موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مطلع خصوص الكلم
في معاني فصوص الحكم

تأليف: الشيخ داود القيصري

مقدمة مع قراءة خطبة الكتاب

  السابق

المحتويات

التالي  

مقدمة مع قراءة خطبة الكتاب


الفصل الثالث في الأعيان الثابتة والتنبيه على المظاهر الأسمائية من مقدمة كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي

شرح الشيخ داود بن محمود بن محمد القَيْصَري كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

اعلم، ان للأسماء الإلهية صورا معقولة في علمه تعالى لأنه عالم بذاته لذاتهوأسمائه وصفاته. وتلك الصور العلمية من حيث انها عين الذات المتجلية
بتعين خاص ونسبة معينة هي المسماة بالأعيان الثابتة ، سواء كانت كلية وجزئية، في اصطلاح أهل الله، ويسمى كلياتها بالماهيات والحقايق وجزئياتها بالهويات عند أهل النظر.
فالماهيات هي الصور الكلية الأسمائية المتعينة في الحضرة العلمية تعينا أوليا.
وتلك الصور فايضة عن الذات الإلهية بالفيض الأقدس والتجلي الأول بواسطة الحب الذاتي وطلب مفاتح الغيب التيلا يعلمها الا هو ظهورها وكمالها.
فان الفيض الإلهي ينقسم بالفيض الأقدس والفيض المقدس.
وبالأول يحصل الأعيان الثابتة واستعدادتها الأصلية في العلم.
وبالثاني يحصل تلك الأعيان في الخارج مع لوازمها وتوابعها.
وإليه أشار الشيخ بقوله: (والقابل لا يكون الا من فيضه الأقدس).
وذلك الطلب مستند أولا إلى الاسم الأول والباطن ثم بهما إلى الآخر والظاهر لان الأولية
والباطنية ثابتة للوجود العلمي والآخرية والظاهرية للعيني، والأشياء ما لم توجد في العلم لم يمكن وجودها في العين.
والأعيان بحسب امكان وجودها في الخارج وامتناعها فيه ينقسم إلى قسمين:
الأول الممكنات
والثاني الممتنعات،
وهي قسمان:
قسم يختص بفرض العقل إياه كشريك الباري واجتماع النقيضين
والضدين في موضوع خاص ومحل معين وغيرها، وهي أمور متوهمة ينتجها العقل المشوب بالوهم .
وعلم الباري، جل ذكره، يتعلق بهذا القسم من حيث علمه بالعقل والوهم ولوازمهما من توهم مالا وجود له ولا عين وفرضهما إياه لا من حيث ان لها ذواتا في العلم أو صورا أسمائية والا يلزم الشريك في نفس الامر والوجود.
قال الشيخ رضى الله عنه: في الفتوحات في ذكر أولياء الناهين عن المنكر من الباب الثالث والسبعين:
(فلم يكن ثمة شريك له عين أصلا بلهو لفظ ظهر تحته العدم المحض، فأنكرته المعرفة بتوحيد الله الوجودي فيسمى منكرا من القول وزورا.)
وقسم لا يختص بالفرض بل هي أمور ثابتة في نفس الأمر موجودة في العلملازمة لذات الحق لأنها صور للأسماء الغيبية المختصة بالباطن من حيث هوضد الظاهر إذ للباطن وجه يجتمع مع الظاهر ووجه لا يجتمع معه وتختص الممكنات بالأول والممتنعات بالثاني.
وتلك الأسماء هي التي قال، رضى الله عنه، في فتوحاته: (واما الأسماء الخارجة عن الخلق والنسب فلا يعلمها الا هولأنه لا تعلق لها بالأكوان).
وإلى هذه الأسماء أشار النبي، صلى الله عليه وسلم،بقوله: (أو استأثرت به في علم غيبك).
ولما كانت هذه الأسماء بذواتها طالبة للباطن هاربة عن الظاهر لم يكن لها وجود فيه، فصور هذه الأسماء وجودا تعلمية ممتنعة الاتصاف بالوجود العيني ولا شعور لأهل العقل بهذا القسم ولا مدخل للعقل فيه.
والاطلاع بأمثال هذه المعاني انما هو من مشكاة النبوة والولاية والايمان بهما. فالممتنعات حقايق الهية من شأنها عدم الظهور في الخارج كما ان من شأن الممكنات ظهورها فيه.
وكل حقيقة ممكن وجودها، وان كانت باعتبار ثبوتها في الحضرة العلمية أزلاوأبدا ما شمت رائحة الوجود ، لكن باعتبار مظاهرها الخارجية كلها موجودة
فيه وليس شئ منها باق في العلم بحيث لم توجد بعد لأنها بلسان استعداداتهاطالبة للوجود العيني، فلو لم يعط الواهب الجواد وجودها لم يكن الجواد جوادا،ولو أوجد بعضها دون البعض مع انها كلها طالبة للوجود يكون ترجيحا بلا مرجح.
وافرادها لتوقفها بأزمانها التي يعلمها الحق وقوعها فيها تظهرمن الغيب إلى الشهادة ظهورا غير منقطع إلى انقراض النشأة الدنياوية و
في الآخرة أيضا كما جاء في الحديث الصحيح: (المؤمن إذا اشتهى الولد في الجنة كان حمله ووضعه وسنه في ساعة واحدة كما يشتهى).
قال تعالى: (ولكم فيها ما تشتهى أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلا من غفور رحيم.)والأعيان الممكنة ينقسم إلى الأعيان الجوهرية والعرضية،
والأعيان الجوهرية كلها متبوعات والعرضية كلها توابع. والجواهر ينقسم إلىبسيط روحاني كالعقول والنفوس المجردة، وإلى بسيط جسماني كالعناصر، وإلى مركب في العقل دون الخارج كالماهية الجوهرية المركبة من الجنس والفصل، وإلى مركب فيهما كالمولدات (المواليد) الثلاث.
وكل من الأعيان الجوهرية والعرضية ينقسم إلى أعيان الأجناس العالية والمتوسطة والسافلة، وكل منها ينقسم إلى الأنواع وهي إلى الأصناف وإلى الاشخاص: (فسبحان الذي لا يعزب عن علمه شئ في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم.)
فعالم الأعيان مظهر الاسم الأول والباطن المطلق، وعالم الأرواح مظهر الاسم الباطن والظاهر المضافين، وعالم الشهادة مظهر الاسم الظاهر المطلق والآخر من وجه، وعالم الآخرة مظهر الاسم الآخر المطلق، ومظهر اسم الله الجامع لهذه الأربعة هو الانسان الكامل الحاكم في العوالم كلها، وعالم المثال مظهر الاسم المتولد من اجتماع الظاهر والباطن وهو البرزخ بينهما، والأجناس العالية مظاهر أمهات الأسماء التي تشتمل الأسماء الأربعة عليها، والمتوسطة
مظاهر الأسماء التي تحتها في المرتبة، والسافلة مظاهر الأسماء التي دونها في الحيطة والمرتبة.
وكذلك الأنواع الحقيقية مظاهر الأسماء التي تحت حيطة الأنواع الإضافية ، وهي ان كانت بسيطة يكون كل منها مظهرا لاسم خاص معين، وان كانت مركبة يكون كل منها مظهرا لاسم حاصل من اجتماع أسماء متعددة، واشخاصها مظاهر رقايق الأسماء التي تحصل من اجتماع بعضها مع بعض ومن هذه الاجتماعات يحصل أسماء غير متناهية ومظاهر لا يتناهى.
ومن هنا يعلم سر قوله تعالى: (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربى لنفد البحر قبل ان تنفدكلمات ربى ولو جئنا بمثله مددا).
لان كلماته تعالى هي أعيان الحقايق كلها وكمالات الأسماء المشتركة مشتركة بين مظاهرها بخلاف الأسماء المختصة فانكمالاتها أيضا مختصة.
ولا بد ان يعلم ان كل ما هو موجود في الخارج، وله صفات متعددة، فهومظهر لها كلها فان كان يظهر منه في كل حين صفة منها فهو مظهر تلك الصفةفي ذلك الحين، كما ان الشخص الانساني تارة يكون مظهر الرحمة وتارة مظهرالنقمة باعتبار ظهور الصفتين فيه، وان كان يظهر فيه صفة معينة أو صفات متعددة دائما فهو مظهر لها دائما بحسبها.
فالعقول والنفوس المجردة من حيثانها عالمة بمباديها وما يصدر منها مظاهر للعلم الإلهي وكتب الهية.
والعرش مظهر الرحمان ومستواه.
والكرسي مظهر الرحيم .
والفلك السابع مظهر الرزاق.
والسادس مظهر العليم .
والخامس مظهر القهار.
والرابع مظهرالنور والمحيي.
والثالث مظهر المصور.
والثاني مظهر البارئ.
والأول مظهرالخالق.
هذا باعتبار الصفة الغالبة على روحانية الفلك المنسوب إليه ذلك الاسم.
فكلما أمعنت النظر في الموجودات وظهر لك خصايصها تعرف انها مظاهرلها، والله الموفق.
تنبيه
الأعيان من حيث انها صور علمية لا توصف بأنها مجعولة لأنها حينئذ معدومة في الخارج والمجعول لا يكون الا موجودا، كما لا يوصف الصور العلمية والخيالية التي في أذهاننا بأنها مجعولة ما لم توجد في الخارج، ولو كانت كذلك لكانت الممتنعات أيضا مجعولة لأنها صور علمية.
فالجعل انما يتعلق بها بالنسبة إلى الخارج وليس جعلها الا ايجادها في الخارج لا ان الماهية جعلت ماهية فيه، وبهذا المعنى تعلق الجعل بها في العلم أولى.
وحينئذ يرجع النزاع لفظيا إذ لايمكن ان يقال ان الماهيات ليست بإفاضة مفيض في العلم واختراعه والا يلزم انلا يكون حادثة بالحدوث الذاتي، لكنها ليست مخترعة كاختراع الصور الذهنية التي لنا إذا أردنا اظهار شئ لم يكن، ليلزم تأخر الأعيان العلمية عن الحق في الوجود تأخرا زمانيا.
بل علمه تعالى ذاته بذاته يستلزم الأعيان من غير تأخرهاعنه تعالى في الوجود فبعين العلم الذاتي يعلم تلك الأعيان لا بعلم آخر، كما توهممن جعل علمه بالعالم عين العقل الأول ، فافهم.
تنبيه آخر
اعلم، ان للأعيان الثابتة اعتبارين:
اعتبار انها صور الأسماء ، واعتبارانها حقايق الأعيان الخارجية.
فهي بالاعتبار الأول كالأبدان للأرواح
وبالاعتبارالثاني كالأرواح للأبدان.
وللأسماء أيضا اعتباران:
اعتبار كثرتها واعتبار وحدة الذات المسماة بها كما مر.
فباعتبار تكثرها محتاجة إلى الفيض من الحضرة الإلهيةالجامعة لها وقابلة له كالعالم.
وباعتبار وحدة الذات الموصوفة بالصفات أربابلصورها فياضة إليها.
فبالفيض الأقدس الذي هو التجلي بحسب أولية الذات وباطنيتها يصل الفيض من حضرة الذات إليها وإلى الأعيان دائما، ثم بالفيض المقدس الذي هو التجلي بحسب ظاهريتها وآخريتها وقابلية الأعيان و استعداداتها يصل الفيض من الحضرة الإلهية إلى الأعيان الخارجية.
وكل عين هي كالجنس لما تحتها واسطة في وصول ذلك الفيض إلى ما تحتها من وجه إلى انينتهى إلى الاشخاص كوساطة العقول والنفوس المجردة إلى ما تحتها مما في عالم الأكوان والفساد وان كان يصل الفيض إلى ماله وجود من الوجه الخاص الذي له مع الحق بلا واسطة.
والأعيان من حيث انها أرواح للحقايق الخارجية ولها جهة المربوبية تقبل الفيض بالأولى وترب صورها الخارجية بالثانية.
فالأسماء مفاتيح الغيب والشهادة مطلقا والأعيان الممكنة مفاتيح الشهادة.
ولما كان الفيض عليها وعلى الأسماء كلها من حضرة الجمع من غير انقطاع بحسب استعداداتها، نسب الشيخ، رضى الله عنه، في الكتاب، الفيض مطلقا إلى حضرة الجمع والقابلية إلى لأعيان وان كانت هي أيضا فياضة إلى ما تحتها من الصور من حيث ربوبيتها.
فلا يتوهم متوهم ان الأعيان لها جهة القابلية فقط، والأسماء لها جهة الفاعليةفقط.
وان الأسماء ينقسم إلى ماله التأثير وإلى ماله التأثر، فيجعل البعض منها فاعلا مطلقا والآخر قابلا مطلقا، والله العالم.
هداية للناظرين الماهيات كلها وجودات خاصة علمية، لأنها ليست ثابتة في الخارج منفكةعن الوجود الخارجي ليلزم الواسطة بين الموجود والمعدوم كما ذهبت إليه المعتزلة.
لان قولنا الشئ اما ان يكون ثابتا في الخارج واما ان لا يكون، بديهي.
والثابت في الخارج هو الموجود فيه بالضرورة وغير الثابت هو المعدوم، وإذا كان كذلك فثبوتها حينئذ منفكة عن الوجود الخارجي في العقل وكل ما في العقل من الصورفايضة من الحق وفيض الشئ من غيره مسبوق بعلمه به فهي ثابتة في علمه تعالى، وعلمه وجوده لأنه ذاته.
فلو كانت الماهيات غير الوجودات المتعينة
في العلم لكان ذاته تعالى محلا للأمور المتكثرة المغايرة لذاته تعالى حقيقة وهو محال
وما يقال ، بانا نتصور الماهية مع ذهولنا عن وجودها انما هو بالنسبة إلى الوجود الخارجي.
إذ لو نذهل عن وجودها الذهني لم يكن في الذهن شئ أصلا، ولو سلم ذهولنا عن وجودها الذهني مع عدم الذهول عنها لا يلزم أيضا انها يكون غير الوجود مطلقا لجواز ان يكون الماهية وجودا خاصا يعرض لها الوجود في الذهن وهو كونها في الذهن كما يعرض لها في الخارج وهو كونها في الخارج،فيحصل الذهول عن وجودها في الذهن ولا يحصل عنها.
والوجود قد يعرض لنفسه باعتبار تعدده كعروض الوجود العام اللازم للوجودات الخاصة.
والحق ما مر من ان الوجود يتجلى بصفة من الصفات فيتعين ويمتاز عن الوجود المتجلي بصفة أخرى في صير حقيقة ما من الحقائق الأسمائية.
وصورة تلك الحقيقة في علم الحق تعالى هي المسماة بالماهية والعين الثابتة.
وان شئتقلت، تلك الحقيقة هي الماهية فإنه أيضا صحيح. وهذه الماهية لها وجود خارجي في عالم الأرواح وهو حصولها فيه، ووجود في عالم المثال وهوظهورها في
صورة جسدانية، ووجود في الحس وهو تحققها فيه، ووجود علمي في أذهاننا وهوثبوتها فيه.ومن هنا قيل، ان الوجود هو الحصول والكون وبقدر ظهورنور الوجود بكمالاته في مظاهره تظهر تلك الماهيات ولوازمها تارة في الذهن و أخرى في الخارج.
فيقوى ذلك الظهور ويضعف بحسب القرب من الحقوالبعد عنه وقلة الوسائط وكثرتها وصفاء الاستعداد وكدره، فيظهر للبعض جميع الكمالات اللازمة لها وللبعض دون ذلك.
فصور تلك الماهيات إذا كانت فيأذهاننا هي ظلالات تلك الصور العلمية، الحاصلة فينا بطريق الانعكاس من المبادي العالية أو بظهور نور الوجود فينا بقدر نصيبنا من تلك الحضرة.
ولذلك صعب العلم بحقايق الأشياء على ما هي عليه الا من تنور قلبه بنور الحق وارتفع الحجاب بينه وبين الوجود المحض، فإنه يدرك بالحق تلك الصور العلمية على ما هي عليه في أنفسها، ومع ذلك بقدر إنيته ينحجب عن ذلك فيحصل التميز بين علم الحق بها وبين علم هذا الكامل. فغاية عرفان العارفين اقرارهم بالعجز والتقصير وعلمهم برجوع الكل إليه وهو العليم الخبير. فان علمت قدرما سمعت فقد أوتيت الحكمة: (ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا.)
تتميم
الأعيان من حيث تعيناتها العدمية وامتيازها من الوجود المطلق راجعة إلى العدم وان كانت باعتبار الحقيقة والتعينات الوجودية عين الوجود.
فإذا قرع سمعك من كلام العارفين: ان عين المخلوق عدم والوجود كله الله، تلقب القبول، فإنه يقول ذلك من هذه الجهة.
كما قال أمير المؤمنين عليه السلام فيحديث كميل، رضى الله عنه: (صحو المعلوم مع محو الموهوم). وأمثال ذلك كثيرة في كلامهم.
والمراد من قولهم:
الأعيان الثابتة في العدم أو الموجودة من العدم، ليس ان العدم ظرف لها إذ العدم لا شئ محض.
بل المراد انها حال كونها ثابتة في الحضرة العلمية متلبسة بالعدم الخارجي موصوفة به فكأنها كانت ثابتة في عدمها الخارجي ثم ألبسها الحق خلعة الوجود الخارجي فصارت موجودة .
والله اعلم.
.


OU0X0JhQZ7Y

  السابق

المحتويات

التالي  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب فصوص الحكم وشروحاته

مطالعة هذه الشروحات والتعليقات على كتاب الفصوص


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!