موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مطلع خصوص الكلم
في معاني فصوص الحكم

تأليف: الشيخ داود القيصري

مقدمة مع قراءة خطبة الكتاب

  السابق

المحتويات

التالي  

مقدمة مع قراءة خطبة الكتاب


الفصل الحادي عشر في عود الروح ومظاهره إليه تعالى عند القيامة الكبرى من مقدمة كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم الشيخ الأكبر

شرح الشيخ داود بن محمود بن محمد القَيْصَري كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

قد مر ان للحق، تعالى، تجليات ذاتية وأسمائية صفاتية وان للأسماء والصفات دولا يظهر حكمها وسلطنتها في العالم حين ظهور تلك الدول.
ولا شك أن الآخرة انما يحصل بارتفاع الحجب وظهور الحق بالوحدة الحقيقية كما يظهر كلشئ فيها على صورته الحقيقية، ويتميز الحق عن الباطل، لكونه يوم الفصل والقضاء.
ومحل هذا التجلي ومظهره الروح، فوجب أن يفنى فيه عند وقوع ذلك التجلي و بفنائه يفنى جميع مظاهره.
قال تعالى: "ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله".
وهم الذين سبقت لهم القيامة الكبرى.
لذلك قيل: كل شئ يرجع إلى أصله.
قال الله عز وجل: "ولله ميراث السماوات والأرض"، "كل شئ هالك إلا وجهه"، "كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذي الجلال والإكرام".
وذلك قد يكون بزوال التعينات الخلقية وفناء وجه العبودية في وجه الربوبية كانعدام تعيين القطرات عند الوصول إلى البحر وذوبان الجليد بطلوع شمس الحقيقة.
قال تعالى: "يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين".
أي نزيل عنها التعين السماوي ليرجع إلى الوجود المطلق بارتفاع وجوده المقيد.
فقال: "لمن الملك اليوم لله الواحد القهار" مشيرا إلى ظهور دولة حكم المرتبة الأحدية.
وجاء في الخبر الصحيح أيضا، ان الحق، سبحانه، يميت جميع الموجودات حتى الملائكة وملك الموت أيضا.
ثم يعيدها للفصل والقضاء بينهم لينزل كل منزلته من الجنة والنار.
وأيضا، كما ان وجود التعينات الخلقية إنما هو بالتجليات الإلهية في مراتب الكثرة.
كذلك زوالها بالتجليات الذاتية في مراتب الوحدة، ومن جملة الأسماء المقتضية لها، القهار والواحد والأحد والفرد الصمد والغنى والعزيز والمعيد والمميت والماحي وغيرها.
وانكار من لم يذق هذا المشهد من العارفين علما غير الواصلين حالا أو المغرورين بعقولهم الضعيفة العادمة هذه الحالة انما ينشأ من ضعف ايمانهم بالأنبياء عليهم السلام.
أعاذنا الله منه.
ومن اكتحل عينه بنور الإيمان وتنور قلبه بطلوع شمس العيان، يجد أعيان العالم دائما متبدلة وتعيناتها متزايلة .
كما قال تعالى: "بل هم في لبس من خلق جديد".
وقد يكون باختفائها فيه كاختفاء الكواكب عند وجود الشمس ويستتر وجه العبودية بوجه الربوبية فيكون الرب ظاهرا والعبد مخفيا.
ومن لسان هذا المقام ينشد: شعر
تسترت عن دهري بظل جناحه ... فعيني ترى دهري وليس يراني
فلو تسأل الأيام ما اسمي ما درت ... وأين مكاني ما درين مكاني
وهذا الاختفاء إنما هو في مقابلة اختفاء الحق بالعبد عند اظهاره إياه، وقد يكون بتبديل الصفات البشرية بالصفات الإلهية دون الذات.
فكلما ارتفع صفة من صفاتها قامت صفة إلهية مقامه فيكون الحق حينئذ سمعه وبصره، كما نطق به الحديث، ويتصرف في الوجود بما أراد الله.
وكل منها قد يكون معجلا كما للكمل والأفراد الذين قامت قيامتهم وفنوا في الحق وهم في الحياة الدنيا صورة.
وقد يكون مؤجلا وهو الساعة الموعودة بلسان الأنبياء، صلوات الله عليهم أجمعين.
تنبيه
لا تتوهم ان ذلك الفناء هو الفناء العلمي الحاصل للعارفين الذين ليسوا من أرباب الشهود الحالي مع بقائهم عينا وصفة، فان بين من يتصور المحبة وبين من هي حاله فرقانا عظيما.
كما قال الشاعر:
لا يعرف الحب الا من يكابده ... ولا الصبابة الا من يعانيه
والحق ان الإعراب عنه لغير ذائقه ستر والاظهار لغير واجده إخفاء.
والعلم بكيفيته على ما هو عليه مختص بالله لا يمكن ان يطلع عليه الا من شاء الله من عباده الكمل .
وحصل له هذا المشهد الشريف والتجلي الذاتي المفنى للأعيان بالأصالة .
كما قال تعالى: " فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا".
وإذا علمت ما مر، علمت معنى الاتحاد الذي اشتهر بين هذه الطائفة.
وعلمت اتحاد كل اسم من الأسماء مع مظهره وصورته أو اسم مع اسم آخر ومظهر مع مظهر آخر.
وشهودك اتحاد قطرات الأمطار بعد تعددها واتحاد الأنوار مع تكثرها كالنور الحاصل من الشمس والكوكب على وجه الأرض أو من السرج المتعددة في بيت واحد وتبدل صور عالم الكون والفساد على هيولى واحدة، دليل واضح على حقية ما قلنا.
هذا مع ان الجسم كثيف فما ظنك بالخبير اللطيف الظاهر في كل من المراتب الحقير والشريف.
والحلول والاتحاد بين الشيئين المتغايرين من كل الوجوه شرك عند أهل الله لفناء الأغيار عندهم بنور الواحد القهار.
.

....


OU0X0JhQZ7Y

  السابق

المحتويات

التالي  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!