موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

شرح التلمساني
على فصوص الحكم

تأليف: الشيخ عفيف الدين سليمان التلمساني

فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية

  السابق

المحتويات

التالي  

فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية


12 - فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية .كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر شرح الشيخ عفيف الدين سليمان التلمساني

شرح الشيخ عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
اعلم أن القلب أعني قلب العارف بالله هو من رحمة الله، و هو أوسع منها، فإنه وسع الحق جل جلاله و رحمته لا تسعه:
هذ لسان العموم من باب الإشارة، فإن الحق راحم ليس بمرحوم فلا حكم للرحمة فيه.
وأم الإشارة من لسان الخصوص فإن الله وصف نفسه بالنفس وهو من التنفيس:
وأن الأسماء الإلهية عين المسمى وليس إلا هو، وأنها طالبة ما تعطيه من الحقائق وليس الحقائق التي تطلبها الأسماء إلا العالم. فالألوهية تطلب المألوه، والربوبية تطلب المربوب، وإلا فلا عين لها إلا به وجودا أو تقدير.
والحق من حيث ذاته غني عن العالمين.
والربوبية ما لها هذا الحكم.
فبقي الأمر بين ما تطلبه الربوبية وبين ما تستحقه الذات من الغنى عن العالم.
وليست الربوبية على الحقيقة والاتصاف إلا عين هذه الذات.
فلم تعارض الأمر بحكم النسب ورد في الخبر ما وصف الحق به نفسه من الشفقة على عباده.
فأول ما نفس عن الربوبية بنفسه المنسوب إلى الرحمن بإيجاده العالم الذي تطلبه الربوبية بحقيقتها وجميع الأسماء الإلهية.
فيثبت من هذا الوجه أن رحمته وسعت كل شيء فوسعت الحق، فهي أوسع من القلب أو مساوية له في السعة.
هذ مضى، ثم لتعلم أن الحق تعالى كما ثبت في الصحيح يتحول في الصور عند التجلي، وأن الحق تعالى إذا وسعه القلب لا يسع معه غيره من المخلوقات فكأنه يملؤه.
ومعنى هذا أنه إذا نظر إلى الحق عند تجليه له لا يمكن أن ينظر معه إلى غيره.
وقلب العارف من السعة كما قال أبو يزيد البسطامي «لو أن العرش وما حواه مائة ألف ألف مرة في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس به».
وقال الجنيد في هذا المعنى: إن المحدث إذا قرن بالقديم لم يبق له أثر، وقلب يسع القديم كيف يحس بالمحدث موجود.
وإذ كان الحق يتنوع تجليه في الصور فبالضرورة يتسع القلب ويضيق بحسب الصورة التي يقع فيها التجلي الإلهي، فإنه لا يفضل شيء عن صورة ما يقع فيها التجلي.
فإن القلب من العارف أو الإنسان الكامل بمنزلة محل فص الخاتم من الخاتم لا يفضل بل يكون على قدره وشكله من الاستدارة إن كان الفص مستديرا أو من التربيع والتسديس والتثمين وغير ذلك من الأشكال إن كان الفص مربعا أو مسدسا أو مثمنا أو ما كان من الأشكال، فإن محله من الخاتم يكون مثله لا غير.
وهذ عكس ما يشير إليه الطائفة من أن الحق يتجلى على قدر استعداد العبد.
وهذ ليس كذلك، فإن العبد يظهر للحق على قدر الصورة التي يتجلى له فيها الحق.
وتحرير هذه المسألة أن لله تجليين.
تجلي غيب وتجلي شهادة، فمن تجلي الغيب يعطي الاستعداد الذي يكون عليه القلب، وهو التجلي الذاتي الذي الغيب حقيقته، وهو الهوية التي يستحقها بقوله عن نفسه «هو».
فل يزال «هو» له دائما أبد.
فإذ حصل له- أعني للقلب هذا الاستعداد، تجلى له التجلي الشهودي في الشهادة فرآه فظهر بصورة ما تجلى له كما ذكرناه.
فهو تعالى أعطاه الاستعداد بقوله «أعطى كل شي ء خلقه»، ثم رفع الحجاب بينه وبين عبده فرآه في صورة معتقده، فهو عين اعتقاده. فلا يشهد القلب ولا العين أبدا إلا صورة معتقده في الحق.
فالحق الذي في المعتقد هو الذي وسع القلب صورته، وهو الذي يتجلى له فيعرفه.
فل ترى العين إلا الحق الاعتقادي.
ول خفاء بتنوع الاعتقادات: فمن قيده أنكره في غير ما قيده به، وأقر به فيما قيده به إذا تجلى.
ومن أطلقه عن التقييد لم ينكره وأقر به في كل صورة يتحول فيها ويعطيه من نفسه قدر صورة ما تجلى له إلى ما لا يتناهى، فإن صور التجلي ما لها نهاية تقف عنده.
وكذلك العلم بالله ما له غاية في العارف يقف عندها، بل هو العارف في كل زمان يطلب الزيادة من العلم به.
«رب زدني علما» ، «رب زدني علما»، «رب زدني علم».
فالأمر لا يتناهى من الطرفين. هذا إذا قلت حق وخلق، فإذا نظرت في قوله : «كنت رجله التي يسعى بها و يده التي يبطش بها و لسانه الذي يتكلم به» إلى غير ذلك من القوى، و محله الذي هو الأعضاء، لم تفرق فقلت الأمر حق كله أو خلق كله.
فهو خلق بنسبة وهو حق بنسبة والعين واحدة.
فعين صورة ما تجلى عين صورة من قبل ذلك التجلي، فهو المتجلي والمتجلي له.
فانظر ما أعجب أمر الله من حيث هويته، ومن حيث نسبته إلى العالم في حقائق أسمائه الحسنى.
فمن ثم و ما ثمه ... و عين ثم هو ثمه
فمن قد عمه خصه ... و من قد خصه عمه
فم عين سوى عين ... فنور عينه ظلمه
فمن يغفل عن هذا ... يجد في نفسه غمه
وم يعرف ما قلن ... سوى عبد له همه
«إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب» لتقلبه في أنواع الصور والصفات ولم يقل لمن كان له عقل، فإن العقل قيد فيحصر الأمر في نعت واحد والحقيقة تأبى الحصر في نفس الأمر.
فم هو ذكرى لمن كان له عقل وهم أصحاب الاعتقادات الذين يكفر بعضهم ببعض ويلعن بعضهم بعضا وما لهم من ناصرين.
فإن إله المعتقد ما له حكم في إله المعتقد الآخر: فصاحب الاعتقاد يذب عنه أي عن الأمر الذي اعتقده في إلهه وينصره، وذلك في اعتقاده لا ينصره، فلهذا لا يكون له أثر في اعتقاد المنازع له.
وكذ المنازع ما له نصرة من إلهه الذي في اعتقاده، فما لهم من ناصرين، فنفى الحق النصرة عن آلهة الاعتقادات على انفراد كل معتقد على حدته، والمنصور المجموع، والناصر المجموع. فالحق عند العارف هو المعروف الذي لا ينكر.
فأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة.
فلهذ قال «لمن كان له قلب» فعلم تقلب الحق في الصور بتقليبه في الأشكال.
فمن نفسه عرف نفسه، وليست نفسه بغير لهوية الحق، ولا شيء من الكون مما هو كائن ويكون بغير لهوية الحق، بل هو عين الهوية.
فهو العارف والعالم والمقر في هذه الصورة، وهو الذي لا عارف ولا عالم، وهو المنكر في هذه الصورة الأخرى.
هذ حظ من عرف الحق من التجلي والشهود في عين الجمع، فهو قوله «لمن كان له قلب» يتنوع في تقليبه.
وأم أهل الإيمان وهم المقلدة الذين قلدوا الأنبياء والرسل فيما أخبروا به عن الحق، ل من قلد أصحاب الأفكار والمتأولين الأخبار الواردة بحملها على أدلتهم العقلية، فهؤلاء الذين قلدوا الرسل صلوات الله عليهم وسلامه هم المرادون بقوله تعالى «أو ألقى السمع» لما وردت به الأخبار الإلهية على ألسنة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وهو يعني هذا الذي ألقى السمع شهيد ينبه على حضرة الخيال واستعمالها، وهو قوله عليه السلام في الإحسان «أن تعبد الله كأنك تراه»، والله في قبلة المصلي، فلذلك هو شهيد.
ومن قلد صاحب نظر فكري وتقيد به فليس هو الذي ألقى السمع، فإن هذا الذي ألقى السمع ل بد أن يكون شهيدا لما ذكرناه.
ومتى لم يكن شهيدا لما ذكرناه فما هو المراد بهذه الآية.
فهؤلاء هم الذين قال الله فيهم «إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا» والرسل لا يتبرءون من أتباعهم الذين اتبعوهم.
فحقق يا ولي ما ذكرته لك في هذه الحكمة القلبية.
وأم اختصاصها بشعيب، لما فيها من التشعب، أي شعبها لا تنحصر، لأن كل اعتقاد شعبة فهي شعب كلها، أعني الاعتقادات فإذا انكشف الغطاء انكشف لكل أحد بحسب معتقده، وقد ينكشف بخلاف معتقده في الحكم، وهو قوله «وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون».
فأكثره في الحكم كالمعتزلي يعتقد في الله نفوذ الوعيد في العاصي إذا مات على غير توبة.
فإذ مات وكان مرحوما عند الله قد سبقت له عناية بأنه لا يعاقب، وجد الله غفورا رحيما، فبدا له من الله ما لم يكن يحتسبه.
وأم في الهوية فإن بعض العباد يجزم في اعتقاده أن الله كذا وكذا، فإذا انكشف الغطاء رأى صورة معتقده وهي حق فاعتقده.
وانحلت العقدة فزال الاعتقاد وعاد علما بالمشاهدة.
وبعد احتداد البصر لا يرجع كليل النظر، فيبدو لبعض العبيد باختلاف التجلي في الصور عند الرؤية خلاف معتقده لأنه لا يتكرر، فيصدق عليه في الهوية «وبدا لهم من الله» في هويته «ما لم يكونوا يحتسبون» فيها قبل كشف الغطاء.
وقد ذكرنا صورة الترقي بعد الموت في المعارف الإلهية في كتاب التجليات لنا عند ذكرن من اجتمعنا به من الطائفة في الكشف وما أفدناهم في هذه المسألة بما لم يكن عندهم.
ومن أعجب الأمور أنه في الترقي دائما ولا يشعر بذلك للطافة الحجاب ودقته وتشابه الصور مثل قوله تعالى «وأتوا به متشابه».
وليس هو الواحد عين الآخر فإن الشبيهين عند العارف أنهما شبيهان، غير ان ، و صاحب التحقيق يرى الكثرة في الواحد كما يعلم أن مدلول الأسماء الإلهية، و إن اختلفت حقائقها و كثرت، أنها عين واحدة.
فهذه كثرة معقولة في واحد العين.
فتكون في التجلي كثرة مشهودة في عين واحدة، كما أن الهيولى تؤخذ في حد كل صورة، وهي مع كثرة الصور واختلافها ترجع في الحقيقة إلى جوهر واحد هو هيولاه.
فمن عرف نفسه بهذه المعرفة فقد عرف ربه فإنه على صورته خلقه، بل هو عين هويته وحقيقته.
ولهذ ما عثر أحد من العلماء على معرفة النفس وحقيقتها إلا الإلهيون من الرسل والصوفية.
وأم أصحاب النظر وأرباب الفكر من القدماء والمتكلمين في كلامهم في النفس وماهيتها، فم منهم من عثر على حقيقتها، ولا يعطيها النظر الفكري أبد.
فمن طلب العلم بها من طريق النظر الفكري فقد استسمن ذا ورم ونفخ في غير ضرم.
ل جرم أنهم من «الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنع».
فمن طلب الأمر من غير طريقه فما ظفر بتحقيقه، وما أحسن ما قال الله تعالى في حق العالم وتبدله مع الأنفاس.
«في خلق جديد» في عين واحدة، فقال في حق طائفة، بل أكثر العالم، «بل هم في لبس من خلق جديد». فلا يعرفون تجديد الأمر مع الأنفاس.
لكن قد عثرت عليه الأشاعرة في بعض الموجودات وهي الأعراض، وعثرت عليه الحسبانية في العالم كله.
وجهلهم أهل النظر بأجمعهم.
ولكن أخطأ الفريقان: أما خطأ الحسبانية فبكونهم ما عثروا مع قولهم بالتبدل في العالم بأسره على أحدية عين الجوهر الذي قبل هذه الصورة ولا يوجد إلا بها كما لا تعقل إل به.
فلو قالوا بذلك فازوا بدرجة التحقيق في الأمر.
وأم الأشاعرة فما علموا أن العالم كله مجموع أعراض فهو في الأمر.
وأم الأشاعرة فما علموا أن العالم كله مجموع أعراض فهو يتبدل في كل زمان إذ العرض ل يبقى زمانين.
ويظهر ذلك في الحدود للأشياء، فإنهم إذا حدوا الشيء تبين في حدهم كونه الأعراض، وأن هذه الأعراض المذكورة في حده عين هذا الجوهر وحقيقته القائم بنفسه.
ومن حيث هو عرض لا يقوم بنفسه.
فقد جاء من مجموع ما لا يقوم بنفسه من يقوم بنفسه كالتحيز في حد الجوهر القائم بنفسه الذاتي وقبوله للأعراض حد له ذاتي.
ول شك أن القبول عرض إذ لا يكون إلا في قابل لأنه لا يقوم بنفسه: وهو ذاتي للجوهر.
والتحيز عرض لا يكون إلا في متحيز، فلا يقوم بنفسه.
وليس التحيز عرض لا يكون إلا في متحيز، فلا يقوم بنفسه.
وليس التحيز والقبول بأمر زائد على عين الجوهر المحدود لأن الحدود الذاتية هي عين المحدود وهويته.
فقد صار ما لا يبقى زمانين، يبقى زمانين، وأزمنة وعاد ما لا يقوم بنفسه يقوم بنفسه.
ول يشعرون لما هم عليه، وهؤلاء هم في لبس من خلق جديد.
وأم أهل الكشف فإنهم يرون أن الله يتجلى في كل نفس ولا يكرر التجلي، ويرون أيضا شهود أن كل تجل يعطي خلقا جديدا ويذهب بخلق.
فذهابه هو عين الفناء عند التجلي والبقاء لما يعطيه التجلي الآخر. فافهم.
قلت : لما كانت الحكمة قلبية شرع في ذكر القلب، فذكر أن قلب العارف بالله هو من رحمة الله.
قال: وهو أوسع منها وفيه اشكال لأن ما هو من الشيء كالبعض من الكل كيف يكون أوسع من الكل الذي هو بعضه؟
قال: لأنه وسع الحق، جل جلاله، ورحمته لا تسعه، فصارت الرحمة أوسع منه ولما كان فيه هذ الإشكال .
قال رضي الله عنه: هذا لسان عموم من باب الاشارة.
قال: وإنما لم تسعه رحمته، لأنه راحم فلا يدخل في المرحومين بالرحمة فما وسعته.
قال:وأما الأشارة من لسان الخصوص، فإن الله وصف نفسه بالنفس وهو من التنفيس وهو يشير إلى أنه عين أسمائه تعالى مما يظهر العالم الذي يطلبه أسماؤه الحسني بالذات، فهو في حال لولا نزاهته لكان من أجلها مكروب فالتنفيس من كربه هو عين ظهور العالم من غيب ما لم يكن إلى فضاء الكون .
ول عين للألوهية إلا بالمألوه وجودا وتقديرا.
فأم وجودا: فلا ألوهية بالفعل ما لم يكن المألوه بالفعل.
وأم في التقدير: فلا ألوهية في عالم التقدير إلا بالمألوه المقدر وذلك حال کل متضايفين.
وأم حضرة الغني عن العالمين، فهي حضرة الذات لا حضرة الصفات والأسماء.
قال وليست الربوبية في الحقيقة والاتصاف إلا عين هذا الذات الغنية،
فإذن إنما وصف الحق تعالی نفسه بالشفقة على عباده لصحة نسبهم إلى ذاته من حيث أسماؤه التي ليس هو غيرها.
قال:ولما كان الإيجاد رحمة، فهو أول رحمة وسعت كل شيء، فشملت الرحمة أسمائه الحسنى حيث حصل لها بالايجاد عالما نفس من كرب الأسماء الإلهية باعطائها ما طلبته من حقائق العالم.
قال: فلما وسعت الرحمة العالم والأسماء الإلهية كانت أوسع من القلب أو مساوية له في السعة.
وأعلم أنه، رضي الله عنه، ذكر عقيب هذا مسألة التجلي،. فكأن
قائل قال:هل التجلي يجيء على وفق القلب أم القلب يجيء على وفق التجلي؟
فصرح الشيخ، رضي الله عنه، أن التجلي الاعتقادي يجيء على قدر القلب المعتقد لأنه ل يتجاوز العقيدة، فإن تحولت العقيدة تحول التجلي وأشار إلى أن التجلي الغيبي هو يعطي الاستعداد، فإذا ورد التجلي ورد على حكم الاستعداد.
قال: وهو التجلي الذاتي.
وقد ذكر هنا كلاما ظاهرا لا يحتاج إلى شرح والحق فيه: أن للحق تعالی وجود خارجي وغير خارجي وأما الخلق فإنه مفروض بالذهن في مراتب وجود الحق أو هو عين مراتب وجوده تعالی.
قال رضي الله عنه شعرا:
فمن ثم و ما ثمه ... و عين ثم هو ثمه
فمن قد عمه خصه ... و من قد خصه عمه
فم عين سوى عين ... فنور عينه ظلمه
فمن يغفل عن هذا ... يجد في نفسه غمه
وم يعرف ما قلن ... سوى عبد له همه
قوله: فمن ثم غير الله؟ وما ثم غير الله؟ وهما استفهام بمعنى الجحد والتقرير" لكون الحق ليس معه غيره.
قوله: وما عين سوی عین الحق فهو نور عينه كالظلمة، لكونه ينبهم معناه على غير أهل الشهود.
وأم الغمة التي يجدها من يغفل، فهي غمة فقده لنفسه، لأنه يرى الحق تعالى قد ملك عليه نفسه التي هي ذاته فكان الحق الذي لم يزل، وفني الباطل الذي لم يكن ولا شك أن المحو والمحق والسحق الذي تجده هذه الطائفة ظاهره غمة.
قال : ولا يعرف ما قلنا سوى عيد له همة إلهية لا كونية، ثم فضل، رضي الله عنه، القلب على العقل لورود الآية الكريمة وهي قوله تعالى: "إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب" [ق : 37] .
ولم يقل له عقل ولذلك كانت أرباب القلوب أشرف من أرباب العقول.
قال: وإنما كان القلب أفضل من العقل لأن العقل يصف الحق في التنزيه وهو وصف واحد والحقيقة تأبى الحصر، والقلب يتقلب فهو يسع الحقيقة، والعقل لا يسعها من حيث هو مفكر أما من حيث ما هو قابل فهو القلب نفسه .
ثم علل رضي الله عنه، كون أرباب الاعتقاد يكفر بعضهم بعضا.
فقال: لأن إله صاحب هذا المعتقد مثلا ما له حكم في إله المعتقد الآخر بل الخلف بينهم قائم.
وأيض فإذا نصر المعتقد مذهبه، فربه الخاص به لا ينصره، لأنه رب وهمي لا حقيقة له، فل يكون لنصرة مذهبه أثر ظاهر ينقطع به النزاع وكذلك المقاوم له ولا يزال النزاع قائما .
ولذلك قال: يكفر بعضهم بعضا، ويلعن بعضهم بعضا وما لهم من ناصرین، فذكر أنه ل ناصر لهم فقد نفيه الحق تعالى النصرة عن آلهة الاعتقادات.
قال: فالحق عند العارف المعروف الذي لا ينكر ولا يتنكر في نفس الأمر.
قال: ومن دون العارفين هم المؤمنون وهم الذين قيل فيهم أو ألقي السمع وهو شهيد وليس من هؤلاء مقلدوا أصحاب الرأي الذي نزلوا الأخبار الإلهي إلى مراتب أدلتهم النظرية.
فإن تقليد أوليك ليس هو تقليدا للأنبياء عليهم السلام، ولا هم أتباع الأنبياء، ويوم القيامة يتبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا، والرسل، عليهم السلام، لا يتبرؤون من أتباعهم الذين اتبعوهم.
قال: وأما اختصاص هذه الحكمة بشعیب، فلما في اسمه، عليه السلام، من اشتقاق التشعب وهذه المسألة كثيرة التشعب والاختلاف، فإن العقائد لا تنحصر لكثرتها. قال: فإذا انكشف الأمر فقد ينكشف، على خلاف العقائد وهو قوله وبدأ لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون.

وأم قوله في الهوية:إن بعض العباد ينكشف له على حكم معتقده فيها، فيتحول الظن علما، فهذا فيه تجوز، لأنه إذا اعتقد ما لا يراه يستحيل أن يكون الرؤية مثله سواء، بل لا بد من مخالفة ما حتى يبدو له من الله ما لم يكن يحتسب.
ثم ذكر أن الترقي قد يكون للإنسان وهو لا يشعر به وهذا لا شك فيه ، بشهود الوحدانية بالتدريج وهو لا يشعر فيظن أنه لم يفتح له.
ثم مثل شهود الكثرة في العين الواحدة بأخذ حد الهيولى في كل صورة ، صورة من صورها وهو تمثیل حسن، لكن في مدارك الأفكار.
ثم قال: فمن عرف نفسه بهذه المعرفة فقد عرف ربه، فإنه على صورته خلقه، بل هو عين هويته وصورة حقيقته ثم شرع في أن النفس ما عثر أحد من علماء الرسوم على معرفتها إلا الإلهيون من الأنبياء والصوفية خاصة.
""قال تعالى : " أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (15) سورة ق""
قال: ولا سبيل إلى معرفة النفس بطريق النظر الفكري، ثم ذكر أن الناس كل نفس يتجددون "هم في لبس من خلق جديد" [ق: 15] فهم لا يشعرون بالتجدد وهم فيه، لأنهم أوتوا به متشابها والأشباه أغيار.
قال: وما عثر أحد على تجدد الأمر كله في العالم من أرباب النظر.
وإن كان الأشاعرةقد قالو بتجدد أعراض العالم، لكنهم ما عرفوا أن العالم هو مجموع أعراض،
وأم الحسبانية فإنهم وإن قالوا بتجدد العالم في كل نفس جميعة ولم يخصوا الأعراض، إلا أنهم ما تحققوا وحدانية الجوهر.
وآفة الأشاعرة أنهم ظنوا أن ما لا يقوم بنفسه إذا اجتمع مع ما يقوم بنفسه لا يمكن أن يقوم بنفسه، وهو غلط فاحش.
قال: وأما أصحاب الكشف فيرون العالم متغيرا في ذاته دائما بتجليات إلهية، والتجليات المذكورة تعطي في كل تجل خلقا جديدا ويرون ذلك عيانا مشهودا والله الهادي.
.
....

CuWsGPSyVJg

  السابق

المحتويات

التالي  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب فصوص الحكم وشروحاته

مطالعة هذه الشروحات والتعليقات على كتاب الفصوص


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!