موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مطلع خصوص الكلم
في معاني فصوص الحكم

تأليف: الشيخ داود القيصري

مقدمة مع قراءة خطبة الكتاب

  السابق

المحتويات

التالي  

مقدمة مع قراءة خطبة الكتاب


الفصل الخامس في بيان العوالم الكلية والحضرات الخمسة الإلهية من مقدمة كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي

شرح الشيخ داود بن محمود بن محمد القَيْصَري كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

العالم لكونه مأخوذا من العلامة لغة عبارة عما به يعلم الشيء واصطلاحا عبارة عن كل ما سوى الله تعالى.
لأنه يعلم به الله من حيث أسمائه وصفاته ،إذ بكل فرد من أفراد العالم يعلم اسم من الأسماء الإلهية لأنه مظهر اسم خاص منها.
فبالأجناس والأنواع الحقيقية يعلم الأسماء الكلية حتى يعلم بالحيوانات المستحقرة عند العوام كالذباب والبراغيث والبق وغير ذلك أسماء هي مظاهر لها.
فالعقل الأول لاشتماله على جميع كليات حقايق العالم وصورها على طريق الإجمال عالم كلي يعلم به اسم الرحمان، والنفس الكلية لاشتمالها على جميع جزئيات ما اشتمل عليه العقل الأول تفصيلا، أيضا عالم كلي يعلم به اسم الرحيم.
والإنسان الكامل الجامع لجميعها اجمالا في مرتبة روحه وتفصيلا في مرتبة قلبه عالم كلي يعلم به الاسم الله الجامع للأسماء.
وإذا كان كل فرد من أفراد العالم علامة لاسم إلهي وكل اسم لاشتماله على الذات الجامعة لأسمائها مشتمل عليها.
كان كل فرد من أفراد العالم أيضا عالما يعلم به جميع الأسماء.
فالعوالم غير متناهية من هذا الوجه، لكن لما كانت الحضرات الإلهية الكلية خمسا صارت العوالم الكلية الجامعة لما عداها أيضا كذلك.
وأول الحضرات الكلية :
1 - حضرة الغيب المطلق وعالمها عالم الأعيان الثابتة.
2 - في الحضرة العلمية وفي مقابلتها ..
3 - حضرة الشهادة المطلقة وعالمه عالم الملك
4 - وحضرة الغيب المضاف. وهي ينقسم إلى ما يكون أقرب من الغيب المطلق وعالمه عالم الأرواح الجبروتية و الملكوتية، أعني عالم العقول والنفوس المجردة وإلى ما يكون أقرب من الشهادة وعالمه عالم المثال.
وانما انقسم الغيب المضاف إلى قسمين، لان للأرواح صورا مثالية مناسبة لعالم الشهادة المطلق وصورا عقلية مجردة مناسبة للغيب المطلق.
5 - والخامسة، الحضرة الجامعة للأربعة المذكورة وعالمها العالم الإنساني الجامع لجميع العوالم وما فيها.
فعالم الملك مظهر عالم الجبروت أي عالم المجردات
وهو مظهر عالم الأعيان الثابتة
وهو مظهر الأسماء الإلهية والحضرة الواحدية
وهي مظهر الحضرة الأحدية.

تنبيه
يجب ان يعلم ان هذه العوالم كليها وجزئيها كلها كتب إلهية لإحاطتها بكلماته التامات.
فالعقل الأول والنفس الكلية اللتان هما صورت أم الكتاب وهي الحضرة العلمية كتابان إلهيان.
وقد يقال للعقل الأول أم الكتاب لإحاطته بالأشياء اجمالا.
وللنفس الكلية الكتاب المبين لظهورها فيها تفصيلا.
وكتاب المحو والاثبات هو الحضرة النفس المنطبعة في الجسم الكلي من حيث تعلقها بالحوادث.
وهذا المحو والإثبات إنما يقع للصور الشخصية التي فيها باعتبار أحوالها اللازمة لأعيانها بحسب استعداداتها الأصلية المشروط ظهورها بالأوضاع الفلكية المعدة لتلك الذوات أن تتلبس بتلك الصور مع أحوالها الفايضة عليها من الحق سبحانه .
وبالاسم المدبر والماحي والمثبت والفعال لما يشاء و أمثال ذلك.
والإنسان الكامل كتاب جامع لهذه الكتب المذكورة لأنه نسخة العالم الكبير.
قال العارف الرباني على بن أبى طالب، كرم الله وجهه:
دوائك فيك وما تشعر ... وداؤك منك وما تبصر
وتزعم أنك جرم صغير ... وفيك انطوى العالم الأكبر
فأنت الكتاب المبين الذي ... بأحرفه يظهر المضمر
وقال الشيخ رضي الله عنه:
أنا القرآن والسبع المثاني ... وروح الروح لاروح الأواني
فؤادي عند مشهودي مقيم ... يشاهده وعندكم لساني
فمن حيث روحه وعقله كتاب عقلي مسمى بأم الكتاب.
ومن حيث قلبه كتاب اللوح المحفوظ.
ومن حيث نفسه كتاب المحو والاثبات.
فهي الصحف المكرمة المرفوعة المطهرة التي لا يمسها ولا يدرك أسرارها ومعانيها الا المطهرون من الحجب الظلمانية.
وما ذكر من الكتب إنما هي أصول الكتب الإلهية واما فروعها، فكل ما في الوجود من العقل والنفس والقوى الروحانية والجسمانية وغيرها لأنها مما ينتقش فيها أحكام الموجودات.
اما كلها أو بعضها، سواء كان مجملا أو مفصلا، وأقل ذلك انتقاش احكام عينها فقط، والله اعلم..

تنبيه آخر
لا بد ان يعرف ان نسبة العقل الأول إلى العالم الكبير وحقايقه بعينه
نسبة الروح الإنساني إلى البدن وقواه ، وان النفس الكلية قلب العالم الكبير كما أن الناطقة قلب الانسان. لذلك يسمى العالم بالإنسان الكبير.
ولا يتوهم ان الصور التي يشتمل العقل الأول اجمالا أو النفس الكلية تفصيلا عليها غير حقايقها بان يفيض من الحق سبحانه عليهما صورا منفكة عن حقايقها بل إفاضة تلك الصور عليهما عبارة عن إيجاد تلك الحقايق فيهما.
وكل ما في الخارج من الحقايق كالظلال لتلك الصور إذ هي التي تظهر في الخارج بواسطة ظهورها فيهما أولا ويحصل لهما العلم بها بعين تلك الصور الفايضة عليهما لا بالصور المنتزعة من الخارج.
وتلك الحقايق عين حقيقة العقل الأول بل عين كلعالم بها بحسب الوجود المحض .
وان كانت من حيث تعيناتها ومعلوميتها غيرها، لأنا بينا أن الحقايق كلها راجعة إلى الوجود المطلق بحسب الحقيقة.
فكل منها عين الآخر باعتبار الوجود وإن كانت متغايرة باعتبار التعيينات. وأيضا، هو أو لصورة ظهرت في الخارج للحضرة الإلهية.
وقد بينا أن الحقايق الأسمائية في هذه المرتبة من وجه عينها ومن وجه غيرها فمظهرها أيضا كذلك.
فاتحاد الحقايق فيه كاتحاد بنى آدم كلهم في آدم قبل ظهورها بتعيناتها وإن كانت بحسب هوياتهم مختلفة عند الظهور بل هو آدم الحقيقي.
ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم عليه السلام: "أول ما خلق الله نوري" .
والاختلاف بالماهيات كالاختلاف بالهويات، فان كلا منهما عبارة عما به الشيء هو هو، والفرق بينهما أن الماهية مستعملة في الكليات والهوية في الجزئيات.
فلا يقال، بنى آدم متحدة بالنوع والماهيات مختلفة بذواتها فلا يمكن اتحادها.
لأنا بينا ان الماهيات وجودات خاصة علمية متعينة بتعيينات كلية وكلها متحدة في الوجود من حيث هو هو.
والتميز العقلي بين العالم والمعلوم لا ينافي الوحدة في الوجود.
فان الأشعة الحاصلة في النهار أو في الليلة القمراء واحدة في الوجود مع ان العقل يحكم بان نور الشمس أو القمر غير نور الكوكب.
واصل اتحاد المعلومات بالعلم والعالم إنما هو اتحاد الصفات والأسماء والأعيان بالحق لا غير. هكذا حال الصور الحاصلة في كل عالم سواء كانت منتزعة أو غير منتزعة.
فإنها ليست منفكة عن حقايقها لأنها كما هي موجودة في الخارج كذلك موجودة في العالم العقلي والمثالي والذهني.
وحصول صورة الشيء منفكة عن حقيقتها لا يكون علما بها ضرورة، إذ الصورة غيرها عندهم.
والإنسان لكونه نسخة العالم الكبير مشتمل على ما فيه من الحقايق كلها بل هي عينه من وجه بعين ما مر، وما حجبه عنها إلا النشأة العنصرية فبقدر زوال الاحتجاب يظهر الحقايق فيه.
فحاله مع معلوماته كحال العقل الأول.
بل في التحقيق علمه أيضا فعلى من وجه وهو من حيث مرتبته وان كان انفعاليا من وجه آخر بل هو أشد اتصافا بالعلم الفعلي من العقل الأول لأنه الخليفة والمتصرف في كل العوالم.
وحقيقة هذا الكلام وما ذكر من قبل انما ينجلي لمن يظهر له حقيقة الفعالية ويظهر له وحدة الوجود في مراتب الشهود وإن علمه تعالى عين ذاته ومعلوماته أيضا كذلك والامتياز بتجلياته المعينة فقط.
والله أعلم.
.

OU0X0JhQZ7Y

  السابق

المحتويات

التالي  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب فصوص الحكم وشروحاته

مطالعة هذه الشروحات والتعليقات على كتاب الفصوص


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!