنه سلطان عظیم لقبوله التنزيه والتشبيه وما جمعهما إلا عارف .
وأما العقل فهو بشطر المعرفة أنسب، لأنه يقتضي التنزيه دون التشبيه .
وأما الحس فلا يقتضي إلا التشبيه والجامع هو الوهم أو المحقق. وما ذكره بعد ظاهر.
.
....

7E6OCT4du08

  السابق

المحتويات

التالي  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب فصوص الحكم وشروحاته

مطالعة هذه الشروحات والتعليقات على كتاب الفصوص


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!