موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

شرح التلمساني
على فصوص الحكم

تأليف: الشيخ عفيف الدين سليمان التلمساني

فص حكمة غيبية في كلمة أيوبية

  السابق

المحتويات

التالي  

فص حكمة غيبية في كلمة أيوبية


19 - فص حكمة غيبية في كلمة أيوبية .كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر شرح الشيخ عفيف الدين سليمان التلمساني

شرح الشيخ عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
اعلم أن سر الحياة سرى في الماء فهو أصل العناصر والأركان، ولذلك جعل الله «من الماء كل شيء حي»: وما ثم شيء إلا وهو حي، فإنه ما من شيء إلا وهو يسبح بحمد الله ولكن لا نفقة تسبيحه إلا بكشف إلهي.

ولا يسبح إلا حي. فكل شيء حي. فكل شيء الماء أصله.
ألا ترى العرش كيف كان على الماء لأنه منه تكون فطفا عليه فهو يحفظه من تحته، كما أن الإنسان خلقه الله عبدا فتكبر على ربه وعلا عليه، فهو سبحانه مع هذا يحفظه من تحته بالنظر إلى علو هذا العبد الجاهل بنفسه، وهو قوله عليه السلام «لو دليتم بحبل لهبط على الله».
فأشار إلى نسبة التحت إليه كما أن نسبة الفوق إليه في قوله «يخافون ربهم من فوقهم»، «وهو القاهر فوق عباده». فله الفوق والتحت.
ولهذا ما ظهرت الجهات الست إلا بالإنسان، وهو على صورة الرحمن.
ولا مطعم إلا الله، وقد قال في حق طائفة «ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل»، ثم نكر وعم فقال «وما أنزل إليهم من ربهم»، فدخل في قوله «وما أنزل إليهم من ربهم» كل حكم منزل على لسان رسول أو ملهم، «لأكلوا من فوقهم» وهو المطعم من الفوقية التي نسبت إليه، «ومن تحت أرجلهم»، وهو المطعم من التحتية التي نسبها إلى نفسه على لسان رسوله المترجم عنه صلى الله عليه وسلم.
ولو لم يكن العرش على الماء ما انحفظ وجوده، فإنه بالحياة ينحفظ وجود الحي.
ألا ترى الحي إذا مات الموت العرفي تنحل أجزاء نظامه وتنعدم قواه عن ذلك النظم الخاص؟
قال تعالى لأيوب «اركض برجلك هذا مغتسل»، يعني ماء، «بارد» لما كان عليه من إفراط حرارة الألم، فسكنه الله ببرد الماء.
ولهذا كان الطب النقص من الزائد والزيادة في الناقص.
والمقصود طلب الاعتدال، ولا سبيل إليه إلا أنه يقاربه.
وإنما قلنا ولا سبيل إليه- أعني الاعتدال- من أجل أن الحقائق والشهود تعطي التكوين مع الأنفاس على الدوام، ولا يكون التكوين إلا عن ميل في الطبيعة يسمى انحرافا أو تعفينا وفي حق الحق إرادة وهي ميل إلى المراد الخاص دون غيره.
والاعتدال يؤذن بالسواء في الجميع، وهذا ليس بواقع، فلهذا منعنا من حكم الاعتدال.
وقد ورد في العلم الإلهي النبوي اتصاف الحق بالرضا والغضب، وبالصفات.
والرضا مزيل للغضب، والغضب مزيل للرضا عن المرضي عنه والاعتدال أن يتساوى الرضا والغضب، فما غضب الغاضب على من غضب عليه وهو عنه راض.
فقد اتصف بأحد الحكمين في حقه وهو ميل.
وما رضي الراضي عمن رضي عنه وهو غاضب عليه، فقد اتصف بأحد الحكمين في حقه وهو ميل.
وإنما قلنا هذا من أجل من يرى أن أهل النار لا يزال غضب الله عليهم دائما أبدا في زعمه .
فما لهم حكم الرضا من الله، فصح المقصود.
فإن كان كما قلنا مآل أهل النار إلى إزالة الآلام وإن سكنوا النار، فذلك رضا:
فزال الغضب لزوال الآلام إذا عين الألم عين الغضب إن فهمت.
فمن غضب فقد تأذى، فلا يسعى في انتقام المغضوب عليه بإيلامه إلا ليجد الغاضب الراحة بذلك، فينتقل الألم الذي كان عنده إلى المغضوب عليه.
والحق إذا أفردته عن العالم يتعالى علوا كبيرا عن هذه الصفة على هذا الحد.
وإذا كان الحق هوية العالم، فما ظهرت الأحكام كلها إلا منه وفيه، وهو قوله «وإليه يرجع الأمر كله» حقيقة وكشفا «فاعبده و توكل عليه» حجابا وسترا .
فليس في الإمكان أبدع من هذا العالم لأنه على صورة الرحمن، أوجده الله أي ظهر وجوده تعالى بظهور العالم كما ظهر الإنسان بوجود الصورة الطبيعية.
فنحن صورته الظاهرة، وهويته روح هذه الصورة المدبرة لها.
فما كان التدبير إلا فيه كما لم يكن إلا منه.
فـ هو «الأول» بالمعنى «والآخر» بالصورة وهو «الظاهر» بتغير الأحكام والأحوال، «والباطن» بالتدبير، «وهو بكل شيء عليم» فهو على كل شيء شهيد، ليعلم عن شهود لا عن فكر.
فكذلك علم الأذواق لا عن فكر وهو العلم الصحيح وما عداه فحدس وتخمين ليس بعلم أصلا.
ثم كان لأيوب عليه السلام ذلك الماء شرابا لإزالة ألم العطش الذي هو من النصب والعذاب الذي مسه به الشيطان، أي البعد عن الحقائق أن يدركها على ما هي عليه فيكون بإدراكها في محل القرب.
فكل مشهود قريب من العين ولو كان بعيدا بالمسافة.
فإن البصر يتصل به من حيث شهوده ولولا ذلك لم يشهده، أو يتصل المشهود بالبصر كيف كان. فهو قرب بين البصر والمبصر.
ولهذا كنى أيوب في المس، فأضافه إلى الشيطان مع قرب المس فقال البعيد مني قريب لحكمه في.
وقد علمت أن البعد والقرب أمران إضافيان، فهما نسبتان لا وجود لهما في العين مع ثبوت أحكامها في البعيد والقريب.
واعلم أن سر الله في أيوب الذي جعله عبرة لنا وكتابا مسطورا حاليا تقرؤه هذه الأمة المحمدية لتعلم ما فيه فتلحق بصاحبه تشريفا لها.
فأثنى الله عليه- أعني على أيوب- بالصبر مع دعائه في رفع الضر عنه.
فعلمنا أن العبد إذا دعا الله في كشف الضر عنه لا يقدح في صبره وأنه صابر وأنه نعم العبد كما قال تعالى «إنه أواب» أي رجاع إلى الله لا إلى الأسباب، والحق يفعل عند ذلك بالسبب لأن العبد يستند إليه، إذ الأسباب المزيلة لأمر ما كثيرة والمسبب واحد العين.
فرجوع العبد إلى الواحد العين المزيل بالسبب ذلك الألم أولى من الرجوع إلى سبب خاص ربما لا يوافق علم الله فيه، فيقول إن الله لم.
فعمل أيوب بحكمة الله إذ كان نبيا، لما علم أن الصبر الذي هو حبس النفس عن الشكوى عند الطائفة، وليس ذلك بحد للصبر عندنا.
وإنما حده حبس النفس عن الشكوى لغير الله لا إلى الله.
فحجب الطائفة نظرهم في أن الشاكي يقدح بالشكوى في الرضا بالقضاء، وليس كذلك، فإن الرضا بالقضاء لا تقدح فيه الشكوى إلى الله ولا إلى غيره، وإنما تقدح في الرضا بالمقضي.
ونحن ما خوطبنا بالرضا بالمقضي.
والضر هو المقضي ما هو عين القضاء.
وعلم أيوب أن في حبس النفس عن الشكوى إلى الله في رفع الضر مقاومة القهر الإلهي، وهو جهل بالشخص إذ ابتلاه الله بما تتألم منه نفسه، فلا يدعو الله في إزالة ذلك الأمر المؤلم، بل ينبغي له عند المحقق أن يتضرع ويسأل الله في إزالة ذلك عنه، فإن ذلك إزالة عن جناب الله عند العارف صاحب الكشف: فإن الله قد وصف نفسه بأنه يؤذي فقال «إن الذين يؤذون الله ورسوله».
وأي أذى أعظم من أن يبتليك ببلاء عند غفلتك عنه أو عن مقام إلهي لا تعلمه لترجع إليه بالشكوى فيرفعه عنك، فيصح الافتقار الذي هو حقيقتك، فيرتفع عن الحق الأذى بسؤالك إياه في رفعه عنك، إذ أنت صورته الظاهرة.
كما جاع بعض العارفين فبكى فقال له في ذلك من لا ذوق له في هذا الفن معاتبا له، فقال العارف «إنما جوعني لأبكي».
يقول إنما ابتلاني بالضر لأسأله في رفعه عني، وذلك لا يقدح في كوني صابرا.
فعلمنا أن الصبر إنما هو حبس النفس عن الشكوى لغير الله، وأعني بالغير وجها خاصا من وجوه الله.
وقد عين الله الحق وجها خاصا من وجوه الله وهو المسمى وجه الهوية فتدعوه من ذلك الوجه في رفع الضر لا من الوجوه الأخر المسماة أسبابا، وليست إلا هو من حيث تفصيل الأمر في نفسه.
فالعارف لا يحجبه سؤاله هوية الحق في رفع الضر عنه عن أن تكون جميع الأسباب عينه من حيثية خاصة.
وهذا لا يلزم طريقته إلا الأدباء من عباد الله الأمناء على أسرار الله، فإن لله أمناء لا يعرفهم إلا الله ويعرف بعضهم بعضا.
وقد نصحناك فاعمل وإياه سبحانه فاسأل.
قلت : الشيخ، رضي الله عنه، عظم قدر الماء على بقية العناصر حيث جعله أصلها ولا شك أن الماء هو عالم الإرادة، والأشياء المرادة كلها أصلها من الماء، فهذه الحقيقة فيما تخص الأشياء المرادة، وإلا فالعلم ما هو من الإرادة بل هو أصل الإرادة والحياة ما هي من العلم ولا من الإرادة بل أصل العلم هو الحياة، لأن بها يكون الحس وبالحس يكون الإدراك.
قال: وكل شيء حي ومسبح بحمد الله ولا يفقه تسبيحه إلا أهل معرفة لغة الله، عز وجل، وأما كون العرش على الماء، فلكون العرش مرادا لأنه جسم.
قال: الحق تعالی تحت كل تحت بدليل قوله: «لو دليتم بحبل لسقط أو لهبط على الله»
قال: وهو فوق الفوق بدليل قوله تعالى : يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (النحل: 50)، وهو القاهر فوق عباده (الأنعام: 18) فله الفوق والتحت.
ثم بعد قليل ذكر أن الطب طلب الاعتدال قال وهو غير واقع ونحن نقول: إن الأطباء قالوا: إنه غير واقع ولسنا نقول ذلك بل ما يكون موجود واحد إلا باعتدلال ما يخص ذلك الموجود.
فإن قلت: المراد هو الاعتدال المطلق. قلنا: ما لنا شيء مطلق إلا ما فاق الاعتدالات كلها ولا كل لها، إذ ليست متناهية وغير المتناهي ما له كل، فالذي يقتضيه الشهود أنه لا يقع في الوجود إلا الاعتدال لأن كل انحراف فهو اعتدال فإن الانحراف الذي يقتضي فساد صورة هو اعتداله يقتضي كون صورة أخرى ولا يلزم أن تكون الصورة المعدومة أنقص من الصورة المتجددة بانعدامها.
ثم إنا ما فسرنا الاعتدال بأنه السواء في الجميع، فإن السواء في الجميع يكون فيما له أجزاء متساوية والتساوي نسبي فقد يكون الربع مساويا للثلثين في تکوین موجود ما بحيث لو وضع من الثلثين أكثر أو أقل من الربع لما حصل تكوين ذلك الوجود الخاص.
وأما حكم الرضا والغضب في حق الله تعالى، فهما اعتباران في زمانين أو في زمان واحد باعتبارین أو باعتبارات.
ثم أشار أن الحق تعالى هو هوية العالم، قال: وإليه يرجع الأمر كله کشفا فاعبده وتوكل عليه سترا وهذا هو معنى قول صاحب المواقف عنه تعالى أنه قال رؤيتي لا تأمر ولا تنهى وغيبتي تأمر وتنهي.
ثم قال كما قال الغزالي:(ليس في الإمكان أبدع من هذا العالم)، فإن أراد بقوله هذا العالم العرش والكرسي والأفلاك التسعة إلى نقطة مركز الأرض،
فقوله: ليس في الإمكان أبدع من هذا العالم، هو قول موقوف في ذوقي .
أما إن قال : ليس في الإمكان أبدع من العالم فيصدق، لأن العالم أكره "كثرة" غير متناهية وعوالمه غير متناهية وأنواع جزئياته غير متناهية فضلا عن جزئياته ،
وهذا الفتح ما رأيت شيخنا، رضي الله عنه، ألم بذكره ولا يمكن سواه ولا حق ينافيه والباطل هو كل شيء نافاه والحق يقول الحق.
وأما أن السؤال من الله تعالى أن يرفع الضر فمشروع في الحجاب ولا يقدح السؤال في حقيقة وجود الصبره وأما في عالم الكشف فيمتنع السؤال.
فقد ورد في المناجاة: " یا عبد طلبك مني وأنت لا تراني عبادة وطلبك مني وأنت تراني استهزاء. "
"" أضاف الجامع : ورد في المواقف والمخاطبات لعبد الجبار النفرى : "
يا عبد إن لم تؤثرني على كل مجهول ومعلوم فكيف تنتسب إلى عبوديتي.
يا عبد كيف تقول حسبي الله وأنت تطمأن بالجهل على المجهول كما تطمأن على العلم بالمعلوم.
يا عبد طلبك مني أن أعلمك ما جهلت كطلبك أن أجهلك ما علمت فلا تطلب مني أكفك البتة".أه ""
.

zSlDyuoR4HI

  السابق

المحتويات

التالي  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب فصوص الحكم وشروحاته

مطالعة هذه الشروحات والتعليقات على كتاب الفصوص


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!