موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مطلع خصوص الكلم
في معاني فصوص الحكم

تأليف: الشيخ داود القيصري

مقدمة مع قراءة خطبة الكتاب

  السابق

المحتويات

التالي  

مقدمة مع قراءة خطبة الكتاب


الفصل التاسع في بيان خلافة الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وسلم وانها قطب الأقطاب من مقدمة كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم الشيخ الأكبر

شرح الشيخ داود بن محمود بن محمد القَيْصَري كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

لما تقرر ان لكل من الأسماء الإلهية صورة في العلم مسماة بالماهية والعين الثابتة .
وان لكل واحد منها صورة خارجية مسماة بالمظاهر والموجودات العينية وان تلك الأسماء أرباب تلك المظاهر وهي مربوباتها.
وعلمت ان الحقيقة المحمدية صورة الاسم الجامع الإلهي وهو ربها ومنه الفيض والاستمداد على جميع الأسماء.
فاعلم، ان تلك الحقيقة هي التي ترب صور العالم كلها بالرب الظاهر فيها الذي هو رب الأرباب لأنها هي الظاهرة في تلك المظاهر، كما مر.
فبصورتها الخارجية المناسبة لصور العالم التي هي مظهر الاسم الظاهر ترب صور العالم وبباطنها ترب باطن العالم، لأنه صاحب الاسم الأعظم وله الربوبية المطلقة.
لذلك قال صلى الله عليه وآله: "خصصت بفاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة".
وهي تصديره بقوله تعالى: "الحمد لله رب العالمين ". فجميع عوالم الأجسام والأرواح كلها.
وهذه الربوبية إنما هي من جهة حقيقتها لا من جهة بشريتها، فإنها من تلك الجهة عبد مربوب محتاج إلى ربها.
كما نبه سبحانه بهذه الجهة بقوله: "قل انما انا بشر مثلكم يوحى إلى".
وبقوله: "وانه لما قام عبد الله يدعوه". فسماه عبد الله تنبيها على انه مظهر لهذا الاسم دون اسم آخر.
ونبه بالجهة الاولى بقوله: "وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى". فأسند رميه إلى الله.
ولا يتصور هذه الربوبية إلا باعطاء كل ذي حق حقه وإفاضة جميع ما يحتاج إليه العالم.
وهذا المعنى لا يمكن الا بالقدرة التامة والصفات الإلهية جميعها فله كل الأسماء يتصرف بها في هذا العالم حسب استعداداتهم.
ولما كانت هذه الحقيقة مشتملة على الجهتين:الإلهية والعبودية لا يصح لها ذلك أصالة بل تبعية وهي الخلافة فلها الاحياء والإماتة واللطف والقهر والرضا والسخط وجميع الصفات ليتصرف في العالم وفي نفسها وبشريتها أيضا لأنها منه.
وبكاؤه، عليه السلام، وضجره وضيق صدره لا ينافي ماذكرنا فإنه بعض مقتضيات ذاته وصفاته.
"ولا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السماء ولا في الأرض" من حيث مرتبته .
وان كان يقول :" أنتم أعلم بأمور دنياكم" من حيث بشريته.
والحاصل، ان ربوبيته للعالم بالصفات الإلهية التي له من حيث مرتبته .
وعجزه ومسكنته وجميع ما يلزمه من النقايص الإمكانية من حيث بشريته الحاصلة من التقيد والتنزل إلى العالم السفلي .
ليحيط بظاهره خواص العالم الظاهر وبباطنه خواص العالم الباطن فيصير مجمع البحرين ومظهر العالمين.
فتنزله أيضا كماله كما ان عروجه إلى مقامه الأصلي كماله، فالنقايص أيضا كمالات باعتبار آخر يعرفها من تنور باطنه وقلبه بالنور الإلهي.
ولما كانت هذه الخلافة واجبة من الله تعالى في العالم بحكم "ما كان لبشر ان يكلمه الله الا وحيا أو من وراء حجاب" .
وجب ظهور الخليفة في كل زمان من الأزمنة ليحصل لهم الاستيناس و يتصف بالكمال اللايق به كل من الناس .
كما قال سبحانه : "ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون".
وظهور تلك الحقيقة بكمالاتها أولا لم يكن ممكنا فظهرت تلك الحقيقة بصور خاصة كل منها في مرتبة لائقة باهل ذلك الزمان والوقت حسب ما يقتضيه اسم الدهر في ذلك الحين من ظهور الكمال وهي صور الأنبياء، عليهم السلام.
فإن اعتبرت تعيناتهم وتشخصاتهم لغلبة أحكام الكثرة والخلقية عليك حكمت بالامتياز بينهم والغيرية وبكونهم غير تلك الحقيقة المحمدية الجامعة للأسماء لظهور كل منهم ببعض الأسماء والصفات.
وان اعتبرت حقيقتهم وكونهم راجعين إلى الحضرة الواحدية بغلبة احكام الوحدة عليك حكمت باتحادهم ووحدة ما جاؤوا به من الدين الإلهي.
كما قال تعالى: "لا نفرق بين أحد من رسله".
فالقطب الذي عليه مدار احكام العالم وهو مركز دائرة الوجود من الأزل إلى الأبد واحد باعتبار حكم الوحدة وهو الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله. وباعتبار حكما لكثرة متعدد.
وقبل انقطاع النبوة قد يكون القائم بالمرتبة القطبية نبيا ظاهرا كإبراهيم، صلوات الله عليه، وقد يكون وليا خفيا كالخضر في زمان موسى، عليهما السلام، قبل تحققه بالمقام القطبي.
وعند انقطاع النبوة أعني نبوة التشريع بإتمام دائرتها وظهور الولاية من الباطن انتقلت القطبية إلى الأولياء مطلقا فلا يزال في هذه المرتبة واحد منهم قائم في هذا المقام لينحفظ به هذا الترتيب والنظام.
قال سبحانه: "ولكل قوم هاد". "وإن من أمة الا خلا فيها نذير".
إلى ان ينختم بظهور خاتم الأولياء وهو الخاتم للولاية المطلقة فإذا كملت هذه الدائرة أيضا وجب قيام الساعة.
باقتضاء الاسم الباطن والمتولد من الباطن والظاهر الذي هو الحد الفاصل بينهما ظهور كمالاته وأحكامه فيصير كل ما كان صورة معنى وكل ما كان معنى صورة.
أي يظهر ما هو مستور في الباطن من هيئات النفس على صورها الحقيقية ويستتر الصور التي احتجبت المعاني الحقيقية فيها فيحصل صورة الجنة والنار والحشر والنشر على ما أخبر عنه الأنبياء والأولياء، صلوات الله عليهم أجمعين.
تنبيه
لا بد ان يعلم ان للجنة والنار مظاهر في جميع العوالم، إذ لا شك ان لهما أعيانا في الحضرة العلمية .
وقد أخبر الله تعالى، عن إخراج آدم وحواء، عليهما السلام من الجنة فلها وجود في العالم الروحاني قبل وجودها في العالم الجسماني.
وكذلك للنار أيضا وجود فيه لأنه مثال لما في الحضرة العلمية.
وفي الأحاديث الصحيحة ما يدل على وجودهما فيه أكثر من ان يحصى، وأثبت رسول الله، صلى الله عليه و سلم وجودهما في دار الدنيا بقوله: "الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر".
كما أثبت في عالم البرزخ بقوله: "القبر روضة من رياض الجنة " للمؤمن "أو حفرة من حفر النيران" للكافر. وأمثال ذلك.
وفي العالم الانساني لهما أيضا وجود، إذ مقام الروح والقلب وكمالاتهما عين النعيم ومقام النفس والهوى ومقتضياتهما نفس الجحيم.
لذلك من دخل مقام القلب والروح واتصف بالأخلاق الحميدة والصفات المرضية يتنعم بأنواع النعم.
ومن وقف مع النفس ولذاتها والهوى وشهواتها يتعذب بأنواع البلايا والنقم.
وآخر مراتب مظاهرهما في الدار الآخرة.
ولكل من هذه المظاهر لوازم يليق بعالمه.
وكذلك للساعة أنواع خمسة بعدد الحضرات الخمسة.
منها ما هو في كل آن وساعة، إذ عند كل آن يظهر من الغيب إلى الشهادة ويدخل منها إلى الغيب من المعاني والتجليات والكائنات والفاسدات وغيرها ما لا يحيط به الا الله لذلك سميت باسمها.
قال تعالى: "بل هم في لبس من خلق جديد"، "كل يوم هو في شأن".
منها الموت الطبيعي كما قال،عليه السلام: "من مات فقد قامت قيامته".
وبإزائه الموت الإرادي الذي يحصل للسالكين المتوجهين إلى الحق قبل وقوع الموت الطبيعي.
قال عليه السلام " صلى الله عليه وسلم " : " من أراد ان ينظر إلى ميت يمشى على وجه الأرض فلينظر إلى أبى بكر".
وقال: "موتوا قبل ان تموتوا".
فجعل عليه السلام، الإعراض عن متاع الدنيا وطيباتها والامتناع عن مقتضيات النفس ولذاتها وعدم اتباع الهوى موتا.
لذلك ينكشف للسالك ما ينكشف للميت، ويسمى بالقيامة الصغرى.
وجعل بعضهم الموت الإرادي مسمى بالقيامة الوسطى لزعمه أنه يقع بين القيامة الصغرى التي هي الموت الطبيعي الحاصل له في النشأة السابقة.
والقيامة الكبرى التي هي الفناء في الذات فيه نظر لا يخفى على الفطن.
ومنها ما هو موعود منتظر للكل كقوله تعالى: "إن الساعة آتية لا ريب فيها" – "ان الساعة آتية أكاد أخفيها" . وغير ذلك من الآيات الدالة عليها.
وذلك بطلوع شمس الذات الأحدية من مغرب المظاهر الخلقية وانكشاف الحقيقة الكلية وظهور الوحدة التامة وانقهار الكثرة .
كقوله: "لمن الملك اليوم لله الواحد القهار" وأمثاله.
وبإزائه ما يحصل للعارفين الموحدين من الفناء في الله والبقاء به قبل وقوع حكم ذلك التجلي على جميع الخلايق ويسمى بالقيامة الكبرى.
ولكل من هذه الأنواع لوازم ونتايج يشتمل على بيان بعضها الكلام المجيد والأحاديث الصحيحة صريحا وإشارة ويحرم كشف بعضها.
والله أعلم بالحقائق.
.


OU0X0JhQZ7Y

  السابق

المحتويات

التالي  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب فصوص الحكم وشروحاته

مطالعة هذه الشروحات والتعليقات على كتاب الفصوص


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!