موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

كتاب الفكوك في أسرار
مستندات حكم الفصوص

تأليف: الشيخ صدر الدين القونوي

فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية

  السابق

المحتويات

التالي  

فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية


12 - فك ختم الفص الشعيبي .كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص على فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

كتاب الفكوك في أسرار مستندات حكم الفصوص أبو المعالي محمد بن إسحاق صدر الدين القونوي
12 / 1 - اعلم ان في اقران شيخنا رضى الله عنه الحكمة القلبية بالكلمة الشعيبية سرين عظيمين، راعى في أحدهما المفهوم من لفظ الاسم وهو الشعيب ، فان شعيبا كان من العرب واسمه اسم عربى ، كذا ورد في النقل :
ان هودا وصالحا وشعيبا ويونس ولوطا كانوا من العرب .
وعلى الجملة لما كان القلب منبع الشعب المنبثة في أقطار بدن الإنسان ، بل في سائر الحيوانات التامة الخلقة ، وهو اول ما يتكون من الإنسان والحيوان ، ناسب ذكر الإقران المذكور ، هذا مع ان ثم موجبات أخر استدعت اقران الحكمة القلبية بالكلمة الشعيبية ، وسألوح ببعض اسرارها فيما بعد بمشيئة الله وعونه .

2 / 12- ولما كان القلب منبع التشعب كما ذكرت ، لذلك تنبعث منه الحياة الحيوانية وتسرى في جميع أقطار الصورة فيتصل به ومنه الى الأعضاء كلها المدد الذي به بقاء الصورة ، كم هو الامر في صورة الإنسان والحيوانات التامة الخلقة ، فكذلك هو الامر في مطلق صورة العالم علو وسفلا ، وهذا اصل كبير ثابت شرعا وكشفا وعقلا .
وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك غير مرة بالسنة مختلفة من جملتها قوله صلى الله عليه وسلم : "ان في الجسد لمضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ، الا وهي القلب" .

3 / 12 - وام في مطلق صورة العالم : فقلب العالم العلوي الظاهر الشمس ، فإنها محلها قلب الأفلاك ومنها ينتشر المدد النوري ويتصل بالكواكب كلها ، هذا وان خالف بعضهم في ذلك من بعض الوجوه فخلافه لا يقدح في ما ذكرن .

4 / 12 - وام قلب جملة الصور الوجودية : فالإنسان الكامل الحقيقي برزخ بين الوجوب والإمكان ، والمراة الجامعة للذات والمرتبة من صفات القدم وأحكامه ، وكذلك الحدثان ، ولهذا جعل محل خلافته الأرض التي هي مركز الدائرة الوجودية ، ولمقامها المعنوي المحجوب الان بصورتها ، رتبة المبدئية في انبعاث النفس الرحمانى لتكوين النشأة الكلية الوجودية ، فناسب من هذا الوجه الإنسان الحقيقي النازل فيه بالخلافة .
لأنه الأول بالرتبة والمنزلة وان كان أخر بالصورة ، فهو الواسطة بين الحق والخلق وبه ومن مرتبته يصل فيض الحق والمدد الذي هو سبب بقاء ما سوى الله الى العالم كله علو وسفلا ، ولولاه من حيث برزخيته التي لا يغاير الطرفين ، لم يقبل شيء من العالم المدد الإلهي الوحدانى لعدم المناسبة والارتباط ولم يصل اليه ، وكان يعنى وانه عمد السماوات .

5 / 12 - ولهذا السر برحلته من مركز الأرض التي هي صورة حضرة الجمع وأحديته ومنزل خلافته الإلهية الى الكرسي الكريم والعرش المجيد المحيطين بالسموات والأرض ينخرم نظامها ، فيبدل الأرض والسموات و لهذا نبه ايضا صلى الله عليه وسلم على ما ذكرنا بقوله : "لا تقوم الساعة وفي الأرض من يقول : الله ، الله" .
واكده بالتكرير يريد : وفي الأرض من يقول الله قولا حقيقيا ، إذ لو أراد من يقول كلمة « الله » لم يؤكد بالتكرار ، ولا شك انه لا يذكر الله ذكرا حقيقيا وخصوصا بهذا الاسم الجامع الأعظم المنعوت بجميع الأسماء ، الا الذين يعرفون الحق المعرفة التامة ، وأتم الخلق معرفة باللَّه في كل عصر خليفة الله ، وهو كامل ذلك العصر .
فكأنه يقول : لا يقوم الساعة وفي الأرض انسان كامل وهو المشار اليه انه العمد المعنوي الماسك ، وان شئت فقل الممسوك لأجله . فإذا انتقل انشقت السماء وكورت الشمس وانكدرت النجوم وانتثرت ، وسيرت الجبال وزلزلت الأرض وجاءت القيامة ، ولو ل ثبوته من حيث مظهريته في الجنة التي محلها الكرسي والعرش المجيد لكان الحال فيهم كالحال في الأرض والسموات .

6 / 12 - وانما جدت ثبوته من حيث مظهريته من أجل ما اطلعنى الله عليه من ان الجنة لاتسع إنسانا كاملا ، وانما يكون منه في الجنة ما يناسب الجنة وفي كل عالم ما يناسب ذلك العالم وما يستدعيه ذلك العالم من الحق من حيث ما في ذلك العالم من الإنسان .

7 / 12 - بل أقول : ولو خلت جهنم منه لم تبق ، وبه امتلأت واليه الإشارة بقدم الجبار المذكور في الحديث عند قوله صلى الله عليه وسلم : ان جهنم لا تزال تقول: " هَلْ من مَزِيدٍ " [ ق / 30 ] حتى يضع الجبار فيها قدمه ، فإذا وضع الجبار فيها قدمه ينزوى بعضها الى بعض
وتقول : قط قط ، اى : حسبى حسبى .

8 / 12 - وأخبرت من جانب الحق ان القدم الموضوع في جهنم هو الباقي في هذا العالم من صور الكمل مم لم يصحبهم في النشأة الجنانية ، وكنى عن ذلك الباقي بالقدم لمناسبة شريفة لطيفة .
فان القدم من الإنسان آخر اعضاء صورته ، فكذلك نفس صورته العنصرية آخر اعضاء مطلق الصورة الانسانية ، لان صورة العالم بأجمعها كالاعضاء لمطلق صورته الحقيقية الانسانية وهذه النشأة آخر صورة ظهرت بها الحقيقة الانسانية وبها قامت الصور كله التي قلت انها كالاعضاء .
9 / 12 - ثم اعلم ان للقلب خمس مراتب :
1 - مرتبة معنوية
2 - ومرتبة روحانية
3 - ومرتبة مثالية
4 - ومرتبة حسية
5 - ومرتبة جامعة
ولكل مرتبة من هذه الخمس مظهر هو منبع احكام تلك المرتبة ومحتد التشعب المتفرع منها.

ولكل قلب ايضا خمسة أوجه :
1 - وجه يواجه حضرة الحق ولا واسطة بينه وبين الحق .
2 - ووجه يقابل به عالم الأرواح ومن جهته يأخذ من ربه ما يقتضيه استعداده بواسطة الأرواح. 3 - ووجه يختص بعالم المثال ويحتظى منه بمقدار نسبته من مقام الجمع وبحسب اعتدال مزاجه وأخلاقه وانتظام أحواله في تصرفاته وتصوراته وحضوره ومعرفته.
4 - ووجه يلي عالم الشهادة ويختص بالاسم الظاهر والاخر.
5 - ووجه جامع يختص باحدية الجمع ، وهي التي تليها مرتبة الهوية المعنوية بالاولية والاخرية والبطون والظهور والجمع بين هذه النعوت الأربعة .

10 / 12 - ولكل وجه مظهر من الأناسي والخصيص لشعيب عليه السلام من هذه الوجوه : الوجه المثالي ، وانه من وجه في مقامه هذا شبيه بالروح الحيواني المخزون في تجويف الأيسر من القلب الصنوبري ، فإنه برزخ بين الروح الإنساني وبين المزاج .
لأنه من حيث انه قوة بسيطة معقولة يناسب الروح ويرتبط به ، ومن حيث اشتماله بالذات على القوى المختلفة المنبثة في أقطار البدن والمتصرف فيه بالتصرفات المختلفة المتكثرة ، يناسب المزاج المركب من الاجزاء والطبائع المختلفة .
فلذلك تأتي الارتباط وتيسر المدد ، إذ لو لم يكن ارتباط الروح البسيط بالمزاج المركب ، وهذا من لطائف الحكم الإلهية المقتضية الجمع بين الاضداد في امر جامع لها بأمثال هذه المثال شتات التي يتوقف عليها الارتباط والتأثير التدبيرى .

11 / 12 - وإذ عرفت هذا فاعلم انه لما كانت التصورات المثالية من الثمرة للصور الحسية الظاهرة ، كانت تربية موسى عليه السلام اولا على يد شعيب عليه السلام ، ولذلك كان الغالب على حال موسى عليه السلام وآياته احكام الاسم الظاهر.
ولم شاء الحق تكميله لكونه اصطنعه لنفسه لذلك أرسله الى الخضر عليه السلام الذي هو مظهر الاسم الباطن وصورة الوجه القلبي الذي يلي الحق، دون واسطة المنبه عليه من القصة بـ " فَأَرَدْنا " و " فَأَرادَ رَبُّكَ " [ الكهف / 81 و 82 ]
وبقوله تعالى : " وعَلَّمْناه من لَدُنَّا عِلْماً " [ الكهف / 65 ] فافهم .

12 / 12 - وكل هذه احوال الباطن ، بخلاف الاعتراضات الموسوية ، فان مستندها الأوامر الظاهرة ، وكذلك الحسن والقبح اللازمان لها والذي هو صورة القلب الجمع والوجود كنبينا صلى الله عليه وسلم .
فان مقامه نقطة وسط الدائرة الوجودية بوجوه قلبه الخمسة تواجه كل عالم وحضرة ومرتبة ، ويضبط احكام الجميع ويظهر بأوصافها كلها بوجهه الجامع المنبه عليه آنف .

12 / 13 - إذا عرفت ما نبهتك عليه من النسبة الشعيبية القلبية عرفت لما كان آيته في رسالته الوفاء بالكيل والميزان ، فان المدد المنتشر من القلب في أقطار البدن انما ينتفع به البدن إذا أخذ كل عضو منه ما يحتاج اليه من غير زيادة ولا نقصان ، وكذلك الغذاء ، والكيل نظيره توزيع الغذاء ، والميزان نظيره المدد النفساني .

14 / 12 - إذ فهمت ما أشرت اليه تعديت منه معتبرا ذلك ومستقربا له في صورة العالم ، وحينئذ تفهم مراد النبي صلى الله عليه وسلم من قوله : بالعدل قامت السموات والأرض .
وقوله ايضا في وصف الحق : بيده الميزان يخفض القسط ويرفعه .
وتعرف ايضا - ان نور الله فهمك - معنى قوله تعالى : " إِنَّ الله يُمْسِكُ السَّماواتِ والأَرْضَ أَنْ تَزُولا " [ فاطر / 41 ]
وسر قوله تعالى : " وأَوْحى في كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها " [ فصلت / 12 ] فتنبه ترشدوا قنع .
فلسان هذا المقام طلق ذو بسط عظيم لا تحمل هذا المختصر تفصيله ، والله الهادي .
15 / 12 - وام سر الاخر من السرين فتختص بسعة القلب ونسبه من الرحمة التي وسعت كل شيء وتشعبت مائة شعبة - كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك عنها - وسأشير الى طرف منه واختم به الكلام على هذا الفص ان شاء الله تعالى .

16 / 12 - فأقول اعظم الأشياء الموصوفة بالسعة من جانب الحق :الرحمة والقلب الإنساني والعلم .
فإنه قال في سعة الرحمة : " ورَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ " [ الأعراف / 155 ] وقال في الرحمة والعلم معا بلسان الملائكة : " رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وعِلْماً " [ غافر / 7 ] .
فقال في سعة القلب الإنساني : ما وسعني ارضى ولا سمائى ووسعني قلب عبدى المؤمن . . . الحديث . ولا شك ان بين سعة كل واحد من هذه الثلاثة وبين الآخرين تفاوتا لا يعرف معرفة حقيقية ما لم يعرف حقيقة الرحمة وأحكامها وحقيقة العلم وكيفية تعلقه بالمعلومات وحقيقة القلب الذي وسع الحق.
فلنبد بتأييد الله وإمداده بذكر العلم الذاتي الإلهي وتعلقه بالحق والمعلومات .
17 / 12 - فنقول : اعلم ان تعلق علم الحق بذاته على نحوين وكذلك تعلقه بالمعلومات - :
فان للحق تعينا في عرصة تعقله نفسه ، ولهذا تعين الإطلاق بالنسبة الى تعين كل شيء في علم كل عالم ، بل وبالنسبة الى تعين الحق في تعقل كل متعقل ويتعلق علمه تعالى من حيث تعينه في نفسه ومن حيث تعينه في تعقل كل متعقل ، فعلمه سبحانه يتعلق به ايض بذاته على نحو آخر وهو : معرفته بذاته من حيث إطلاقها وعدم انحصارها في تعينها في نفسه ، وهذه من معرفة كلية جملية .

18 / 12 -ويتعلق علمه بالمعلومات ايضا على نحوين :
أحدهما باعتبار تعينها في علمه وتعقل امتياز بعضها عن بعض ، غير ان هذا النحو من التعلق العلمي لا يشتمل جميع الممكنات ، بل يختص بما قدر دخوله في الوجود في دور او أدوار محصورة .
"ثانيا" واما بالنسبة الى جميع الممكناتمن حيث انها غير متناهية : فان العلم لا يتعلق بها الا تعلقا كليا جمليا ، كما اشترت اليه في شأن الحق من حيث إطلاقه .

19 / 12 - وعلة هذه النسبة والاشتراك التام بين الحق والممكنات هو انها في التحقيق الا وضح شئون ذاته الكامنة في إطلاقه وغيب هويته ، ولا تخلص لاحد في علمه بالحق من تجاوز التعينات التعقلية والانتهاء الى تعين الحق في تعقله نفسه وشهود اتصال ذلك التعين من وجه بالإطلاق الذاتي الغيبى العديم الوصف والاسم والرسم والحصر والحكم الا لمن كان حقيقته البرزخ الجامع بين الوجوب والإمكان وأحكامها .
فإنه يواجه باطلاقه غيب الذات باعتبار عدم ، لأنه لا تعقل له فكرى يحضره عن إطلاقه مغايرته له دون توهم تعدد وامتياز .
فافهم وتدبر غريب ما سمعت وما عليه نبهت ، تعرف انه ليس شيء اوسع من العلم بشرط معرفته على الوجه المذكور.
20 / 12 - واما سعة الرحمة المشار إليها في الكتاب والسنة : فتخصص ببعض المحدثات المتعينة في اللوح المحفوظ بكتابة القلم الأعلى وهي المتشعبة الى مائة شعبة - كما أشار صلى الله عليه وسلم .

21 / 12 - وام سعة القلب الذي وسع الحق فهي عبارة عن سعة البرزخية المذكورة الخصيصة بالإنسان الحقيقي الذي هو قلب الجمع والوجود ، فان الإنسان الحقيقي الذي هو قلب الجمع والوجود ، قلبه برزخية وعلمه المنبه عليه آنفا ، فافهم.
فهذا روح هذا الفص والخفي من اسراره ، وقد نبهت فيما تقدم على ما يختص بشعيب من حيث حظه الذوقي وحكمه الاسمى .

22 / 12 - وام حظه من السعة : فبحسب مرتبة قلبية المشبهة بالروح الحيواني ، وهي التي نسبت إليها وشعبها وأحكامها بمقدار حصته من مطلق القلب الجمع والوجود ، فإنها حصة متعينة نسبتها الى القلب الجمع والوجود نسبة عالم المثال المقيد الى عالم المثال المطلق ، فافهم ، وذكرت امهات القلوب فتذكر .
وإذا اعتبرت وحدة الجملة من حيث عدم تشعبها و أعرضت عن الحيثيات والاعتبارات كلها، انمحت السعة وأحكامها، فإنه لا يقال في شيء الواحد الوحدة الحقيقية المستعلية على كل وحدة متعلقة وكثرة : انه يسع شيئا او لا يسعه شيء ، إذ لا عدد ولا تفصيل ، فاعلم ذلك .

.
....

CuWsGPSyVJg

  السابق

المحتويات

التالي  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب فصوص الحكم وشروحاته

مطالعة هذه الشروحات والتعليقات على كتاب الفصوص


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!