موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

شرح التلمساني
على فصوص الحكم

تأليف: الشيخ عفيف الدين سليمان التلمساني

مقدمة مع قراءة خطبة الكتاب

  السابق

المحتويات

التالي  

مقدمة مع قراءة خطبة الكتاب


01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية .كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر شرح الشيخ عفيف الدين سليمان التلمساني

شرح الشيخ عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

قلت: يعني أن العالم الكبير كالخاتم وآدم بمنزلة الفص منه و نقش الخاتم بمنزلة ما أودع آدم، عليه السلام، من علم الأسماء كلها قال تعالى: "علم آدم الأسماء كلها" (البقرة: 31).
قوله: لما شاء الله من حيث أسماؤه الحسنى التي لا يبلغها الإحصاء أن يرى أعيانها.
وإن شئت قلت: أن يرى عينه، في كون جامع يحصر الأمر، لكونه متصفا بالوجود.
قلت: استعمل لفظ «لما» مجازا، لأن مشية الله تعالی لیست زمانية.
وقوله: من حيث أسماؤه الحسنى إشارة إلى ما أودع آدم، عليه السلام، من الأسماء الحسنى التي اقتضت حقائقها أن تظهر في كون جامع، والمراد بالكون الجامع ههنا هو آدم، عليه السلام.
ومعنى قوله: أن يرى أعيانها، أي يرى كونا من الأكوان محسوسا في الوجود العینی، پری الاسم الحی حقیقته فيه مثلا، فكان ذلك الكون هو آدم، عليه السلام، حيث اتصف بالحياة، فسمي الحي.
فقد رأى الاسم الحي عينه محسوسة من حيث هي في محسوس ولولاه أو أمثاله كان الاسم الحي معقولا فقط، بل لا يكون معقولا بل معلوما الله تعالی فقط، وكان الاسم الحي طلب الظهور في حضرة المحسوس وهو آدم وبنوه مضافا إلى ظهوره في حضرة العلم الإلهي وكذلك القول في كل اسم من الأسماء الحسنی.
قال: وإن شئت قلت أن يرى عينه يعني الحق تعالی وذلك لأن آدم، عليه السلام، مجموع أسمائه تعالى في وجود، هو في الحقيقة من عين وجوده تعالی فإذا نظر الحق تعالى إلى آدم، عليه السلام، رأى نفسه وهذا أمر سوف يذكره، رضي الله عنه، فيما يأتي في هذا الفص من هذه الحكمة التي نحن في شرحها.
فإن قلت: إنك قدمته أن أسمائه تعالى لا يبلغها الاحصاء أي أنها لا تتناهي وقد علمت أن ما لا يتناهى لا يقول له مجموع.
فالجواب: أنها تتجمع في الكليات فيدرك الكلي ويدرك أن مفرداته هي غير متناهية فقد أدركنا ما لا يتناهى من كليات هي مفردة وسيأتي بيان أن الحقيقة الإنسانية أيضا لا تتناهي فيدرك من ظهرت به من تلك الحقيقة من آدم أو من بنيه بها ما لا يتناهى.
ومعنى قوله: يحصر الأمر كله، لكونه متصفا بالوجود.
قلت: يعني أن حقيقة آدم بمنزلة المركز والأسماء الإلهية والكونية ومعاني الكليات أيضا بمنزلة النقط في محيط الدائرة ولا شك أن المركز يواجه كل نقطة في المحيط بمواجهة غير مواجهة النقطة الأخرى والمركز في نفسه لا ينقسم ولا يتجزأ ولا يقدح تعدد النقاط ومواجهاتها في وحدانيته.
قوله: (ويظهر به سره إليه فإن رؤية الشيء نفسه بنفسه ما هي مثل رؤيته نفسه في أمر آخر يكون له كالمرآة، فإنه يظهر له في نفسه في صورة يعطيها المحل المنظور فيه مما لم يكن يظهر له من غير وجود هذا المحل ولا تجليه له.)
قلت: يعني يظهر ما كان سرا في قوة قدرته تعالى التي تظهر أحكامها بظهور المقدورات ولا شك أن ظهور ما بالقوة إلى الفعل أكمل من بقائه في القوة وكمال الجناب المقدس في قوته ما لا يتناهى من الأكملیات فيقتضي الحال ظهورها فهي تظهر في الأعيان فيراها تعالى رؤية منزهة لكن من حضرة الحسیات وقد أودع تعالى جميع معاني الأسماء الكونية في آدم مرتبطة بالأسماء الإلهية وكلا الأمرين كان سانحا له في سر علمه الأقدس فأظهره في مرآة آدم، عليه السلام، وتجلي لتلك المرآة فأبدي فيها معاني المتجلي عليها، جل جلاله فقد ظهر سره إليه، وباقي الكلام ظاهر.
قوله: (وقد كان الحق أوجد العالم كله وجود شبح مسوي لا روح فيه، فكان كمرآة غير مجلوة ومن شأن الحكم الإلهي أنه ما سوی محلا إلا ولا بد أن يقبل روحا إلهيا عبر عنه بالنفخ فيه، وما هو إلا حصول الاستعداد من تلك الصورة المسواة لقبول الفيض التجلي الدائم الذي لم يزل ولا يزال.)
قلت: معناه أن الحق تعالی اقتطع قطعة من نوره بسيطة لاصورة فيها وسماها القلم الأعلى وهي، والله أعلم، التي تسميها الحكماء «العقل الأول» الذي زعموا أنه أول صادر عنه تعالی وسماه شبحا للعالم لأنه مبدأ العالم.
ومعنى لا روح فيه، أنه تعين أول ومن شأن القدرة الإلهية أن كل ما استعد لشيء تعلق به من الصور، ما هو روح له بحسب استعداده.
فإن ذلك الشبح المشار إليه هو القلم الأعلى وأنه استعد أن يظهر فيه روح تخصه، وتلك الروح هنا هي اللوح المحفوظ والحكم الذي يتعين في القابل نفس حصوله في تلك الحالة هو بمدد إلهي هو المسمى بالنفخ.
وقوله: ما هو إلا حصول الاستعداد معناه ما الشأن والقصة إلا حصول الاستعداد لقبول التجلي المسمى نفخا وذلك هو تجل دائم لم يزل ولا يزال والضمير الذي في قوله: ما هو إلا، يرجع إلى النفخ.
قوله: وما بقى إلا قابل والقابل لا يكون إلا من فيضه الأقدس والأمر كله منه، ابتداؤه وانتهاؤه "وإليه يرجع الأمر كله" (هود: 123) كما ابتدأ منه.
قلت: هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: هذا الاستعداد المشار إليه من أين هو؟
فأجاب لسان الحال: أنه من الفيض الإلهي الأقدس فإذا القابل والمقبول والقبول الجميع منه تعالى رحمة إيجادية.
وأقول في بسط حال هذا الشبح المسوي: إن الحق تعالى من الحضرة الذاتية المقدسة قال بلسان حال ذاتي لنور من أنوار قدسه، و أنوار قدسه نور واحد بسيط لا يوصف بالنهاية فقال له: «کن» أولا لآخر، فحصل له من قوله «کن» تعين فقط لا أكثر من ذلك فيتحقق فيه الأولية.
ولو كان فيه أكثر من حقيقة ذلك التعين لكانت الأولية لأحدهما دون الآخر.
أو يكون كل واحد منهما أولا فيكون القول منه تعالی برز لاثنين لا لواحد، فإذن ما حصل لذلك النور إلا تعينه فقط لكن حقيقته الأولية تستدعي آخرا وإلا لم يتحقق الأولية ولا بد منها ليظهر حكم «کن» فحصل لذلك النور بالتعين المذكور أن يتميز عن بقية الأنوار.
وأن يكون فيه قابلية للظهور بصورة ثاني يكون لأوليته ذلك الثاني آخرا كما قلنا، فتعين ذلك النور تعينا آخر فكان كون آخر غيره فسمي النور في مرتبة التعين الأول قلما أعلى .
وسمي هو بعينه في مرتبة التعين الثاني لوحا محفوظ.
لكن التعين الأول الذي هو القلم الأعلى شهد في قول الحق تعالی له: «کن» أولا لآخر، يعني تهيئة لظهور اللوح المحفوظ منك.
فقالت ذاته بلسان الحال: سمعا وطاعة.
فإن القول في تلك المراتب ليس إلا بلسان الحال فقول الحق تعالی له: تهيئا هو المعنى الذي عبر عنه.
بأنه قال له: أقبل فأقبل وأدبر فأدبر.
فقال له تعالى: "وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا هو أكرم علي منك، فبك آخذ وبك أعطي".
هكذا نقل الناقلون، فذلك التهيؤ منه هو قبول صور العالم وسري معنى ذلك التهيؤ المذكور في اللوح المحفوظ، فكان تھیوه تسوية أخرى، فقبل اللوح بهذه التسوية المختصة به روحا هي مادة الجسم قبل ظهور صورته، فسميت كتابة معنوية من ذلك القلم الأعلى في اللوح المحفوظ ثم ظهرت حروف تلك الكتاب جسمان فكانت هي الكرات وهي أكوان حصلت كلها من معنوية قوله: "کن" وبمعنوية "كن" حصل المدد من القلم الأعلى فيضا مستمرا، كان اللوح المحفوظ يقبله في ذاته، ثم يسترسل من ذاته في ذات المادة المذكورة.
فلما حصل لتلك المادة الجمود الذي به صارت أجراما جسمية اقتضى اليبوسة الحاصله لها من جهة الحقيقة الجسمية أن لا تقبل ذلك المدد في ذواتها كله بل مقدار ما يدوم لها وجودها به فقط.
فبقي باقي المدد يطلب النفوذ في حقيقة الجسم، فمنعه الجسم ذلك لجموده فقهره المدد بقوته فأدار الأفلاك ومخضها مخضا، فاندفع منها كل جزء إلى مشابهة فأخذت كل كرة ما ناسبها وبقي الثقل السخيف.
فاندفع إلى الوسط لما استدارت عليه الأفلاك، فکانت منه الأرض لكن الأرض لما اندفعت إلى حقيقة الوسط استصحب بعض اللطائف وهي كثيفة فاقتضى الحال أن ينفصل منها ما لا يلائمها.
فأول ما انفصل منها ما هو أقرب إلى شبهها في الكثافة وكانت البحار فتميزت البحار عنها، إلا أن الماء وجد في ذاته ما هو ألطف منه، فلم يمكن أن يبقى معه فتصعد بخارا وهو الهواء، إلا أنه فيه بعد بعض كثافة الماء، فتميز ذلك البخار فما كان كثيفا يشبه الماء، دفعته الرياح التي هي في الحقيقة هواء، إلا أنها متدافعة فجمعت ذلك الكثيف الذي يشبه الماء، فانضم بعضه إلى بعض، فازداد كثافة ألحقته بالماء في الكثافة.
فنزل أمطارا فالتحق بكرة الماء، وكان قد انكشف من الأرض بعضها، فأصاب ذلك البعض من الأمطار ما رأيتهم واستمر الحال، فكل ما كثف من الهواء بواسطة ما يصعد إليه انعكس أمطارا.
ثم إن ذلك الهواء رقي منه لطيفه إلى سطح المقعر من باطن السماء الدنياء، واحتد لسخافته ورقته وقرب حركة فلك القمر منه، فسمى نارا لذلك الاحتداد الذي حصل له، فحصل في باطن سماء الدنياء أربعة أفلاك سماها الحكماء: نارا وهواء وماء وترابا.
هذا ومدد القلم الأعلى متصل وكلما اتصل، اتصل دوران الأفلاك وكانت في الأفلاك أجرام هي أصفى جوهرا في الجسمية من بقية الأجسام الفلكية، فكانت هي الكواكب، و لصفاء جوهرها صارت لها أشعة فوقعت الأشعة على سطح الأرض وسطح الماء.
فأثرت في الماء فصعد البخار من البحار وأثرت في التراب تسخينه فقط، فسرت حرارة ذلك التسخين في باطن الأرض، فوجدت باطنها قابلا للتكوين المودع في ذلك المدد مما أودعه الله في القلم الأعلى فتكون في باطن الأرض أكوان أربعة:
"الكون الأول": أكثفه الجماد المعدني، فتحركت المعادن بالحركة الايجادية في بطن الأرض ومنعتها الكثافة أن تشق الأرض وتخرج منها إلا النادر.
والكون الثاني: النبات فإنه تكون تحت الأرض ولم يكن فيه كثافة المعدن ولا بلغ من اللطافة ما يفصله عن الأرض، فشق الأرض وخرج إلى الهواء، ولكن بقي رأسه في الأرض، فاغتذي برأسه منها وجسمه كله في الهواء.
والكون الثالث: هو الحيوان فإنه تكون في بطن الأرض وتحرك فيه كما تحرك المعدن والنبات بالحركة الإيجادية وزاد على النبات بأنه شق الأرض كما شقها النبات وخرج منها كما خرج النبات، وحصلت له زيادة وهي الانتقال من مكان إلى مكان فوق سطح الأرض، وتخلص رأسه من الأرض لكن ما بعد رأسه عنها، بل بقي مكبوبا منحنيا، فاغتذي من وجه الأرض وشرب من الماء كما شرب النبات.
والكون الرابع: هو آدم، عليه السلام، فإنه تكون أيضا تحت الأرض وتحرك كما تحركت الأكوان الثلاثة، وزاد عليها أنه تخلص رأسه تخلصا كاملا فانتصب وانتهى إليه الإيجاد.
فأعطاه القلم الأعلى معناه وهو العقل، وحقيقة اللوح المحفوظ وهو النفس، لأنها هي التي تقبل الكتابة وهي العلوم، وحقيقة المادة وصورتها الجسمية وهو جسم آدم، عليه السلام، وحقيقة الأركان الأربعة وهي النار والهواء والماء والتراب.
وذلك هو الصفراء التي في جسمه المشابهة للنار في الحرارة واليبوسة، والدم الذي هو مشابه للهواء في حرارته ورطوبته، والبلغم الذي هو مشابه للماء في برودته ورطوبته، والسوداء التي هي مشابهة للتراب في برودته ويبوسته.
وفيه أيضا ما يشابه المولدات منها وهي الثلاثة:
ففيه العظام كالمعادن.
والنبات كالشعر.
والحيوان كجسمه المحس.
ففيه صور العالم الكبير مجملة وأما ما فيه من المعاني والأسماء فسوف نذكره إن شاء الله تعالی.
قوله: (فاقتضى الأمر جلاء مرآة العالم، فكان آدم عين جلاء تلك المرآة.)
قلت: يعني أن آدم هو الناطق المخبر عن العالم الكبير، علوه و سفله، وكذلك بنوه أخبروا عن العقل الأول وهو القلم.
وأخبروا عن النفس الكلية وهي اللوح.
وأخبروا عن الهيولى والصورة وهي الجسم.
وأخبروا عن الأركان الأربعة والمولدات ومما في العالم من الكميات والكيفيات والإضافات والمكان والزمان والملكات والانفعالات والأفعال.
ووصفوا هيئات الأفلاك وكواكبها وحركاتها وتداخلها، وعرفوا منافعها ومضارها وخواصها وأعراضها.
وعطفوا على أجسامهم، فعلموا تشريحها وعدد عروقها وأنواع ما فيها كما فعل جالینوس وشيعته إلى غير ذلك.
وأشرف من هذا كله ما وهبه الله تعالى أولياءه من شهود حضرته القدسية وما خص به محمدا رسول الله، عليه السلام، من إحاطة الخلافة بسائر مراتب خلفاء الله تعالى مما لا ينحصر في مقال ولا يسع ذكره الأيام والليالي.
قوله: (وروح تلك الصورة).
قلت: يعني بالصورة الأفلاك من محدب التاسع إلى نقطة مركز الأرض وهو العالم الكبير وهذا العالم جسم و آدم روحه في التمثيل والتشبيه وجعله روحا مجازا.
قوله: (وكانت الملائكة من بعض قوى تلك الصورة التي هي صورة العالم المعبر عنه في اصطلاح القوم بالإنسان الكبير، فكانت الملائكة له كالقوى الروحانية والحسية التي في النشأة الإنسانية وكل قوة منها محجوبة بنفسها لا ترى أفضل من ذاتها، فإن فيها، فيما تزعم الأهلية لكل منصب عال ومنزلة رفيعة عند الله تعالى، لما عندها من الجمعية الإلهية بين ما يرجع من ذلك إلى الجناب الإلهي، وإلى جانب حقيقة الحقائق، وفي النشأة الحاملة لهذه الأوصاف إلى ما تقتضيه الطبيعة الكل التي حصرت قوابل العالم كله أعلاه وأسفله).
قلت: يعني أن قوى العالم تسمى ملائكة أيضا وهي له كالقوى التي في الإنسان الروحانية والجسمانية الحسية ، وباقي هذا الفصل ظاهر في كلام الشيخ
لا يحتاج إلى شرح.
إلا ما ذكره من حقيقة الحقائق فإن حقيقة الحقائق تحتاج إلى شرح، ونحن نذكر ذلك فيما يأتي إن شاء الله تعالی .
و قوله: (وهذا لا يعرفه عقل بطريق نظر فکری بل هذا الفن من الإدراك لا يكون إلا عن كشف إلهي منه يعرف ما أصل صور العالم القابلة لأرواحه، فسمي هذا المذكور إنسانا وخليفة، فأما إنسانيته فلعموم نشأته وحصره الحقائق كلها، وهو للحق تعالی بمنزلة إنسان العين من العين الذي يكون به النظر وهو المعبر عنه بالبصر فلهذا سمي إنسانا فإنه به نظر الحق تعالى إلى خلقه فرحمهم، فهو الإنسان الحادث الأزلي والنشاء الدائم الأبدي، والكلمة الفاصلة الجامعة، فتم العالم بوجوده، فهو من العالم کفص الخاتم من الخاتم، وهو محل النقش والعلامة التي بها يختم الملك على خزائنه وسماه خليفة لأجل هذا، لأنه الحافظ خلقه كما يحفظ الختم الخزائن. فما دام ختم الملك عليها لا يجسر أحد على فتحها إلا بإذنه فاستخلفه في حفظ العالم فلا يزال العالم محفوظا ما دام فيه هذا الإنسان الكامل.)
قلت: يريد بالنظر استعمال المقدمات والنتائج لكن يعرفه العقل من حيث ما هو قابل للتجلي الإلهي .
فإذن العقل له اعتباران:
أحدهم من جهة ما هو فاعل بالفكر ومن هذه الجهة لا يدرك هذه الأمور.
والآخر من جهة ما هو قابل وهذه هي جهة الكشف.
فالأولى طريقة الفكر وهذه الثانية طريقة الذكر.
والأولى طريقة الفلاسفة والمتكلمين
وهذه الثانية طريقة طالبي الحق تعالى من المتشرعين ..
قوله: وسمي إنسانا إلى آخر المعنى. قلت: والشيخ قد ذكر لأي شيء قد سمي إنسانا وهو التشبيه بإنسان العين.
ومعنى قوله: فهو الإنسان الحادث الأزلي قلت: أما حدوثه فهو ظاهر من تكون آدم في بطن الأرض وتكون كل واحد من بنيه في بطن أمه فحدوثه ظاهر .
وأما أزليته فيما احتواه من معاني الأسماء الإلهية وهي أزليته.
وأما أنه النشاء الدائم الأبدي فلأنه عبارة عن نفسه وهي باقية ببقاء من هي خليفة عنه.
وأما أنها الكلمة الفاصلة، أما الكلمة فلأنها صورة تمت فيها حقيقة كن، فسميت كلمة لقيامها بمضمون المعاني التي اشتملت عليها كلمة كن.
وأما أنها فاصلة فلأنها تفصل الحق عن الباطل بما فيها من العقل الذي اختص بها.
وأما أنها جامعة فلأنها جمعت حقائق الكليات في العلم وسيأتي كيفية ذلك.
قوله: (ألا تراه إذا زال وفك من خزانة الدنيا لم يبق فيها ما اختزنه الحق فيها وخرج ما كان فيها والتحق بعضه ببعض، وانتقل الأمر إلى الآخرة فكان ختما على خزانة الآخرة ختما أبديا.)
قلت: معناه إذا انقرض نسل آدم فإنما يكون بانحراف مزاج هذا العالم وذلك هو موت الإنسان الكبير وفيه جسم الإنسان الصغير فيموت بموته وذلك هو القيامة الكبرى
قوله: (فظهر جميع ما في الصورة الإلهية من الأسماء في هذه النشأة الإنسانية، فحازت رتبة الإحاطة والجمع بهذا الوجود وبه قامت الحجة الله تعالى على الملائكة. فتحفظ فقد وعظك الله بغيرك، سأنظر من أين أتى على من أتى عليه .. فإن الملائكة لم تقف مع ما تعطيه نشأة هذا الخليفة، ولا وقفت مع ما تقتضيه حضرة الحق تعالى من العبادة الذاتية، فإنه ما يعرف أحد من الحق تعالى إلا ما تعطيه ذاته.
وليس للملائكة جمعية آدم، ولا وقفت مع الأسماء الإلهية التي تخصها، وسبحت الحق بها وقدسته، وما علمت أن الله أسماء ما وصل علمها إليها، فما تغلب عليها ما ذكرناه، وحكم عليها هذا الحال فقالت من حيث النشأة: "أتجعل فيها من يفسد فيها" (البقرة: 30). وليس إلا النزاع وهو عين ما وقع منهم.
فما قالوه في حق آدم هو عين ما هم فيه مع الحق.
فلو لا أن نشأتهم تعطى ذلك ما قالوا في حق آدم ما قالوه وهم لا يشعرون. فلو عرفوا نفوسهم لعلموا، ولو علموا لعصموا.
ثم لم يقفوا مع التجريح حتى زادوا في الدعوى بما هم عليه من التسبيح والتقديس. وعند آدم من الأسماء الإلهية ما لم تكن الملائكة عليها، فما سبحت ربها بها ولا قدسته عنها تقدس آدم وتسبيحه.
فوصف الحق لنا ما جرى لنقف عنده ونتعلم الأدب مع الله تعالى فلا يدعى ما أنا محقق به و حاوى عليه بالتقييد.
فكيف أن نطلق في الدعوى فنعم بها ما ليس لی بحال ولا أنا منه على علم فنفتضح؟
"فهذا التعريف الإلهي مما أدب الحق به عباده الأدباء الأمناء الخلفاء"
قلت: يعني بالصورة الإلهية، الأسماء التي جمعت لأدم من قوله تعالى: "علم آدم الأسماء كلها" (البقرة: 31).
قوله: وبه قامت الحجة لله تعالى على الملائكة، قلت: يعني قوله تعالى: " قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم" إلى آخر الآية (البقرة: 33).
قوله: وتحفظ فقد وعظك الله تعالى بغيرك، قلت: يعني وعظك الله بحال الملائكة حيث اعترضوا على ربهم تعالى في قوله: " أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء" في الآية (البقرة: 30).
فهو، رضي الله عنه، يقول: تحفظ بالأدب مع الله تعالى، لأن الملائكة لم تقفوا مع ما تعطيه نشأة آدم الذي هو الخليفة من جميع الأسماء في ذاتها، فيروا أنهم تحت إحاطته ولا تقفوا مع ما تعطيه حضرة الحق تعالى من العبادة الذاتية التي ليست هي وظيفتهم من جهة أنهم لا يعرفون من الحق تعالى إلا بما تعطيه ذواتهم وكذلك غيرهم.
فلم تعلم الملائكة أن جمعية آدم على الأسماء لم يعرفوها فما سبحوه بها ولا قدسته الملائكة بمعاني مراتبها.
وقالت من حيث نشأة آدم: "أتجعل فيها من يفسد فيها " (البقرة: 30) لما رأت جسمه مرکبا من أركان متضادة. فعلمت أن بنيانه منهم:
منهم: من يغلب عليه الركن الناري وهو الصفراء، فيكون طیاشا خفيفا يتسرع إلى الأقوال والأفعال التي لا يتثبت فيها فيقع منه الفساد، يفعل ما لا ينبغي في الوقت الذي لا ينبغي.
منهم: من يغلب عليه الركن الهوائي وهو الدم، فيجد في جسده قوة تأمره بالانتقام ممن لا يستحق أن ينتقم منه.
ومنهم: من يغلب عليه الجزء المائي وهو البلغم، فيكون قاصرا عن الحركة فيما يجب أن يتحرك فيه، فيفوته ما يجب في الوقت الذي يجب، ويستبرده من غلب عليه الركن الهوائي الدموي فينشط إلى إفساد حاله، لأنه يطمع فيه لرخاوته هذا في طبع البشر.
ومنهم: من يغلب عليه الركن الترابي، فيكون السوداء غالبة عليه فيكون صاحب توهم ووسواس وأفكار ردية، فيفعل بمقتضاها ما لا يجب ويفوته ليبس مزاجه ما يجب.
وهذه أحوال كلها تقتضي الفساد فأشارت الملائكة إلى ذلك بقولهم: "أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء " (البقرة: 30).
وما علمت أن آدم والخواص من بنيه ممن ذكر في هذه الفصوص، لهم الاعتدال الذي يقتضي لهم قول ما يجب، وفعل ما يجب في الوقت الذي يجب، وأن ذلك الاعتدال يقتضي لهم أن يكون نشأتهم جامعة الأسماء إلهية ليست عند الملائكة.
و قوله: (ثم نرجع إلى الحكمة فتقول: أعلم أن الأمور الكلية وإن لم يكن لها وجود في عينها فهي معقولة معلومة بلا شك في الذهن، فهي باطنة لا تزال عن الوجود العینی.
ولها الحكم والأثر في كل ما له وجود عینی، بل هو عينها لا غيرها أعنی أعيان الموجودات العينية، ولم تزل عن كونها معقولة فهي الظاهرة من حيث أعيان الموجودات كما هي الباطنة من حيث معقوليتها.
فاستناد کل موجود عینی لهذه الأمور الكلية التي لا يمكن رفعها عن العقل، ولا يمكن وجودها في العين وجودا تزول به عن أن تكون معقولة.
وسواء كان ذلك الوجود العینی مؤقتا أو غير موقت، نسبة المؤقت وغير المؤقت إلى هذا الأمر الكلى المعقول نسبة واحدة.
غير أن هذا الأمر الكلی يرجع إليه حكم من الموجودات العينية بحسب ما تطلبه حقائق تلك الموجودات العينية، کنسبة العلم إلى العالم، والحياة إلى الحي.
فالحياة حقيقة معقولة والعلم حقيقة معقولة متميزة عن الحياة، كما أن الحياة متميزة عنه.
ثم نقول في الحق تعالى: إن له علما وحياة فهو الحى العالم.
ونقول في حق الملك: إن له علما وحياة فهو الحي والعالم.
ونقول في الإنسان: إن له علما وحياة فهو الحي والعالم.
وحقيقة العلم واحدة، وحقيقة الحياة واحدة، ونسبتها إلى العالم والحي نسبة واحدة.
ونقول في علم الحق: إنه قدیم، وفي علم الإنسان إنه محدث.
فانظر ما أحدثته الإضافة من الحكم في هذه الحقيقة المعقولة، وانظر إلى هذا الارتباط بين المعقولات والموجودات العينية.
فكما حكم العلم على من قام به أن يقال فيه: عالم، حكم الموصوف به على العلم بأنه حادث في حق الحادث، قديم في حق القديم.
فصار كل واحد محكوما به محكوما عليه.
ومعلوم أن هذه الأمور الكلية وإن كانت معقولة فإنها معدومة العين موجودة الحكم، كما هي محكوم عليها إذا نسبت إلى الوجود العيني. فتقبل الحكم في الأعيان الموجودة ولا تقبل التفصيل والتجزيء.
فإن ذلك محال عليها، فإنها بذاتها في كل موصوف بها كالإنسانية في كل شخص شخص من هذا النوع الخاص لم تتفصل ولم تتعدد بتعدد الأشخاص ولا برحت معقولة.
وإذا كان الارتباط بين من له وجود عيني وبين من ليس له وجود عینی قد ثبت، وهي نسب عدمية، فارتباط الموجودات بعضها ببعض أقرب أن يعقل لأنه على كل حال بينها جامع وهو الوجود العينى وهناك فما ثم جامع. وقد وجد الارتباط بعدم الجامعة فبالجامع أحق.
ولا شك أن المحدث قد ثبت حدوثه وافتقاره إلى محدث أحدثه ولإمكانه بنفسه. فوجوده من غيره، فهو مرتبط به ارتباط افتقار.
ولا بد أن يكون المستند إليه واجب الوجود بذاته غنيا في وجوده بنفسه غیر مفتقر، وهو الذي أعطى الوجود بذاته لهذا الحادث فانتسب إليه.
ولما اقتضاه لذاته كان واجبا به. ولما كان استناده إلى من ظهر لذاته، اقتضى أن يكون على صورته فيما ينسب إليه من كل شيء من اسم وصفة ما عدا الوجوب الذاتي فإن ذلك لا يصح في الحادث وإن كان واجب الوجود لكن وجوبه بغيره لا بنفسه.
ثم لتعلم أنه لما كان الأمر على ما قلناه من ظهوره بصورته، أحالنا تعالی في العلم به على النظر في الحادث وذكر أنه أرانا آياته فيه "وفينا" فاستدللنا بنا عليه.
" سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53)" سورة فصلت
فما وصفناه بوصف إلا كنا نحن ذلك الوصف إلا الوجوب الخاص الذاتي.
فلما علمناه بنا ومنا نسينا إليه كل ما نسبناه إلينا. وبذلك وردت الإخبارات الإلهية على ألسنة التراجم إلينا. فوصف نفسه لنا بنا، فإذا شهدناه شهدنا نفوسنا، وإذا شهدنا شهد نفسه.
ولا شك أنا كثيرون بالشخص والنوع، وأنا وإن كنا على حقيقة واحدة تجمعنا فنعلم قطعا أن ثم فارقا به تمیزت الأشخاص بعضها عن بعض، ولولا ذلك ما كانت الكثرة في الواحد.
فكذلك أيضا، وإن وصفنا بما وصف نفسه من جميع الوجوه فلا بد من فارق، وليس إلا افتقارنا إليه في الوجود وتوقف وجودنا عليه الإمكاننا وغناه عن مثل ما افتقرنا إليه.
فبهذا صح له الأزل والقدم الذي انتفت عنه الأولية التي لها افتتاح الوجود عن عدم. فلا تنسب إليه مع كونه الأول. ولهذا قيل فيه الآخر.)
الأمور الكلية :
قلت: قد ترکت ما قبل هذا الكلام لأنه لا يحتاج إلى شرح وأما هذا ففيه ذكر الكليات فنحن الآن نتكلم في معنى ما قاله سيدنا، رضي الله عنه.
فيها فنقول: إن الأمور الكلية التي ذكرها، رضي الله عنه، قد تكلم فيها المنطقيون وقد تنزل شيخنا، رضي الله عنه، إلى مبالغ عقولهم في حقيقتها.
فالذي قاله فيها مقول لكني رأيت أن أتكلم بما عندي فيها مما يوافق ما سكت شيخن، رضي الله عنه، فلم يذكره ههنا وإن كان يعرفه لأنه، رضي الله عنه، أراد أن يؤنس الحكماء والمتكلمين بتنزله إلى مبلغهم.
فأقول: إن كلام الشيخ هاهنا وإن فهم منه تارة أن وجود هذه الكليات ذهني وتارة أن وجودها هو الذي في الأعيان الخارجية فهو في الأمرين قد تنزل إلى مخاطبة المحجوبين عنها في مراتبهم ولا شك أن هذه الكليات معان في قوة النور الأزلي فنذكرها في ثلاثة أقسام:
أحدها: ما هي؟
والثاني: ما خاصتها؟
والثالث: ما الذي يعرض لها؟
فأما القسم الأول: فإن حقيقتها معانی معلومات الحق، تبارك وتعالى، وهي لا تتناهي كما أن العلم بها لا يتناهى وفي وجود العلم الذاتي الإلهي هي أعيان متمايزة وليس كل معنى منها كليا , بل كل معنى منها صور جزئیاته متمايزة وليس هو إلا صور جزئياته .
ولما كان كل معنى منها ينفصل جزئیاته إلى غير نهاية بقيت تلك المعاني كأنها في التمثيل سلاسل وكل كعب من السلسلة مثلا هو صورة مسئلة من صور العلم الإلهي فوجودها في العلم الإلهي متميز ولا شيء منها يسبق شيئا.
فإن العلم الإلهي لا يدخل تحت الزمان بل الزمان ودقائق أجزاء الجميع هو من صور العلم الإلهي.
فالماضي والمستقبل كلاهما للعلم الإلهي حاضرة، والتجدد من جملة صور علمه تعالی مفصلا باز منته أزلا وأبدا وهذا أمر مشهود عند من كمل له السفر الثاني من أهل الشهود الذاتي، فما يتجدد لعلم الله تعالی
وقد ورد علي في الخلوة خطاب في هذه الحقيقة وهو قوله تعالى:
لم يتجدد له التجدد فأين التجدد؟
ما ثم إثنان يضاف أحدهما إلى الآخر فأين التعدد؟
ينظر الضد إلى ضده في الأحدية بعين الملائمة والتودد
فنعود ونقول: إذا كانت هذه الكليات لا وجود لها إلا صور جزئیات في العلم الإلهي فإذن كل كلي ليس هو معنی مفردا يطابق كل فرد فرد كما يقوله الحكماء.
بل هو الأعيان المتمايزة أنفسه، لكن جزئیات کل کلي تكون متشابهة في صورة ما يسميها الحكماء الفصل المميز.
لكن الأوائل من الحكماء تخيلوا في ضبط جزئیات کل کلي تخيلة هي حسية في كونها تضبط ما لا يتناهى، فأخذوا يقولون: إن الكلی مفرد تسهيلا على عقول الضعفاء فصيروا الكلي ضابطا واحدا يشمل ما لا يتناهى.
فلما جاء المتأخرون ظنوا أن الأوائل نصوا على أن كل كلي هو معنی مفرد يحمل على ما تحته وليس في وجود الحق، تبارك وتعالى، شيء واحد يكون هو حقيقة أشياء كثيرة حتى المركز بالنسبة إلى نقط المحيط.
فإن المركز وإن كانت نقطة واحدة متوهمة وكل نقطة في المحيط لها إليه مواجهة وهو واحد وفيه قوي مواجهة النقط الكثيرة .
فإن ذلك أيضا ليس كما يتوهمه القائلون بذلك بل كل نقطة في المحيط تواجهه مواجهة تلقى نقطة المركز كلها لكن من جهة غير الجهة التي تواجهها النقطة الأخرى وإن وقعت كل مواجهة من نقطة المركز على عينه ما وقعت عليه النقطة الأخرى.
فإن قالوا: إن الكلي الطبيعي هو في الخارج.
قلنا: هو حصص متمايزة فليس بمفرد.
فإن قالوا: إن الكلي المنطقي هو في الذهن واحد.
قلنا: ما فهمتم، لان كل ذهن يتشكل فيه صورة لذلك الكلي مثلا هي غير الشكل الذي يتشكل في ذهن.
فإن قالوا: فاعتبر ذلك في ذهن واحد تجد الكلي واحدا.
قلنا: وليس كذلك أيضا بل كل ما تصوره الذهن الواحد كليا ما ثم ذهل عنه أو نسيه، ثم يتشکل بعد ذلك في ذلك الذهن بعينه، فذلك المتشکل هو صورة أخرى مغاير للأولى بالعدد وأنتم تقولون: إن الكلي واحد، فإذن هو واحد لا واحد وهو جمع بين النقيضين والصحيح أن الكلي إنما جعلناه واحدا تقريبا للأفهام وضابطا ينضبط لنا به الكثرة في الواحد.
فنرجع فنقول: إن المعاني التي سميت كلية، وجودها الذي لا يتغير إنما هو في العلم الأزلي الذي لا يتغير، وجزئيات ذلك الكلي هي مفصلة في العلم الأزلي أيضا كما قدمنا فهذا هو الكلي.
وقد قال ثامسطيوس : إن الكلي مأخوذ من تشبيه خفي في الأشخاص وهو إما أن لا يكون شيئا ألبتة أو يتأخر تأخرا كثيرا عن الأشخاص.
والصحيح أنه كما ذكره ثامیسطيوس في قوله: إنه مأخوذ من تشبيه خفي في الأشخاص.
وأما قوله: إنه ليس بشيء فهو أيضا حق لأنه ما له ذات غير اعتبار ذهني والاعتبارات نسب لا وجود لذواتها بل الوجود للذهن لا لها وإذا لم يكن له ذات.
فقولنا: إنه متأخر تأخرا كثيرا عن الأشخاص ما له معنى لكنا إذا قررنا في الذهن ضابطا فهو ضابط حسن.
وأما خاصة هذا الكلي، فإنه لا يتحقق حقيقة إلا إذا اعتبرته في علم الله تعالى الذي لا يتغير وأما في الأذهان فكل من نسيه ثم ذكره فالمنسي غير المذكور، فهو المختص بعلم الله تعالى وأما غيره من المعلومات فقد يحس ويعقل ويعلم.
وأما ما يعرض له ولغيره، فمدده في وجوده من النور الذي اقتطعه الحق تعالى وأودع فيه ما أودع من مخلوقاته.
وأما ما بعد قوله: (ثم نرجع إلى الحكمة)، فما أرى أن فيه ما يحتاج إلى الشرح لأن عبارة الشيخ فيه وافية بالمقصود وليس هو مما يحتاج إلى الذكر الجلي بل هو من مدركات أفهام الناس.
إلى قوله: (ومعلوم أن هذه الأمور الكلية وإن كانت معقولة فإنها معدومة العين موجودة الحكم.)
فأقول: إن أمثلة المعدوم في ذاته الموجود الحكم في غيره، الفرق الذي يتوهمه البصر بين الشمس والظل، فإن العقل يعلم أنه ما بين الشمس والظل أمر ثالث يفصل وربما يتوهم الحس أن هناك ثالثا يفصل بين الشمس والظل و یسمی أمثال هذ "برازخ" ولي شعر في وصف البرزخ وهو ما صورته،:
حقيقة ميزت من القدم ….. محفوفة في الوجود بالعدم
حبيبة لم تزل مخيلة ….. كما يزور الخيال في الحلم
لكنها قد أتت مؤكدة ....... معنى وجود الحدوث في القدم
بدت فأبدت مالا وجود له ...... في ذاته للبليد والفهم
وليس منها الظهور يدركه …… إلا الذي رأمها ولم یرم

وقلت أيضا شعرا على لسانها:
تنزهت عن ذل الوجود فليس لي …… مكان له عين الحقيقة ترمق
وسبحني قدسي فلا السر ناظر …… إلي ولا معنى من الوهم يطرق
ولي منزل قد عز عن أين أو متى …… وكيف وما رسم به يتعلق
أحطت ولكن لم أحط أجل أنني ….. أحطت فللاطلاق بالقيد أوثق
ومن یکن الإطلاق قيدا لمثله …… فذلك من شيئية السبقه أسبق
يمر الوجود الصرف طوع إرادتي ….. إلى غاية من رقها ليس يعتق
فأشهدني فيه بعيني واجتلي …….. بإفاقه بدرا بمعاني يشرق
وقد كنت جعلتها في ضمن أبيات في مدح رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بنسبة يقال شفاها.
وأما قوله: (لم تنفصل ولم تتعدد بتعدد الأشخاص. قلت: هذا كله مبني على ما رآه الحكماء)
وأما قوله: (فارتباط الموجودات بعضها ببعض أقرب، إلى قوله : ثم ليعلم أنه ).
قلت: مقصوده، رضي الله عنه، أن يشير إلى التوحيد الوجودي لكنه لم يرى هنا أن يصرح بذلك وقد صرح به في غير هذا الموضع تصريحا کشف معه المغطي وهاهنا ستره.
وأما قوله: (ثم ليعلم أنه لما كان الأمر على ما قلناه من ظهوره بصورته، أحالنا تعالى في العلم به على النظر في الحادث و ذكر أنه أرانا آياته فيه فاستدللنا بنا عليه.
فما وصفناه بوصف إلا كنا نحن ذلك الوصف إلا الوجوب الخاص الذاتي.
فلما علمناه بنا و منا نسبنا إليه كل ما نسبناه إلينا. و بذلك وردت الإخبارات الإلهية على ألسنة التراجم إلينا. فوصف نفسه لنا بنا: فإذا شهدناه شهدنا نفوسنا، و إذا شهدنا شهد نفسه.
و لا نشك أنا كثيرون بالشخص و النوع، و أنا و إن كنا على حقيقة واحدة تجمعنا فنعلم قطعا أن ثم فارقا به تميزت الأشخاص بعضها عن بعض، و لولا ذلك ما كانت الكثرة في الواحد. ، فكذلك أيضا، و إن وصفنا بما وصف نفسه من جميع الوجوه فلا بد من فارق، و ليس إلا افتقارنا إليه في الوجود و توقف وجودنا عليه لإمكاننا و غناه عن مثل ما افتقرنا إليه. إلى قوله: فهذا صح له الأزل والقدم.)
قلت: هو، رضي الله عنه، قد قصد التوطئة لأن يجعل صفات الخليفة هي صفات المستخلف ليرد الأمر كله إلى عين واحدة هي وجوده تعالى وكأنه استشهد بقوله تعالی: "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق" (فصلت: 53).
ثم ستر ذلك بذكر الوجوب الخاص الذاتي وهذه مصانعة منه، رضي الله عنه، للمحجوبين حتى لا ينفروا من قوله: نسبنا إليه كل ما نسبناه إلينا وزاد ذلك بيانا بقوله: (فإذا شهدناه شهدنا نفوسنا، وإذا شهدنا هو شهد نفسه).
ولا سيما قوله: (ولا بد من فارق).
ثم قال: وليس إلا افتقارنا إليه. وبالجملة فهذا كله مبني على أن الوجود واحد والأعيان متمايزة وتسميها الأعيان الثابتة.
وأما قوله: (فبهذا صح له الأزل والقدم الذي انتفت عنه الأولية).
قلنا: معناه أنه لا أولية لغناه عن خلقه ولا أولية له في افتتاح الوجود أي وجوده ليس عن عدم سابق فيتحقق له الأولية في اتصافه بالوجود بعد أن لم يكن متصفا به.
قوله: (مع كونه الأول) .
قلت: قوله، رضي الله عنه، مع كونه الأول في قوله تعالى: "هو الأول والآخر" (الحديد: 3). إلا أن الشيخ هنا لم يذكر بأي معنى قيل فيه تعالى: أنه الأول مع ما ذكره من انتفاء تلك الأولية المذكورة عنه.
قوله: ولهذا قيل له الآخر. قلت: يعني لنفي تلك الأولية المذكورة.
قوله: (فلو كانت أوليته أولية وجود التقييد لم يصح أن يكون الآخر المقيد، لأنه لا آخر للممكن، لأن الممكنات غير متناهية فلا آخر لها.
وإنما كان آخرا لرجوع الأمر كله إليه بعد نسبة ذلك إلينا، فهو الآخر في عين أوليته، والأول في عين آخريته.)
قلت: يعني لو كانت له أولية اتصفت بها بالوجود بعد اتصافه بالعدم إذ كانت هذه الأولية هي أولية خاصة مقيدة.
فكأنه يقول: إن هناك أولية أخرى يصح معها أن تكون أولا مع کونه آخرا وأما تلك الأولية المذكورة فلا يصح أن يسمى من كان بها أولا أن يكون آخرا أيضا وإلا اجتمع الضدان لشيء واحد .
لكن الشيخ ما علل باجتماع الضدين بل علل بإن من كان له الأولية بافتتاح الوجود كان کالممکنات في وجودها، فإن لها الأولية بافتتاح الوجود لكن مع هذا القيد لا يصح
أن يكون لها الآخرية إذ الممكنات لا نهاية لها وفي قوة كلامه في قوله: لأن الممكنات لا نهاية لها، أنها ستوجد إلى غير نهاية وصرح بأن هذه الأولية ليست للحق تعالی.
فلا جرم صح مع أوليته تعالى أن يكون له آخرية في عين أوليته و أوليته في عين آخريته .
بخلاف الممكن وأما كيف ذلك؟ ولم ذلك؟
فما ذكره ولعمري أن الحاجة داعية إلى بيانه فإنه مهم
وأما قوله: وإنما كان آخرا لرجوع الأمر كله إليه، فذلك غير واضح في تسميته بالآخرية، فإنه إن كانت أوليته بابتداء إيجاد العالم فكان الحال يقتضي أن يكون آخرا باعتبار انتهاء ایجاد العالم .
وقد قال: إن العالم لا آخر لإيجاده، فكيف يكون هو آخرا بهذا التقدير، فإذن له معنى آخر نحتاج نحن أن يعرفنا إياه.
قوله: (ثم لتعلم أن الحق وصف نفسه بأنه ظاهر و باطن، فأوجد العالم: عالم غيب وشهادة لندرك الباطن بغيبنا والظاهر بشهادتنا.)
قلت: معناه أن الحق تعالی فعل ذلك بنا لنعلم ظاهره بما فينا من الظهور ونعلم الباطن من وصفه نفسه بالباطن بما فينا من معنى الغيب، فإن أحدا ما يعلم شيئا إلا بما فيه من ذلك الشيء أو بما في ذلك الشيء منه.
قوله: (ووصف نفسه بالرضا والغضب، وأوجد العالم ذا خوف ورجاء فنخاف غضبه ونرجوا رضاه. ووصف نفسه بأنه تعالى جميل وذو جلال فأوجدنا على هيبة وأنس. وهكذا جميع ما ينسب إليه تعالى ويسمى به. فعبر عن هاتين الصفتين باليدين اللتين توجهتا منه على خلق الإنسان الكامل لكونه الجامع بحقائق العالم ومفرداته. والعالم شهادة والخليفة غيب، ولذا تحجب السلطان.)
قلت: معناه حتى نقابل نحن غضبه بالخوف، ورضاه بالرجاء فيتحقق الرضا والغضب استدلالا على كل واحد منهما بما يقابله منا وكذلك ما بعد هذا مما وصف به نفسه.
قوله: (فعبر عن هاتين الصفتين باليدين).
قلت: يعني بالصفتين التقابل الذي بين كل صفتين مما ذكره ومما لم يذكر مما خلق الإنسان فيها على وفق صفتين متقابلتين منه تعالى على حد ما شرحناه.
كأنه قال: وهاتان الصفتان المتقابلتان هما اللتان عبر عنهما باليدين في قوله تعالى: "ما منعك أن تسجد لما خلقت بیدی أستكبرت" سورة ص 75.
فاليدان هنا الصفتان المذكورتان والتعبير عنهما باليدين مجاز حسن في لغة العرب.
فإن اليدين هما سبب فيما يصنع بهما وهاتان الصفتان هما السبب في خلق العالم على وفقهما في جمعه بين المتقابلات، فهذه علاقة سوغت استعمال المجاز.
واقتصر من ذكر العالم على ذكر خلق الإنسان الكامل لكونه فيه جميع ما في العالم الكبير وجعل العالم الكبير كالمفردات التي يتركب المركب منها.
ثم جعل العالم شهادة لأنه هو عين ما يراه وأما الإنسان فما ترى منه إلا جسده لكن جسده هو من العالم الكبير وليس هو جامعا باعتبار جسمه إلا بما تخص القوى الطبيعية فقط وأما المعتبر منه.
فما هو إلا جمعه لصفات الأسماء الحسنى ومعانی الكليات التي تفاصيلها لا تتناهي وهذه معان كلها غيبية فالإنسان غيب والعالم شهادة.
قال: واحتجاب السلطان إنما كان لكونه يحس في نفسه أنه كامل وأن فيه ما هو محتجب فحجب جسمه تبعا لاحتجاب معانيه.
قوله: (ووصف الحق نفسه الكريمة بالحجب الظلمانية وهي الأجسام الطبيعية، والنورية وهي الأرواح اللطيفة، فالعالم بين لطيف وكثيف، وهو عين الحجاب على نفسه، فلا يدرك الحق أحد إدراكه نفسه.
فلا يزال في حجاب لا يرفع مع علمه بأنه متميز عن موجده بافتقاره. ولكن لا حظ له في وجوب الوجود الذاتي الذي لوجود الحق تعالی، فلا يدركه أبدا.
فلا يزال الحق تعالى من هذه الحقيقة غير معلوم علم ذوق وشهود، لأنه لا قدم للحادث في ذلك. فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفا.
ولهذا قال تعالى لإبليس : "ما منعك أن تسجد لما خلقت بیدی" (ص: 70) وما هو إلا عين جمعه بين الصورتين: صورة العالم وصورة الحق، وهما يدا الحق.
وإبليس جزء من العالم لم تحصل له هذه الجمعية ولهذا كان آدم خليفة، فإن لم يكن ظاهرا بصورة من استخلفه فيما استخلف فيه، فما هو خليفة وإن لم يكن فيه جميع ما تطلبه الرعايا التي استخلف عليها لأن استنادها إليه، فلا بد أن يقوم بجميع ما تحتاج إليه وإلا فليس بخليفة عليهم، فما صحت الخلافة إلا للإنسان الكامل.)
قلت: يعني ما ورد من قوله، عليه السلام: "إن الله تعالى سبعين ألف حجاب من نور وظلمة لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه كل ما انتهى إليه بصره من خلقه " فذكر تعالى أن حجبه من نور وظلمة وهي الأرواح والأجسام وحقيقتهما أنهما كثيف ولطيف.
ثم أشار إلى التوحيد بقوله: (وهو عين الحجاب على نفسه)، فلا يدرك الحق أحد إدراکه نفسه فهو العارف والمعروف كما أنه الحجاب والمحجوب .
وإذا كان كذلك "فلا يزال في حجاب لا يرفع"، لأن رفع الحجاب إنما يتحقق عند كون الحجاب غير المحجوب وأما إذا لم يكن هناك تغایر فلا يتحقق رفع الحجاب.
و قوله: (مع علمه).
قلت: يعني أن العالم أو الإنسان يعلم أنه ممتاز عن موجده فقد عاد إلى إشارته إلى تمايز الأعيان الثابتة التي هي الممکنات المفتقرة، وما بعد هذا ظاهر مما سبق إلى قوله: فأنشأ صورته الظاهرة من حقائق العالم وصوره وأنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى .
ولذلك قال فيه: «كنت سمعه وبصره»، ما قال: كنت عينه وأذنه.
ففرق بين الصورتين وهكذا هو في كل موجود من العالم بقدر ما تطلبه حقيقة ذلك الموجود.
قلت: يعني بصورة الحق الباطنة، حقائق الأسماء الإلهية والكليات التي هي صور علمه أزلا وأبدا.
قال: ولما كان باطن آدم على صورة حقائق الأسماء من العلم والحياة والإرادة والقدرة والسمع والبصر.
قال تعالى: «كنت سمعه وبصره» ولو كان ظاهر جسم آدم على صورة الحق تعالى لقال «كنت عينه وأذنه»، ففرق بين الصورتين.
قال في جميع الموجودات أي هو سمع كل سامع وبصر کل مبصر وفي بعض المناجاة أنه تعالى قال: «لولای ما أبصرت العيون مناظرها، ولا رجعت الأسماع بمسامعها»
قوله: لكن ليس لأحد مجموع ما للخليفة، فما فاز إلا بالمجموع.
فلولا سريان الحق في الموجودات بالصورة ما كان للعالم وجود كما أنه لولا تلك الحقائق المعقولة الكلية ما ظهر حكم في الموجودات العينية.
ومن هذه الحقيقة كان الافتقار من العالم إلى الحق في وجوده یعنی شعر:
فالکل مفتقر ما الكل مستغن …… هذا هو الحق قد قلناه لا نکنی
فإن ذکرت غنيا لا افتقار به …… فقد علمت الذي في قولنا نعني
فالكل بالکل مربوط فليس له …… عنه انفصال خذوا ما قلته عني
قلت: يعني أن حقائق أسمائه تعالی موجودة في كل موجود وسمي وجودها في كل موجود سريانا.
فقال: ولولا سريان الحق في الموجودات بالصورة الأسمائية لانعدم العالم دفعة واحدة بل ما كان يوجد أبدا كما أنه لولا تلك الكليات المعقولة ما ظهر في الموجودات حكم.
قال: ومن هذه الحقيقة كان افتقار العالم إلى الحق تعالى في وجوده، لأن الكليات هي صور علمه فطلبت بلسان الحال من الحق تعالى وجودها بلسان الفقر والشيخ قد أسر هنا سرا إلهيا لكن أشار إليه إشارة مبهمة في هذه الأبيات.
وهي قوله: فالکل مفتقر ما الكل مستغن.
وموضع إبهامه هو قوله: فإن ذكرت غنيا لا افتقار له.
فأنه سکت عن الجواب، لأنه لو أجاب فإما أن يقول لا بد من الفقر في الحضر تین وحينئذ يقع عليه الرد من المحجوبين، فأشار إشارة لا يتنبه لها إلا من له کشف فإن الذي يعني بقوله.
هو قوله: الكل مفتقر ما الكل مستغن، إلا أن فقر الرازق إلى المرزوق في أن يتحقق رازقيته بالفعل، ما هو مثل فقر الممكن في وجوده إلى الواجب ومن شهد أن الحضرتين الإلهية والكونية تجمعهما الإحاطة الذاتية.
فما يعزب عنه أن يعلم أن فقر الشيء إلى نفسه ما هو فقر أصلا، لأنه ما هناك إلا الحق وأسمائه وصفاته وأفعاله والكل يرجع إلى ذاته تعالى ونحن حقائق أفعاله أعني وجودنا في اصطلاحه لا أعياننا الثابتة التي تجمعها الكليات.
وأما في اصطلاح صاحب المواقف فهو أمر غير هذا بوجه ما وإن كان المعنى يرجع إلى حقيقة لا تختلف، وما ذكره بعد هذا فهو ظاهر إلى قوله اتقوا ربكم.
قوله بعد الشعر : فقد علمت حكمة نشأة جسد آدم أعني صورته الظاهرة، وقد علمت نشأة روح آدم أعني صورته الباطنة، فهو الحق الخلق. وقد علمت نشأة رتبته وهي المجموع الذي به استحق الخلافة. فآدم هو النفس الواحدة التي خلق منها هذا النوع الإنساني، وهو قوله تعالى: "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء" (النساء: 1).
فقوله تعالى: اتقوا ربكم أي اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم، واجعلوا ما بطن منكم، وهو ربكم وقاية لكم، فإن الأمر ذم وحمد فكونوا وقايته في الذم واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين.)
قلت: يعني اتقوا سوء الأدب مع ربكم بأن تعتمدوا معه الأدب الذي يليق بكم معه والمراد: ان كل واحد من ولد آدم له أيضا جمعيته" في ذاته للأسماء الإلهية باطنة وله جسم ظاهر ولا بد لكل أحد أن يمدح أو يذم في وقت ما فيجب عليه بأن يعطي المدح منه لما فيه من الأسماء الإلهية فإن المدح يصلح لها وأما ظاهره وهو جانب الكون منه.
فلو أعطى المدح بظاهره مع كون المدح لجانب الحق لزمه أن يكون شريكا للحق تعالى في صفاته، فلما صرف هو المدح لمستحقه وقاه الحق تعالی عن نقيضه أن يظهر بصفة مشاركة ربه، عز وجل.
الذي من ادعاها فهو ظالم، لوضعه الشيء في غير موضعه، فإن الظلم في لغة العرب هو وضع الشيء في غير موضعه، فيستحق اللعنة بقوله تعالى: «ألا لعنة الله على الظالمين" (هود: 18).
فنعود ونقول وأن يعطى الذم لظاهره وقد كان الذي ذمه أو شتمه إنما يذم أو يشتم جملته، فيجب عليه أن يخصص الذم بظاهره دون باطنه.
فيكون وقاية لربه تعالى ولأسماء ربه، تعالی عن أن يصل إليها ذلك الذم، وإذا فعل هذا كان أديبا عالما.
أما أنه أديب: فظاهر، وأما أنه عالم: فلأنه علم مواضع الصفتين، فوضع كل صفة في موضعها وكان عالما بالأدب أيضا.
قوله: (ثم إنه تعالى أطلعه على ما أودع فيه وجعل ذلك في قبضتيه: القبضة الواحدة فيها العالم، والقبضة الأخرى آدم وبنوه. وبين مراتبهم فيه.
ولما أطلعني الله في سرى على ما أودع في هذا الإمام الوالد الأكبر، جعلت في هذا الكتاب منه ما حد لي لا ما وقفت عليه، فإن ذلك لا يسعه کتاب ولا العالم الموجود الآن فمما شهدته مما نودعه في هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:
حكمة إلهية في كلمة آدمية، وهو هذا الباب.
ثم حكمة نفثية في كلمة شيئية.
ثم حكمة سبوحية في كلمة نوحية.
ثم حكمة قدوسية في كلمة إدريسية.
ثم حكمة مهيمية في كلمة إبراهيمية.
ثم حكمة حقية في كلمة إسحاقية.
ثم حكمة علية في كلمة إسماعيلية.
ثم حكمة روحية في كلمة يعقوبية.
ثم حكمة نورية في كلمة يوسفية.
ثم حكمة أحدية في كلمة هودية.
ثم حكمة فاتحية في كلمة صالحية.
ثم حكمة قلبية في كلمة شعيبية.
ثم حكمة ملكية في كلمة لوطية.
ثم حكمة قدرية في كلمة عزيرية.
ثم حكمة نبوية في كلمة عيسوية.
ثم حكمة رحمانية في كلمة سليمانية.
ثم حكمة وجودية في كلمة داودية.
ثم حكمة نفسية في كلمة يونسية.
ثم حكمة غيبية في كلمة أيوبية.
ثم حكمة جلالية في كلمة يحياوية.
ثم حكمة مالكية في كلمة زکریاوية.
ثم حكمة إيناسية في كلمة إلياسية.
ثم حكمة إحسانية في كلمة لقمانية.
ثم حكمة إمامية في كلمة هارونية.
ثم حكمة علوية في كلمة موسوية.
ثم حكمة صمدية في كلمة خالدية.
ثم حكمة فردية في كلمة محمدية.
وفص كل حكمة، الكلمة التي تنسب إليها.
فاقتصرت على ما ذكرته من هذه الحكم في هذا الكتاب على حد ما ثبت في أم الكتاب.
فامتثلت ما رسم لى، ووقفت عند ما حد لي، ولو رمت زيادة على ذلك ما استطعت، فإن الحضرة تمنع من ذلك والله الموفق لا رب غيره.)
قلت: قوله، ثم إنه تعالى أطلعه على ما أودع فيه. يعني آدم..
قوله: وجعل ذلك في قبضتيه.
قلت: يعني قبضتي الحق تعالى وقد تقدم شرح معنى القبضتين أيضا، وهما هنا: العالم في قبضة وآدم وبنوه في قبضة، وبين مراتبهم وباقي الكلام مفهوم إلى قوله: وفص كل حكمة الكلمة التي نسبت الحكمة إليها.
وأم الكتاب هنا القلم الأعلى والكتاب هو اللوح المحفوظ والحضرة التي ذكر أنها تمنع عن ذلك هي حضرة الحق تعالى في مراتب الأكوان المحجوبة فإن أفهام المحجوبين قاصرة والأدب مع الله تعالى في مثل ذلك أن لا يتجاوز إلى ذكر ما لا يقدر الضعفاء أن يفهموه أو يقبلوه وقد ورد في بعض التنزلات ما صورته "یا عبد إذا رأيت من لا يراني فاسترني عنه بحكمتي فإن لم تفعل وضل أخذتك به ."
.

OU0X0JhQZ7Y

  السابق

المحتويات

التالي  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!