موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مطلع خصوص الكلم
في معاني فصوص الحكم

تأليف: الشيخ داود القيصري

مقدمة مع قراءة خطبة الكتاب

  السابق

المحتويات

التالي  

مقدمة مع قراءة خطبة الكتاب


الفصل السابع في مراتب الكشف وأنواعها اجمالا من مقدمة كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي

شرح الشيخ داود بن محمود بن محمد القَيْصَري كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

اعلم، أن الكشف لغة رفع الحجاب. يقال: كشفت المرأة وجهها. أي رفعت نقابها.
واصطلاحا هو الاطلاع على ما وراء الحجاب من المعاني الغيبية والأمور الحقيقية وجودا أو شهودا. وهو معنوي وصوري.
وأعني بالصوري ما يحصل في عالم المثال من طريق الحواس الخمس، وذلك إما أن يكون على طريق المشاهدة كرؤية المكاشف صور الأرواح المتجسدة والأنوار الروحانية، وإما أن يكون على طريق السماع كسماع النبي، صلى الله عليه وسلم، الوحي النازل عليه كلاما منظوما أو مثل صلصلة الجرس ودوى النحل كما جاء في الحديث الصحيح فإنه، عليه السلام، كان يسمع ذلك ويفهم المراد منه.
أو على سبيل الاستنشاق وهو التنسم بالنفحات الإلهية والتنسيق لفوحات الربوبية.
قال عليه السلام: "إن لله في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها".
وقال: "إني لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن"، أو على سبيل الملامسة وهي بالاتصال بين النورين أو بين الجسدين المثاليين كما نقله عبد الرحمن بن عوف، رضى الله عنه عن عائشة: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم:
"رأيت ربي تبارك وتعالى في أحسن صورة فقال فيم يختصم الملأ الاعلى يا محمد؟
قلت: أنت
أعلم أي ربى، مرتين،
قال فوضع الله كفه بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي فعلمت ما في السماوات وما في الأرض ثم تلا هذه الآية: "وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين".
أو على طريق الذوق كمن يشاهد أنواعا من الأطعمة فإذا ذاق منها واكل اطلع على معان غيبية. قال النبي،صلى الله عليه وسلم: "رأيت انى اشرب اللبن حتى خرج الري من أظافيري فأعطيت فضلي عمر فأولت ذلك بالعلم".
وهذه الأنواع قد يجتمع بعضها مع بعض وقد ينفرد.
وكلها تجليات أسمائية، وإذ الشهود من تجليات الاسم البصير والسماع من الاسم السميع وكذلك البواقي، إذ لكل منها اسم يربه وكلها من سوادن الاسم العليم وإن كان كل منها من أمهات الأسماء.
وأنواع الكشف الصوري إما ان يتعلق بالحوادث الدنيوية، أولا.
فإن كانت متعلقة بها كمجئ زيد من السفر وإعطائه لعمر وألفا من الدنانير فتسمى رهبانية لاطلاعهم على المغيبات الدنيوية بحسب رياضتهم ومجاهداتهم.
وأهل السلوك لعدم وقوف همهم العالية في الأمور الدنياوية لا يلتفتون إلى هذا القسم من الكشف لصرفها في الأمور الأخروية وأحوالها ويعدونه من قبيل الاستدراج والمكر بالعبد بل كثير منهم لا يلتفتون إلى القسم الأخروي أيض وهم الذين جعلوا غاية مقاصدهم الفناء في الله والبقاء به.
والعارف المحقق لعلمه بالله ومراتبه وظهوره في مراتب الدنيا والآخرة واقف معه ابدا ولا يرى غيره ويرى جميع ذلك تجليات الهية فينزل كلا منها منزلته.
فلا يكون ذلك النوع من الكشف استدراجا في حقه لأنه حال المبعدين الذين يقنعون من الحق بذلك ويجعلونه سبب حصول الجاه والمنصب في الدنيا وهو منزه من القرب والبعد المنبئين بالغيرية مطلقا.
وان لم يكن متعلقة بها بان كانت المكاشفات في الأمور الحقيقية الأخروية والحقايق الروحانية من أرواح العالية والملائكة السماوية والأرضية، فهي مطلوبة معتبرة.
وهذه المكاشفات قل ما تقع مجردة عن الاطلاع بالمعاني الغيبية بل أكثرها يتضمن المكاشفات المعنوية فيكون أعلى مرتبة وأكثر يقينا، لجمعها بين الصورة والمعنى، وله مراتب بارتفاع الحجب كلها أو بعضها دون البعض.
فإن المشاهد للأعيان الثابتة في الحضرة العلمية الإلهية أعلى مرتبة من الكل وبعده من يشاهدها في العقل الأول وغيره من العقول ثم يشاهدها في اللوح المحفوظ وباقي النفوس المجردة ثم في كتاب المحو والاثبات ثم في باقي الأرواح العالية والكتب الإلهية من العرش والكرسي والسماوات والعناصر والمركبات، لان كلا من هذه المراتب كتاب إلهي مشتمل على ما تحته من الأعيان والحقايق.
وأعلى المراتب في طريق السماع سماع كلام الله من غير واسطة :
كسماع نبينا، صلى الله عليه وسلم، في معراجه وفي الأوقات التي أشار إليها بقوله: "لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل".
كسماع موسى، عليه السلام كلامه تعالى.
ثم سماع كلامه بواسطة جبرئيل، عليه السلام، كسماع القرآن الكريم
ثم سماع كلام العقل الأول وغيره من العقول
ثم سماع كلام النفس الكلية و الملائكة السماوية والأرضية على الترتيب المذكور والباقي على هذا القياس.
ومنبع هذه الأنواع من المكاشفات هو قلب الإنسان بذاته وعقله المنور العملي المستعمل لحواسه الروحانية.
فإن للقلب عينا وسمعا وغير ذلك من الحواس كما أشار إليه سبحانه بقوله:
"فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور" و" ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة".
وفي الأحاديث المشهورة ما يؤيد ذلك كثير.
وتلك الحواس الروحانية أصل هذه الحواس الجسمانية فإذا ارتفع الحجاب بينها وبين الخارجية يتحد الأصل مع الفرع فيشاهد بهذه الحواس ما يشاهد بها.
والروح يشاهد جميع ذلك بذاته لأن هذه الحقايق متحد في مرتبته كما مر من ان الحقايق كلها في العقل الأول متحدة.
وهذه المكاشفات عند ابتداء السلوك أولا يقع في خياله المقيد ثم بالتدريج وحصول الملكة ينتقل إلى لعالم المثال المطلق فيطلع على ما يختص بالعناصر ثم السماوات، فيسري صاعدا إلى أن ينتهى إلى اللوح المحفوظ والعقل الأول صورتي أم الكتاب ثم ينتقل إلى حضرة العلم الإلهي فيطلع على الأعيان حيث ما يشاء الحق سبحانه.
كما قال: "ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء".
وهذا أعلى ما يمكن لعباد الله في مراتب الشهود ، لأن فوق هذه المرتبة شهود الذات المفنية للعباد عند التجلي إلا أن يتجلى من وراء الأستار الأسمائية وهي عين الأعيان.
وإليه أشار الشيخ، رضى الله عنه، في الفص الشيثي: "فلا تطمعوا لا تتعب نفسك فإنها الغاية التي ما فوقها غاية."
واما الكشف المعنوي المجرد من صور الحقايق الحاصل من تجليات الاسم العليم والحكيم هو ظهور المعاني الغيبية والحقايق العينية، فله أيضا مراتب:
أولها ظهور المعاني في القوة المفكرة من غير استعمال المقدمات وتركيب القياسات،بل بان ينتقل الذهن من المطالب إلى مباديها ويسمى بالحدس.
ثم في القوة العاقلة المستعملة للمفكرة وهي قوة روحانية غير حالة في الجسم ويسمى بالنور القدسي،والحدس من لوامع أنواره، وذلك لان القوة المفكرة جسمانية فيصير حجاباما للنور الكاشف عن المعاني الغيبية فهي أدنى مراتب الكشف.
ولذلك قيل،الفتح على قسمين: فتح في النفس وهو يعطى العلم التام نقلا وعقلا، وفتح في الروح وهو يعطى المعرفة وجودا لا عقلا ولا نقلا، ثم في مرتبة القلب.
و قد يسمى الالهام في هذا المقام ان كان الظاهر معنى من المعاني الغيبية لا حقيقة من الحقايق ، وروحا من الأرواح المجردة أو عينا من الأعيان الثابتة فيسمى مشاهدة قلبية.
ثم في مرتبة الروح في نعت بالشهود الروحي وهي بمثابة الشمس المنورة لسماوات مراتب الروح وأراضي مراتب الجسد.
فهو بذاته آخذ من الله العليم المعاني الغيبية من غير واسطة على قدر استعداده الأصلي، ويفيض على ما تحته من القلب وقواه الروحانية والجسمانية.
ان كان من الكمل والأقطاب، وإن لم يكن منهم فهو آخذ من الله بواسطة القطب على قدر استعداده وقربه منه أو بواسطة الأرواح التي هو تحت حكمها من الجبروت والملكوت، ثم في مرتبة السر، ثم في مرتبة الخفي بحسب مقاميهما.
ولا تمكن إليه الإشارة ولا يقدر على إعرابها العبارة وسنشير إلى تحقيق هذه المراتب، ان شاء الله تعالى.
وإذا صار هذا المعنى مقاما وملكة للسالك اتصل علمه بعلم الحق اتصال الفرع بالأصل فحصل له أعلى المقامات من الكشف.
ولما كان كل من الكشف الصوري والمعنوي على حسب استعداد السالك ومناسبات روحه وتوجه سره إلى كل من أنواع الكشف وكانت الاستعدادات متفاوتة والمناسبات متكثرة صارت مقامات الكشف متفاوتة بحيث لا يكاد ينضبط.
وأصح المكاشفات و أتمها إنما يحصل لمن يكون مزاجه الروحاني أقرب إلى الاعتدال التام كأرواح الأنبياء والكمل من الأولياء، صلوات الله عليهم ثم لم يكون أقرب إليهم نسبة.
وكيفية الوصول إلى مقام من مقامات الكشف وبيان ما يلزم كل نوع منها يتعلق بعلم السلوك ولا يحتمل المقام أكثر مما ذكر.
وما يكون للمتصرفين في الوجود من أصحاب المقامات والأحوال كالاحياء والإماتة وقلب الحقايق كقلب الهواء ماء وبالعكس وطي الزمان والمكان وغير ذلك إنما يكون للمتصفين بصفة القدرة.
والأسماء المقتضية لذلك عند تحققهم بالوجود الحقاني اما بواسطة روح من الأرواح الملكوتية وإما بغير واسطة بل بخاصية الاسم الحاكم عليهم. فافهم.
تنبيه في الفرق بين الإلهام والوحي
أن الإلهام قد يحصل من الحق تعالى بغير واسطة الملك بالوجه الخاص الذيله مع كل موجود، والوحي يحصل بواسطته.
لذلك لا يسمى الأحاديث القدسية بالوحي والقرآن وإن كانت كلام الله تعالى.
وأيضا، قد مر أن الوحي قد يحصل بشهود الملك وسماع كلامه فهو من الكشف الشهودي المتضمن للكشف المعنوي، والإلهام من المعنوي فقط.
وأيضا، الوحي من خواص النبوة لتعلقه بالظاهر والإلهام من خواص الولاية.
وأيضا هو مشروط بالتبليغ دون الإلهام.
والفرق بين الواردات الرحمانية والملكية والجنية والشيطانية يتعلق بميزان السالك المكاشف، ومع ذلك نؤمي بشئ يسير منها.
وهو أن كل ما يكون سببا للخير بحيث يكون مأمون الغايلة في العاقبة ولا يكون سريع الانتقال إلى غيره ويحصل بعده توجه تام إلى الحق ولذة عظيمة مرغبة في العبادة فهو ملكي أو رحماني، وبالعكس شيطاني.
وما يقال، ان ما يظهر من اليمين أو القدام أكثره ملكي ومن اليسار والخلف أكثره شيطاني ليس من الضوابط.
إذ الشيطان يأتي من الجهات كلها كما ينطقبه القرآن الكريم: "ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن ايمانهم وعنشمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين".
والأول اما ان يتعلق بالأمور الدنيوية، مثلا حضار الشئ الخارجي الغايب عن المكاشف في الحال كاحضار الفواكه الصيفية في الشتاء، مثلا، والاخبار عن قدوم زيد غدا.
وأمثال ذلك مما هو غير معتبرعند أهل الله فهي جنى، وطي المكان والزمان والنفوذ في الجدران من غير الانثلام والانشقاق أيضا من خواصهم وخواص الملائكة التي هي أعلى مرتبة منهم فان كان للكمل منها شئ فمعاونة منهم ومن مقامهم.
وان لم يتعلق بها أو يتعلق بالآخرة أو كان من قبيل الاطلاع بالضماير والخواطر فهو ملكي لان الجن لا يقدرعلى ذلك.
وان كان بحيث يعطى المكاشف قوة التصرف في الملك والملكوت كالاحياء والإماتة والاخراج لمن هو في البرازخ محبوس وادخال من يريد في العوالم الملكوتية من المريدين الطالبين فهو رحماني .
لان أمثال هذه التصرفات من خواص المرتبة الإلهية القائم فيها وبها الكمل والأقطاب.
وقد يقال لغير الشيطاني كلها رحماني.
فإذا عرفت ما بينا لك واعتبرت حالك ومقامك علمت كمال استعدادك ومرتبة كشفك ونقصانهما، والله الحكيم العليم.
.


OU0X0JhQZ7Y

  السابق

المحتويات

التالي  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب فصوص الحكم وشروحاته

مطالعة هذه الشروحات والتعليقات على كتاب الفصوص


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!