موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

شرح علي التركة
على فصوص الحكم

تأليف: الشيخ صائن الدين التركة

فص حكمة صمدية في كلمة خالدية

  السابق

المحتويات

التالي  

فص حكمة صمدية في كلمة خالدية


26 - فصّ حكمة صمديّة في كلمة خالديّة .كتاب شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة على متن فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
تسمية الفصّ
ووجه اختصاص هذه الكلمة بحكمتها هو أنّ الصمد : السيد المصمود إليه في الحوائج - من صمد : إذ قصد - فلا بدّ أن يكون جامعا لخصوصيّات الكلّ ، حتى يتمكَّن من تفصّي مقتضيات الجمع ففيه معنى أحديّة جمع الخصوصيّات والحكمة الخالديّة لو ظهرت وتمّت كان أمره أن ينبئ عن تصديق نبوّة جميع الأنبياء وتحقيق خصوصيّاتهم ، فالحكمة هاهنا مشتملة على أحديّة جميع الحكم كلَّها ، كما أنّ الكلمة كذلك .
وأيضا بيّنات « الصمد » بنفسها هو « الدائم » بموادّها ، وهو « الخالد » مفهوما ومعنى .
النبوّة البرزخيّة
ثمّ إنّ الصورة التي هي أصل قواعد النبوّة وأساس بنائها لها مجليان فيالعوالم :
أحدهما في عالم الشهادة ، والصورة فيه هيولانيّة جسمانيّة ، تامّة في مصدريّة أحكامها وآثارها ، كاملة بالكمال الجمعيّ والإحاطة الذاتيّة ، ولكن لا دوام له
والأخرى عالم المثال ، والصورة فيه شبحانيّة جسدانيّة ، غير تامّة في مصدريّة الخواصّ والآثار ، ولكن لها الجمعيّة البرزخيّة ، بحسب احتياز الأوصاف وجمع الأطراف فإنّ من شأن البرزخ أن يحيط بطرفيه ويحوي أوصافهما ويظهر بهم .
والمثال هو البرزخبين عالم الأرواح والأجسام ، ولها الخلود والدوام بالنسبة إلى الشهاديّة .
ثمّ إذا تقرّر لك هذا فاعلم إنّه كما أنّ النبوّة الشهاديّة في الصورة التماميّة قد اقتضت ظهور الأنبياء عليهم السّلام بالإنباء عمّا عليه أمرها والإظهار بجملة أحكامها وآثاره ،
كذلك النبوة البرزخيّة اقتضت أن يكون لها كلمة مستقلَّة بين الأنبياء ينبئ عم عليه تلك الصورة في حدّها ، تتميما لأحكام النبوّة المطلقة واستيفاء لمقتضى الصورة التي أصلها بطرفيها ، واستقصاء لأمر الإظهار الذي هو غايتها بعالميها .
وحكمتها هو المشار إليها بقوله :
خالد بن سنان أراد أن يخبر عن البرزخ
"" أضاف المحقق :
اسمه خالد بن سنان بن غيث بن عبس علي ما ذكره المسعودي في مروج الذهب و أيضا أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير و الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني""
قال رضي الله عنه : ( وأما حكمة خالد بن سنان ، فإنّه أظهر بدعواه النبوّة البرزخيّة ) والظهور بها في عالم البرزخ ، ( فإنّه ما ادّعى الإخبار بما هنالك إلَّا بعد الموت ) وتحقّقه بالصورة البرزخيّة ، خالصة عمّا يخالفها من الأحكام المزاجيّة التي هناك ، حتى يتمكَّن عن الإنباء بم عليه أمر ذلك العالم بخصوصه ، متحقّقا به .
قال رضي الله عنه : ( فأمر أن ينبش عليه ، ويسأل ، فيخبر ) بعد تحقّقه بها ( أنّ الحكم ) بجمله وتفاصيله ( في البرزخ على صورة الحياة الدنيا ، فيعلم بذلك صدق الرسل كلَّهم فيما أخبروا به في حياتهم الدنيا ) فإنّ الصور البرزخيّة غير متحيّزة بالمكان ، ولا مقترنة بالزمان ، فلا اختصاص لأحكامها والإنباء عنها بامّة زمانه ، بل تشمل العالمين ، وإذ لم يكن تلك الرقيقة بينه وبين امّة زمانه خاصّة في البرزخ ، لم يتمّ له ذلك الأمر وما سمعوا كلامه .
قال رضي الله عنه : ( وكان غرض خالد إيمان العالم كلَّه بما جاءت به الرسل ، ليكون رحمة للجميع ) من العالمين ، ولكن في البرزخ ، فإنّ ذلك العالم لتقدّمه على الشهادة لا يظهر أمر من الأمور بالصور الشهاديّة قطَّ ، إلَّا بعد ظهوره بالصور المثاليّة في البرزخ فإذا ظهر بالصور المثاليّة يكون آية ، لقرب ظهوره بالصور الشهاديّة .
ومن هذ الأصل تتفرّع معرفة الرؤيا واستعلام الأحوال المستقبلة عن تعبيرها ، وإلى ذلك أشار بقوله رضي الله عنه : ( فإنّه تشرّف بقرب نبوّته من نبوّة محمد صلَّى الله عليه وسلَّم وعلم ) بميامن ذلك القرب أيضا ( أنّ الله أرسله رحمة للعالمين ، ولم يكن خالد برسول ) حتى يصحّ له النسبة الكاملة بامّة زمانه ، ويترتّب عليها البلاغ وسماعهم منه سماع قبول وتربية ، ( فأراد أن يحصّل من هذه الرحمة ) الشاملة
قال رضي الله عنه : ( التي في الرسالة المحمديّة على حظَّ وافر ، ولم يؤمر بالتبليغ ) حتى يتحقّق بذلك الحظَّ في عالم الشهادة .
( فأراد أن يحظى بذلك في البرزخ ، ليكون ) ذلك من خوارق العادات والمعجزات المختصّة به ، وحينئذ يكون ( أقوى في العلم في حقّ الخلق ) ، لأنّه إعلام أمر مع الإعجاز المؤيّد له ، وهو الدليل الواضح عند العامّة.
خصائص الأمور البرزخيّة وسبب عدم توفيق خالد بن سنان
قال رضي الله عنه : ( فأضاعه قومه ) لعدم وثاقة النسبة وتصحيحها المترتّب عليه أحكامها ، ولأنّ الصورة البرزخيّة - من حيث هي كذلك - إنّما تقتضي ظهورا ما في مرتبتها على ما اقتضته ، غير كامل النظام ولا متّسق الترتيب فإنّ مبنى أمر النظام والترتيب الزمان والمكان ، وقد عرفت أنّ هذه الصورة في هذه المرتبة غير متحيّزة ولا مقترنة مكانا وزمانا ، وبيّن أنّ نسبة السيّد والنبيّ إلى قومه إنّما استوثقت من الصور الترتيبيّة والهيئة التأليفيّة الشهاديّة ، التي لا بدّ له من نظام حتى يتمّ .
فالنسبة بين خالد وامّته وثيقة حيث كان في الصور الشهاديّة ، وإذا انتقل إلى البرزخ ما بقي النسبة على ما كانت عليه فلذلك قال النبي : « قومه » ، لا : " امّته" .
وإذا لم يكن خالد برسول مأمور بالتبليغ ، بل ذلك إنما هو غرضه المختصّ به أن يحتظي من الرحمة العامّة الختميّة من دون وحي إلهيّ ، ولذلك قال : " أضاعه قومه " .
( ولم يصف النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قومه بأنهم ضاعوا ) ، ولو كان رسولا مأمور بالتبليغ
كانوا هم الضائعين أولا ، ( وإنّما وصفهم بأنهم أضاعوا نبيّهم ، حيث لم يبلغوا مراده ) وهو النبش على ما وصّاهم به .
تفصيل قصّة خالد بن سنان
وقصّته أن خالد رجل من العدن ، ظهر به داعيا إلى الله ومبدأ أمره أنّه خرجت في أيّامه نار عظيمة من مغارة ، فأهلكت الزرع والضرع ، والتجأ إليه قومه ، فأخذ خالد يضرب تلك النار بعصاه حتى رجعت هاربة منه إلى حيث خرجت عنه ، ثمّ وصّى لأولاده أنّي أدخل المغارة خلف النار لاطفئها ، وأمرهم أن يدعوه بعد ثلاثة أيّام .
فلما دخل صبروا يومين فاستفزّهم الشيطان ولم يصبروا تمام الثلاثة وصاحوا فخرج خالد وعلى رأسه ألم من صياحهم ،
وقال رضي الله عنه : « ضيّعتموني وأضعتم قولي ووصيّتي » ، وأخبرهم بموته ، وأمرهم أن يقبروه ويرقبوه أربعين يوما ، فإنّه يأتيهم قطيع من الغنم ، يقدمها حمار أبتر مقطوع الذنب ، فإذا حاذى قبره ووقف فلينبشوا عليه قبره ، فإنّه يقوم لهم ويخبرهم بأحوال البرزخ والقبر عن يقين .
فانتظرو أربعين يوما فجاء قطيع كذلك ، فهمّ مؤمنو قومه أن ينبشوا ، فأبى أولاده خوفا من العار عند العرب أن يقال لهم : " أولاد المنبوشين " ، فضيّعوا وصيّته وأضاعوه .
فلما بعث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم جاءته بنت خالد ، فقال صلَّى الله عليه وسلَّم : « مرحبا بابنة نبيّ أضاعه قومه » .
""أضاف المحقق :
عن المسعودي في مروج الذهب ( 1 / 75 ) : « وقد ذكره النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ذلك نبي أضاعه قومه » .
وفيه ( 2 / 370 ) : « وردت ابنة له عجوز قد عمّرت على النبيّ ص ، فتلقاها بخير وأكرمها ، فأسلمت وقال لها : مرحبا بابنة نبيّ ضيّعه أهله » . ""
تأويل قصّة خالد
ثمّ إنّ لهذه القصّة تأويلا لطيفا يمكن حملها عليه ، ولكن يحتاج فهمه إلى مقدمة :
وهي أن الولاية أقسام ثلاثة :
ولاية هي باطن النبوة المطلقة ، وهي شاملة لولايات جميع الأنبياء ، وولاية هي باطن النبوة الخاصّة بكل من النبيّين ، وكمالها ما هو باطن النبوّة المحمديّة ،
وولاية مطلقة لا اختصاص لها بالنبوّة .
ولكل من هذه الأقسام خاتم ظهر به تمامها ، وخاتم الولاية منهم هو الذي ختم به القسم الثالث ، أعني الولاية المطلقة الشاملة للكلّ .
وأما القسم الثاني ، فخاتمه الشيخ المؤلَّف ، كما علم من تصفّح كلامه أنّه خاتم الولاية المحمديّة وأما القسم الأول ، فخاتمه علىّ عليه السّلام ، ولذلك قال ما معناه : " لو اجتمع أهل الكتب الأربعة لحكمت علي كلّ منهم بكتابه " .
ثمّ إنّ خالدا صورة باطن نبوّة الأنبياء ، وباطنها هو الولاية المختصّة بها ، ولذلك ما امر بالتبليغ ، واقتضى النبوّة البرزخيّة التي هي باطن هذه المرتبة ، وبه سمّي ب « الخالد » واقتضى « الحكمة الصمدانية » التي لها الدوام كما عرفت فإنّ الولاية لا انقطاع لها كما سبق بيانه .
وإذا تقرّر هذا فاعلم أنّ الولاية التي هي باطن نبوّة الأنبياء قد ظهر بعد ختم النبوّة بمحمد صلوات الله وسلامه عليه - في أهل بيته ، فمن قرب إليه زمانا غير خاتم الولاية ، فإنّه مظهر الولاية المطلقة ، والكلام هاهنا في الولاية التي هي باطن النبوّة .
ثمّ إنّه ل يخفى على المتفطَّن أنّ الرجل الذي ظهر من عدن معدن الكمال والظهور من هو ؟
فإنّه قد ظهر في أيّامه نار فتنة عظيمة من مغارة الغيرة والتنافس ، فأهلكت زرع أحكام النبوّة وأوضاعها العمليّة ، وضرع الحقائق وكمالاتها العلميّة التي في أيّام الخاتم فانطفت النار بقوّة رأيه ونظره الثاقب المشار إليها بعصا ،
واختفى في تلك المغارة ، ووصّى أولاده وأتباعه أن لا يدعوه إلى الظهور والخروج إلَّا بعد انقضاء ثلاثة أيام من الظهورات الكاملة ، فما صبروا إلى أن يتمّ الثالث ، بل استفزّهم الشيطان وجعلوه تامّا ، وصاحوا عليه ليخرج ، فخرج وعلى رأس رياسته ألم لمخافة الناس ، وتفرّقهم عن اتّصال كمال ظهوره .
وأمّا صورة وعدهم بالنبش - عند وصول القطيع الذي تقدمه حمار أبتر حذاء قبره ، حتى يظهر تلك الولاية ، ويخبرهم عن أحكام البرزخ التي بين الخاتمين - هو صورة ما ظهر في أيّام أبي مسلم الخراساني ، فهو الحمار الأبتر ، لخيرته وانقطاع ذنب أمره ، وباقي الصور ظاهر للفطن إذا تأمّل فيه .
ومن آيات تطبيق هذا التأويل هو أنّ الواسطة في نسبة هذا الرجل إلى محمد - صلوات الله وسلامه عليه - هو البنت ، حيث قال عند رؤيته إياه : " مرحبا بابنة نبيّ أضاعه قومه " .
أجر النيّة
ثمّ إنّه قد علم أن أمة خالد ما بلغته مراده ، وفي عبارته هذه لطيفة كاشفة عن أصل هذه الحكمة وخصوص كلمتها ، حيث أنّ قوم خالد هو المبلغ إيّاه ، كما أنّه هو المضيّع له ، على خلاف ما عليه كلمة النبيّين بأجمعهم .
ثمّ أخذ يشير في طيّ هذه اللطيفة إلى أصل كلَّي وقانون جملي يتعلَّم منه كثير من الأحكام الجزئية عند استخراج فروعه ، وذلك أنّ المتوجّه إلى أيّ نحو من طرق الكمال إذا وقع له في الطريق قبل وصوله إلى ما جعله قبلة امنيّته ومقصد توجّهه ما يقطع رابطته التي له بحسب هذه النشأة الجمعية - هل يمكن له الوصول إليه في العوالم البرزخيّة والنشآت الآتية ،
حيث قال رضي الله عنه: (فهل بلغه الله أجر امنيّته ؟ فلا شكّ ولا خلاف أنّ له أجر امنيّته وإنّما الشك والخلاف في أجر المطلوب : هل يساوي تمنّى وقوعه نفس وقوعه بالوجود أم لا فإنّ في الشرع م يؤيّد التساوي في مواضع كثيرة ) ظهوريّة غير متعدّية وإظهاريّة متعدّية :
فالأوّل( كالآتي للصلاة في الجماعة ، فتفوته الجماعة ، فله أجر من حضر الجماعة )
وأمّ الثاني : ( كالمتمنّي مع فقره ما هم عليه أصحاب الثروة والمال من فعل الخير فيه ، فله مثل أجورهم ) في نيّاتهم .
فهذا ما يدلّ في الشرع على التساوي بين الأجرين : أجر المتمنّي الفائت منه العمل ، وأجر العامل ولكن فيه إجمال ، فإنّ العامل له أجر التمنّي أيضا ، فالمساواة المشار إليها في الشرع هل هو ما بين أجري التمنّي للفائت والعامل ، أو بين أجريهما مطلقا ؟
وإليه أشار بقوله رضي الله عنه :( ولكن مثل أجورهم في نيّاتهم أو في عملهم ، فإنّهم جمعوا بين العمل والنيّة ) وليس في كلام النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ما يرجّح أحد الاحتمالين ( ولم ينصّ النبيّ عليهما ولا على واحد منهما ، والظاهر أنّه لا تساوي بينهما ) ، فإنّ النسبة بينهما نسبة الكل إلى الأجزاء والجمع إلى أفراده .
قال رضي الله عنه : ( ولذلك طلب خالد بن سنان الإبلاغ ، حتى يصحّ له مقام الجمع بين الأمرين ، فيحصّل على الأجرين ).
.
....

-knNNrygMJs

  السابق

المحتويات

التالي  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب فصوص الحكم وشروحاته

مطالعة هذه الشروحات والتعليقات على كتاب الفصوص


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!