موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

شرح علي التركة
على فصوص الحكم

تأليف: الشيخ صائن الدين التركة

فص حكمة ملكية في كلمة لوطية

  السابق

المحتويات

التالي  

فص حكمة ملكية في كلمة لوطية


13 - فصّ حكمة ملكيّة في كلمة لوطيّة .كتاب شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة على متن فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

وجه تسمية الفصّ
ووجه اختصاص الكلمة هذه بحكمتها هو ما غلب عليها بمقتضى زمانها على ألسنة قابليّة أقوامها من الشدّة والقوّة .
ومم يلوّح على وجه المناسبة بينهما اشتمال عقديهما على التسعة وأن في الكلمة تفصيلها ، وإلى تبيين ذلك قصد بقوله رضي الله عنه : ( الملك : الشدّة . والمليك : الشديد . يقال : ملكت العجين : إذا شددت عجنه قال قيس بن الحطيم - يصف طعنه - ).
"" أضاف المحقق :
قال القيصري : " معنى البيت : إني شددت بالطعنة كفى أي مسكت الرمح قويّا فضربت به العدوّ ، فأوسعت ما فتقت الطعنة حتى يرى القائم ما وراء تلك الطعنة من جانب آخر ، كأنه جعل موضع الطعنة مثل شبّاك يرى منها ما وراءه " ""
( ملكت بها كفىّ فأنهرت فتقها …. يرى قائم من دونها ما وراءها )
يقال : « أنهرت الطعنة » أي وسّعتها ،وملكت بها كفىّ : ( أي شددتبها كفىّ يعنى الطعنة ).
( فهو ) أي فصّ الحكمة الملكيّة عن الكلمة المذكورة ( قول الله عن لوط :
" لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ ") [ 11: 80 ] والظاهر أنّ « لو » هاهنا للتمنىّ ، أي ليتني بكم قوّة تستخرج منّى ما هو بالقوّة في هذا النوع الكمالي من الظهور على الكلّ بكلامه المعرب عن الأمر بتمامه .
وذلك أنّ كلّ نبىّ إنّما يظهر منه ما يسأل ألسنة قوّة قومه وقابليّة أمّته ، فإنّه لو لم يكن في قوّة قابليّة القوم ما يقوى به النبىّ في إظهار كمال النبوّة وتمامها ل بدّ له من الالتجاء إلى القبيلة الختميّة والانخراط فيهم على ما اقتضى التّوجه الأصلي ولاستعداد الفطري من إظهار ذلك بمعاونة من في حيطته يتمّ الأمر والانخراط في سلك من يظهر به ذلك ، وإلى ذلك أشار مفصحا عنه : " أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ " .
(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم : « رحم الله أخي لوطا ، لقد كان يأوى إلى ركن شديد ») والتعبير عنه بـ « أخي » إشعار بتلك النسبة .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فنبّه صلى الله عليه وسلَّم أنّه كان مع الله ) في صورة جمعيّة الختميّة ، ولكن ( من كونه شديدا ) : أي من هذه الحيثيّة ، ( والذي قصد لوط عليه السلام : القبيلة « بالركن الشديد » ، والمقاومة بقوله : " لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً " ، وهي الهمّة هنا من البشر خاصّة ) والقصد المتوجّه إلى تمام الكمال الذي إنّما يجيء منه خاصّة ، وبه يوجد الأشياء ويعدم ، فإنّ الغاية سبب وجود الأشياء وظهوره .
ثمّ إذ قد أفصح لسان كمال النبوّة في الكلمة اللوطيّة ، داعيا الانخراط في سلك القبيلة الجمعيّة ، ظاهرا بهم ، وقد استجيب دعوته ضرورة.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم : « فمن ذلك الوقت » - يعنى من الزمن الذي قال فيه لوط عليه السلام : " أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ " ما بعث نبىّ بعد ذلك إلَّا في منعة من قومه ، فكان تحميه قبيلته ، كأبي طالب مع رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ) .
فإنّه كان يتعصّب للنبي صلى الله عليه وسلَّم ويذبّ عنه دائما ، وإنّما اضطرّ إلى الهجرة بعد وفاته .مراد لوط عليه السلام من القوة
( فقوله : " لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً " إنّما يتمنّى القوّة العرضيّة بقومه ( لكونه عليه السلام سمع الله تعالى يقول : " الله الَّذِي خَلَقَكُمْ من ضَعْفٍ " بالأصالة " ثُمَّ جَعَلَ من بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً " فعرضت القوّة بالجعل ، فهي قوّة عرضيّة ، " ثُمَّ جَعَلَ من بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً " [ 30 / 54 ] فالجعل تعلَّق بالشيبة وأمّا الضعف فهو رجوع إلى أصل خلقه ، وهو قوله : "خَلَقَكُمْ من ضَعْفٍ " ضرورة أنّ ما هو خلقيّ ذاتىّ لا يحتاج فيه إلى جعل ( فردّه لم خلقه منه ، كما قال ثمّ " يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ ل يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً " [ 16 / 70 ] ، فذكر أنّه ردّ إلى الضعف الأوّل).
( فحكم الشيخ حكم الطفل في الضعف ) فإنّه ما لم يضعف ما طرأ على أرض القابليّات مستجلبا عمّا فيها ومظهرا لها بصورته العرضيّة التطفّلية .
لم يمكن أن يخرج عنها ما غرس في أصل طينتها وزرع على متن قوّتها .
( و ) لذلك (مبعث نبىّ إلَّا بعد تمام الأربعين ، وهو زمان أخذه في النقص والضعف ) بحسب القوّة الجسمانيّة ، ليضعف الطارئ على أرض استعداده من نباتات الاقتضاءات المشوّشة .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فلذا قال : " لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً " مع كون ذلك ) م يطلب القوّة الجسمانيّة ، بل إنّما ( يطلب همّة مؤثّرة ) في الوجود عليّة ، ونيّة قاصدة إلى الغاية رفيعةأولياء الله تعالى يستنكفون من التصرّف بالهمّة
قال الشيخ رضي الله عنه : (فإن قلت : وم يمنعه من الهمّة المؤثّرة ، وهي الموجودة في السالكين من الأتباع ) على ما هم عليه من القصور وجزئيّة الحكم وضعفها ، (والرسل ) بكمالهم وكليّة أحكامهم وقوّتها ( أولى بها ) ؟
قال الشيخ رضي الله عنه : ( قلنا : صدقت ، ولكن نقصك علم آخر ، وذلك أنّ المعرفة لا تترك للهمّة تصرّفا ) يعنى استقلالا في التأثير والحكم ( فكلَّما علت معرفته ) ورقّت رقيقته الامتيازيّة الخلقيّة ، وقربت وصلته إلى مواطن الاتّحاد ( نقص تصرّفه بالهمّة ، وذلك لوجهين : )( الوجه الواحد لتحقّقه بمقام العبوديّة ) الآبية عن غير الإذعان والقبول لأحكام الربّ وتصرّفاته أفعالا وأعمال (ونظره إلى أصل خلقه الطبيعي ) وضعفه الفطري ذوقا وحال .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( والوجه الآخر أحديّة المتصرّف والمتصرّف فيه ) في مشهده الجمعىّ ، و بيّن أنّه لا بدّ وأن يكون الفاعل في بعد عن القابل يقابله ، حتّى يتمكَّن من التأثير ، فإنّ القريب من الشيء منقهر تحت أحكام وحدته الشخصيّة ، مختفية في أحديّته الإحاطيّة ( فلا يرى ) صاحب المشهد الجمعي غيرا في نظر همّته حتّى يتوجّه إليه بقوّة تأثيره وإلى من يقصد عند التأثير ، و ( على من يرسل همّته ) إليه ، فإنّ للفاعل والمؤثرّ مرتبة العلوّ على مجعوله المتأثّر منه ، لا بدّ من ذلك حتّى يتمّ التأثير .
فلذلك استعمل الرؤية بـ " على " وهي الرؤية البصريّة ، بقرينة « النظر » في الوجه الأوّل ( فيمنعه ذلك ) الأحديّة المشهودة له من تقابل العلو والسفل ، الذي به يتمكَّن الفاعل في التصرّف .نزاع ، أم وفاق ثمّ لما ستشعر أن يقال :
إنّ المنازع للعارف لا بدّ له من بعد عنه ومقابلة له إليه ، وطلَّا لم يكن منازعا ، وما أمكن أن يصدر عنه النزاع أصلا ، قال : (وفي هذا المشهد ترى أنّ المنازع له من عدل عن حقيقته التي هو عليها في حال ثبوت عينه وحال عدمه ، فما ظهر في الوجود إلَّا ما كان له في حال العدم في الثبوت ، فم تعدّى حقيقته ، ولا أخلّ بطريقته ) فما خاصم وم انحرف عادته الجمعيّة .
""أضاف المحقق : قال القيصري : " ويجوز أن يكون الرؤية بمعنى العلم ، ومن استفهاميّة أي فلا يعلم على أيّ موجود يرسل همّته " ""

قال الشيخ رضي الله عنه : ( فتسمية ذلك نزاع إنّما هو أمر عرضى أظهره الحجاب الذي على أعين الناس ) ومداركهم الجزئيّة ، التي إنّما يدرك الأمور بالغواشي الخارجيّة والعوارض النسبيّة ، التي هي ذات التقابل والتعاند ضرورة ، ذاهلين عن المقاصد الكلَّية والأصول الجمليّة التي جمعت الكل تحت إحاطته آخرا ( كما قال الله تعالى فيهم : " وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ . يَعْلَمُونَ ظاهِراً من الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ " ) [ 30 / 7 - 6 ] .
""أضاف المحقق : قال القيصري : " أي الغلاف هو الكنّ المذكور في قوله تعالى :" إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوه ُ وَفي آذانِهِمْ وَقْراً " [ 18 / 57 ] فهو الذي ستر القلب وحجبه من إدراك الحقائق على ما هي عليه " . ""

قال رضي الله عنه : ( وهو ) - أي النزاع - على ما تصوّروه ( من المقلوب ، فإنّه ) وفاق في الحقيقة ، وهم قلَّبوه ، أو الغفلة التي لهم من باب المقلوب ، فإنّه ( من قوله :
" قُلُوبُنا غُلْفٌ" [ 2 / 88 ] فإنّ « غفل » قلب « غلف » ( أي في غلاف ، وهو الكنّ الذي ستره عن إدراك الأمر على ما هو عليه ) .
( فهذا وأمثاله يمنع العارف من التصرّف في العالم ) .محاورة عارفين حول التصرّف بالهمّة
(قال الشيخ أبو عبد الله بن قائد للشيخ أبى السعود بن الشبل : لم لا تتصرّف » ؟ فقال أبو السعود : " تركت الحقّ يتصرّف بي كما يشاء " .
""
أضاف المحقق : الشيخ أبو عبد الله بن قائد و الشيخ أبى السعود بن الشبل من أصحاب الشيخ عبد القادر الجيلاني القطب الشهير ومؤسس الطريقة القادرية . ""

(يريد قوله تعالى آمرا : " فَاتَّخِذْه ُ وَكِيلًا " [ 73 / 9 ] فالوكيل هو المتصرّف ، ولا سيّم
وقد سمع الله يقول : " وَأَنْفِقُوا مِمَّ جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيه ِ ") [ 57 / 7 ]
قال رضي الله عنه:(فعلم أبو السعود والعارفون أنّ الأمر بيده ليس لهوأنّه مستخلف فيه .)
ثمّ قال له الحقّ : " هذا الأمر الذي استخلفتك فيه وملَّكتك إيّاه ، اجعلني واتّخذنى وكيلا فيه " فامتثل أبو السعود أمر الله واتّخذه وكيلا ، فكيف يبقى لمن يشهد مثل هذا الأمر همّة يتصرّف بها ؟ ! والهمّة لا يفعل إلَّا بالجمعيّة التي لا متّسع لصاحبها إلى غير م اجتمع عليه ) واهتمّ به ممّا يوجده أو يبقيه أو يعدمه ، ( وهذه المعرفة ) التي لا بدّ للعبد العارف أن يكون صاحب قدم فيها ( تفرقة عن هذه الجمعيّة ) فل يمكن أن يكون له الهمّة الموجدة والمؤثّرة أصلا ، مع تلك المعرفة المفرّقة له عن الجمعيّة المؤثّرة ( فيظهر العارف - التامّ المعرفة - بغاية العجز والضعف ) عن التصرّف والتأثير .
قال الشيخ رضي الله عنه : (قال بعض الأبدال للشيخ عبد الرزّاق رضي الله عنه : قل للشيخ أبى مدين بعد السلام عليه : يا أب مدين ، لم لا تعتاص علينا شيء ، وأنت يعتاص عليك الأشياء ؟ ) أي يستشكل ،.
يقال : اعتاص عليه الأمر أي التوى - ( ونحن نرغب في مقامك ، وأنت لا ترغب في مقامن ؟ وكذلك كان ) أبو مدين يعتاص عليه الأمور ( مع كون أبى مدين - رضي الله عنه - كان عنده ذلك المقام وغيره ، ونحن أتم في مقام الضعف والعجز منه ، ومع هذ قال له هذا البدل ما قال ، وهذا ) الذي نحن فيه ( من ذلك القبيل أيضا ) أي من كمال المعرفة وتمامه .

متى يتصرّف صاحب الهمّة
قال الشيخ رضي الله عنه : ( و ) لذلك ( قال صلى الله عليه وسلَّم في هذا المقام عن أمر الله له بذلك : "ما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَل بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ " [ 46 / 9 ] فالرسول صلى الله عليه وسلَّم ) ، الذي
هو أكمل العبيد أمره ( يحكم ما يوحى به إليه ، ما عنده غير ذلك ، فإن أوحى إليه بالتصّرف بجزم تصرّف ، وإن منع امتنع ، وإن خيّر اختار ترك التصرّف ) لأنّه للعبيد بالذات ، وحكم ما بالذات غالب مطلقا ، ما لم يغلب على المحل العوارض الخارجيّة ، وإليه أشار بقوله :
( إلَّا أن يكون ناقص المعرفة ) بم هو ذاتي للعبيد وما هو أصلح له في التأدّب بين يدي سيده ومولاه .
قال الشيخ رضي الله عنه : ) قال أبو السعود لأصحابه المؤمنين به : إنّ الله أعطاني التصرّف منذ خمس عشرة سنة ، وتركناه تطرّف ) أي تكرّما وإيثارا ، فإنّ الطرف بكسر الطاء : هو الكريم أو من أطرف الرجل : أي جاء بطرفة : أي تركناه إتيانا بأمر بديع ( وهذا لسان إدلال) أي تبجّح وتشطَّح .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وأمّا نحن فم تركناه تطرّفا - وهو تركه ) إتيانا بأمر بديع ، أو ) إيثار ، وإنّما تركناه لكمال المعرفة ، فإنّ المعرفة لا تقتضيه بحكم الاختيار ) فإنّها إنّما تقتضيه بحكم الجبر والاضطرار ، توفية لمقام العبودية حقّه .
قال الشيخ رضي الله عنه : ) فمتى تصرّف العارف بالهمّة في العالم فعن أمر إلهي وجبر ، ل باختيار ولا شكّ أنّ مقام الرسالة ) بم هو مقتضاه من وضع الصور وإظهارها ونظم الأمور وأطواره .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( يطلب التصرّف لقبول الرسالة التي جاء بها ، فيظهر عليه ما يصدّقه عند امّته وقومه ، ليظهر دين الله) لاقتضائه خلاف ذلك.
قال رضي الله عنه : ) والوليليس كذلك ، ومع هذا فلا يطلبه الرسول في الظاهر ، لأنّ للرسول الشفقة على قومه ، فلا يريد أن يبالغ في ظهور الحجّة عليهم ، فإنّ في ذلك هلاكهم ( إذ لم يذعنوا وتمرّدوا ، دون ما إذا لم يظهر الحجّة عليهم ( فيبقى عليهم ) .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وقد علم الرسول ) صلَّى الله عليه وسلَّم ( أيضا أن الأمر المعجز إذا ظهر للجماعة ، فمنهم من يؤمن عند ذلك ، ومنهم من يعرفه ويجحده ، ولا يظهر التصديق به ) إمّ ( ظلم ) لنفسه ، كما للمنهمكين في الشهوات منهم ( و ( إمّ ( علوّا ) على الناس ، كما للمتوجّهين إلى التجوّه والغلبة ( و ) إمّا ( حسدا ) على صاحب المعجزة كما للمشاركين معه ، إمّا في النسب أو م يجري مجراه ، هذا عند من يعرفه ويعلمه .
( ومنهم من يلحق ذلك بالسحر والإيهام ) من الجاهلين به والغافلين عنه عند إدراكهم المعجزة ، فإنّ الجهل بعثهم على إلحاقه بالسحر والشعبذة .

[ متى تؤثّر المعجزة ]
قال الشيخ رضي الله عنه : ) فلمّا رأت الرسل ذلك وأنّه لا يؤمن إلَّا من أنار الله قلبه بنور الإيمان( في الأصل .
( ومتى لم ينظر الشخص بذلك النور المسمّى إيمانا ، وإلَّا فلا ينفع في حقّه الأمر المعجز ، ) من الأنبياء .
قال رضي الله عنه :(فقصرت الهمم عن طلب الأمور المعجزة ،لمّا لم يعم أثرها في الناظرين ) إليها ، لا في عقولهم ، حتّى يعتقدوا عقدا تقليديّا ( ولا في قلوبهم ) حتّى يؤمنوا به إيمانا علميّا انشراحيّ .
فعلم أنّ مساعي الأنبياء بقوّة المعجزة غير مفيد ( كما قال في حقّ أكمل الرسل وأعلم الخلق وأصدقهم في الحال : " إِنَّكَ لا تَهْدِي من أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ الله يَهْدِي من يَشاءُ " ) [ 28 / 56 ] .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ولو كان للهمّة أثر ولا بدّ ) يعني يلزم الهمّة أثرها لزوما كليّا - لا في الجملة - كما يشاهد في بعض الأفراد من المستكملين
( لم يكن أحد أكمل من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، ولا أعلى ولا أقوى همّة منه ، وما أثرت في إسلام أبي طالب عمّه) وقريبه بوثاقة رقيقة نسبته إليه وألفته معه .
وكلّ ذلك مما يعدّ في أمر التأثير والتأثّر ( وفيه نزلت الآية التي ذكرناها ، ولذلك قال في الرسول أنّه ما عليه إلَّا البلاغ ) في صيغة الحصر ( وقال : " لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ الله يَهْدِي من يَشاءُ " [ 2 / 272 ] وزاد في سورة القصص ) على ذلك بيانا بقوله : ( "وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ " [ 28 / 56 ] أي بالذين أعطوه العلم بهدايتهم في حال عدمهم بأعيانهم الثابتة ) .

[ مبدأ السعادة والشقاوة عين السعيد والشقي ]
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فأثبت ) بقوله هذا ( أنّ العلم تابع للمعلوم ، فمن كان مؤمنا في ثبوت عينه وحال عدمه ظهر بتلك الصورة في حال وجوده ، وقد علم الله ذلك منه أنّه هكذا يكون ) فاوجده عليه .
( فلذلك قال : " وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ " ) منهم بأنفسهم ، فإنّ العالم بالشيء الممكن مع السبب الموجب له أعلم بالعالم به فقط ( فلمّا قال مثل هذا ) وأظهر الأمر على ما هو عليه ( قال أيضا : " م يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ " [ 50 / 29 ] لأنّ قولي على حدّ علمي في خلقي ) فإنّه صورته ( " وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ " [ 50 / 29 ] أي ما قدّرت عليهم الكفر الذي يشقيهم ) .
حتّى تثبت به نفس الظلم وأكون به ظالما ( ثمّ طلبتهم بما ليس في وسعهم أن يأتوا به ) حتّى يثبت به المبالغة في الظلم وأكون به ظلَّاما ( بل ما عاملناهم ) في إعطائهم الوجود بما لهم من نقود استعداداتهم ( إلَّا بحسب م علمناهم ، وما علمناهم إلَّا بما أعطونا من نفوسهم ، مما هم عليه ) من نقوش استعداداتهم ونقودها ، ( فإن كان ) في الواقع ( ظلم فهم الظالمون ) فإنّهم الذين طلبوا من الجواد المطلق ما هم عليه من الخصوصيّات ( ولذلك قال : " وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ " [ 2 / 57 ] فـ " ما ظَلَمَهُمُ الله " ) [ 3 / 117 ] .
وكم أنّه ما عاملناهم في الظهور والوجود إلَّا بحسب ما علمناهم ( كذلك ما قلنا لهم ) في الإظهار والشهود بإظهار الصورة الحرفيّة على مشعري السمع والبصر ( إلَّا ما أعطته ذاتنا ) من خصوصيّات نقوش القوابل التي هي في صدد الإظهار ، فإنّ منها ما يقتضي الخفاء وعدم الظهور ، وهو الذي غلب عليه حكم البطون من الذاتيّات ، ولذلك خصّص ما أعطته بقوله :
قال الشيخ رضي الله عنه : (أن نقول لهم وذاتنا معلومة لنا بما هي عليه من أن نقول كذا ) ويظهر ما يقتضي ذلك ويستأهله (ول نقول كذا ) ويخفى ما يقتضي البطون والستر .
فعلم أنّ تلك الخصوصيّات والأحكام ما لا يظهره الكلام بالإفصاح عنه والقول بها، بل القول إنّما نزل بإخفائه والكفّ عنه، كالمحرّمات والمناهي في الأفعال (فما قلن إلَّا ما علمنا أن نقول) ويظهر بالأمر بإصداره، والحثّ على إيجاده واختلاقه كالواجبات (قلنا القول منا، ولهم الامتثال) - ممن له طرف الظهور وتعلَّق رقيقة نسبته الأصليّة به - (وعدم الامتثال) ممن له الطرف المقابل له (مع السماع منهم) .
فعلم أنّ لأمر الظهور والإظهار لا بدّ من الطرفين : طرف الحقّ من حيث كثرته الأسمائيّة الكاشفة عن أمر تمام الإظهار بالقول ، وطرف العبد من حيث الأعيان المتكثّرة بحسب تلك الأسماء التي منها يظهر بالوجود الكوني.
(فالكلّ منّا ومنهم ..... والأخذ عنّا وعنهم) و ( إن ) كان بعض الأعيان من غير المتمثّلين الذين يظهرون ما لا يصدر القول به وبإظهاره ( لم يكونون منّا ) ضرورة أنّ الصادر منّا هو الكلام القولي ، وهم من حيث ظهورهم بتلك الصور الغير المقولة ما هم منّا ، ولكن لما كان ذلك فيهم لغلبة حكم الوحدة الذاتيّة ، الساترة على حقيقتهم ، كما أشير إليه ، ( فنحن لا شك منهم ) لأنّ الكل من ظرف الذات ووحدتها .
[ سرّ عنوان هذه المباحث في هذا الفصّ ]
ثمّ إنّك قد عرفت أنّ تمام الأمر في هذين الطرفين - أعني الوجود الكوني العيني ، والقول الكلامي السمعي وكلاهما صورة ظهور المعلومات - فهما صورتان متطابقتان ، وكان وجه اختصاص هذه النكتة بالحكمة الملكيّة لاشتراك اسم الملك والكلم في تمام المادّة ، فلذلك كشفت عن الصورة الكلاميّة وما ينطوى عليه .
وإليه أشار بقوله رضي الله عنه : ( فتحقّق يا وليّ هذه الحكمة الملكيّة من الكلمة اللوطيّة ) باستيناف العبارة تحريضا للطالب المتفطَّن أن يمعن النظر في كلمته كلّ الإمعان .
عسى أن يتفطَّن لمغزاها ( فإنّها لباب المعرفة ) إذ اللبّ إنّما هو الحدّ - على ما لوّحت على ذلك والحدّ إنّما هو هذان الطرفان اللذان عليهما الختمان بكماليهما ، كما نبّهت إليه في المقدّمة ، وحينئذ ظهر معنى البيت وانكشف مغزاه .
( وقد بان لك السرّ .... وقد اتّضح الأمر )
( وقد ادرج في الشفع )القولي ، فإنّ بالوجود الكلامي قد شفّع وجود المتكلَّم وبه صار وجودين
( الذي قيل هو الوتر ) فإنّ الكلام منطو على الكل على ما ل يخفى .
ومن السرّ الذي اتّضح هاهنا هو معنى الشفاعة المحمّديّة المخلَّصة للعاصين عن عذابهم في الآخرة ، فلا تغفل .
.
....

19A4wQC5k0E

  السابق

المحتويات

التالي  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب فصوص الحكم وشروحاته

مطالعة هذه الشروحات والتعليقات على كتاب الفصوص


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!