موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

شرح علي التركة
على فصوص الحكم

تأليف: الشيخ صائن الدين التركة

فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية

  السابق

المحتويات

التالي  

فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية


16 - فصّ حكمة رحمانيّة في كلمة سليمانيّة .كتاب شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة


شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة على متن فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
ووجه اختصاص الكلمة السليمانيّة بالحكمة الرحمانيّة هو عموم حكمها ، فإنّ للكلمة السليمانيّة إحاطة سلطنة وقهرمان على البريّة كلَّها ، كما أنّ "الرحمن" بين الأسماء هو الشامل حكمه على الموجودات كلها ، فما من موجود له نوع من الحياة إلا وهو تحت ضبطهما وأمرهما.
ولذلك يلوح فضلهما على اسم « الحي » على ما أخبر عنه قوله تعالى حاكيا عنه :"يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا من كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ “ [ 27 / 16 ]
تصدير كتاب سليمان عليه السّلام باسم الله تعالى
وحيث أنّ لسليمان عموم الحكم على كلَّية تفاصيل الأمر وبيانه صدّر الفصّ بقوله : ( “ إِنَّه ُ “ يعني الكتاب “ من سُلَيْمانَ وَإِنَّه ُ “ عني مضمونه ) وهذا قول بلقيس .
يقول لقومها عند إراءتها لهم الكتاب ، لا حكاية مضمون الكتاب وما في طيّه ، على ما توهّمه أكثر أهل الظاهر من المفسّرين ، وارتكبوا في توجيه تقديم سليمان اسمه على اسم الله تعسّفات بعيدة كما سيشير إليه الشيخ - .
فقوله : “ إِنَّه ُ من سُلَيْمانَ “ بيان لمرسل الكتاب ، فإنّه أول ما اهتمّ ببيانه وإشاعته ، سيّما إذا كان سلطانا مثل سليمان “ وَإِنَّه ُ “ بيان لمضمون الكتاب يعني (“ بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ")
فالكتاب حينئذ مصدّر باسم الله ، وعلى ما فهمه أهل الظاهر مصدّر باسم سليمان ، وإليه أشار بقوله رضي الله عنه : ( فأخذ بعض الناس في تقديم اسم سليمان على اسم الله تعالى ) بما توهّموه ( ولم يكن كذلك ، وتكلموا في ذلك بما لا ينبغي ) من التوجيهات البعيدة ، كما يقولون : « إنما قدّم اسمه على اسم الله وقاية له أن يقع عليه الخرق ، وأنّه إن وقع الخرق يكون على اسمه ، لا على اسم الله » .
و « أنّ اسمه لكمال مهابته في قلوب البرية مانعة لهم عن الخرق » ،
وغير ذلك ( مما لا يليق بمعرفة سليمان عليه السّلام بربّه ، وكيف يليق ما قالوه وبلقيس تقول فيه : “ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ “) [ 27 / 29 ] . ، فإنّه لا بدّ لكل نبيّ وداع إلى الله أن يكون عارفا بمقادير استعدادات المدعوّين ومدارج نسبهم في الإنكار والإقرار
. فإذا كانت بلقيس في هذا المقام من الإقرار كيف
يليق بسليمان على جلالة قدره أن يخاف منها على خرق كتابه ؟ وهي يقول عند ورود ذلك الكتاب : “إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ “ (أي يكرم عليها ).
ثمّ أشار إلى منشأ خطأهم إقامة لعذرهم على ما هو مقتضى أدب الطريق بقوله رضي الله عنه : ( وإنما حملهم على ذلك - ربما - تمزيق كسرى كتاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، وما مزّقه حتى قرأه كلَّه وعرف مضمونه . فكذلك كانت تفعل بلقيس - لو لم توفّق لما وفّقت له - ) من النسبة الداعية لها إلى القبول .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فلم يكن يحمي الكتاب عن الخرق لحرمة صاحبه تقديم اسمه عليه السّلام على اسم الله تعالى ، ولا تأخيره ) عنه .
الرحمة الامتنانيّة والوجوبيّة
ثمّ إن سليمان لعموم سلطانه على الموجودات له خصوصيّة نسبة إلى الرحمة التي هو الوجود ، كما عرفت ذلك .
ولما كانت الرحمة نوعين :
امتنانيّة : وهي التي لا تترتّب على ما يستجلبه من الاستعدادات والأعمال المورثة ، بل به يحصل الاستعداد وما يتقوّم به من القوابل ، كالفائض بالفيض الأقدس من الوجود العامّ الشامل ، الذي به يتنوّع الاستعدادات في التعيّن الأوّل .
ووجوبيّة : وهي التي تترتّب على الاستعدادات والأعمال المورثة له ، كالعلوم والكمالات المترتّبة على ما يستتبعه من المقتضيات والمعدّات –
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فأتى سليمان بالرحمتين : رحمة الامتنان ، ورحمة الوجوب ، اللتان هما الرحمن الرحيم ) كاشفا بهما عن معنى اسم الله ، المصدّر به الكتاب ، تبيينا للذّات بأظهر أوصافها ، وتحقيقا لمبادئ ما ظهر من الكثرة الكونيّة في الوحدة الوجوديّة .
( فامتنّ بالرحمن ) أي بتعميم الرحمة والوجود على الكل بدون سابقة استعداد مقتضية لها ، كما قال تعالى : “ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ “ [ 7 / 156 ] .
( وأوجب بالرحيم ) أي بتخصيص الرحمة التي هي العلم والكمالات على من يستجلبها باستعداده ، كما قال : “ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ “ [ 7 / 156 ] .
عموميّة اسم الرحيم ودخوله في الرحمن بالتضمّن
وإذ قد ظهر لك أنّ الرحمة الامتنانيّة حيث ليس للمرحوم عين أصلا ، ثمّ بها ظهر المرحومون وعمّت لهم .
والوجوبية حيث ليس للمرحومين كمال ثمّ بها انفردوا بالكمال وخصّوا بما يليق به انتسابهم إلى جناب الراحم وجلاله الأحدي :
كأن إلى مثل هذا المعنى أشار قول إمام المحقّقين جعفر الصادق:
"الرحمن اسم خاصّ صفته عامة . والرحيم اسم عامّ صفته خاصّة " .
وبيّن أنّ الوجود العام - يعني الرحمة الامتنانية - له الإحاطة بالكل : فالوجوبيّة منها مندرجة فيها - اندراج الجزء تحت الكل .
وإليه أشار بقوله : ( وهذا الوجوب من الامتنان ، فدخل الرحيم في الرحمن دخول تضمّن ).
وبيّن أنّ هذا غير اعتبار العموم والخصوص فإنّ دخول الخاصّ تحت العامّ ليس دخول تضمّن ثمّ إنّه وإن أمكن اعتبار العموم والخصوص في الرحمتين ، ولكن ليس فيما نحن بصدده ، فإنّ هذه النسبة إنما تتصور عند اتّحادهما وحملهما بهو هو ، وهو غير مراد هاهنا .
ولذلك علّله بقوله : ( فإنّه كتب على نفسه الرحمة سبحانه ) فإنّ نسبة بعض المكتوب إلى الجملة من الكتاب نسبة الجزء إلى كله ، لا نسبة الجزئي الخاص إلى كليّه العام ، وهذا المكتوب هو رحمة الوجوب إنما كتبه ،
( ليكون ذلك للعبد بما ذكره الحقّ من الأعمال التي يأتي بها هذا العبد حقّا على الله أوجبه له على نفسه ، فيستحقّ بها ) .
أي بتلك الأعمال (هذه الرحمة - أعني رحمة الوجوب) كما عبّر عنه الحديث القدسيّ المفصح عن قرب النوافل .
تسمية العبد باسم الأول والآخر والظاهر والباطن
( ومن كان من العبد بهذه المثابة ) في القرب بالتزام النوافل من الأعمال ( فإنّه يعلم من هو العامل منه ) - أي من العبد ، فإنّ له أعضاء عاملة وغير عاملة .
( والعمل مقسم على ثمانية أعضاء من الإنسان ) -اليدين والرجلين والسمع والبصر واللسان والجبهة.
قال رضي الله عنه : ( وقد أخبر الحقّ ) في الحديث المذكور ( أنّه تعالى هويّة كل عضو منها ، فلم يكن العامل غير الحقّ ، والصورة للعبد ، والهويّة مدرجة فيه ) .
أي في العبد الذي هو اسم من أسماء الحقّ ، والاسم عين المسمّى ، فلم يكن للغير هنا دخل .
وعنه أفصح بقوله : (أي في اسمه ، لا غير ) أي ما بقي من المدرج فيه تلك الهويّة غير اسم العبد (لأنّه عين ما ظهر وسمّي خلقا وبه كان الاسم الظاهر والآخر للعبد ).
وهذا نتيجة رحمة الوجوب .
قال رضي الله عنه : ( وبكونه لم يكن ثمّ كان ، ويتوقّف ظهوره عليه وصدور العمل منه ) - أي يتوقّف ظهور الحقّ على العبد الكائن كونا متجدّدا وصدور العمل منه
قال رضي الله عنه : ( كان الاسم الباطن والأول ) أما الأول فظاهر ، لكونه لم يكن ثمّ كان .
وأمّا الباطن فلأنّه يتوقّف على كونه المتجدّد ظهور الحق ، فلا بدّ وأن يكون باطنا بالنسبة إليه ، وإلا لم يتوقّف عليه الظاهر .
سيّما إذا كان مصدرا للأعمال . فإنّ الآثار إنما يصدر عن البواطن .
فلئن قيل : قد صرّح آنفا بأنّ العامل لم يكن غير الحقّ ، فكيف يكون مصدر الأعمال عبدا ؟
قلنا : إنّ العامل وإن كان هو الحقّ ، لا غير ، ولكن مصدريّته أمر معنويّ هو صفة العبد ، كما أفصح عنه الحديث .
حيث قال: « كنت سمعه الذي يسمع وبصره الذي يبصر » ، فإنّ ضمير يسمع ويبصر للعبد . وإن كان السمع عين الحقّ .
وكذلك ما يتوقّف عليه ظهور الحقّ من العبد . هكذا ينبغي أن يفهم هذا الموضع ، فإنّه قد اضطرب الأقوال هاهنا كل الاضطراب .
وإذ قد عرفت أن هذه الأسماء إنما ظهرت من الخلق ( فإذا رأيت الخلق رأيت الأوّل ) بكونه لم يكن ثمّ كان ، ( و ) رأيت ( الآخر ) بكونه أنهى مراتب الصورة ، ( والظاهر ) بكونه هو المدرك بالمشاعر الحسيّة ، ( والباطن ) بكونه يتوقّف عليه ظهور الحقّ ويصدر منه صنوف الأعمال التي منها الإظهار .
ملك سليمان الذي لا ينبغي لأحد
قال رضي الله عنه : ( وهذه معرفة لا يغيب عنها سليمان عليه السّلام ) يعني رؤية هذه الأسماء التي لها الإحاطة التامّة والجمعية الكاملة من الخلق ( بل هي من ) جملة ( الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده ) .
وهاهنا تلويح يدلَّك على أمور لا بدّ من الاطَّلاع عليها ، وهو أنّ للتسعة الإحاطة التامّة والجمعيّة الكماليّة - كما عرفت غير مرّة - وبيّن أنّها إذا وقعت في مرتبة العشرات لاكتساب الجمعيّة البرزخيّة التي هناك لها مزيد كمال ، ولذلك تراه يترتّب عليها حينئذ إشعار بأمور تستتبعه آثار في عالم الإظهار .
لإبرازه النسب التي هي منبع العجائب وأصل بدائع الصنائع - كما بيّن في موضعه - ولوقوع ذلك العدد في اسم سليمان موقعه وإحاطته بطرفيه بوحدتهما الكماليّة قد ظهر منه ما ظهر ، وهو الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده - كما لا يخفى .
كان لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مثل ملك سليمان ولا يتظاهر به
ثمّ إن ذلك الملك قد يكون بحسب العلم والشعور ، وقد يكون بحسب الوجود والظهور ، والذي اختصّ به سليمان بين الكمّل هو الظهور به .
وإليه أشار بقوله : ( يعني الظهور به في عالم الشهادة ) المسمّاة بعالم الملك أيضا ، ( فقد أوتي محمّد عليه الصلاة والسّلام ما أوتي به سليمان وما ظهر به ) ، ومن تأمّل في كيفيّة انطواء الاسمين على ذلك العدد يظهر له ذلك .
والذي يدلّ على أنّه أوتي محمّد صلَّى الله عليه وسلَّم ذلك الملك أنّه جاءه عفريت أي خبيث ، من الجن
قال رضي الله عنه : ( فمكَّنه الله تمكين قهر من العفريت الذي جاءه بالليل ليفتك به ، فهمّ بأخذه وربطه بسارية من سواري المسجد حتى يصبح فيلعب به ولدان المدينة ، فذكر دعوة سليمان فردّه الله خاسئا ، فلم يظهر عليه بما أقدر عليه ، وظهر بذلك سليمان ) .
قال رضي الله عنه : ( ثم قوله “ مُلْكاً “) أي ثمّ إظهاره ، فإنّ القول أبين مراتب الإظهار ( فلم يعمّ ، فعلمنا ) بتنكير الملك في قوله وإظهاره ( أنّه يريد ملكا ما ) خاصّا من الأملاك ، ( ورأيناه قد شورك في كل جزء جزء من الملك ) فإنّ لكل أحد من النبيّين تصرّفا في جزء من أجزاء الملك ( الذي أعطاه الله تعالى ، فعلمنا ) بهذه الآية المنزلة ( أنّه ما اختصّ إلا بالمجموع من ذلك ) الأملاك .
فأحديّة جمع الكلّ هو الملك الخاصّ الذي سأله هذا ، وعلمناه لمنطوق كلامه ( وبحديث العفريت أنّه ما اختصّ إلا بالظهور وقد يختصّ بالمجموع والظهور ) الذين هما أثر رحمة الامتنان ورحمة الوجوب . و « قد » هاهنا للتحقيق ، مثل : “ قَدْ يَعْلَمُ الله “ [ 24 / 63 ] . .
قال الشيخ رضي الله عنه : (ولو لم يقل صلَّى الله عليه وسلَّم في حديث العفريت : « فأمكنني الله منه » لقلنا : إنّه لما همّ بأخذه ذكَّر الله دعوة سليمان ، ليعلم أنّه لا يقدره الله على أخذه ، فردّه الله خاسئا . فلما قال : « أمكنني الله منه » علمنا أنّ الله تعالى قد وهبه التصرّف فيه ، ثمّ إنّ الله ذكَّره فتذكَّر دعوة سليمان ، فتأدّب معه . فعلمنا من هذا أنّ الذي لا ينبغي لأحد من الخلق بعد سليمان الظهور بذلك في العموم ) على ما هو مؤدّى الرحمتين .
عموميّة الاسم الرحيم
)قال الشيخ رضي الله عنه : (وليس غرضنا من هذه المسألة إلا الكلام والتنبيه على الرحمتين ، اللتين ذكرهما سليمان في الاسمين اللذين تفسيرهما بلسان العرب الرحمن الرحيم . فقيّد رحمة الوجوب ) في قوله : “ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ “ [ 9 / 128 ]
( وأطلق رحمة الامتنان في قوله : “ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ “ ( [ 7 / 156 ] ( حتى الأسماء الإلهية ، أعني حقائق النسب ) .
وإنّما فسّر الأسماء الإلهية بحقائق النسب ، فإن الأسماء من حيث خصوصيّاتها الامتيازية التي بها تغاير الذات ، لها مرتبتان :
إحداهما عند وجود النسبة بظهور المنتسبين كليهم ، ويسمّى أسماء الربوبيّة .
والأخرى أقدم منها رتبة وأبطن نسبة ، وذلك عند فقد أحد المنتسبين وجودا ، أعني المعلوم والمقدور والمراد.
فإنّه ليس لها في الحضرات الأول إلا محض الاعتبار ، ويسمّى بالأسماء الإلهية فهي حقائق النسب وبواطنها - .
هو الراحم والمرحوم
( فامتنّ عليه بن ) لظهورها بأعيانن ( فنحن نتيجة رحمة الامتنان بالأسماء الإلهيّة والنسب الربانيّة ) أي هذا النوع الإنساني .
""أضاف المحقق : اختلف الشراح في تفسير قول الماتن « بنا » ، فالجندي والكاشاني اعتقدا أنها خاص بالكمل ، واعترض عليهم القيصري قائلا أنه عام لجميع أفراد الإنسان كاملا أو ناقصا ، ولعل القول الوسط كلام الشارح بأن المراد هو النوع هو النوع الإنساني .""
لكونه أنهى ما ينساق إليه مقدّمات المراتب الاستيداعيّة والاستقراريّة ، وأقصى ما يستنتج منه أقيسة الأسماء الإلهيّة والنسب الربانيّة ، فهو إذن النتيجة المستحصلة من تلك الامتزاجات بنوعه لا بأشخاصها المتفاضلة ، كما لا يخفى .
فلمّا أفضى أمر رحمة الامتنان وترتيب أشكالها البيّنة الإنتاج إلى هذه النتيجة الجمعيّة الكماليّة ، التي هي حاصرة للكل ، ثمّ بها أمر تلك الرحمة ، فأفاض في رحمة الوجوب ، وإليه أشار بقوله : ( ثمّ أوجبها على نفسه بظهورنا لنا ) .
ظهورا علميّا ليرحمنا بالرحمة الرحيميّة الشهوديّة ، كما رحمنا بالرحمة الرحمانيّة الوجوديّة ، وبيّن أن هذه النتيجة وإن كانت نتيجة من وجه ، ولكن هو الكلّ من وجه آخر ، وهو من حيث ظهور العلم والشهود .
ولذلك قال في هذه الرحمة « على نفسه » تنبيها إلى هذه الدقيقة :
(وأعلمنا أنّه هويّتنا) عند ذلك الظهور بقوله : “وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ“ [ 42 / 11 ]
لنعلم أنّه ما أوجبها على نفسه إلا لنفسه ، فما خرجت الرحمة عنه ) فهو الراحم والمرحوم - امتنانيّة كانت الرحمة أو وجوبيّة كما بيّن .
(فعلى م امتنّ وما ثمّ إلا هو) هذا مقتضى لسان الإجمال. "في نسخة اخري : فعلى من "
الذي عبّر عن صرف الوحدة الإجمالية . وكأنّك قد عرفت غير مرّة أنّه لبيان تمام التوحيد لا بدّ مما يشعر بطرف التفصيل منها لئلا يتوهّم الوحدة العدديّة المقابلة للكثرة ، على ما هو المبادر إلى سائر الطباع .
وإليه أشار بقوله :( إلا أنّه لا بدّ من حكم لسان التفصيل ) توفية لحقّ أدائه ، وذلك ( لما ظهر من تفاضل الخلق في العلوم ، حتّى يقال : « إنّ هذا أعلم من هذا » مع أحديّة العين ) وفي عبارته لطيفة حيث أنّ في هذا أحديّة تأبى الشركة ، ففي لسان التفصيل إشعار بعين الإجمال ، وقوله : « مع أحدية العين تنبيه إليه » .
التفاضل في الأسماء
قال رضي الله عنه : ( و ) هذا التفاضل ( معناه معنى نقص تعلق الإرادة عن تعلَّق العلم )
فإنّك قد عرفت في المقدّمة أنّ العلم له التقدّم الاحاطي والتحكَّم الشمولي على الإرادة . كما أنّ الإرادة لها التقدّم الإحاطي على القدرة ، فإنّ العلم عندهم عبارة عن تعلَّق الذات بنفسها وبجميع الحقائق على ما هي عليه .
ثمّ ذلك التعلَّق إن اعتبر على الممكنات خاصة بتخصّصها بأحد الجائزين مطلقا يسمّى إرادة ، كما أنّه إن اعتبر اختصاصه بإيجاد الكون يسمّى بالقدرة.
قال رضي الله عنه : (فهذه مفاضلة في الصفات الإلهية ) ومرجعها ترتّب نسبة بعضها إلى بعض بالكمال والنقص ، وهو نقص تعلَّق الإرادة عن تعلَّق العلم (وكمال تعلَّق الإرادة وفضلها وزيادتها على تعلَّق القدرة) هذا فيما ظهر فيه نسبة الكمال والنقص من الأسماء المترتبة .
( وكذلك السمع الإلهي والبصر ) الإلهي ، فيما الظاهر فيه التقابل في حيطة الترتّب المذكور ، فإنّه داخل تحت حكم التفاضل المذكور ، كما للسمع هاهنا بالنسبة إلى البصر ، وفي عبارة المتن إشعار بذلك .
قال رضي الله عنه : (و) كذلك ( جميع الأسماء الإلهيّة على درجات في تفاضل بعضها على بعض ) في الحيطة والتقدّم .
وإن ظهر ذلك في بعض منها ، واختفى في بعض (كذلك تفاضل ما ظهر في الخلق ) في اتّصافه بالأوصاف الكمالية ( من أن يقال هذا أعلم من هذا مع أحديّة العين ) فإنّ الموافقة والمطابقة بين الظاهر والمظهر ، يعني الأسماء والأعيان واجبة التحقّق .
هذا إن قلنا بالمغايرة بين الظاهر والمظهر ، وإن أجملنا القول في ذلك ، فالتفاضل بين الأشخاص عين التفاضل الأسمائي. الفتوحات ج 2 / 61 .
""أضاف الجامع : خير مثال على التفريق بين الظاهر والمظهر ما قاله الجيلي في الثلج والماء."
وما الخلق في التمثال الا كثلجة .... وأنت لها الماء الذي هو نابع
فالظاهر: الماء والمظهر: الثلجة
- فالظاهر، هو عين المظهر كما أن الماء هو عين الثلجة.
- والمظهر ليس على التحقيق غير الظاهر كما أن الثلجة ليست على التحقيق غير الماء. ""
قال الشيخ في الفتوحات الباب الثالث والسبعون في معرفة عدد ما يحصل من الأسرار :
واعلم أنه من شم رائحة من العلم بالله لم يقل لم فعل كذا وما فعل كذا ؟! وكيف يقول العالم بالله لم فعل كذا ؟
وهو يعلم أنه السبب الذي اقتضى كل ما ظهر وما لم يظهر وما قدم وما أخر وما رتب لذاته
فهو عين السبب .
فلا يوجد لعلة سواه ولا يعدم سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا فمشيئته عرش ذاته.
كذا قال أبو طالب المكي : إن عقلت فإن فتح لك في علم نسب الأسماء الإلهية التي ظهرت بظهور المظاهر الإلهية في أعيان الممكنات فتنوعت وتجنست وتشخصت "قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ وكُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وتَسْبِيحَهُ ".
فسبب ظهور كل حكم في عينه اسمه الإلهي وليست أسماؤه سوى نسب ذاتية فاعقل.
والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ
وقال الشيخ في الفتوحات الباب الثالث والسبعون عن الوجوب على الله هل هو من حيث مظاهره أو لمظاهره :
فهل هذا كله من حيث مظاهره أو هو وجوب ذاتي لمظاهره من حيث هي مظاهر لا من حيث الأعيان .
فإن كان للمظاهر فما أوجب على نفسه إلا لنفسه فلا يدخل تحت حد الواجب ما هو وجوب على هذه الصفة .
فإن الشيء لا يذم نفسه وإن كان للاعيان القابلة أن تكون مظاهر كان وجوبه لغيره .
إذ الأعيان غيره والمظاهر هويته .....
وبقيت الرحمة في حقه مطلقة ينتظرها من عين المنة التي منها كان وجوده.
أي منها كان مظهرا للحق لتتميز عينه في حال اتصافها بالعدم عن العدم المطلق الذي لا عين فيه.
ألا ترى إبليس كيف قال لسهل في هذا الفصل : يا سهل التقييد صفتك لا صفته فلم ينحجب بتقييد الجهالة والتقوى عما يستحقه من الإطلاق فلا وجوب عليه مطلقا أصل فمهما رأيت الوجوب فاعلم إن التقييد يصحبه. أهـ. ""
وفي عبارة المتن ما يشعر بهذا الإجمال ، حيث قال : « معناه معنى نقص تعلَّق الإرادة عن تعلَّق العلم » بتكرار « المعنى » كما لا يخفى على الفطن.
تضمن كل اسم على سائر الأسماء وسريان هذا الحكم في المظاهر
( وكما أنّ كل اسم إلهي إذا قدّمته ) - ذكرا كان أو اعتبار .
(سمّيته بجميع الأسماء ونعتّه بها ، كذلك فيما ظهر من الخلق ، فيه أهليّة كلّ ما فوضل به ) إذ كل شيء وإن ظهر فيه اسم لكن لا بدّ من تضمّنه للكلّ واختفائه فيه ، وهو المراد بالأهليّة ، إذ أهل الشيء إنما يقال لمن جمعه وإيّاه ذلك من دين ونسب أو صناعة وبلد وما يجري مجراه . فالأهليّة للشيء هو جمعيّته له ، ولا شكّ في جمعيّة كلّ شيء لسائر الأشياء ،
كما قال الشيخ :
كل شيء فيه معنى كل شيء .... فتفطَّن واصرف الذهن إليّ
كثرة لا تتناهى عدد ..... قد طوتها وحدة الواحد طيّ
اشتمال كل جزء على المجموع
( فكل جزء من العالم مجموع العالم - أي هو قابل لحقائق متفرّقات العالم كله ) ، فإنّك قد لوّحت أن العالم هو العالم نفسه - بفتح لام التفصيل - وكلّ جزء من العالم عالم حيّ ناطق ، ولذلك تراه قد جمع جمع السلامة التي لذوي العقول الناطقة في قوله تعالى : “ الْحَمْدُ لِلَّه ِ رَبِّ الْعالَمِينَ “ [ 1 / 2 ] .
والذي يقضى منه العجب حال هؤلاء الذين ادّعوا : « أنّا نحن نحكم بالظاهر » وهم مضطرّون في ظواهر أمثال هذه الألفاظ المفصحة عن الحقائق إلى التأويلات البعيدة ، تطبيقا لما تواطئوا عليه من العقائد التقليديّة ، وهذ
من الحكم البالغة للحكيم العليم ، ونعمه السابغة على المسترشدين ، أنّه جعل فعلهم ينادي على تكذيبهم فيما أدعوه أنّ الظاهر لهم .
ولله درّ " ابن الفارض" من قال:
ونهج سبيلي واضح لمن اهتدى .... ولكنما الأهواء عمّت ، فأعمت
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فلا يقدح قولنا : « إنّ زيدا دون عمرو في العلم » أن تكون هويّة الحق عين زيد وعمرو ، ويكون في عمرو أكمل وأعلم منه في زيد ، كما تفاضلت الأسماء الإلهيّة وليست غير الحقّ فهو تعالى من حيث هو عالم أعمّ في التعلَّق من حيث هو مريد وقادر ،وهو هو ،ليس غيره.)
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فلا تعلمه - هنا يا وليّ - وتجهله هنا ، وتثبته هنا وتنفيه هنا ، إلَّا إن أثبتّه بالوجه الذي أثبت نفسه ، ونفيته عن كذا بالوجه الذي نفى نفسه ) ، وبيّن أن النفي إنّما يتوجه إليه باعتبار النسب وإضافتها إليه ، ولذلك فيه قال :
" عن كذا " إشعارا به . وذلك ظاهر في كلّ ما يدلّ على النفي .
( كالآية الجامعة للنفي والإثبات في حقّه حين قال : “ لَيْسَ كَمِثْلِه ِ شَيْءٌ“ [ 42 / 11 ] فنفى) عن أن ينسب إليه بالذات نسبة ما أو إضافة ، إذ المنتسبان هما المثلان ، فالنسبة تثبت المثليّة ، فنفيها يستلزم نفي النسبة ضرورة ، فنفاها عن الذات بأبلغ وجه كما يقال :«مثلك لا يبخل»

( “ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ“ فأثبت بصفة تعمّ كل سامع بصير من حيوان ) .
( وما ثمّ إلَّا حيوان ، إلا أنّه بطن في الدنيا عن إدراك بعض الناس ) كما نبّهت إليه في معنى « العالمين » وجمعه جمع السلامة .
وهذه التفاوت في المدارك إنما هو في الدنيا ، ( وظهر في الآخرة لكل الناس ، فإنّها الدار الحيوان وكذلك الدنيا ، إلا أن حياتها مستورة عن بعض العباد ) استتار التفاضل الأسمائي في بعض أفرادها المتقابلة ، كما سبق التنبيه إليه .
وذلك ( ليظهر الاختصاص والمفاضلة بين عباد الله بما يدركونه من حقائق العالم ) ، وذلك لأنّ النشأة الدنياوية - لإتمام أمر الصورة وغلبة سلطانها فيها ، وهي إنما تقتضي التمييز وتحكم بالتفرقة بين الأعيان وفاء بما هو مقتضى نشأته - آبية عن ظهور الوحدة الإطلاقية والإجمال الذاتيّ فيها كلّ الإباء .
( فمن عمّ إدراكه ) في هذه النشأة سائر مراتب الأشياء ومدارج بطونه ( كان الحقّ فيه أظهر في الحكم ممّن ليس له ذلك العموم ، فلا تحجب بالتفاضل وتقول ) - أي قائلا أنت - ( لا يصحّ كلام من يقول « إنّ الخلق هويّة الحقّ » بعد ما أريتك التفاضل في الأسماء الإلهيّة التي لا تشكّ أنت أنّها هي الحقّ ) عند وقوفك على مواقف خلقيّتك ، وأنّها الممنون بها على الأسماء لإظهارها إيّاه ( ومدلولها المسمّى بها ليس إلا الله ) .
لم يقدّم اسم سليمان عليه السّلام على اسم الله تعالى في كتابه
وإذ قد بيّن أمر التفصيل بما هو مقتضى لسانه على ما لا بدّ منه ، أخذ فيما هو بصدده في الفصّ
قائلا : رضي الله عنه : ( ثمّ إنّه كيف يقدم سليمان اسمه على اسم الله - كما زعموا - وهو من جملة من أوجدته الرحمة ) المسبوقة باللَّه .
قال رضي الله عنه : ( فلا بدّ أن يتقدّم « الرحمن الرحيم » ليصحّ استناد المرحوم ) يعني سليمان فإنّك قد عرفت أن المقدّم - ذكرا أو فكرا أو كتابة - من الأسماء لا بدّ وأن يكون أصلا لما يتأخّر ويتفرّع عليه ، حتى يكون على ترتيب نظم الحقائق ، فإنّ المستحقّ للتقديم في كل جمعيّة ومزاج إنّما هو الأمر الكلَّي النافذ الحكم فيما دونه من
الجزئيّات المتفرّعة عنه ، فإنّ رتبة الجزئيّات المتفرّعة إنما هو التأخير ، فلا بدّ من تأخير سليمان . فلو قدّم على الاسمين يكون على غير الترتيب .
فقوله :رضي الله عنه (هذا عكس الحقائق ، تقديم من يستحقّ التأخير ، وتأخير من يستحقّ التقديم في المواضع الذي يستحقّه ) إشارة إليه .
بلقيس كانت عالمة حكيمة
ثم أشار إلى وجه نسبة بلقيس إلى سليمان ، والرابطة القاضية بينهما بهذه المراسلة وما يتبعها من الهداية والاهتداء ، بما في بلقيس من تدبير سياسة الملك وتأسيس بنيان السلطنة وإرهاص أمرها بقوله :
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ومن حكمة بلقيس وعلوّ علمها كونها لم تذكر من ألقى إليها الكتاب . وما عملت ذلك إلَّا ليعلم أصحابها أنّ لها إيصالات إلى أمور لا يعلمون طريقها وهذا من التدبير الإلهي في الملك . لأنّه إذا جهل طريق الأخبار الواصل للملك خاف أهل الدولة على أنفسهم في تصرّفاتهم ، فلا يتصرّفون إلا في أمر إذا وصل إلى سلطانهم عنهم يأمنون غائلة ذلك التصرّف .
فلو تعيّن لهم « على يدي من تصل الأخبار إلى ملكهم » لصانعوه وأعظموا له الرشا ، حتى يفعلوا ما يريدون ولا يصل ذلك إلى ملكهم .
فكان قولها : “ أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ “ [ 27 / 29 ] ولم تسمّ من ألقاه - سياسة منها ، أورثت الحذر منها في أهل مملكتها وخواصّ مدبّريها . وبهذا )
الوجه من المناسبة التي بينها وبين سليمان ( استحقّت التقدم عليهم ) والاختصاص بالمكاتبة إليه . هذه حكمة بلقيس التي هي عالمة الجنّ ."" أضاف المحقق : في التفاسير أن أم بلقيس كانت جنية راجع مجمع البيان : 7 / 224 ، سورة النمل / 45 . الدر المنثور : 7 / 363 ، عن مجاهد .
وقال ابن العربي في الفتوحات الباب العاشر ومائتان في المكاشف :
« قالت بلقيس كَأَنَّهُ هُوَ وهو كان لم يكن غيره فطلبنا عين السبب الموجب لجهلها به
حتى قالت : "كَأَنَّهُ هُوَ " فعلمنا إن ذلك حصل لها من وقوفها مع الحركة المعهودة في قطع المسافة البعيدة.
وهذا القول الذي صدر منها يدل عندي أنها لم تكن كما قيل متولدة بين الإنس والجان إذ لو كانت كذلك لما بعد عليها مثل هذا من حيث علمها بأبيها وما تجده في نفسها من القوة على ذلك .أه .""
فضل الإنس علي الجنّ
قال الشيخ رضي الله عنه : (أمّا فضل العالم من الصنف الإنساني على العالم من الجنّ بأسرار التصريف وخواصّ الأشياء ، فمعلوم بالقدر الزماني ، فإنّ رجوع الطرف إلى الناظر به أسرع من قيام القائم من مجلسه.)
( لأنّ حركة البصر في الإدراك إلى ما يدركه ) - لكونه من اللطائف البرزخيّة التي إنما غلب عليه التروّح وانقهر التجسّم - ( أسرع من حركة الجسم فيما يتحرّك منه ) لغلبة الكثافة العائقة له في حركته .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فإنّ الزمان الذي يتحرّك فيه البصر عين الزمان الذي يتعلَّق بمبصره مع بعد المسافة بين الناظر والمنظور . فإنّ زمان فتح البصر زمان تعلَّقه بفلك الكواكب الثابتة ، وزمان رجوع طرفه إليه عين زمان عدم إدراكه).
وذلك لأنّ هذه الحركة ليست للأجسام التي في حيطة الزمان حتى تكون متقدّرة به - تقدّر حركات الأجسام به - بل للقوّة الجسدانيّة التي هي البرزخ بين لطيف الروح وكثيف الجسم ، فإنما تتقدّر بباطن الزمان ، المسمى بلسان الاصطلاح ب « الآن الدائم » و « الدهر » فلا يكون حينئذ للزمان - الذي هو النقوش والأشكال المترتّبة عليه - قدر عند هذه الحركة أصل .
فعلم أن الزمان هاهنا بمعناه ، وأنّ الآن الذي يتقدّر به هذه الحركة هو
باطن الزمان وأصله ، لا جزؤه في الخارج - كما قيل في توجيه هذا الموضع : فإنّ الزمان لا جزء له في الخارج ، إذ هو متّصل واحد في نفسه ، إنما يفصله الوهم .
"" أضاف الجامع : يقول الشيخ كمال الدين القاشاني عن باطن الزمان :
" باطن الزمان : هو المسمى باصطلاح القوم : الوقت ، وهو الحال المتوسط بين الماضي والمستقبل وله الدوام .
فإن هذا الحال هو الظرف المعنوي الذي هو محل جميع المعلومات التي كانت جميعها متعلقة به وكائنة فيه من الحضرة العلمية ، وكل معلوم كان حاصلا في حصة معنوية منه بجميع توابعه وبه . ويسمى : الآن الدائم ، والحال الدائم المضاف إلى الحضرة العندية المشار إليها بقوله : " ليس عند ربكم صباح ولا مساء " ، ولهذا كان هذا الحال هو باطن الزمان وأصله الذي لا ماضي ولا مستقبل فيه ، بل كل لمحة منه مشتملة على مجموع الأزمنة بحكم المرتبة الأولى ، وكل لحظة منه كالدهور من الزمان المتعارف ، والدهور منه كلمحة من هذا الزمان الظاهر الغالب عليه حكم الماضي والمستقبل .أه
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي : " علم الزمان هو علم شريف منه يعرف الأزل ... وهذا علم لا يعلمه إلا الأفراد من الرجال ، وهو المعبر عنه : بالدهر الأول ، ودهر الدهور ". أه ""
كيفية إحضار عرش بلقيس
( والقيام من مقام الإنسان ) لكونه حركة الجسم المتقدّرة بالزمان ( ليس كذلك ، أي ليس له هذه السرعة . فكان آصف بن برخيا أتمّ في العمل من الجنّ ) ضرورة أن عمله غير متخلَّلة بالزمان ، وهو الغاية في تلك الحركة المطلوبة .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فكان عين قول آصف بن برخيا عين الفعل في الزمن الواحد . فرأى في ذلك الزمان بعينه سليمان عليه السّلام عرش بلقيس مستقرّا عنده ) .
وإنما صرّح بالاستقرار ( لئلا يتخيّل أنّه أدركه وهو في مكانه من غير انتقال ، ولم يكن عندنا باتّحاد الزمان انتقال ) ضرورة أن الانتقال لا بدّ له من الزمان ، ليطابق الحركة والزمان والمسافة ، فهو ما كان من قبيل الانتقال ( وإنما كان إعدام وإيجاد من حيث لا يشعر أحد بذلك ) من المحصورين في حيطة القوى الجزئية ، التي إنما يدرك الأمور بإحساسها من الخارج ( إلا من عرفه ) من الداخل .
العالم في خلق دائم
( و ) الذي يدل على أنّهم محجوبون عن هذه المرتبة ( هو قوله تعالى : بَلْ هُمْ في لَبْسٍ من خَلْقٍ جَدِيدٍ “ ) [ 50 / 15 ] .
( ولا يمضى عليهم وقت لا يرون فيه ما هم راؤون له ) حتى يفهموا من الخارج معنى الخلق الجديد . وذلك لأنّه ليس في حيطة الزمان .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وإذا كان هذا كما ذكرناه فكان زمان عدمه - أعني عدم العرش من مكانه عين وجوده عند سليمان من تجديد الخلق مع الأنفاس . ولا علم لأحد بهذا القدر) من الخارج ، كما سبق بيانه ، ولا من الداخل إلا بالتعريف الإلهي .
وإليه إشارة بقوله : ( بل الإنسان لا يشعر به من نفسه أنّه في كل نفس لا يكون ، ثمّ يكون ) .
وفي إيراد لفظة « ثمّ » هاهنا إيهام معنى التراخي وما يستتبعه من التقدّم والتأخّر الزمانيّين . فلذلك قال رضي الله عنه : ( ولا تقل : « ثمّ تقتضي المهلة » . فليس ذلك بصحيح وإنما ثم ) في أمثال هذه المواضع ( تقتضي تقدّم الرتبة العليّة ) وذلك فيما لم يكن للزمان دخل .
كقوله تعالى : “ ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ “ [ 41 / 11 ] أو يكون للزمان هناك دخل ، ولكن لا ترتيب فيه زمانيّ ، وذلك كما في اللغة ( عند العرب في مواضع مخصوصة ، كقول الشاعر) :( كهزّ الردينيّ . . . ثمّ اضطرب )
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وزمان الهزّ عين زمان اضطراب المهزوز بلا شكّ . وقد جاء ب « ثم » ولا مهلة ، كذلك تجديد الخلق مع الأنفاس ، زمان العدم زمان وجود المثل )
""أضاف المحقق : شطري بيت لأبي دؤاد جارية بن الحجاج الشاعر الجاهلي ، من قصيدة له يصف فيها الفرس :كهزّ الردينيّ تحت العجاج ... جرى في الأنابيب ثمّ اضطرب
الرديني : الرمح نسبه إلى امرأة تسمى ردينة . والعجاج : الغبار . والأنابيب : جمع أنبوبة وهي ما بين كل عقدتين من القصب .
يقول : إذا هززت الرمح جرت تلك الهزّة فيه حتّى يضطرب كله ( شرح شواهد المغني للسيوطي : شواهد ثم ، 1 / 358 ) . ""
وقد عثر أكثر أهل النظر على هذا الترتيب ، وهو المسمى عندهم بالتقدّم الذاتيّ والطبيعيّ وبذلك تفطَّنوا على تبدّل الأعراض .
وإليه أشار بقوله ( كتجديد الأعراض في دليل الأشاعرة ) فإنّ علومهم لما كانت مأخوذة من الخارج وأمر الأعراض هو الظاهر بالذات هناك دون الجوهر ، لذلك فهموا تجديدها دونه ، وذهبوا إليه .
وعرش بلقيس لما كان من الجواهر المستقرّة ، إنما يعرف من عرّفه الله من الداخل أمر ذلك التجديد .
قال الشيخ رضي الله عنه : (فإنّ مسألة حضورعرش بلقيس من أشكل المسائل ، إلا عند من عرف ما ذكرناه آنفا في قصّته ، فلم يكن لآصف من الفضل في ذلك إلا حصول التجديد في مجلس سليمان ، فما قطع العرش مسافة ، ولا زويت وطويت له أرض ، ولا خرقها - لمن فهم ما ذكرناه )
من كيفيّة تبديل العرش في صورة التحويل، من حكيم يعرف طريق تحصيله وميزان تقويمه وتعديله .
كان سليمان هبة الله لداود عليهما السّلام
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وكان ذلك على يدي بعض أصحاب سليمان عليه السّلام ليكون أعظم لسليمان عليه السّلام في نفوس الحاضرين من بلقيس وأصحابها ، وسبب ذلك )
الظهور من سليمان عليه السّلام بين الأنبياء - يعني ظهور قهرمان تصرّفه في الثقلين ونفوذ حكمه في الملوين. وأن أمر تصريف العالم بيدي أحد من خدّامه.
قال الشيخ رضي الله عنه : (كون سليمان هبة الله لداود عليه السّلام من قوله تعالى : “وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ“ [ 38 / 30 ] والهبة عطاء الواهب بطريق الإنعام ).
أي مبدأ صدوره هبة الجواد المطلق ، وغاية ظهوره هو إنعام منه لخلَّص خواصّه من العبيد ، فهو حينئذ في جلالة القدر
لا بدّ وأن يكون بما لا يقابله ولا يعادله شيء من أعمال العباد - تخلَّقا كان ذلك أو تحقّقا - وإليه أشار بقوله : ( لا بطريق الجزاء الوفاق أو الاستحقاق ) وهو أن يكون العبد قد استحقّ ذلك بمحض استعداده لما يستحقّه بنفسه وإنّما لم يكن ذلك :
أما الأول فلأنّه لا بدّ من معادلة الجزاء لما يورثه من الأعمال ، وموافقته له في ميزان ظهور الأحكام والآثار ، وليس من العبيد ما يكون بذلك المنزلة والاعتبار .
وأما الثاني فلأنّ استعداد العبد - من حيث هو عبد - إنما يقتضي الأوصاف العدميّة - على ما هو مؤدّى أمر القبول وتنفيذ حكمه - فلا يقتضي التأثير والتصرّف في شيء ، فضلا عن تقلَّد أمر التصريف في الثقلين .
( فهو النعمة السابغة ) من الله على العالمين من حيث إفاضة الحقائق على المسترشدين من أمّته وتغذيتهم بها وتربيتهم منها ، ( والحجّة البالغة ) من حيث غلبته بمجرّد البرهان على المستبصرين منهم من ذوي الأنظار وأولي الأفكار ، ( والضربة الدامغة ) من حيث ظهوره بالسيف على العامّة من المنكرين من الثقلين ، فهو الوليّ ، النبيّ ، الرسول الظاهر على العالمين بالفيض والرحمة الظاهرة والباطنة والقهر .
ثم هاهنا تلويح :
اعلم أنّ حروف « داود » بعددها وعدد بيناتها « يسأل عطية » ويقتضيها ولذلك تراه قد اختصّ بها بين الأنبياء .
وإذ كان لسليمان - حسبما فيه من الحروف ثلاث جهات - : الولاية ، والنبوّة ، والرسالة . يقتضي توجّه هبة الله له وترشيحه لمراقي عزّه إلى أن يبلغ تلك الجهات منتهى كمالها بما لا مزيد عليه .
فترقى في الأول منها إلى أن أصبح نعمة سابغة في إفاضة ما يربي المسترشدين ويغذّيهم . وفي الثانية منها حجّة بالغة للمتردّدين . وفي الثالثة منها ضربة دامغة للمنكرين .
وهذه هي الغاية في المراتب المذكورة .
ولذلك وصف كلا منها بما هو تمامه بكمال الحروف - أعني الغين الذي لا مزيد عليه بينهما ، فإنّ كل كلمة آخرها وتمامها ذلك الحرف يقتضي الكمال والختم في معناها ، على ما لا يخفى لمن تصفّح ذلك وتأمّل .
علم داود وسليمان عليهما السّلام وأمة محمد صلَّى الله عليه وسلَّم
قال رضي الله عنه : ( وأما علمه ) - وهو الأول من الوجوه الثلاثة الكماليّة – (فقوله “ فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ “ مع نقيض الحكم ) الصادر من داود عليه السّلام في مسألة الزرع وأكله الماشية ( وكلَّا ) من الأنبياء (آتَيْنا حُكْماً “) بحسب ما تقتضيه استعدادات أممهم ("وَعِلْماً “ ) [ 21 / 79 ] هو مبدأ ذلك الحكم .
قال رضي الله عنه : ( وكان علم داود ) على ما هو مقتضى النص الكريم - وهو قوله : " آتَيْنا" (علما مؤتى، آتاه الله) وحيا كان أو إلهام ( وعلم سليمان علم الله في المسألة ) على ما هو مقتضى قوله تعالى : "فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ ".
قال رضي الله عنه : ( إذ كان الحاكم ) عند تفهيمها إيّاه ( بلا واسطة ، وكان سليمان ) في تلك المسألة ( ترجمان حقّ في مقعد صدق ) وكلّ من الحكمين بما فيهما من التناقض حقّ .
قال رضي الله عنه : ( كما أنّ المجتهد المصيب لحكم الله ، الذي يحكم به الله في المسئلة لو تولاها بنفسه أو بما يوحى به لرسوله : له أجران ، والمخطئ لهذا الحكم المعين له أجر ، مع كونه علما وحكما ) .
حديث البخارى « إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران ، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر » . رواه البخاري ومسلم.
( فأعطيت هذه الامّة المحمّديّة ) - لكونهم ورثة الخاتم - ( رتبة سليمان في الحكم ، ورتبة داود ، فما أفضلها من امّة ) .
واعلم أنّ القرابة المستدعية للوراثة لا بدّ وأن تكون بين كل نبي وامّته ، ومن ثمّة ترى في أمر بلقيس وقصّتها سراية الحكمين المتناقضين مع جمعيّتهما ، من أحكام تلك القرابة القاضية بالوراثة .
وإلى ذلك أشار بقوله : ( ولمّا رأت بلقيس عرشها - مع علمها ببعد المسافة واستحالة انتقاله في تلك المدّة - عنده “ قالَتْ كَأَنَّه ُ هُوَ “ [ 27 / 42 ] وصدّقت بما ذكرناه من تجديد الخلق بالأمثال . وهو هو ) في نفس الأمر .
( وصدق الأمر ) في حكمه بالاتّحاد ، كما صدقت بقيس في حكمها بالمغايرة .
أما الثاني فلما ذكر من أمر التجديد.
وأما الأول فظاهر يعرف كل أحد من نفسه ، ( كما أنّك ) لا تشكّ أنّه ( في زمان التجديد عين ما أنت في الزمن الماضي ) .
إشارة سليمان عليه السّلام بالتباس أمر الوجود على الناس
هذا بيان علم سليمان ، وأنّه النعمة السابغة على البريّة ، وأما بيان إثباته لذلك العلم ، وأنّه الحجّة البالغة فيه . فإليه أشار بقوله : (ثمّ إنّه من كمال علم سليمان التنبيه الذي ذكره في الصرح ) أي استحضره فإنّ « الذكر » هو استحضار الشيء ، وهو إمّا بالفعل في القلب ، وإما بالقول في الحسّ ، وهذا يشملهما .
أما الأول فظاهر ، وأما الثاني فلدلالة قوله : (فـ “ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ“ ) [ 27 / 44 ] وهو البيت العالي المروّق ، الخالص من الشوب ، الصافي من الكدر .
ومنه جاء : « صراحا » أي جهارا ، و « هذا أمر صريح » أي لا تعريض فيه ولا خفاء . وفيه إيماء إلى ما أشار إليه سليمان قولا، وهو قوله سائلا عنها : “ أَهكَذا عَرْشُكِ “ [ 27 / 42 ] فإن ذلك تنبيه قوليّ غير صريح في المراد ، وهذا فعليّ محسوس صريح فيه .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وكان صرحا أملس ، لا أمت فيه ) ولا اعوجاج ( من زجاجفَلَمَّا رَأَتْه ُ حَسِبَتْه ُ لجة “ ماء فـ “ كَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها “ حتى لا يصيب الماء ثوبها .
فنبّهها بذلك على أنّ عرشها الذي رأته من هذا القبيل ، وهذا غاية الإنصاف فإنّه أعلمها بذلك إصابتها في قولها “ كَأَنَّه ُ هُوَ “) ذاهلة عن تلك الإصابة بإدخالها في صرح صريح المحسوسات وإراءتها ما عليه كلمتها من المطابقة للواقع ، والمخالفة لما عليه الأمر في نفسه.
( فقالت عند ) ظهور ( ذلك ) الحجّة البالغة والتنبيه الصريح : (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي “) بظلام الجهل وحجاب الكفر فيما كنت عليه قبل (“وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ“ أي إسلام سليمان ) ، يعني أنّ المعيّة إنما هو في الإسلام ( “لِلَّه ِ رَبِّ الْعالَمِينَ “) [ 27 / 44 ] .
مقارنة بين قول بلقيس وفرعون
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فما انقادت لسليمان وإنما انقادت لربّ العالمين ، وسليمان من العالمين ، فما تقيّدت في انقيادها ) وإسلامها بتلك المعيّة ، فإنّها قارنت إسلامها بإسلام الرسل ، فلا تتقيّد .
( كما لا تتقيّد الرسل في اعتقادها في الله ، بخلاف فرعون ، فإنّه قال : “رَبِّ مُوسى وَهارُونَ“ [ 7 / 122 ] وإن كان يلحق بهذا ) التصريح بالرسل في إسلامه وإظهار من هو الواسطة في فوزه بهذه الكرامة شكرا لها .
( الانقياد البلقيسي من وجه ، لكن لا يقوي قوّتها) فإنّه قد قيّد الربّ الذي أسلم له دونها .
( فكانت أفقه من فرعون في الانقياد لله ) يعني الربّ المطلق .
ثمّ إنّ الذي ظهر من فرعون على ما ورد به النصّ قوله :
"آمنت بالذي آمَنَتْ به بَنُوا إِسْرائِيلَ" ل “ رَبِّ مُوسى وَهارُونَ “ على ما نقل عنه .
"إشارة إلى قوله تعالى : "وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُه ُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَه ُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّه ُ لا إِله َ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِه ِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ"
[ 10 / 90 ] ."
وإن كان الذي آمنت به بنو إسرائيل هو ربّ موسى وهارون، لا تفاوت بينهما إلا بالإجمال والتفصيل.
فاستشعر بلسان تعبير فرعون مقصوده بتلك العبارة المجملة قائلا : ( وكان فرعون تحت حكم الوقت حيث قال : « آمنت بالذي “ آمَنَتْ به بَنُوا إِسْرائِيلَ » فخصّص ) الربّ الذي أسلم له بالذي آمنت به بنو إسرائيل (و إنما خصّص لما رأى السحرة )
- الذين جعلهم مقابلين لموسى ومناظرين له توهينا لأمره وإهانة له .
وذلك لابتذال السحر بين الناس واختصاص مباشريه بين كل قوم بالخسّة والاحتقار - ( قالوا في إيمانهم باللَّه “ رَبِّ مُوسى وَهارُونَ “ ) [ 7 / 122 ] .
فمنع فرعون احتشام علوّه في الأرض وغلوّه في الاستكبار أن يتبعهم في ذلك القول استنكافا عن تقليدهم ، وإباء عن الاقتداء بهم في ذلك ، فغيّر العبارة وقال : "آمنت بالذي " آمَنَتْ به بَنُوا إِسْرائِيلَ » .
والعجب حال من لم يتفطَّن لهذه اللطيفة المصرّح بها ، وارتكب المجاز في نسبة ذلك القول إلى فرعون .
""أضاف المحقق : إشارة إلى ما قاله الكاشاني في شرحه: « وإنما نسب إليه الشيخ الإيمان برب موسى وهارون ، لأن إيمان بني إسرائيل إنما كان برب موسى وهارون ، فأسند إليه مجازا ، وإلا لم يقل فرعون : رب موسى وهارون » . وقد تبعه في ذلك القيصري أيض . ""
قال رضي الله عنه: ( فكان إسلام بلقيس إسلام سليمان ، إذ قالت : " مَعَ سُلَيْمانَ")[ 27 / 44 ].
وعنت بهذه المعيّة المقارنة بسليمان في نفس هذا الانقياد والإذعان بما يستتبعه ، لا المقارنة الزمانيّة و المكانيّة .
وبيّن أن المراد بالمعيّة والمقارنة إذا كان هو المقارنة في الفعل ، يلزم أن يكون المتقارنان متساويين في طريان ما يلزم ذلك الفعل من الأحوال والأوضاع .
وبلقيس إذ قارنت بسليمان تلك المقارنة ( فتبعته ) في سائر عقائده وأحواله ، ولازمته في مسالكه بجميع أغوارها وأنجادها .
قال رضي الله عنه : ( فما يمرّ بشيء من العقائد إلا مرّت به معتقدة ، ذلك كما نحن على الصراط المستقيم الذي الربّ عليه ، لكون نواصينا في يده ، ويستحيل مفارقتنا إيّاه ) .
فيجب مقارنتنا له في جميع الأفعال والأقوال وجملة الأحوال .
وبيّن أن المعية من الطرفين وأنّ عين العبد في عدمه الأصلي كما كان ، ( فنحن معه بالتضمين ) مختفيا في ضمنه ، ( وهو معنا بالتصريح ) ظاهرا في مجلاه .
ومن ثمّة ترى في الكلام المنزل السماوي الذي هو المبيّن الكاشف عن الأمر بما هو عليه ظاهرا مفصحا عن ذلك ( فإنّه قال : “وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ “ ) [ 57 / 4 ] مصرّحا بمعيّته لنا ، فهو معنا بهذا النصّ الصريح في المعيّة ( ونحن معه بكونه آخذ بنواصينا ) وهو إنما يدلّ على المعيّة ضمنا ، فإنّ دلالته على المعيّة عقليّة ضمنيّة . إذ الناصية لغة هي : قصاص الشعر .
وهي ما ينتهي به الشعر مقدّما كان أو مؤخّرا، وذلك في عرف أهل الذوق عبارة عن الكثرة الإحاطية التي قد انحشرت في الإنسان وظهر سواد ازدحامها على الدماغ ، فإنّ فيه مدارك الشعور والإشعار ، ومصادر الأفعال الاختيارية التي من جملتها الكلام ، الذي هو منتهى غايات الكثرة المتّصل طرفها بالوحدة ، فإنّه صورة العلم ، وهو ظاهر الوجود كما عرفت .
وبيّن أنّ الآخذة بالناصية هو الذي يتحرّك بها وفيها، فإنّ لكلّ كثرة جهة جمعيّة ، هي الآخذ بأزمّة آثارها وإظهار مطاوي أسرارها ، فإنّ تلك الكثرة هي باطن تلك الجهة من وجه ، وإن كان ظاهرها من آخر ، وهذا هو الوجه الذي نتكلم عليه .
ولذلك قال الشيخ رضي الله عنه: (فهو تعالى مع نفسه حيثما مشى بنا من صراطه) فإنّ النفس في عرفهم مشتقّ من النفس المنسوب إلى الرحمن، وبيّن أنّ تلك الجهة الجمعيّة التي بها يظهر العالم بأجناسه وأنواعه وأشخاصه لا بدّ لها من هيأة وحدانيّة اعتداليّة في كلّ منها ، هي منهج ظهور ذلك النوع وصراط صورته الخاصّة ، بحيث لو تجاوز عنها إلى طرفيها من الإفراط والتفريط لم يمكن ظهورها أصل .
قال رضي الله عنه: ( فما أحد من العالم إلا على صراط مستقيم ، وهو صراط الربّ تعالى ) فإنّه لكل نوع ربّ يحفظ ذلك الهيئة الوحدانيّة على استقامته .
قال رضي الله عنه: (وكذا علمت بلقيس من سليمان ) عند إسلامها من دقائق حكمه ، وإذعانها له في لطائف إرشاده وهدايته ، ( فقالت “ لِلَّه ِرَبِّ الْعالَمِينَ “ ) [ 27 / 44 ] مفصحة عن معبودها بأسمائه الإلهيّة والربوبيّة ، وسماته الكيانيّة ، بما يكشف عن المعيّة المذكورة ، لما في الربّ من معنى النسبة التي يلازم طرفيها معا .
ولذلك عمّت ( وما خصّصت عالما من عالم ) فإنّه لو أنّها ما علمت من سليمان تلك المعيّة الإطلاقية ما عمّت ، بل خصّصت كما خصّص بنو إسرائيل .
التسخير المختصّ بسليمان عليه السّلام
ثمّ لما ظهر أمر بالغيّة حجّة سليمان في إسلام بلقيس وإرشاده لها ، إلى أن بلغت مراقي كمالها على ما بيّن ، شرع في تحقيق دامغيّة ضربته على الترتيب المشار إليه أول
بقوله رضي الله عنه : ( وأما التسخير الذي اختصّ به سليمان وفضل به على غيره ، وجعله الله من الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده : فهو كونه عن أمره ) وقوله وآثار منطوق كلامه وحرفه
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فقال : “ فَسَخَّرْنا لَه ُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِه ِ “ [ 38 / 36 ] فما هو من كونه تسخيرا ، فإنّ الله يقول في حقّنا كلَّنا من غير تخصيص : “ وَسَخَّرَ لَكُمْ ما في السَّماواتِ وَما في الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْه) [ 45 / 13 ]
أي من غير تخصيص من الله ، فإن مبدأ ذلك التخصيص إنما هو تراكم التفرقة المشوّشة لتوجّه الهمّة وصلابتها ، الموجبة لنفوذ حكمها في المسخّر لها ، وذلك من جهة العبد .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وقد ذكر تسخير الرياح والنجوم وغير ذلك ، ولكن لا عن أمرنا ، بل عن أمر الله ، فما اختصّ سليمان إن عقلت إلا بالأمر من غير جمعيّة ولا همّة ، بل لمجرّد أمر ) لفظيّ وحرف صوتيّ رقميّ .
وكأنّك لوحت في مطلع الفصّ على ما يطلعك على كيفيّة ذلك ولميّته إجمالا من تلويحات اسم سليمان - فتذكَّر .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وإنما قلنا ذلك لأنّا نعرف أن أجرام العالم تنفعل لهمم النفوس إذا أقيمت في مقام الجمعيّة ، وقد عاينّا ذلك في هذا الطريق ، فكان من سليمان مجرّد التلفظ بالأمر ) - صرّح بالتلفّظ تبيينا لما ذكر من مبادئ نفوذ كلامه ، وهو محض تلفّظه - ( لمن أراد تسخيره من غير همّة ولا جمعيّة ).
اختصاص سليمان عليه السّلام بالملك في الدنيا ، ولا يعمّ الآخرة
ثمّ إنّ هاهنا إشكالا ، وهو أنّ استجابة دعاء سليمان يقتضي أن لا يكون بعده لأحد مثل ما أعطي له من الملك ، وهذا خلاف ما تقرّر من أمر خاتم الولاية ، وما ثبت أن لكلّ أحد في الآخرة من عوام المؤمنين أضعاف ما في الدنيا من الملك .
فأشار إلى إزاحة مثل هذه الشبهة بقوله :
قال الشيخ رضي الله عنه : ( واعلم - أيّدنا الله وإيّاك بروح منه - أنّ مثل هذا العطاء إذا كان لعبد - أيّ عبد كان - فإنّه لا ينقصه ذلك من ملك آخرته ) فلا يخالف استجابة دعاه ما ادّخر له ولغيره في الآخرة ، فإنّ ذلك لسليمان ولغيره من المؤمنين بحاله ما ينقصه شيء .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ولا يحسب عليه ، مع كون سليمان طلبه من ربه تعالى ، فيقتضى ذوق الطريق أن يكون قد عجّل له ما ادّخر لغيره ) - يعني لخاتم الولاية .
(ويحاسب به إذا أراده في الآخرة ) ، والذي يدلّ على هذا ما ظهر من طيّ كلامه ، حيث نسب العطاء إلى نفسه ، وما نسب إلى العبد بوجه ، ( فقال الله له : “ هذا عَطاؤُنا “ ولم يقل : لك ولا لغيرك “ فَامْنُنْ “ أي أعط "أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ" ) [ 38 / 39 ] .
فما نسب إلى العبد إلا الإعطاء أو الإمساك بما لا يحاسب عليه ، ( فعلمنا ) - لا بمجرّد فهم المعاني الوضعيّة ، بل - ( من ذوق الطريق أنّ سؤاله ذلك كان عن أمر ربه ) ولذلك لا يحاسب عليه .
( والطلب إذا وقع عن الأمر الإلهيّ كان الطالب ، له الأجر التامّ ) ، أي الخالي عن غوائل الحساب والعقاب على طلبه ، فإنّ طلبه ذلك امتثال أمر وعبادة .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( والباري تعالى إن شاء قضى حاجته فيما طلب منه ، وإن شاء أمسك . فإن العبد قد وفّى ما أوجب الله عليه من امتثال أمره فيما سأل ربّه فيه ) .
حيث قال : “ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ[ 40 / 60 ] . (فلو سأل ذلك من نفسه ، من غير أمر ربّه له بذلك ، ليحاسب به.)
اللبن صورة العلم
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وهذا سار في جميع ما يسأل فيه الله كما قال لنبيّه محمّد - عليه الصلاة والسّلام - : " قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً " [ 20 / 114 ] ، فامتثل أمر ربّه ، فكان يطلب الزيادة من العلم )
وينتظر وروده لتغذية فطرته في جميع المراتب والعوالم .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( حتى كان إذا سيق له لبن يتأوّله علما ، كما تأوّل رؤياه لما رأى في النوم أنّه اتي بقدح لبن ، فشربه وأعطى فضله عمر بن الخطاب . قالو : فما أوّلته ؟ قال : العلم . وكذلك لما أسري به أتاه الملك بإناء فيه لبن وإناء فيه خمر ، فشرب اللبن .)
وأنت عرفت وجه مناسبة اللبن بالعلم سابقا ، لكن له وجه آخر يليق بهذا المقام ، وهو أنّ اللبن أقبل غذاء للاتحاد بالمزاج الكونيّ الجمعيّ ، والخمر أبعدها قبولا للاتّحاد به ، لامتداد زمان التغالب والتقابل بينه وبين ذلك المزاج.
وهو زمان سكره وانقهار سلطان جمعيّته تحت تأثير الخمر ونشأته ، فهو يخالطه ويخامره زمانا إلى أن يقهره المزاج ويغتذي به ، والعلوم والمعارف الإلهيّة متفاوتة بحسب المشارب وقبولها إيّاها ، فإنّ من ذوي الأذواق من لا يفهم التوحيد إلا بنوع من امتزاج الظاهر بالمظهر ومخامرته إيّاه ، ويتوقّف في أمر الاتّحاد غاية التوقّف .
وأما المحمّد والمحمّدون ، إذ وردوا عين الإطلاق الذاتيّ وشربوا من زلال قراحه الذي لا يمازجه شوائب السوي ، ولا يخامره كدر الغير ، فهم الذين قد أصابوا ما عليه أصل قابليّة الإنسان ووصلوا إليه ، وإليه أشار بقوله : (فقال له الملك : « أصبت الفطرة » ) ، إذ الفطرة في ظاهر اللغة من قولهم : فطرت العجين : إذا عجنته فخبزته من وقته .
وفطرة الله للخلق هو إيجاده وإبداعه على هيأة مترشّحة لفعل من الأفعال ، وهو ما ركز في الناس من المعرفة .
هذا كلامهم ، وعلم منه أن الفطرة تتضمّن ما عليه أصل استعداد الناس أجمع ، من الإجمال الجمعيّ الإطلاقيّ ، دون التفصيل الفرقانيّ الذي اختصّ به .
وإليه أشار بقوله : ( أصاب الله بك امّتك ) ولما كان اللبن إشارة إلى هذا النوع من العلم ، أعطى فضله لعمر بين أصحابه ، فإنه طرف عمومه الذي منه يستفيض الامّة .
( فاللبن متى ظهر فهو صورة العلم ) - عينيّة كانت الصورة أو مثاليّة - هذا عبارة لسان الفرق التفصيليّ ، وأما بلسان الجمع القرآنيّ ( فهو العلم ) ، لا غير ، ( تمثّل في صورة اللبن ) ، تنزّلا في مدارج الامتزاج والاختلاط ، ( كجبرئيل تمثّل في صورة بشر سويّ لمريم ) .
قال الشيخ رضي الله عنه : (ولما قال عليه الصلاة والسّلام : « الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا » نبّه على أنّه كل ما يراه الإنسان في حياته الدنيا إنما هو بمنزلة الرؤيا للنائم ) في أنّه صور يعبّر بها عن الأمور الواقعة ، أو الذي سيقع ، فهو من هذه الحيثيّة ( خيال ، فلا بدّ من تأويله ) .
(إنما الكون خيال ... وهو حق في الحقيقة)
( إنما الكون ) وهو كما عرفت في المقدّمة عبارة عن الأعراض المتشخّصة بها الأشياء في هذا العالم من المحسوسات ، وما يتقوّم بها . ولا شكّ أنّها أمور متحوّلة متغيّرة ، وصور غير مستقرّة كاشفة عن آخر مثلها ، فهو بهذا الوجه : ( خيال ) وإن كان بوجه آخر ( وهو ) من حيث أصله الباقي منه دون الهلاك ( حقّ في الحقيقة ) .
(والذي يفهم هذا ... حاز أسرار الطريقة)
(والذي يفهم هذا ) أي الكون بوجهيها ، أو طريق تأويل هذه الصور الكونيّة الخياليّة وسبيل تعبيرها ، فإنّ السالك إذا فهم ألسنة إرشاد الكائنات ( حاز أسرار الطريقة ) فاستغنى عن مرشد آخر في صورة شخصيّة معيّنة ، فإنّ الحقّ يرشده في صور الأكوان .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وكان صلَّى الله عليه وسلَّم إذا قدّم له لبن ، قال : "اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه " لأنه كان يراه صورة العلم ، وقد امر بطلب الزيادة من العلم .
وإذا قدم إليه غير اللبن قال : « اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيرا منه » ) .
السؤال إذا كان عن أمر إلهي لا يحاسب به السائل
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فمن أعطاه الله ما أعطاه بسؤال عن أمر إلهيّ ، فإنّ الله لا يحاسبه به في الدار الآخرة . ومن أعطاه الله ما أعطاه بسؤال عن غير أمر إلهيّ ، فالأمر فيه إلى الله : إن شاء حاسبه به ، وإن شاء لم يحاسبه . وأرجو من الله في العلم خاصّة أنه لا يحاسبه به ، فإنّ أمره لنبيه عليه الصلاة والسّلام بطلب الزيادة من العلم عين أمره لامّته . فإن الله يقول : “ لَقَدْ كانَ لَكُمْ في رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ “ [ 33 / 21 ] ، وأيّ أسوة أعظم من هذا التأسّي لمن عقل عن الله ) تعالى واستفاض العلوم من محلَّه خالصة عن شوائب امتزاج الوسائط ؟
المقام السليماني
ثم إنّه لما كان طرف التشبيه غالبا على ذوق سليمان - على ما علم في طيّ أوضاعه من التفاته إلى الملك ، وانقياد الأكوان له جملة ، على ما علم منه ومن تلويح اسمه - وبيّن أن مقتضيات أحكام هذا الطرف مما لا يفهمه - فهم قبول - إلا الندر من العلماء ، اولي الأذواق الكاملة والحكم الشاملة .
قال رضي الله عنه : ( لو نبّهنا على المقام السليماني على تمامه ، لرأيت أمرا يهولك الاطلاع عليه ) لاشتمال ذلك على أصول غريبة تنهدم بها قواعد العقائد التي عليها تعويل أهل التحقيق .
قال رضي الله عنه : ( فإنّ أكثر علماء هذه الطريقة جهلوا حالة سليمان ومكانته وليس الأمر كما زعموا ) ، كما نبّه في مطلع الفصّ على بعضه وفي طيّه على آخر حيث قال : مبدأ تسخيره عليه السّلام إنما هو مجرّد التلفّظ بدون ضميمة همّة ولا جمعيّة ، كما بيّن آنفا .
ولهذا البحث تفاصيل يحتاج إلى أصول غريبة وعلوم غير مأنوسة ، لذلك اكتفى عنه بهذا الإجمال.
تمهيد للفصّ الآتي
ثم اعلم أنّ الوجود الذي هو قهرمان أمر الظهور ومصباح ذلك النور - على ما لا يخفى - له ظاهر يعبّر عنه بالرحمانيّة .
كما أن داود الذي هو سلطان أمر الإظهار بما ورد في حقه من الخلافة المنصوص عليه - كما ستقف على تحقيقه - وتسخير الطير والجبال اللذين هما أشدّ ما في العالم علوّا على الإنسان ، وأكثره عصيانا وإباء للإذعان ، له نتيجة يظهر منها تمام تلك السلطنة ، وهو سليمان.
فيكون بين « داود » و « الوجود » خصوص نسبة ، كما بين « سليمان » و « الرحمن » . وإليه أشار بقوله : فصّ الحكمة الوجوديّة في الكلمة الداودية
.
....

jZaiezXmH-A

  السابق

المحتويات

التالي  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!