موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

كتاب الفكوك في أسرار
مستندات حكم الفصوص

تأليف: الشيخ صدر الدين القونوي

فص حكمة فتوحية في كلمة صالحية

  السابق

المحتويات

التالي  

فص حكمة فتوحية في كلمة صالحية


11 - فك ختم الفص الصالحي .كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص على فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
كتاب الفكوك في أسرار مستندات حكم الفصوص أبو المعالي محمد بن إسحاق صدر الدين القونوي
11 - فك ختم الفص الصالحي
1 / 11 - واعلم ان شيخنا رضى الله عنه بسط في هذا الفص الكلام في التثليث وتوقف الإيجاد عليه .
واما في الجزء المتضمن التنبيه على بعض كليات اصل كل فص فإنه لم يزد عند الترجمة عن اصل هذا الفص على الكلام على سر الإيجاد وتوقيفه على التثليث .
وانا اوضح لك الحكمة في ذلك وان لم يكن سألت الشيخ رضى الله عنه ولا فاوضته فيه ولا استشرحت عليه هذا الكتاب ولا غيره من تصانيفه ، وان كان معظم ما فتح الله على من بركاته من ومنزلاته من فيض الحق المار على مرتبته ومشكاته .
2 / 11 - فأقول : لما ترجم رضى الله عنه هذا الفص بالحكمة الفتوحية ، كذلك نبه على سر الإيجاد الذي هو اول الفتح الظاهر واما سر قوله : فتوحيه ، ولم يقل فاتحية : ان الفتوح على انواع عددها عدد مفاتيح الغيب ، فراعى في ذلك الأدب الإلهي قصد الموافقة للحق في التنبيه على البدء الايجادى من الغيب الذاتي والوجود المطلق الاحاطى وقد ذكرت من امهات مفاتيح الغيب جملة في تفسير الفاتحة وأجبت عن سؤال القاصرى الإدراك والفهم .
الذين فهموا من قوله تعالى : " وعِنْدَه مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ " [ الانعام / 59 ] انفراده سبحانه بعلمها دون الكمل ، وبينت من اى وجه يتعذر فهمها ومن اى وجه تحصل .
وسأذكر في كشف هذا الفص جملة اخرى من مفاتح الغيب وأنبه على ما يختص منها بالغيب الإضافي النسبي وما يختص بالغيب الحقيقي والعلم الذاتي الإلهي .
وأنبه على الحكمة التي كانت سببا في اختيار شيخنا رضى الله عنه ذكر الفتوح في هذا الفص الصالحي ، ولنبدأ بذكر انواع الفتوحات الإلهية بعون الله ومشيئته .
3 / 11 - فنقول : اول مفاتيح الغيب الجمع الاحدى الذي هو البرزخ الجامع بين الاحكام الوجوب والإمكان ، فان الوحدة الذاتية والتجلي الوجودي الإطلاقى لا يضاف إليهما اعتبار من الاعتبارات الثبوتية و السلبية - كالاقتضاء الايجادى او نفيه - ولا الأثر الوحدانى ايضا ولا التعدد وكيف ذلك ؟ و
التحقيق أفاد ان تأثير كل مؤثر في كل متأثر موقوف على الارتباط ، ولا ارتباط بين شيئين او الأشياء الا بمناسبة او امر مشتركة بينهما .
ولا ارتباط بين الاحدية الذاتية من حيث تجردها عن الاعتبارات وبين شيء اصلا - كما سبق التنبيه عليه في فك ختم الفص الهودى قبل هذ .
4 / 11 - فوضح ان مبدئية الحق ونسبة صدور شيء او أشياء عنه انما يصح من حيث الواحدية ، فإنه الواحد والواحدية تلى الاحدية وهي مشرع الصفات والأسماء التي لها الكثرة النسبية ، وانها من حيث الحق الواحد حيثيات او اعتبارات كيف قلت ، تقتضي تعديد الفيض والأثر الوحدانى الذاتي الإلهي واظهار تعيناته الكامنة بواسطة المعلومات المتعددة لذاتها ، المرتسمة في عرصة العلم الذاتي ، وهذه الحيثيات المشار إليها هي احكام الوجوب .
5 / 11 - ولما كان في مقابلة كل تأثير قابل له متأثر سمى تلك القابليات بأحكام الإمكان ، ولما كانت هذه الاعتبارات والصفات الإضافية متفاوتة المراتب كالشهيد والرقيب والحسيب ، فإنها من لوازم العليم وتوابع له .
وكذلك الاسم الخالق والبارئ والمصور والقابض والباسط والفالق والفاطر من توابع الاسم القدير ولوازمه ، لزم بيان الأمهات منها التي لها الاولية ليتضح تبعية ما سواها له .
6 / 11 - وإذا تقرر هذا فاعلم : ان اول المفاتيح الغيبية بعد الجمع الاحدى المنبه عليه ، الأسماء الذاتية التي لا يعلمها الا الكمل .
وهي من اعظم اسرار الحق المحرم افشائها ، وامهات الأسماء الالوهية - التي هي العلم والحياة والإرادة والقدرة - كالظلالات والسدنة للأسماء الذاتية .
ولها ، اعنى الأسماء الذاتية الغيب الحقيقي ، وهي السارية بالذات والحكم في المفاتيح التي قلت انها تختص بالغيب الإضافي ، وهي التي كنى الحق عنه بالفطر والفتق والفلق والزرع والخلق والجعل والإخراج .
7 / 11 - فالفطر والفتق مفتاحان لتميز المواد الجامعة بذاتها بين اللطائف والكثائف والصلبة والرخوة ، أحدهما لتكثير الواحد والاخر لتفصيل المجمل .
8 / 11 - والزرع والفلق مفتاحان للاظهار والتوليد والتكوين ، أحدهما لتهيئة المادة لقبول التصريف والاخر لتكميل التصريف بإخراج ما في القوة الى الفعل .
9 / 11 - والخلق مفتاح مختص بالصور والأجسام من حيث الجمع والتركيب والتعيين.
10 / 11 - اما الإخراج فعلى ضربين : اخراج منه كالمطر من السحاب والمعادن من جوف الأرض والجبل والمياه ، واخراج كالمطر يخرج به النبات من الأرض ، وكل هذا مفاتيح .
11 / 11- واما الجعل فإنه مفتاح ايجاد الصفات اللازمة للمخلوقات والخصيص بالحق من ذلك ، اعنى من مفاتيح الغيب شهود كيفية الفتح وإدراكه الذاتي بالسراية المكنى عنه بالمعية .
كما قال سبحانه : "أَلا يَعْلَمُ من خَلَقَ وهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ " [ الملك / 14 ] .
فإنه اللطيف لسريانه فيما خلق وصحبته كل شيء ممازجة ولا حلول ، الخبير بكيفية السريان وحكمه بالسريان المظهر سر الخبرة التي هي آخر ظهورات حكم العلم واكمل درجاته .
فلذلك قلت الخصيص بالحق في ادراك كيفية الفتح بالذات والانفراد بمشاهدة الفتح الأول من المفاتيح الأول التي سبق التنبيه عليها ، فان ذلك هو سر تعلق القدرة بالمقدور .
12 / 11 - واما مفتاح الإيجاد الامرى الذي نتيجته وجود الأرواح فهو القول ، فإنه نتيجة اجتماع بعض الحروف الربانية وقد ذكرنا في فك ختم الفص العيسوى .
وذكرنا ايضا مراتب جميع الحروف الربانية واسرارها في تفسير الفاتحة فليكشف من هناك ، فان إعادة ذكرها يفضي الى مزيد بسط لا يليق بهذا المختصر .
13 / 11 - واما سر ايجاد عالم المعاني : فإنه نتيجة التوجه الأول الذاتي من حيث روح الجمع الاحدى ، فافهم .
ثم اعلم ان لأحكام الأسماء التي ذكرنا انها الخصيصة بالغيب الإضافي امتزاجات معنوية وتداخلا من بعضها في البعض ، وانما ترتيب الإضافة على النحو المذكور مراعاة الأغلب والأظهر ، حكما في الشيء الموجود.
كما يقول : الفلفل حار يابس والقرع بارد رطب ، مع ان كلا منهما لا يخلو عن الطبائع والكيفيات الأربع.
فاعلم ذلك وتدبر ما سمعت ، فقد ذكرت لك انواع المفاتيح وأجناسها وما فتح بكل منها ، ودسست للبيب في ذلك اسرار خفية لم توجد في الكتب ولا يتسلق إليها المدارك والفهوم .
والله المرشد .
14 / 11 - واما باب وجه المناسبة بين الفتوح وبين صالح عليه السلام :
فمن أجل آيتها التي بعث بها ، اعنى الناقة التي انفلق الجبل عنها ، وأضافها الحق اليه سبحانه كما أضاف ايجاد آدم اليه من حيث المباشرة ومن حيث نفخ الروح فيه ايضا ، وافرد الإضافة الى نفسه فقال : " إِنِّي خالِقٌ بَشَراً من طِينٍ فَإِذا سَوَّيْتُه ونَفَخْتُ فِيه من رُوحِي فَقَعُوا لَه ساجِدِينَ " [ ص / 71 - 72 ] .
ولم يذكر مثل هذا في حق غيره ، وراعى سبحانه حكم هذا الافراد في توبيخه لإبليس بقوله : " ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ " [ ص / 75 ] .
واستعمل في حق غيره عند الاخبار عن صورة الإيجاد بضمير الجمع اعتبارا للوسائط والأسباب ، فقال تعالى في موضع : " فَنَفَخْنا " [ الأنبياء / 91 ] .
وقال في موضع : " مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً " [ يس / 71 ] ونحو ذلك بما ورد التعريف به في الكتاب والسنة في غير ما موضع .
15 / 11 - فالحيوانات على اختلاف أنواعها وان كان مبدأ تكوينها من التعفين الحاصل من الجمادات ، غير ان لآدم والناقة وما يشبههما ولو من بعض الوجوه مزيد اختصاص لا يطلع عليه الا الأكابر من اهل الله .
16 / 11 - ثم اعلم : ان آدم وحواء عليهما السلام مفتاحا باب التوالد والتناسل الإنساني ، فإنه لم يكن قبلهما توالد وهما مخلوقان من الجمادات المخبر عنها بالتراب تارة وبالطين تارة وبالحمأ المسنون تارة وبالصلصال كالفخار تارة .
ولما أخبر الحق من مبدأ شأنهما قال : " هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ من نَفْسٍ واحِدَةٍ وجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً فَمَرَّتْ به فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا الله رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَن صالِحاً لَنَكُونَنَّ من الشَّاكِرِينَ " [ الأعراف / 189 ] .
17 / 11 - وورد ان مرادهما كان ان يرزق ولدا ذكرا صالح من حيث الصفة ، فاستزلهما الشيطان .
وقال : ان اشترطتما ان تسمى الولد عبد الحرث فانى التزم ان يكون ذكرا ، فاذعنا له ، فلما ولد المولود وهو شيث عليه السلام ظنا ان ابليس كان له في ذلك الامر مدخل ، فذكر الحق ذلك بلسان العتب عليهما عقيب الاية التي ذكرناها .

"" فَلَمَّا آتَاهُمَاصَالِحً جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190) أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ (193) إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (194) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ (195) سورة الأعراف ""
ثم بعث الله فيما بعد من ذريته من جعل اسمه وسماه صالحا بالذات والصفة وجعل الله لقومه الناقة التي خلقها الله من الجماد - كما خلق آدم - وأضافها اليه وأمرهم باحترامها كما امر الملائكة بالسجود لادم .
فمن آمن بصالح عليه السلام فبالصفة الملكية المقتضية للسجود وامتثال الامر الإلهي .
18 / 11 - واما عاقروا الناقة : فمظاهر ابليس الذي ابى واستكبر وكان من الكافرين ، لا جرم استحقوا العذاب كما استحق ابليس اللعنة الى يوم الدين .
ولولا خوف التطويل لذكرت سر اختصاص موسى عليه السلام بالخطاب من الشجرة وبغير ذلك مما يستبشر الى طرف من ذلك وغيره في الفص المحمدي ان شاء الله تعالى .
واختصاص نوح عليه السلام بالماء والخليل عليه السلام بالنار واختصاص هود بالريح العقيم .
وبينت ان كل واحد من العناصر الأربع والمولدات الثلاث التي هي المعدن والنبات والحيوان ، انما يستند الى الحق من حيثية اسم خاص ."العناصر الأربع ماء ، هواء ، تراب ، نار".
وان كل نبى مما ذكرنا صدرت رسالته من حضرة الاسم الذي يستند اليه آيته ، وسنذكر ما يسر الله ذكره من اسرار الأنبياء سلام الله عليهم وآياتهم في الفص المحمدي صلى الله عليه وسلم .
.
....

LptqkGQgKnI

  السابق

المحتويات

التالي  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب فصوص الحكم وشروحاته

مطالعة هذه الشروحات والتعليقات على كتاب الفصوص


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!