موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

كتاب الفكوك في أسرار
مستندات حكم الفصوص

تأليف: الشيخ صدر الدين القونوي

فص حكمة إلهية في كلمة آدمية

  السابق

المحتويات

التالي  

فص حكمة إلهية في كلمة آدمية


01 - فك ختم الفص الادمى .كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص على فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص ابو المعالي محمد بن إسحاق صدر الدين القونوي

1 - واما اختصاص هذه الكلمة الادمية بحضرة الالوهية ، فذلك بسبب الاشتراك من أحدية الجمع ، فكما أن الحضرة الالوهية المعبر عنها بالاسم الله تشتمل على خصائص الأسماء كلها وأحكامها التفصيلية ونسبها المتفرعة عنها اولا والمنتهية الحكم إليها آخرا .
ولا واسطة بينهما وبين الذات من الأسماء - كما هو الامر في شأن غيرها من بيان غير الأسماء بالنسبة إليها اعنى بالنسبة الى الحضرة الإلهية - كذلك الإنسان .
فإنه من حيث حقيقته ومرتبته لا واسطة بينه وبين الحق ، لكون حقيقته عبارة عن البرزخية الجامعة بين أحكام الوجوب واحكام الإمكان ، فله الاحاطة بالطرفين .
2 - ولهذا الاعتبار قال رحمه الله فيه : أنه الإنسان الحادث الأزلي والنشأة الدائم الأبدي ، فله الاولية والتقدم على الموجودات من هذا الوجه .
3 - وأما سر آخريته فمن حيث انتهاء الأحكام والآثار اليه واجتماعها ظاهرا وباطنا فيه ، كانبثاثه اولا منه وذلك انه لما كان حكم شأن الحق الجامع للشئون كلها وأحكامها دوريا وكان حكم ذلك الشأن ولوازمه من امهات الشئون ايضا كذلك وهي المعبر عنها بمفاتيح الغيب .
ظهر سر الدور في أحوال الموجودات وأحكامها وذواتها ، فالعقول والنفوس من حيث حكمها بالأجسام وعلمها ، كافلاك المعنوية ، ولما كانت الأفلاك ناتجة عنها وظاهرة منها ، ظهرت هذا الوصف الاحاطى والدورة صورة ومعنى .
4 - ولما كانت العقول والنفوس متفاوتة المراتب من حضرة الحق بسبب كثرة الوسائط وقلتها وقلة احكام الكثرة في ذواتها وكثرتها ، تفاوتت الأفلاك في الحكم والاحاطة ، فاقربها نسبة الى اشرف العقول أكثرها احاطة وأقلها كثرة والامر بالعكس فيما نزل عن درجة الأقرب - كما ترى لما أشرنا اليه.
5 - ولما كان الامر كذلك في عرصة العقل المنور والشهود المحقق ، اقتضى الامر والسنة الإلهية ان يكون وصول الامداد الى الموجودات وعود الحكم في الجناب الإلهي المشار إليه في الاخبارات الإلهية والتنبيهات النبوية والمشهود كشفا وتحقيقا ، وصولا وعودا دوريا .
6 - فالمدد الإلهي يتعين من مطلق الفيض الذاتي بالبرزخية المشار إليها ويصل الى الحضرة العقل الأول المكنى عنه بالقلم ثم باللوح ثم العرش ثم الكرسي ثم باقى الأفلاك - فلكا بعد فلك - ثم يسرى في العناصر ثم المولدات وينتهى الى الإنسان منصبغا بجميع خواص كل ما مر عليه .
7 - فان كان الإنسان المنتهى اليه ذلك ممن سلك وعرج واتحد بالنفوس والعقول وتجاوزها بالمناسبة الاصلية الذاتية حتى اتحد ببرزخيته التي هي مرتبة الاصلية ، فان المدد الواصل اليه بعد انتهائه في الكثرة الى اقصى درجات الكثرة وصورتها ، يتصل باحديتها ، اعنى احدية تلك الكثرة الى تلك البرزخية التي من جملة نعوتها الوحدانية التالية الاحدية فيتم الدائرة بالانتهاء الى المقام الذي منه تعين الفيض الواصل الى العقل.
8 - وهذا سر من لم يعرفه ولم يشهده لم يعرف حقيقة قوله تعالى : " وإِلَيْه يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّه " 123 سورة هود.
9 - ومن هذا شأنه فهو الذي قيل فيه من حيث صورته العنصرية الآخرية الجامعة : أنه خلق في أحسن تقويم ، ومن حيث حقيقته : أن أجره غير ممنون ، ومن لم يكن كذلك فهو المنتهى إلى أسفل السافلين ، لبعده بكثرته عن أصله الذي هو المقام الوحدانى الإلهي الاولى ، لأنه نزل من اعلى الرتب وهي البرزخية المذكورة الى اقصى درجات الكثرة والانفعال ووقف عندها .
بخلاف الكمل الذين تمت لهم الدائرة ، لأنهم وان انحدروا ، فهم مرتفعون في انحدارهم ، كما قال بعض التراجمة في مدح نبينا صلى الله عليه وسلم :
تخيرك الله من ادم ..... فما زلت منحدرا ترتقى
10 - والواقفون في اسفل السافلين ليسوا كذلك ، فإنهم لم يتجاوزوا نصف الدائرة فاعلم ذلك ، فهذا سر اختصاص آدم بالحضرة الإلهية وسبب أوليته من حيث المعنى وآخريته من حيث الصورة وجمعه بين الحقيقة الوحدانية التي هي محتد أحكام الوجوب وبين الكثرة التي هي محتد احكام الإمكان ، وانتهاء الامر آخرا الى الوحدانية من حيث انه : ما جاوز الحد انعكس الى الضد .
11 - فتدبر ما سمعت فإنه من لباب المعرفة الإلهية والإنسانية ، فإنك ان عرفت ما ذكرنا لك ، عرفت مراتب الأسماء وتفاوت درجاتها وتفاوت درجات الموجودات من حيثها .
وعرفت سر قوله تعالى : " وعَلَّمَ آدَمَ الأَسْماءَ كُلَّه " 31 سورة البقرة .
وان سر الخلافة الجمع بين الوحدة والكثرة ، لكن على الوجه المذكور وعرفت سر الأمداد والاستمداد ، وعرفت سر ظهور المعلولات بصور عللها .
وعرفت سر قوله صلى الله عليه وسلم : ان الله خلق آدم على صورته ، وان تفاوت المدرك في الظهور والحكم لتفاوت الاستعدادات القابلة ، وعرفت غير ذلك مما يطول ذكره فتدبر ترشد ان شاء الله تعالى.
سر تسمية الأنبياء بالكلمات
12 - وأما سر تسمية الأنبياء بالكلمات وكذلك تسمية الحق سبحانه الأرواح بهذا الاسم - بل الموجودات - فموقوف على معرفة كيفية الإيجاد والمادة التي منها وبها وفيها وقع الإيجاد ، وهذا من اعظم العلوم واغمضها وأشرفها وبيانه يحتاج الى فصل بسيط ليس هذا موضعه ، على انه قد ذكرت أصوله في تفسير الفاتحة وفي كتاب النفحات ، وسأذكر هاهنا على سبيل التنبيه ما يحتمل هذا الالماع .
13 - فأقول : قد كنى الحق سبحانه في الكتب المنزلة عن التأثير الايجادى بالقول ، وهو قوله تعالى : " إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناه . ." 40 سورة النحل.
14 - فاعلم ان فعل الحق ان كان بذاته بمعنى ان الفعل يليه لما يتوسط بين ذاته وبين المفعول الا نسب معقولة يتميز بتعينها الإطلاق الذاتي عما تعينت به ، كان اسم ذلك الفعل كلاما والظاهر به كلمة ، وان توسط بين الفاعل الحق وبين ما يوجد ، آلة وجودية او صورة مظهرية بعينها ويستدعيها مرتبة المفعول التي هي محل ايقاع الفعل ومنزل نفوذ الاقتدار كان قولا ، لان التأثير الإلهي في
كل مؤثر فيه إنما يصدر ويتعين بحسب مرتبة المفعول ، وكذلك الالة والمظهر الذي هو صورة الحيثية التي من جهتها صدر ذلك الموجود .
الحروف الاصلية الإلهية
15 - وإذا عرفت هذا فاعلم ان الحروف الأصلية الإلهية عبارة عن تعقلات الحق الأشياء من حيث كينونتها في وحدانيته ، ونظير ذلك التصور النفساني الإنسان قبل تعينات صورها بعلمه في ذهنه ، وهي تصورات مفردة خالية عن التركيب المعنوي والذهني والحسي ، وهي المفاتيح الأول المعبر عنها بمفاتيح الغيب ، وهي الأسماء الذاتية وامهات الشئون الاصلية التي الماهيات هي من لوازمها ، ونتائج التعقل تعريفاتها.
حضرة الارتسام
16 - والتعقل الثاني تعقل الماهيات في عرصة العلم الذاتي من حيث الامتياز النسبي وهو حضرة الارتسام الذي يشير اليه أكابر المحققين و المتألهين من الحكماء بان الأشياء مرتسمة في نفس الحق .
والفرق بين الحكيم والمحقق في هذه المسألة هو ان الارتسام عند المحقق وصف العلم من حيث امتيازه النسبي عن الذات ، ليس هو وصف الذات من حيث هي ولا من حيث ان علمها عينها .
فتعقل الماهية من حيث افرازها عن لوازمها في حضرة العلم هي حرف غيبى معنوي ، وتعقلها مع لوازمها قبل انبساط الوجود المفاض عليها وعلى لوازمها ، هي كلمة غيبية معنوية .
وباعتبار تعقل تقدم اتصال الوجود بها قبل لوازمها يكون حرفا وجوديا ، وباعتبار انبساط الوجود عليها وعلى لوازمها الكلية تكون كلمة وجودية .
17 - وكما ان تركيب الكلمات في النسخة الانسانية ينشأ من حرفين و ينتهى الى خمسة متصلة ومنفصلة كذلك الأمر هناك .
فنظير درجات التركيب هنا الأصول الخمسة المذكورة في ما بعد ، وللنفس الرحمانى السراية في هذه الأصول الخمس وامهات مخارج الحروف الانسانية ايضا خمسة ، وهي :
باطن القلب
ثم الصدر
ثم الحلق
ثم الحنك
ثم الشفتان
وهي نظائر مراتب الأصول ، وباقى المخارج يتعين بين كل اثنين من هذه الأمهات . فافهم
العقل الأول
18 - ثم أقول : فابسط الموجودات الذي هو العقل الأول له ضرب واحد من التركيب لا غير وهو ان له ماهية متصفة بالوجود ، فله من أحكام الكثرة الامكانية حكم واحد ، وهو انه في نفسه ممكن ، وهو من حيث ما عدا هذا الاعتبار الواحد واجب بسيط ، وكذا شأن بقية العقول من هذا الوجه ، لكن بسبب توسط العقل بينها وبين ذات الحق تزداد حكما وأحكاما توجب تعقل كثرة ما في مرتبتها ، لكن ليست كثرة وجودية تفضي بان يحكم عليها بالتركيب .
19 - واما النفوس الفلكية : ففي ثالث مرتبة الوجود الواحد ثم يتنازل الامر في التركيب الى خمس مراتب ، فالذي يلي النفوس الأجسام البسيطة ، ثم المرتبة الخامسة الأجسام المركبة ، فهذا هي الأصول المشار إليها من قبل .
20 - وقد روعي هذا الترتيب الايجادى هذا في كل كلام الهى ينزل : فحرف ثم كلمة ثم آية ثم سورة ، والكتاب جامعها .
21 - و اما الكتب ، فهي من حيث الأمهات أيضا أربعة كالأجناس :
التوراة والإنجيل والزبور والفرقان ، وجامعها القرآن.

22 - ولما كانت الحيازة للإنسان لجمعيته أحكام الوجوب الكلية والاحكام الامكانية سمى كتابا ، وتفاوت حيطة الكتب وما تضمنه يشهد ويوضح سر تفاوت الأمم المنزلة هي عليها ، وسر الرسول المبلغ ما انزل إليهم .
فاعلم ذلك تعرف سر تسمية الأنبياء بالكلمات ، وكذلك سر تسمية الأرواح والموجودات به ولهذا الأصل فروع كلية :
منها : ما ذكرته في التفسير .
ومنها : ما ذكرته في مفتاح غيب الجمع وتفصيله .
ومنها : ما ذكرته في النفحات فمن أراد الاحاطة بأكثر أصول هذا العلم فليجمع الى هذا الأصل ما تقدم ذكره يستشرف على علوم غزيرة غامضة شريفة جدا .
والله المرشد والهادي .
.


iEDaBBYyfT0

  السابق

المحتويات

التالي  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!