موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

كتاب الفكوك في أسرار
مستندات حكم الفصوص

تأليف: الشيخ صدر الدين القونوي

فص حكمة مهيمنية في كلمة إبراهيمية

  السابق

المحتويات

التالي  

فص حكمة مهيمنية في كلمة إبراهيمية


05 - فك ختم الفص الابراهيمى .كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص على فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص أبو المعالي محمد بن إسحاق صدر الدين القونوي

1 / 5 - والتنبيه على سره انما قرن الحكمة المهيمية بالكلمة الابراهيمية من أجل ان صفة التهيم تقتضي عدم الانحياز الى جهة تعينها وعدم امتياز صاحبها بصفة مخصوصة تقيده ، وهذا هو مقام الخلة الاولى الحاصلة من عدم ارتفاع الحجب ، بخلاف الخلة الاخرى التي سألمع بسرها فيما بعد .
2 / 5 - فاما هذه الخلة الابراهيمية : فلها اولية الظهور بالصفات الإلهية الثبوتية بمعنى انه بحقيقته كسى الذات بالصفات.
ولهذه المناسبة ورد في الصحيح : ان اول من يكسى من الخلق يوم القيامة إبراهيم عليه السلام ، لأنه الجزاء الوفاق ، وله ظاهرية البرزخية الاولى ، وهو اول من كملت به كليات احكام الوجوب في مرتبة الإمكان ، فقابل كل حكم كلى منها بقابلية ظهر بها اثر ذلك الحكم الكلى في الوجود ، وهي الكلمات التي أتمهن ، فجيء عقب إتمامها بالامامة على الناس.
3 / 5 - واما الخلة الاخرى : في الخصيصة بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولا حجاب معها لان مقتضى الاولى مقابلة تعينات مخصوصة من تعينات الحق المعبرعنها بالصفات وبقابليات ذاتية بها غيرية هي لوازم حقيقة القابل .
بخلاف خلة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، فان المقابلة فيها واقعة بين صفات ظاهرية الحق وبين صفات باطنية ، مع احدية العين التي هي الهوية الموصوفة بالظهور والبطون ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم اشبه الخلق بإبراهيم عليه السلام والمحيي لملته .
لان بالتحقيق بالهوية يحيى ويتعين الطرفان - وهما الظاهر والباطن - لأنه لا ظهور الا عن بطون متقدم فالاسم الباطن اول تعينات الهوية ، فثبت استنادهما إليها وتوقف تحققهما عليها.
4 / 5 - وقد اخبر الخليل ونبينا عليهما السلام عن ذلك بلسان الرمز والاشارة ؛ فورد الاخبار النبوي : ان الناس اذا التجئوا الى الخليل يوم القيامة ان يشفع لهم . ويقولون : انت خليل الله اشفع لنا ، يقول لهم: انما كنت خليلا من وراء وراء ، واخبر نبينا صلى الله عليه وسلم ايضا : "ان الخلق يلجئون" تمام الحديث في صحيح المسلم ( باب الإيمان ص 71 مع شرح النووي )
قال صلى الله عليه وآله : يجمع الله تبارك وتعالى الناس فيقوم المؤمنون حتى تزلف لهم الجنة فيأتون آدم عليه السلام فيقولون : " يا أبانا استفتح لنا الجنة، فيقول: وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم؟ لست بصاحب ذلك، اذهبوا إلى ابني إبراهيم خليل الله " قال: " فيقول إبراهيم: لست بصاحب ذلك، إنما كنت خليلا من وراء وراء، اعمدوا إلى موسى الذي كلمه الله تكليما، فيأتون موسى فيقول: لست بصاحب ذلك، اذهبوا إلى عيسى كلمة الله وروحه، فيقول عيسى: لست بصاحب ذلك، فيأتون محمدا - صلى الله عليه وسلم - فيقوم فيؤذن له، وترسل الأمانة والرحم، فيقومان جنبتي الصراط يمينا وشمالا، فيمر أولكم كالبرق ". قال: قلت: بأبي أنت وأمي، أي شيء كمر البرق؟
قال: (ألم تروا إلى البرق كيف يمر ويرجع في طرفة عين، ثم كمر الريح، ثم كمر الطير، وشد الرجال، تجري بهم أعمالهم، ونبيكم قائم على الصراط يقول: يا رب سلم سلم، حتى تعجز أعمال العباد، حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفا.
وقال: " وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة، تأخذ من أمرت به، فمخدوش ناج، ومكردس في النار ".
والذي نفس أبي هريرة بيده إن قعر جهنم لسبعين خريفا» . رواه مسلم.
قال صاحب التحرير : هذا كلمه على سبيل التواضع ، اي لست بتلك الدرجة الرفيعة ، اي ان المكارم التي اعطيتها كانت بوساطة سفارة جبرئيل ولكن ائتوا موسى فانه حصل له السماع الكلام بغير واسطة .
قال وانما كرر - وراء وراء - لكون نبينا محمد صلى الله عليه وآله حصل له السماع بغير واسطة وحصل له الرؤية .
فقال ابراهيم انا وراء موسى الذي هو وراء محمد . هذا كلام صاحب التحرير .
واما ضبط وراء وراء فالمشهور فيه الفتح فيهما بلا تنوين ، ويجوز عند اهل العربية بناؤهما على الضم ، وقد جرى في هذا كلام بين الحافظ ابى الخطاب ابن ديحة والامام الاديب ابن اليمن الكندي ، فراوهما ابن ديحة بالفتح وادعى الصواب .
فانكره الكندي وادعى ان الضم هو الصواب . وكذا قال ابو البقاء الصواب الضم .
لان تقديره : من وراء ذلك او من وراء شيء آخر . قال فإن صح الفتح قبل .
وقد افادني هذا الحرف الشيخ الامام ابو عبد الله محمد بن امية - ادام الله نعمه عليه - وقال : الفتح صحيح وتكون الكلمة مؤكدة - كشذر مذر وشغر بغر - وسقطوا بين بين فركبهما وبناهما على الفتح .
قال وإن ورد منصوباً منوناً جاز جوازاً جيداً . قلت : ونقل الجوهري في صحاحه عن الأخش انه يقال لقيته من وراء - مرفوع على الغاية - كقولك من قبل و من بعد .
قال وانشد الأخفش شعراً :
اذا انا لم او من عليك ولم يكن .... لقاءك الا من وراء وراء
الى يوم القيامة حتى ابراهيم عليه السلام ، وكان آخر ما عين لنفسه من المقامات التي منحه الحق اياها مقام الخلة .
وذلك في آخر خطبته خطبها قبل موته بخمسة ايام وقال فيها بعد أن حمد الله واثنى عليه : ايها الناس ! انه قد كان لي فيكم أخوة واصدقاء ، واني أبرأ إلى الله أن اتخذ أحداً منكم خليلا : "ولو كنت متخذاً خليلا لاتخذت ابابكر خليلا " .
5 / 5 - ان الله قد اتخذني خليلا - كما اتخذ ابراهيم خليلا - اوتيت البارحة مفتاخ خزائن الأرض والسماء .
فكان ذلك تعريفاً من ه بأكمل احواله ومقاماته وسر ظهوره بحقيقته البرزخية تماماً ، فإن البرزخية المذكورة وان ثبت لها الجمعية ، فإن الجمعية قد تحصل لمن يغلب عليه في جمعيته طرف ظهور وسر ظهوره ولمن يغلب عليه في جمعيته طرف المبطلون ، وقد تحصل الجمعية لمن لا يغلب عليه طرف على طرف اصلا.
6 / 5 - واعلم اني وان كنت قد المعت بشيء من هذا في فك ختم الفص الآدمي ، فهذا هو تمام الأمر وروح القضية ، فأمعن النظر في ما ذكرته لك ، وكرر التأمل تستشرف على امر جليلة من جملتها : انه لما قرن شيخنا رضي الله عنه في ذكر مناسبة كل صفة الى نبى .
وبدأ بالمرتبة الجامعة للصفات وهي حضرة الالوهية وقرنها بآدم الذي له الكمال الأول في الحيطة والجمعية ، وتلاه بالعطايا الذاتية والاسمائية التي لها الاولية في المصدرية ، وأورد فيها بذكر الصفات التنزيهية المزيلة توهم الكشف المتعقلة في الأسماء من حيث تعقل من جمعه بذاته ،وكذلك الكثرة الموصوف بها العطايا.
7 / 5 - ليعلم ان الامر من حيث الحق امر واحد لا كثرة فيه ، وان الكثرة المتعلقة في الأسماء والعطايا منتشئة من القوابل وبدأ بذكر السبوحية ثم القدوسية لأمر بيانه ، وجب ان يذكر بعد صفات التنزيه السلبية احكام الصفات الثبوتية ومراتبها واول مظاهرها الانسانية لتكميل مرتبة المعرفة بالذات ، فان السلوب لا تفيد معرفة تامة اصلا .
8 / 5 - فكان الخليل عليه السلام اول مرآة ظهرت بها احكام الصفات الإلهية الثبوتية واول من حاز التخلق بها ، وكان لنبينا صلى الله عليه وسلم التحقق بها ، والفرق بين التخلق والتحقق هو ان التخلق يحصل بالكسب والتعمل في التجلي بها ، فيكون صاحب التخلق محلا لاحكامها وهدفا لسهام آثارها والتحقق بها لا يصح الا بمناسبة ذاتية .
تقتضي بان يكون المتحقق بها مرآة للذات .
والمرتبة الجامعة للصفات ترسم فيه جميع الأسماء والصفات ، ارتساما ذاتيا لا على سبيل المحاكاة للارتسام الإلهي فيه ، اعنى بصاحب التحقق يظهر وينفذ آثار الصفات والأسماء في المتخلقين بها وغيرهم من المجالى ، الذين هم محال آثارها من الأناسي وغيرهم .
فاعلم ذلك ترشد ان شاء الله تعالى .
.


GszkXUr9xtg

  السابق

المحتويات

التالي  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!