موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مطلع خصوص الكلم
في معاني فصوص الحكم

تأليف: الشيخ داود القيصري

مقدمة مع قراءة خطبة الكتاب

  السابق

المحتويات

التالي  

مقدمة مع قراءة خطبة الكتاب


الفصل الثامن في أن العالم هو صورة الحقيقة الإنسانية من مقدمة كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي

شرح الشيخ داود بن محمود بن محمد القَيْصَري كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

قد مر أن الاسم الله مشتمل على جميع الأسماء، وهو متجلي فيها بحسب المراتب الإلهية ومظاهرها، وهو مقدم بالذات والمرتبة على باقي الأسماء، فمظهره أيضا مقدم على المظاهر كلها ومتجلي فيها بحسب مراتبه.
فلهذا الاسم الإلهي بالنسبة إلى غيره من الأسماء اعتباران: اعتبار ظهور ذاته في كل واحد من الأسماء، واعتبار اشتماله عليها كلها من حيث المرتبة الإلهية.
فبالأول، يكون مظاهرها كلها مظهر هذا الاسم الأعظم لأن الظاهر والمظهر في الوجود شئ
واحد لا كثرة فيه ولا تعدد وفي العقل يمتاز كل منهما عن الآخر كما يقول أهل النظر بان الوجود عين الماهية في الخارج وغيره في العقل فيكون اشتماله عليها اشتمالا لحقيقة الواحدة على أفرادها المتنوعة.
وبالثاني يكون مشتملا عليها من حيث المرتبة الإلهية اشتمال الكل المجموعي على الأجزاء التي هي عينه بالاعتبار الأول.
وإذا علمت هذا علمت أن حقايق العالم في العلم والعين كلها مظاهر للحقيقة الإنسانية التي هي مظهر للاسم الله، فأرواحها أيضا كلها جزئيات
الممكن لا اله له، لأنا فرضناه إلها، والممكن إذا لم يكن له اله يكون فاسدا باطلا معدوما لارتفاع المعلول بارتفاع العلة، وإذا كان كذلك فسدت الالهة فلو كانت آلهة للسماوات والأرض لفسدت السماوات والأرض لفسادها ضرورة بطلان المعلول عند بطلان العلة.
وفي قوله تعالى: "وما كان معه من اله اذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض، سبحان الله عما يصفون".
أي، لو كان معه إله آخر وكانت الآلهة متعددة لفسد كل اله مع خلقه، والبيان ما عرفته في الآية الأولى.
وقوله تعالى : "ولعلا بعضهم على بعض" حجة أخرى لنفى التعدد.
تقريره : انه لو كان معه تعالى إله آخر، لعلا بعضهم على بعض، وليس الكفاءة بين كل منهما وبين الآخر لأن التام لا يتعدد ولا يتكثر فبعضهم، أي واحدهم، تام وغيره ناقص فالتي
فرضناها آلهة ليست بآلهة.
فالذات الواحدة لها تجلي واحد هو تعينه بأحدية الجمع ولها باعتبار ذلك التجلي اسم واحد هو اسم الله، ولها باعتبار هذا الاسم مظهر واحد هو العين الثابتة الانسانية المعبرة في ألسنتهم بالحقيقة الإنسانية.
وهو القطب الأزلي الأبدي والنشء الدائم السرمدي، وليس ذلك إلا الضياء الأحدي والنور المحمدي، صلى الله عليه وآله،لأنه خاتم الأنبياء والمرسلين والخاتمة هي الفاتحة.
كما قال الله عز وجل: "لولاك لما خلقت الأفلاك".
ولقوله، صلى الله عليه وآله: "أوتيت جوامع الكلم".
وقوله: "انا سيد ولد آدم".
ولقوله: "وما أرسلناك الا رحمة للعالمين".
فهو الرحمة الواسعة الحقيقية التي وسعت كل شئ بافاضة أعيانهم الثابتة في العلم ووجوداتهم الفائضة في العين وكمالاتهم اللائقة لهم في النشآت كلها فهو الواسطة في الإيجاد والوجود ومجرى إفاضة الخير والجود ومن أسمائه المفيض.
تعليق قوله: "قد مر أن الاسم الله..." أراد أن يبين أن العالم صورة الاسم الله ليثبت
به مرامه، وهو ان العالم صورة حقيقة الانسانية.
وصورة القياس هكذا: العالم صورة الاسم الله، وما هو صورة الاسم الله صورة الحقيقة الانسانية، فالعالم صورة الحقيقة الإنسانية.
اما الصغرى: فإنك قد عرفت فيما سبق ان الذات الإلهية في مرتبة الأحدية الذاتية لا اسم لها ولا رسم وما يعبر به عنها يعبر عنها للأفهام.
و في مرتبة الأحدية الجمع لها اسم جامع لجميع الأسماء وتلك الجامعية تعتبر على وجهين:
أحدهما، جامعية مبدأ الأشياء للأشياء والأصل للفروع كالبذر للإثمار والنواة للأشجار بأوراقها وأغصانها، وبهذا الاعتبار يكون الاسم اسم الذات.
وثانيهما، جامعية الجملة لأجزائه والكل لآحاده كالعسكر للأفواج والحدود للأجناس والفصول، وبهذا الاعتبار يكون اسم الصفة .
وذلك الاسم الجامع المأخوذ بالاعتبارين هو الله:
فباعتبار الأول يكون جميع الأسماء فيه مندمجة كما أن جميع الصفات يكون في مسماه وهو الذات مندمجة، فمنه ينشأ جميع الأسماء كما أن من مسماه وهو الوجود البحت الواجبي ينشأ جميع الوجودات الإلهية والامكانية فهو مقدم على جميع الأسماء ومقوم لكل واحد منها وإذا تقدم عليها فتقدم على جميع مظاهرها العلمية والعينية وإذا تقوم كل واحد منها به فكان مظهر كل واحد منها مظهره فكان مظهر كلها مظهره أيضا.
فإذا كان العالم مظهر جميع الأسماء الإلهية فكان مظهر الاسم الله وصورته فان المراد بالمظهر والصورة واحد.
قال الفيلسوف الإلهي والعارف الرباني مولانا وقائدنا صدر الدين الشيرازي، نور الله برهانه، في الشواهد الربوبية بهذه العبارة: "فالعالم صورة الحق واسمه، والغيب معنى الاسم الباطن والشهادة معنى الاسم الظاهر، وهذا أيضا من الحكمة التي لا يمسها الا المطهرون".
أقول، الاسم عين المسمى فالعالم صورة الاسم الله، وهو المطلوب.
اما الكبرى : فنقول في بيانه المظهر قد يعنى به محل ظهور الشئ من باب اسم المكان كالمرأة التي يظهر فيها صورة الأشياء، وهو غير الظاهر وغير الصورة الظاهرة فيه.
وقد يعنى به ما به يظهر الشئ من باب المصدر الميمي كالصور التي في المرآة فإن بها يظهر ذوات الصور.
ثم انه قد يكون تاما بان يكون لا حيث ولا جهة في الأمر الظاهر فيه الا وهو يظهر في ذلك
المظهر ولا ستر ولا حجاب في المظهر عما في الأمر الظاهر فيه أصلا، وحينئذ يكون الظاهر والمظهروالظهور كلها عينا واحدة لا مغايرة لها أصلا لا في الذات ولا في الاعتبار كما يقال في الفلسفة: العقل والعاقل والمعقول كلها امر واحد بلا تغاير في الذات والاعتبار.
وذلك إذا كان الشئ متجليا لذاته بذاته في ذاته.
فيكون التجلي عين المتجلي كالهوية المتعينة بالتعين الأول في الأحدية الذاتية فإنها تظهر في تلك المرتبة لذاتها بذاتها.
ولعل ذلك الظهور لا يمكن ولا يكون إلا للواجب الوجود بالذات لأن ما سواه يحجب بنفسه عنه تعالى.
بل عن نفس ذاته أيضا بوجه، فان حقيقة ذاته مستور عنه .
كما أشير إليه في قوله تعالى: "النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم".
وان كان غير محتجب عن نفسه بوجه، لأنه لا يغيب عن نفسه وإنيته.
وقد لا يكون تاما بان يكون بحيث ظهر فيه من المتجلي شئ وتجلى فيه منه شئ لقصورها عن ظهور المتجلي بتمامه فيه.
وذلك عند كون التجلي غير المتجلي.
فحينئذ يكون التجلي مظهرا بوجه وحجابا بوجه.
كيف لا، والتجلي ينحط عن المتجلي ورتبته دون رتبة المتجلي فهو حجاب ذاته وستر كماله.
وذلك كأسمائه تعالى، فإنها، وإن كانت مظاهره، لكنها نقاب وجهه و الروح الأعظم الانساني، سواء كان روحا فلكيا أو عنصريا أو حيوانيا، و صورها صور تلك الحقيقة ولوازمها.
لذلك يسمى عالم المفصل بالإنسان الكبير عند أهل الله لظهور الحقيقة الانسانية ولوازمها فيه، ولهذا الاشتمال وظهورالاسرار الإلهية كلها فيها دون غيرها استحقت الخلافة من بين الحقايق كلها.
ولله در القائل: شعر
سبحان من أظهر ناسوته .... سر سنا لاهوته الثاقب
ثم بدا في خلقه ظاهرا في صورة الآكل والشارب فأول ظهورها في صورة العقل الأول الذي هو صورة إجمالية للمرتبة العمائية .
المشار إليها في الحديث الصحيح عند سؤال الأعرابي: "أين كان ربنا قبل ان يخلق الخلق؟
قال عليه السلام "صلى الله عليه وسلم ": كان في عماء ما فوقه هواء ولا تحته هواء".
لذلك قال عليه السلام "صلى الله عليه وسلم " : "أول ما خلق الله نوري" .
وأراد العقل كما أيده بقوله: "أول ما خلق الله العقل".
ثم في صورة باقي العقول والنفوس الناطقة الفلكية وغيرها وفي صورة الطبيعة والهيولي الكلية والصورة الجسمية البسيطة والمركبة بأجمعها.
ويؤيد ما ذكرنا قول أمير المؤمنين ولى الله في الأرضين قطب الموحدين على بن أبى طالب، كرم الله وجهه، في خطبة كان يخطبها للناس: "انا نقطة باء بسم الله أنا جنب الله الذي فرطتم فيه وانا القلم وانا اللوح المحفوظ وأنا العرش وأنا الكرسي وانا السماوات السبع والأرضون".
إلى ان صحا في أثناء الخطبة وارتفع عنه حكم تجلى الوحدة ورجع إلى عالم البشرية وتجلى له الحق بحكم الكثرة،فشرع معتذرا فأقر بعبوديته وضعفه وانقهاره تحت أحكام الأسماء الإلهية.
ولذلك قيل، الإنسان الكامل لا بد ان يسري في جميع الموجودات كسريان الحق فيها .
وذلك في السفر الثالث الذي من الحق إلى الخلق بالحق، وعند هذا السفر يتم كماله وبه يحصل له حق اليقين.
ومن ها هنا يتبين أن الآخرية هي عين الأولية ويظهر سر "هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شئ عليم".
قال الشيخ رضى الله عنه في فتوحاته في بيان المقام القطبي: (ان الكامل الذي أراد الله ان يكون قطب العالم وخليفة الله فيه إذا وصل إلى العناصر، مثلا متنزلا في السفر الثالث، ينبغي ان يشاهد جميع ما يريد ان يدخل في الوجود من الأفراد الانسانية إلى يوم القيامة وبذلك الشهود أيضا لا يستحق المقام حتى يعلم مراتبهم أيضا فسبحان من دبر كل شئ بحكمته وأتقن كل ما صنع برحمته.)
تنبيه
لما علمت ان للحقيقة الانسانية ظهورات في العالم تفصيلا، فاعلم ان لها أيضا ظهورات في العالم الإنساني اجمالا:
وأول مظاهره فيه الصورة الروحية المجردة المطابقة بالصورة العقلية.
ثم الصورة القلبية المطابقة بالصورة التي للنفس الكلية.
ثم بالصورة التي للنفس الحيوانية المطابقة بالطبيعة الكلية وبالنفس المنطبعة الفلكية وغيرها.
ثم الصورة الدخانية اللطيفة المسماة بالروح الحيوانية عند الأطباء المطابقة بالهيولى الكلية.
ثم الصورة الدموية المطابقة لصورة الجسم الكل.
ثم الصورة الأعضائية المطابقة لأجسام العالم الكبير.
وبهذه التنزلات في المظاهر الإنسانية حصل التطابق بين النسختين.
وذكر الشيخ، رحمة الله، تفصيل هذا الكلام في كتابه المسمى بالتدبيرات الإلهية في المملكة الانسانية، فمن أراد تحقيق ذلك فليطلب هناك.
.


OU0X0JhQZ7Y

  السابق

المحتويات

التالي  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب فصوص الحكم وشروحاته

مطالعة هذه الشروحات والتعليقات على كتاب الفصوص


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!