موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مطلع خصوص الكلم
في معاني فصوص الحكم

تأليف: الشيخ داود القيصري

مقدمة مع قراءة خطبة الكتاب

  السابق

المحتويات

التالي  

مقدمة مع قراءة خطبة الكتاب


الفصل السادس فيما يتعلق بالعالم المثالي من مقدمة كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي

شرح الشيخ داود بن محمود بن محمد القَيْصَري كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

اعلم، أن العالم المثالي هو عالم روحاني من جوهر نوراني شبيه بالجوهر الجسماني في كونه محسوسا مقداريا، وبالجوهر المجرد العقلي في كونه نورانيا.
وليس بجسم مركب مادي ولا جوهر مجرد عقلي لأنه برزخ وحد فاصل بينهما.
وكلما هو برزخ بين الشيئين لا بد وأن يكون غيرهما، بل له جهتان يشبه بكل منهما ما يناسب عالمه.
اللهم إلا أن يقال إنه جسم نوري في غاية ما يمكن من اللطافة فيكون حدا فاصلا بين الجواهر الموجودة اللطيفة وبين الجواهر الجسمانية المادية الكثيفة وانكان بعض هذه الأجسام أيضا الطف من البعض كالسماوات بالنسبة إلى غيرها.
فليس بعالم عرضي كما زعم بعضهم لزعمه ان الصور المثالية منفكة عن حقايقها، كما زعم في الصور العقلية.
والحق أن الحقايق الجوهرية موجودة في كل من العوالم الروحانية والعقلية والخيالية ولها صور بحسب عوالمها، فإذا حققت وجدت القوة الخيالية التي للنفس الكلية المحيطة بجميع ما أحاط به غيرها من
القوى الخياليات مجلي ذلك العالم ومظهره.
وإنما يسمى بالعالم المثالي لكونه مشتملا على صور ما في العالم الجسماني ، ولكونه أول مثال صوري لما في الحضرة العلمية الإلهية من صور الأعيان والحقايق، ويسمى أيضا بالخيال المنفصل لكونه غير مادي تشبيها بالخيال المتصل.
فليس معنى من المعاني ولا روح من الأرواح الا وله صورة مثالية مطابقة بكمالاته، إذ لكل منها نصيب من الاسم الظاهر.
لذلك ورد في الخبر الصحيح أن النبي، صلى الله عليه وسلم (رأى جبريل، عليه السلام، في السدرة وله ستمائة جناح).
وفيه أيضا: (أنه يدخل كل صباح ومساء في نهر الحياة ثم يخرج فينفض أجنحته فيخلق سبحانه من قطراته ملائكة لا عدد لها.)
وهذا العالم المثالي يشتمل على العرش والكرسي والسماوات السبع والأرضين وما في جميعها من الأملاك وغيرها.
ومن هذا المقام ينتبه الطالب على كيفية المعراج النبوي وشهوده، صلى الله عليه وآله، آدم في السماء الأولى ويحيى وعيسى في الثانية ويوسف في الثالثة وإدريس في الرابعة وهارون في الخامسة وموسى في السادسة وإبراهيم في السابعة، صلوات الله عليهم أجمعين، وعلى الفرق بينما شاهده في النوم والقوة الخيالية من العروج إلى السماء، كما يحصل للمتوسطين في السلوك، وبين ما يشاهد في هذا العالم الروحاني.
وهذه الصور المحسوسة ظلال تلك الصور المثالية لذلك يعرف العارف بالفراسة الكشفية من صورة العبد أحواله.
قال عليه السلام: (اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله).
وقال عليه السلام في الدجال: (مكتوب على ناصيته ك، ف، ر ولا يقرؤه إلا مؤمن. )
وقال تعالى: (سيماهم في وجوههم من اثر السجود) في حق أهل الجنة.
وفي حق أهل النار: (يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام.)
والمثالات المقيدة التي هي الخيالات أيضا ليست الا أنموذجا منه وظلا من ظلاله، خلقها الله تعالى دليلا على وجود العالم الروحاني.
ولهذا جعلها أرباب الكشف متصلة بهذا العالم ومستنيرة منه كالجداول والأنهار المتصلة بالبحر والكوى والشبابيك التي يدخل منها الضوء في البيت.
ولكل من الموجودات التي فيعالم الملك مثال مقيد كالخيال في العالم الانساني، سواء كان فلكا أو كوكبا أو عنصرا أو معدنا أو نباتا أو حيوانا.
فان لكل منها روحا وقوى روحانية وله نصيب من عالمه والا لم تكن العوالم متطابقة، غاية ما في الباب انه في الجمادات غير ظاهر لظهوره في الحيوان.
قال الله تعالى: و (وان من شئ إلا يسبح بحمده ولكن لاتفقهون تسبيحهم).
وقد جاء في الخبر الصحيح ما يؤيد ذلك من مشاهدة الحيوانات أمورا لا يشاهدها من بنى آدم الا أرباب الكشف أكثر من ان تحصى.
وذلك الشهود يمكن ان يكون في عالم المثال المطلق ويمكن أن يكون في المثال المقيد، والله اعلم بذلك.
ولعدم شهود المحجوبين من الإنسان جعلهم الله أسفل سافلين.
والسالك إذا اتصل في سيره إلى المثال المطلق بعبوره عن خياله المقيد يصيب في جميع ما يشاهده ويجد الأمر على ما هو عليه لتطابقها بالصور العقلية التي في اللوح المحفوظ وهو مظهر العالم الإلهي، ومن هنا يحصل الاطلاع للإنسان على عينه الثابتة وأحوالها بالمشاهدة لأنه ينتقل من الظلال إلى الأنوار الحقيقية كما يطلع عليها بالانتقال المعنوي.
و سنبين ذلك، انشاء الله تعالى، في الفصل التالي.
وإذا شاهد أمرا ما في خياله المقيد يصيب تارة ويخطئ أخرى، وذلك لان المشاهد اما ان يكون أمرا حقيقيا أولا.
فان كان، فهو الذي يصيب المشاهد فيه وإلا فهو الاختلاق الصادر من التخيلات الفاسدة كما يختلق العقل المشوب بالوهم للوجود وجودا ولذلك الوجود وجودا آخر وللباري تعالى شريكا، وغيرها من الاعتبارات التي لا حقيقة لها في نفس الأمر.
قال تعالى: (إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان).
وللإصابة أسباب بعضها راجع إلى النفس وبعضها إلى البدن وبعضها إليهما جميعا.
أما الأسباب الراجعة إلى النفس كالتوجه التام إلى الحق والاعتياد بالصدق وميل النفس إلى العالم الروحاني العقلي وطهارتها عن النقايص وإعراضها عن الشواغل البدنية و اتصافها بالمجاهدة الخلقية، لان هذه المعاني توجب تنورها وتقويها وبقدر ما قويت النفس وتنورت يقدر على خرق العالم الحسي ورفع الظلمة الموجبة لعدم الشهود.
وأيضا يقوى بالمناسبة بينها وبين الأرواح المجردة لاتصافها بصفاته فيفيض عليها المعاني الموجبة للانجذاب إليها من تلك الأرواح فيحصل الشهود التام.
ثم إذا انقطع حكم ذلك الفيض ترجع النفس إلى الشهادة متصفة بالعلم منتقشة بتلك الصور بسبب انطباعها في الخيال.
وأما الأسباب الراجعة إلى البدن صحته واعتدال مزاجه الشخصي ومزاجه الدماغي.
والأسباب الراجعة إليهما الاتي ان بالطاعات والعبادات البدنية والخيرات واستعمال القوى وآلاتها بموجب
الأوامر الإلهية وحفظ الاعتدال بين طرفي الافراط والتفريط فيها ودوام الوضوء وترك الاشتغال بغير الحق دائما بالاشتغال بالذكر وغيره خصوصا من أول الليل إلى وقت النوم.
وأسباب الخطاء ما يخالف ذلك من سوء مزاج الدماغ واشتغال النفس باللذات الدنيوية واستعمال القوة المتخيلة في التخيلات الفاسدة والانهماك في الشهوات والحرص على المخالفات، فإن كل ذلك مما يوجب الظلمة وازدياد الحجب.
فإذا أعرضت النفس من الظاهر إلى الباطن بالنوم تتجسد لها هذه المعاني فتشغلها عن عالمها الحقيقي فتقع مناماته أضغاث أحلام لا يعبأ بها أو ترى ما تخيله المتخيلة بعينه.
وما يرى بسبب انحراف المزاج كثيرا ما يكون أمورا مزعجة لها بحسب تغير مزاج بدنها أكثر مما كان.
فهذه الأمور المشاهدة كلها نتائج أحواله الظاهرة (إن خيرا فخير وإن شرا فشر).
ومشاهدة الصور تارة يكون في اليقظة وتارة في النوم، وكما ان النوم ينقسم بأضغاث أحلام وغيرها،كذلك ما يرى في اليقظة ينقسم إلى أمور حقيقية محضة واقعة في نفس الامر وإلى أمور خيالية صرفة لا حقيقة لها شيطانية وقد يخالطها الشيطان بيسير من الأمور الحقيقية ليضل الرأي.
لذلك يحتاج السالك إلى مرشد يرشده وينجيه من المهالك.
والأول اما ان يتعلق بالحوادث أولا.
فان كان متعلقا بها فعند وقوعها كما شاهدها، أو على سبيل التعبير وعدم وقوعها يحصل التميز بينها وبين الخيالية الصرفة وعبور الحقيقة عن صورتها الأصلية انما هو للمناسبات التي بين الصور الظاهرة هي فيها وبين الحقيقة و لظهورها فيها، أسباب كلها راجعة إلى أحوال الرائي، وتفصيله يؤدى إلى التطويل.
وأما إذا لم يكن كذلك فلا فرق بينها وبين الخيالية الصرفة موازين يعرفها أرباب الذوق والشهود بحسب مكاشفاتهم كما ان للحكماء ميزانا يفرق بين الصواب والخطاء وهو المنطق.
منها ما هو ميزان عام وهو القرآن والحديث المنبئ كل منهما عن الكشف التام المحمدي، صلى الله عليه وآله، ومنها ما هو خاص وهو ما يتعلق بحال كل منهم الفايض عليه من الاسم الحاكم والصفة الغالبة عليه، وسنؤمي في الفصل التالي بعضما يعرف به اجمالا، انشاء الله تعالى.
تنبيه
لا بد ان يعلم ان كل ماله وجود في العالم الحسى هو موجود في العالم المثالي دون العكس.
لذلك قال أرباب الشهود: ان العالم الحسي بالنسبة إلى عالم المثالي كحلقة ملقاة في بيداء لا نهاية لها.
أما إذا أراد الحق تعالى ظهور ما لا صورة لنوعه في هذا العالم في الصور الحسية، كالعقول المجردة وغيرها، يتشكل بأشكال المحسوسات بالمناسبات التي بينها وبينهم وعلى قدر استعداد ماله التشكل كظهور جبرئيل، عليه السلام، بصورة (دحية الكلبي) وبصورة أخرى.
كما نقل عمر من حديث السؤال عن الايمان والاسلام والاحسان.
وكذلك باقي الملائكة السماوية والعنصرية، والجن أيضا وان كان لها أجسام نارية كما قال الله تعالى، فيهم: (وخلق الجان من مارج من نار).
والنفوس الانسانية الكاملة أيضا يتشكلون بأشكال غير أشكالهم المحسوسة وهم في دار الدنيا لقوة انسلاخهم من أبدانهم، وبعد انتقالهم أيضا إلى الآخرة .
لازدياد تلك القوة بارتفاع المانع البدني، ولهم الدخول في العوالم الملكوتية كلها كدخول الملائكة في هذا العالم وتشكلهم بأشكال أهله ولهم ان يظهروا في خيالات المكاشفين كما تظهر الملائكة والجن. وهؤلاء هم المسمون بالبدلاء.
وقد يفرق بينهم وبين الملائكة أصحاب الأذواق بموازينهم الخاصة بهم، وقد يلهمهم الحق سبحانه ما يحصل به العلم بهم وقد يحصل باخبارهم عن أنفسهم .
وإذا ظهروا عند غير المكاشفي من الصالحين والعابدين لا يمكن له أن يفرق بينهم الا بقرائن يحصل منها الظن فقط مثل الإخبار عن المغيبات والاطلاع بالضمائر والإنباء عن الخواطر قبل وقوعها في القلب، والله أعلم.
تنبيه آخر
عليك ان تعلم ان البرزخ الذي يكون الأرواح فيه بعد المفارقة من النشأة الدنياوية هو غير البرزخ الذي بين الأرواح المجردة وبين الأجسام.
لأن مراتب تنزلات الوجود ومعارجه دورية: والمرتبة التي قبل النشأة الدنياوية هي من مراتب التنزلات ولها الأولية، والتي بعدها من مراتب المعارج ولها الآخرية.
وأيضا، الصور التي يلحق الأرواح في البرزخ الأخير إنما هي صور الأعمال ونتيجة الأفعال السابقة في النشأة الدنياوية، بخلاف صور البرزخ الأول،
فلا يكون كل منهما عين الآخر لكنهما يشتركان في كونهما عالما روحانيا وجوهرانورانيا غير مادي مشتملا لمثال صور العالم.
وقد صرح الشيخ رضى الله عنه، في الفتوحات في الباب الحادي والعشرون وثلاثمائة ب :
(هذا لبرزخ غير الأول و يسمى الأول بالغيب الامكاني والثاني بالغيب المحالي لامكان ظهور ما في الأول في الشهادة وامتناع رجوع ما في الثاني إليها إلا في الآخرة وقليل من يكاشفه به بخلاف الأول.
لذلك يشاهد كثير منا ويكاشف البرزخ الأول.
فيعلم ما يريد أن يقع في العالم الدنيوي من الحوادث ولا يقدر على مكاشفة أحوال الموتى. والله العليم الخبير.) .
.


OU0X0JhQZ7Y

  السابق

المحتويات

التالي  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب فصوص الحكم وشروحاته

مطالعة هذه الشروحات والتعليقات على كتاب الفصوص


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!