موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

كتاب الفكوك في أسرار
مستندات حكم الفصوص

تأليف: الشيخ صدر الدين القونوي

فص حكمة قدرية في كلمة عزيرية

  السابق

المحتويات

التالي  

فص حكمة قدرية في كلمة عزيرية


14 - فك ختم الفص العزيرى .كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص على فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي


كتاب الفكوك في أسرار مستندات حكم الفصوص أبو المعالي محمد بن إسحاق صدر الدين القونوي
1 / 14 - اعلم ان الحق لا يعين من نفسه شيئا لشيء اصلا ، صفة كان او فعلا او حالا او غير ذلك ، لأنه امره واحد وامره الواحد عبارة عن التأثير الوحدانى بافاضة الوجود الواحد المنبسط على الممكنات القابلة له والظاهرة به والمظهرة إياه ، متعدد متنوعا مختلف الأحوال والصفات بحسب ما اقتضته حقائقها الغير المجعولة المتعينة في العلم الأزلي .
2 / 14 - فكان من مقتضى حقيقة عزير عليه السلام واحكام لوازمها انبعاث رغبة منه نحو معرفة سر القدر وانتباه فكره في القرية الخربة بصورة استبعاد اعادتها على ما كانت عليه . فأظهر الله له بواسطة فكره واستبعاده أنواعا من صور الاعادة وأنواعا من احكام القدرة التابعة للعلم ، التابع في التعلق للمعلوم ، هذا وان كان الأكثرون يظنون ان القدرة تابعة الإرادة وان الإرادة تقتضي التخصيص ، والكشف المحقق يعطى ان الإرادة ليس له الا تعين التخصيص الإلهي العلمي ، لا أنها مبدأ التخصيص ، كما ان العلم لا أثر له في المعلوم ، بل المعلوم تعين تعلق العلم به على حسب ما هو المعلوم عليه في نفسه من التعين والجزئية لا غير ، وهذه عمدة سر القدر .

3 / 14 - وقد زاد شيخنا رضى الله عنه بسطا فلا حاجة الى التصدي لاعادة الكلام فيه ، هذ وان كنت قد استوفيت الكلام عليه غير مرة في هذ الكتاب وغيره من تصانيفى وأتممت تقريره ، الحمد لله ، وسانبه الان على احكام القدرة في انواع المعاد وما أظهره الله في حال عزير منه .
4 / 14 - فأقول : المعاد يقع على ضروب متعددة : احدها إعادة الصورة المركبة من أجزاء ( 9 ) مخصوصة بعد افتراق تلك الاجزاء وجمعها وعلى نحو هيئتها الاولى واعدادها لاتصال روحها بها اتصال تدبير مقوم لتلك الصورة ممكَّن إياها من التصرف الذي يقتضيه استعدادها واستعداد الروح من حيثها في جانب المنافع ودفع المضار الخصيصين بتلك الصورة وروحه .
5 / 14 - والى هذا النوع الإشارة بقوله تعالى : " أَيَحْسَبُ الإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَه ، بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَه " [ القيامة / 3 و 4 ] ونحو ذلك مما أشار اليه الشريعة بان تلك الاجزاء محفوظة في معادنها الى حين ورود الامر بعودها الى محل اجتماعها بالموجبات المقتضية اجتماعها اولا ، لكن اجتماع الأول موقوف على تعيين الاجزاء من الكليات ، وهذا الاجتماع تأليف من أجزاء موجودة متعينة .
ولذلك قال سبحانه : " هُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُه وهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْه " [ الروم / 27 ] ان إعادة التأليف من أجزاء الموجودة المتعينة اهون من انشاء أجزاء هي مستهلكة الوجود في الكليات ثم الشروع في تأليفها ، وهو قوله : " وهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْه " ، انما بالنظر الى نفس القضية من حيث هي ، لا بالنظر الى الحق سبحانه ، فإنه لا يصعب ولا يعتاص عليه شيء .
6 / 14 - والنوع الاخر من الاعادة وهو بطريق حراسة الصورة المركبة من انفكاك اجزائها - مع مفارقة الروح لها - لعدم استعداد الصورة لقيام الحياة بها ، المستلزمة لاقبال الروح على تدبير تلك الصورة ، وميل هذا الروح لكماله ، اكسب الصورة زمان تدبيره لها صفة من صفات البقاء الذي تقتضيه ذاته ، فان البقاء صفة ذاتية للأرواح .
وايض : فان اعراض الروح عن تدبير الصورة التي فارقها وإقباله على مظهر آخر واستغراقه فيه حتى استلزم ذلك الاعراض انفكاك أجزاء تلك الصورة وتحللها ، انما ذلك لضعفه وعجزه عن الجمع بين الطرفين ، اعنى الجمع بين ملاحظة عالم الدنيا والعالم الذي انتقل اليه.

7 / 14 -ام امثال هذه الأرواح الكلية المقدسة الكاملة - فإنها لا يشغلها شأن عن شأن ول يحجبها عالم عن عالم ، لأنها ليست محبوسة في البرزخ ، بل لها تمكن من الظهور في هذا العالم متى شاءت .
فلم يعرض عن هذا العالم بكل وجه - : وقد تحققنا ذلك وشاهدناه ورأينا جماعة قد شاهدوا ذلك وكان شيخنا رضى الله عنه يجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم ومن شاء ممن هذه صفته من المنتقلين الى دار الآخرة متى شاء من ليل او نهار . وجربت ذلك غير مرة .
8 / 14 - وهذ النوع هو الذي أشار اليه بقوله صلى الله عليه وسلم ، ان الله حرم على الأرض ان تأكل أجساد الأنبياء ، وموجبه ما قلت من بركة مصاحبة الروح المقدس ذلك الجسد واكتسابه صفة من صفات بقائه ، مع عدم إعراضه عنه بالكلية بعد مفارقته حالة تدبيره له .
فمثل هذا الجسد المحروس من الانفكاك متى أمد بقوة وامر بكسبه ضربا من الاعتدال ، اتصلت به الحياة واستعد لعود اقبال الروح عليه بالتدبير ، وهذا النوع من الاعادة كانت إعادة عزير عليه السلام .
9 / 14 - والنوع الاخر من الاعادة هو ان الصورة المركبة وان انفكت اجزائها وتحللت الاعراض اللازمة ، فان جواهرها محفوظة عند الله في عالم من عوالمه يشهده اهل الكشف في امر حامل له ، هو المعبر بعجب الذّنب وهو نفس جسمية تلك الصورة ، لكن من حيث قيام الروح الحيواني وجميع قواه المزاجي بذلك الجزء الجسماني ، ومتى شاء الحق اعادتها ضم الى تلك القوى جواهر تلك الاجزاء الجسمانية إعراضا ملائمة لها شبيهة بالاعراض المتقدمة التي كانت حاملة له ، فالتأمت بها على نحو ما كانت عليه او على نحو ما يقتضيه الوقت والحال الحاضر ، وخاصية هذا الاجتماع الثاني وما يتصل به من نتائج الصفات والأحوال الناتجة من الاجتماع الأول والتدبير المتقدم ، ومن هذا القبيل كان إعادة حمار عزير عليه السلام .
10 / 14 - ولهذ قال سبحانه : " وانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً " [ البقرة / 259 ] فأظهر الله سبحانه وتعالى في هذا المقام ثلاثة امور حاصرة لاقسام الحفظ :
احدها حفظ الصورة المعهودة عن سرعة تغيرها وعدم بقائها ، فحرسها عن التغير وابقائه على ما كانت عليه ، وهذا شأن طعام عزير وشرابه.
والصورة الثانية حفظ صورته من التحليل وانفكاك الاجزاء مع اعراض الروح المدبر لصورته - كما نبهت عليه من الموجبات المذكورة .
والصورة الثالثة حفظ جواهر صورة حماره ان تحللت اجزائها ثم انشاء اعراض آخر حاملة لتلك الجواهر شبيهة بالاعراض المتقدم ، وتم الامر وانحصرت الأقسام . فافهم .
هذا هو سر الحال العزيرى الذي لم ينبه الشيخ رضى الله عنه، وما يتعلق بسر القدرة فقد ذكره .

.
....


WFlumSebEeE

  السابق

المحتويات

التالي  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!