موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

شرح القاشاني
على فصوص الحكم

تأليف: الشيخ عبد الرزاق الكاشاني

فص حكمة علية في كلمة إسماعيلية

  السابق

المحتويات

التالي  

فص حكمة علية في كلمة إسماعيلية


07 - فص حكمة علية في كلمة إسماعيلية .شرح القاشاني كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي الطائي

شرح القاشاني العارف بالله الشيخ عبد الرزاق القاشاني 938 هـ على متن كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر

إنما خصت الكلمة الإسماعيلية بالحكمة العلية ، لأن العلو صفة الأحدية والتكثير وهي ما يتكثر بالجمعية الأسمائية لم تكن مصدرا للعالم ولا للإنسان ، فلا بد لتكثير صفة الأحدية الذي هو الاقتدار المحض من القبول ، كما ذكر من تكثر الأحدية بالنسب الأسمائية بسبب
أعيان العالم التي لها القابلية المحضة ، وقد وصف الله تعالى إسماعيل في كلامه بالصفتين الدالتين على كماله بهما ، أي العلو وكونه مرضيا ، فإن الرضاء عنه قابليته بصفة الاقتدار المستلزم للعلو .
""إضفة بالي زادة : أرسل الله إسماعيل إلى قبائل اليمن والعماليق ، ثم مات بمكة وعمره مائة وسبع وثلاثون سنة ، ودفن عند أمه هاجر بعد وفاة أبيه إبراهيم بثمان وأربعين سنة ، وكان له اثنا عشر لذا أه""
ولما كان ممد هذا الفص هاتين الصفتين ، بنى الكلام على بيان مسمى الله الواحد بالذات المتكثر بالأسماء فقال : ( اعلم أن مسمى الله أحدىّ بالذات كلّ بالأسماء ) أي أنه تعالى من حيث ذاته أحد لا كثرة فيه باعتبار ما ، لكن له باعتبار الألوهية المقتضية للمألوه نسب كثيرة غير متناهية ، كنسبة الواحد إلى الأعداد بالنصفية والثلثية وغيرهما مما لا يتناهى فهو واحد بهذه النسب ، كل في الوجود بالأسماء أي النسب والكل فيه واحد فله واحد فله أحدية جميع الجميع بقهر أحديته بالوجود الوحداني كثرة الجميع .
"" إضافة بالي زادة : (كل بالأسماء ) أي كل مجموعى يجمع الأسماء والصفات ، فكان لمسمى الله أحديتان الذاتية والأسمائية ، تسمى الأول بمقام جميع الأسماء ، والثانية بالأحدية الإلهية اهـ بالى زادة . ""
وهو كامل بالذات غنى عن الغير إذ لا غير ( وكل موجود فما له من الله إلا ربه خاصة يستحيل أن يكون له الكل ) أي كل موجود نوعي أو شخصي ، وإن كان تحت المطلقة الربوبية الإلهية ، فله ربوبية خاصة تختص به من الله رب العالمين .
ولله فيه وجه خاص هو ظهوره تعالى بالاسم الذي يربه به والحق من حيث ذلك الوجه ربه ، ولذلك كان كل شيء سواء كونه علويا أو سفليا مختصا بخاصية لا يشارك فيه غيره ، فله رب خاص هو الذات باعتبار الاسم المخصوص بذلك الشيء .
وهو مظهر لذلك الاسم كأنه تمثال له : أي حجابية ذلك الاسم وصورته الظاهرة ، ويستحيل أن يكون الكل من حيث هو كل لكل واحد ، فينحصر جميع ما للربوبية الجمعية الإلهية فيه.
"" إضافة بالي زادة : ( فكل موجود فما له ) أي فما لكل واحد من أفراد الإنسان من مسمى الله باعتبار كونه كلا بالأسماء ( إلا ربه خاصة يستحيل أن يكون له الكل ) لذلك قال عليه الصلاة والسلام « رأيت ربى » ما قال رب العالمين وإن كان روحه مربوبا للكل ، فبوجوده الحسي له رب خاص. أه بالي زادة ""
( وأما الأحدية الإلهية فما لواحد فيها قدم ، لأنه لا يقال لواحد منها شيء ولآخر منها شيء ، لأنها لا تقبل التبعيض ، فأحديته مجموع كله بالقوة ) أي لا يمكن أن يكون لأحد من الموجودات في الأحدية الإلهية الجمعية قدم ، لأنها لا نتجزأ ولا تتبعض فيكون لكل واحد منها شيء فلكل اسم ربوبية خاصة .
"" إضافة بالي زادة : ( وأما الأحدية الإلهية ) الذاتية التي يشير إليه إحدى بالذات ( فما لواحد ) من الأسماء ( فيها قدم ) أي وجود فليس لها الربوبية لأحد فكانت خارجة عن قوله « من عرف نفسه عرف ربه » فلا تعرف بمعرفة النفس بل تعرف بمعرفة النفس ما له لربوبية ، وبعد ذلك تعرف هذه الأحدية الإلهية عن كشف إلهي ، وإنما لم يكن لواحد من الأسماء فيها قدم ( لأنه يقال لواحد منها ) أي من الذات الأحدية ( شيء ولآخر منها شيء ) حتى تعين الأسماء فيها بالوجود المتعين الذي يتميز به كل منها عن الآخر اهـ ( فأحديته مجموع كله بالقوة ) الضمير عائد إلى مسمى الله فمعنا أحدية مسمى الله كون المجموع بالفعل في مسمى الله مجموعا فيه بالقوة فباعتبار جمعية الأسماء في مسمى الله بالقوة يسمى أحديا بالذات ، وجمعيتها فيه بالفعل يسمى كل بالأسماء اه . والمراد من هذا الكلام إظهار عموم معنى السعادة المستورة عن إدراك أهل الحجاب ، لا السعادة النافعة المعتبرة عنه الله اهـ بالى زادة . ""
وجميع الربوبيات المتعينة في جميع المربوبين من جميع الحضرات الإلهية الأسمائية في الأحدية الذاتية بالقوة والإجمال ، وقد تفصلت فيهم وبهم بالفعل كقوله :
كل الجمال غذاء وجهك مجمل
لكنه في العالمين مفصل( والسعيد من كان عنده مرضيا ، وما ثم إلا من هو مرضى عند ربه لأنه الذي تبقى عليه ربوبيته ، فهو عنده مرضى فهو سعيد ) أي السعيد من اتصف بكمال من كمالات ربه ولا يتصف بكمال ما إلا من هو قابل له ، وكل قابل مرضى عند ربه المخصوص به إذ لو لم يرضه لم يربه ، فما في الحضرة الربوبية إلا من هو مرضى عند ربه ، لأنه الذي تبقى عليه ربوبيته ، لأن الربوبية موقوفة على قابلية المربوب لامتناعها بدون المربوب ، والمربوب لا يكون إلا قابلا فكل قابل سعيد .
( ولهذا قال سهل : إن للربوبية سرا ، وهو أنت تخاطب كل عين لو ظهر لبطلت الربوبية ، فأدخل لو وهو حرف امتناع لامتناع وهو ) يعنى ذلك السر ( لا يظهر ، فلا تبطل الربوبية لأنه لا وجود لعين إلا بربه ، والعين موجودة دائما فالربوبية لا تبطل دائما ) سر الربوبية ما يتوقف عليه من المربوبين لأنها من الأمور الإضافية ، والمربوب كل عين والعين باقية على حالها في غيب الله أبدا ، فلا يظهر ذلك السر أبدا فلا تبطل الربوبية ، فمعنى قوله والعين موجودة دائما في الغيب .
"" إضافة بالي زادة : ( ولهذا ) أي ولأجل بقاء الربوبية على العبد ( قال سهل ) وسر الشيء روحانية وسبب بقائه.
( والعين موجود دائما ) بحسب النشأة بدوام وجود علته ( فالربوبية موجودة دائما ) بدوام وجود علتها فهي العين فالرب سبب لوجود العين ، والعين سبب لوجود ربوبية ربه ، فإذا بقيت ربوبية الرب بوجود عبده كان العبد مرضيا عنده اهـ بالى زادة .""
( وكل مرضى محبوب ، وكل ما يفعل المحبوب محبوب فكله مرضى لأنه لا فعل للعين بل الفعل لربها فيها ، فاطمأنت العين أن يضاف إليها فعل ، فكانت راضية بما يظاهر فيها وعنها من أفعال ربها مرضية تلك الأفعال ، لأن كل فاعل وصانع راض عن فعله وصنعته ، فإنه وفي فعله وصنعته حق ما هي عليه – " أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَه ثُمَّ هَدى "- أي بين أنه أعطى كل شيء خلقه ) مطلوب الرب من المربوب أن يكون مظهرا له يظهر فيه أفعاله وآثاره على وفق إرادته ، والمربوب مطيع له فيما أراد بقابليته مظهر لربوبيته ، وهو مرضى عنه بإظهاره له الربوبية وإبقائها عليه ، ولا فعل له إلا قابليته وتحصيل مراده فكل مرضى محبوب ذاته وصفته وفعله ، إذ ليس إليه إلا تمكين الرب من فعله وهو عين مراده .
والفعل إنما كان للرب ، فقامت عين المربوب مطواعة بما أراد منها من إظهاره وإظهار صفاته وأفعاله ، راضية بما أراد منها مرضية وكل فاعل راض بفعله محب له فإنه أتى به على وفق إرادته ولم ير من المربوب إلا مساعدته في ذلك وفي حق صنعته.
فكل من العبد وربه راض مرضى ، أعطى الرب المطلق خلق كل شيء بربوبيته التي تخص ذلك الشيء ،على وفق إرادة الرب الخاص به ، أعنى به الاسم الذي يربه به وطاعته المربوب ، فوفى حقه بمقتضى عينه " ثُمَّ هَدى ".
أي بين للمربوب بفعل ربه فيه أنه الذي فعل فيه وظهر عليه بهذا الفعل والخلق الذي سأله بلسان عينه ( فلا يقبل النقص ) ولا الزيادة لتطابق إرادة الرب وسؤال المربوب ، وهما مقتضى المشيئة الذاتية ( فكان إسماعيل عليه السلام بعثوره على ما ذكرناه عند ربه مرضيا ، وكذا كل موجود عند ربه مرضى ) على ما ذكرناه من أن ربه ما أراد منه إلا ما ظهر عليه ، وأن عينه لقابليتها ما طلبت من الرب إلا ما أظهره عليها من صفاته وأفعاله ، ولهذا لما سئل جنيد قدس سره : ما مراد الحق من الخلق ؟
قال : ما هم عليه .
(ولا يلزم إذا كان كل موجود عند ربه مرضيا على ما بيناه أن يكون مرضيا عند رب عبد آخر ، لأنه ما أخذ الربوبية إلا من كل لا من واحد ، فما تعين له من الكل إلا ما يناسبه فهو ربه ) أي كل واحد من الأعيان أخذت من الربوبية المطلقة أي من الربوبية بجميع الأسماء ما يناسبها ويليق بها من ربوبية مختصة ، أي باسم خاص بها لا من واحد : أي ما أخذ الجميع من واحد معين حتى يلزم أنه إذا كان كل واحد مرضيا عند ربه كان مرضيا عند رب عبد آخر لأن الرب المطلق هو رب الأرباب ولكل رب خاص .
"" إضافة بالي زادة : فتفرد إسماعيل عليه السلام بهذه المرضية عن غيره ، لورود النص في حقه دون غيره ، لأن هذا العلم مودوع في روحه عليه الصلاة والسلام ، ويأخذ كل من علم هذا العلم من روحه ، وكذا أي كإسمعيل مرضى إلخ فإن عبد المضل ليس مرضيا عند الهادي وبالعكس لعدم ظهور ربوبية كل منهما في عبد الآخر ، فلا تكون الأشقياء مرضيين عند رب السعداء حتى يدخلوا دار السعداء معهم ، وإنما كان كذلك ( لأنه ما أخذ الربوبية إلا من كل ) بالأسماء ( لا من واحد ) أي لا من أحدى بالذات اهـ بالي زادة. ""
( ولا يأخذه أحد من حيث أحديته ، ولهذا منع أهل الله التجلي في الأحدية ) لأن الأحدية الذاتية هي بعينها كل بالأسماء فلا يسعها إلا الكل ، ولا تتجلى بذاتها إلا لذاته ( فإنك إن نظرته به فهو الناظر نفسه ، فما زال ناظرا نفسه بنفسه ، وإن نظرته بك فزالت الأحدية بك ، وإن نظرته به وبك فزالت الأحدية أيضا .)
لأن ضمير التاء في نظرته ما هو عين المنظور فيه ، فلا بد من وجود نسبة ما اقتضت أمرين ناظرا ومنظورا فزالت الأحدية وإن كان لم ير إلا نفسه بنفسه ومعلوم أنه في هذا الوقف ناظر ومنظور ، فالمرضى لا يصح أن يكون مرضيا مطلقا إلا إذا كان جميع ما يظهر به من فعل الراضي فيه ) هذا دليل على أن التجلي يقتضي الكثرة لاقتضائه وجود المتجلى والمتجلى له لكونه أمرا نسبيا .
"" إضافة بالي زادة : ( فإنك إن نظرته به ) أي نظرت الحق بالحق ، وهو النظر مع انتفاء التعين اهـ .
وأما إذا لم يظهر جميع أفعال الراضي في المرضى ، بل بعضه يظهر فيه وبعضه .
لم يظهر لظهوره في عبد رب آخر لم يكن المرضى مرضيا عند عدم ظهور ذلك البعض فلم يكن مرضيا مطلقا عند ربه ، فقد ثبت بالنص والكشف أنه عليه الصلاة والسلام مرضى مطلقا لظهور جميع فعل الراضي فيه ، فلما استوى كل موجود مع إسماعيل في كونه مرضيا عند ربه ، أراد أن يبين جهة امتيازه بقوله ففضل إسماعيل اهـ بالي زادة. ""
فكل واحد مرضى عند ربه الخاص لا مطلقا إلا الإنسان الكامل الذي له جميع صفات الراضي المطلق وأفعاله التي يظهر بها الرب المطلق فيكون الحق ناظرا ومنظورا في هذا الوصف راضيا مرضيا لا غير ، فيكون بهذا الإنسانهو الرب المطلق ، كقول الكامل " رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَه " – " رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ والأَرْضِ " .
( ففضل إسماعيل غيره من الأعيان بما نعته الحق به من كونه عند ربه مرضيا )، وكذلك كل نفس مطمئنة ، قيل له " ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ " - فما أمرها أن ترجع إلا إلى ربها الذي دعاها فعرفته من الكل " راضِيَةً مَرْضِيَّةً " ، " فَادْخُلِي في عِبادِي " - من حيث ما لهم هذا المقام ، فالعباد المذكورون هنا كل عبد عرف ربه تعالى واقتصر عليه ولم ينظر إلى رب غيره مع أحدية العين لا بد من ذلك ) ظاهر .
"" إضافة بالي زادة : ( ولم ينظر إلى رب غيره ) كما لم ينظر ربه إلى عبد رب آخر ، فإن النظر إلى رب غيره من الجهل بربه ( مع أحدية العين ) أي مع أن ربه عين رب غيره في مقام أحدية الذات ، ومع ذلك ( لا بد من ذلك ) أي من عدم النظر إلى رب الغير ، فإن الأمر في نفسه على ذلك اهـ بالي زادة . ""
فإن الاطمئنان لا يكون إلا إذا أطاعت النفس ربها في جميع أوامره ونواهيه التي دعاها إليها فأجابته بها ، فتكون راضية مرضية عند ربها فتدخل في عباده من حيث أن لهم مقام الرضا ، فلم تنظر إلى رب غيرها من النفوس مع أحدية رب الكل بحسب الذات ، فإن عين جميع الأسماء ليست إلا ذاتا واحدة : " وادْخُلِي جَنَّتِي " - التي هي سترى ، (وليست جنتي سواك فأنت تسترني بذاتك ) الجنة : المردة من الجن وهو الستر .
ولما كان العبد مظهرا لربه كان سترا له بكونه ، وكان ملائما ربه في مظهريته له وكون أفعاله أفعاله ، فيحبه ويحب أفعاله وهو جنة ربه ( فلا أعرف إلا بك ، كما أنك لا تكون إلا بي ) فكما لا يوجد العبد إلا بربه لأنه موجود بوجوده ، فكذلك لا يعرف الرب إلا بالعبد لأنه مظهره ومظهره كما قال تعالى :" سَنُرِيهِمْ آياتِنا في الآفاقِ وفي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّه الْحَقُّ " .
وقال عليه الصلاة والسلام « من عرف نفسه فقد عرف ربه » ( فمن عرفك عرفني وأنا لا أعرف فأنت لا تعرف ) وقد ثبت أن الله لا يعرف بالحقيقة ، إذ لا يعرفه إلا هو ، فعبده الأكمل الذي هو مظهر الحق الأعظم لا يعرفه فكيف غيره.
"" إضافة بالي زادة : فتوقفت معرفة كل منهما إلى الآخر ، الأول مشاهدة المؤثر من الأثر والثاني مشاهدة الأثر من المؤثر ، وهو أتم من الأول معرفة ، ومعناه : لا يعرفني عبد إلا أنت ولا يعرفك رب إلا أنا ، ويجوز أن يكون معناه ( وأنا لا أعرف ) على البناء المعلوم إلا أنت ( فأنت لا تعرف ) إلا أنا إذ كل رب لا يعرف إلا ما كان مظهرا لربوبيته ، كما أن كل عبد لا يعرف إلا ربه الخاص ، وقد انحصر الأمر من الطرفين اهـ . بالي زادة ""
( فإذا دخلت جنة دخلت نفسك فتعرف نفسك معرفة أخرى غير المعرفة التي عرفتها حين عرفت ربك بمعرفتك إياها ) .
أي إذا أمرك بدخول جنته برضاه عنك دخلت نفسك فعرفتها معرفة غير المعرفة الأولى ، لأن المعرفة التي عرفته بها من معرفتك نفسك أفادتك معرفة أن النقائص والمذامّ من نفسك ، والكمالات والمحامد من ربك ، فجعلت نفسك جنة وسترا من إضافة النقائص والمذام إليه.
وجعلت ربك جنة وسترا لك من إضافة الكمالات والمحامد إلى نفسك وهذه المعرفة هي معرفة نفسك من ربك ، فعرفت بها أنك مظهره ومستواه وعرشه ومجلاه ولا فعل فيك وبك إلا له ، فتضيف في هذه المعرفة الشهودية جميع الكمالات التي أضفتها إلى ربك في تلك المعرفة الغيبية إلى نفسك من حيث أنها أفعال الله فيك وبك .
وكذا المظهريات ، ولا تضيف إلى المظهر فعلا ( فتكون صاحب معرفتين
(معرفة به من حيث أنت ) أي من حيث نفسك وأحكام الإمكان التي تلزمه وهي المعرفة الأولى الاستدلالية .
( ومعرفة به بك من حيث هو لا من حيث أنت ) أي ومعرفتك بذاتك بسببه من حيث هو ، وأحكام الوجوب التي هي له وهي المعرفة الثانية .
فالباء في به في المعرفة الأولى صلة المعرفة أي معرفتك به من حيث أنت غيره وفي المعرفة الثانية ليست الباء في به صلة لها بل في بك وفي به باء السببية .
"" إضافة بالي زادة : (صاحب معرفتين معرفة به ) أي بالحق بك ( من حيث ) أنك ( أنت ، ومعرفة به بك من حيث ) أنك ( هو لا من حيث ) أنك ( أنت ) ولم تكن هاتين المعرفتين إلا لمن دخل جنة ربه الخاص اهـ بالى زادة . ""
أي معرفتك نفسك بسبب معرفتك ربك من حيث هو لا من حيث أنت أو الاستعانة كما في قولك : كتب بالقلم وفي الحقيقة هذه الثانية معرفته إياه بنفسه في صورتك فلا لك معرفة إذ الفعل له ، فيجوز أن تكون الباء الثانية أيضا صلة المعرفة وبك بدل من الضمير بتكرير العامل .
كقوله تعالى : "لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ " فتكون معرفتك بك معرفة به من حيث هو فيرجع المعنى إلى الوجه الأول في التحقيق .
"" إضافة بالي زادة : ( فأنت عبد ) من حيث التعين ( وأنت رب ) من حيث الهوية ( لمن له فيه أنت عبد ) أي الذي أنت في حقه عبد ، فالعبد رب لربه الخاص لا لغيره كما أنه عبد له لا لغيره ، فتعلق ربوبية العبد لمن تعلق عبوديته ، ومعنى ربوبية العبد ربه بقبول أحكامه وإظهار كمالاته فيه ، وهذه مجازات بين العبد وربه الخاص ، وأما بين العبد ورب الأرباب ، وهو قوله : وأنت رب أهـ بالي زادة . ""
ويشهد به قوله :( فأنت عبد وأنت رب لمن له فيه أنت عبد ) أنت عبد ، باعتبار المعرفة الأولى لظهور سلطانه عليك ، ومعرفته له بصفاته الفعلية من انفعالات نفسك ، كمعرفة غضبه ورضاه من خوفك ورجائك ، وأنت رب باعتبار المعرفة الثانية مطلقا للرب الخاص الذي أنت فيه عبد له ، لظهور سلطانك به عليه من حيث إجابته لسؤالك .
وعلى من دونك من الأرباب المعينة والعبيد :(وأنت رب وأنت عبد لمن له في الخطاب عهد) وأنت رب لما ذكر باعتبار الفناء فيه والبقاء به بالمعرفة الثانية ، وأنت عبد لمن خاطبك بخطاب " أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ " .
"" إضافة بالي زادة : ( وأنت رب وأنت عبد لمن له في الخطاب عهد )وهو خطاب " أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ " والعهد قول المخاطبين بل فإن هذا الخطاب عن مقام الجمع ، فكان الكل عبيدا للكل بسبب ربهم الخاص بهم ، فكان الخطاب عاما والعهد عاما ، فيتنوع العهد الكلى بحسب القوابل إلى المعهود ، وهو العهد الجزئي الذي بين العبد وربه الخاص ، وأما بينه وبين الرب المطلق وهو عهد كلى ، فإذن يتنوع العهد .أهـ بالي زادة ""
"" إضافة بالي زادة : ( فكل عقد ) أي فكل واحد من العبد ( عليه شخص ) من المخاطبين ( يحله ) أي العقد ( من سواه عقد ) أي من له عقد سوى ذلك العقد ، فإن من له العهد بينه وبين الاسم الهادي يحل العقد الذي بين الاسم المضل وبين عبيده ، فكان كل واحد من العبيد يحفظ عقده ويحل عقد غيره ( فرضى الله ) أي كل بالأسماء ( عن عبيده ) فهم مرضيون ، لأن عبيد الأرباب عبيده ، ومرضى الأرباب مرضيه ( ورضوا عنه فهو مرضى ) فكان الأمر الذي بين العبد وربه الخاص بعينه .
ثابتا بينه وبين الرب المطلق ، فكل عبد مرضى عند الله بالأمر الإرادى ، وأما بالأمر التكليفي ، فبعضهم مرضى وبعضهم ليس بمرضى ، فالنجاة من النار جمع الأمرين في الرضا ، ولا ينفع الرضا بالأمرين الإرادى مجردا عن الرضا بالأمر التكليفي ( فقابلت الحضرتان ) هذا ارتفع الأضداد والأمثال بظهور وحدة الوجود فلم يبين إلا الحق اهـ بالي زادة ""
فقلت بلى :
( فكل عقد عليه شخص يحله من سواه عقد ) أي فكل ما يعتقده شخص يحله اعتقاد شخص آخر ، فإن عبد اللطيف على عقد يحله عبد القهار ، وعبد الظاهر على اعتقاد يحله عبد الباطن ، وهكذا كل واحد ( فرضى الله عن عبيده ) لأنه بكل اسم من أسمائه رب لعبد رضي الله عنه ربه ، ورضى هو عن ربه ( فهم مرضيون ورضوا عنه ) كلهم ( فهو مرضى ، فتقابلت الحضرتان تقابلى الأمثال والأمثال أضداد لأن المثلين حقيقة لا يجتمعان إذ لا يتميزان ) أي تقابلت حضرات الأرباب وحضرات العبيد تقابل الأمثال ، لأن كل واحدة منهما راضية مرضية بالنسبة إلى الأخرى ، والأمثال من حيث هي ممتنع اجتماعهما أضداد ، لأن المثلين لا يجتمعان قط إذ لو اجتمعا لم يتميز ( وما ثم إلا متميز فما ثم مثل فما في الوجود مثل فما في الوجود ضد ) أي وما في الحضرة الإلهية إلا متميز به مع كون الجميع في الوجود الذي هو حقيقة واحدة فلا مثلية في الوجود فلا ضدية ، إذ لو كانت لكانت ضدية المثل ، إذ لا تضاد في الحقيقة الواحدة .
( فإن الوجود حقيقة واحدة والشيء لا يضاد نفسه ) فتلك الحقيقة تعينت في مراتب متميزة عقلا ، فالمظهر عين الظاهر وبالعكس ، لأن التعينات صفاتها وشئونها والعين واحدة :
( فلم يبق إلا الحق لم يبق كائن ... فما ثم موصول وما ثم باين
بذا جاء برهان العيان فما أرى ..... بعيني إلا عينه إذ أعاين
ذلك " خَشِيَ رَبَّه " - أن يكون لعلمه بالتمييز ) أي ذلك الرضا من الجانبين ، لمن خشي أن يكون الرب لعلمه بامتياز مرتبة العبد عن مرتبة الرب ، فوقف على مرتبة عبد أنيته مرضيا عند ربه راضيا بربوبيته لرضا ربه بعبوديته قضاء الحق التمييز مع كون الحقيقة واحدة .
لم ( دلنا على ذلك ) أي على التمييز ( جهل أعيان في الوجود بما أتى به عالم) ، فقد وقع التمييز بين العبيد ) أي بين العارف وبين غير العارف ( وقد وقع التمييز بين الأرباب ) لأن العبد لا يظهر إلا ما أعطاه الرب ، والرب ما يعطى إلا ما سأله العبد بلسان استعداد عينه ( ولو لم يقع التمييز ) أي بين الأرباب .
"" إضافة بالي زادة : ( ذلك ) أي (" رَضِيَ الله عَنْهُمْ ورَضُوا عَنْه " ، فهو "لِمَنْ خَشِيَ رَبَّه " أن يكون ) هو ، وقوله ( في الوجود ) وكذا قوله ( بما أتى به عالم ) يتعلق بجهل ، والمراد بما أتى به عالم ما ذكره من وحدة الوجود في الأبيات ، فعالم باللَّه يثبت التميز في مقام وعدمه في مقام ، وأما غير العالم فلا يثبت إلا التميز ، فدلنا على التميز عدم علمهم لعدم التمييز (فقد وقع التميز بين العبيد) ضرورة وجوب وجود العلة عند وجود المعلول ، لأن التميز بين العبيد أثر حاصل من التميز بين الأرباب . ولما كان في الدليل نوع جفاء أورد عليه قوله ولو لم يقع التميز اهـ بالي زادة ""
( يفسر الاسم الواحد الإلهي من جميع وجوهه بما يفسر الآخر ) أي به ، فحذف للعلم به (والمعز لا يفسر بتفسير المذل إلى مثل ذلك ) من عدم تفسير كل اسم بتفسير مقابله كالنافع والضار والجليل والجميل .
ونحو ذلك ( لكنه هو من وجه الأحدية كما نقول في كل اسم إنه دليل على الذات وعلى حقيقته من حيث هو ، فالمسمى واحد ، فالمعز هو المذل من حيث المسمى ليس المذل من حيث نفسه وحقيقته ، فإن المفهوم يختلف في الفهم في كل واحد منهما ) ظاهر ، ومعلوم مما مر .
( فلا تنظر إلى الحق .... وتعريه عن الخلق )
أي الحقيقة تستلزم الخلقية استلزام الرب للمربوب والخالق للخلوق والإله للمألوه لما بينهما من التضايف ، فلا يلاحظ أحدهما بدون الآخر .
( ولا تنظر إلى الخلق .... وتكسوه سوى الحق )
وكذا عكسه لأن الاستلزام في التضايف من الجانبين ، ولأن الخلق إذا نظرته من غير خلقه الحق بقي على عدمه الأصلي . لأنه لم يوجد إلا بوجوده :
( ونزهه وشبهه ... وقم في مقعد الصدق )
ونزهه عن أن يكون متعينا بتعين فيشبه متعينا آخر فيلزم الشرك ، وشبهه بالخلق من حيث الحقيقة فيكون عين كل متعين إذ لا موجود سواه فهو هو ، أي فاجمع بين التنزيه والتشبيه بنفي ما سواه مطلقا ، فتقوم في مقعد الصدق ، في مقام التوحيد الذاتي ، والجمع بين المطلق والمقيد .
"" إضافة بالي زادة : ولما بين في الأسماء جهة الاتحاد وجهة الاختلاف ، أراد أن يبين هذا المعنى بين الحق والخلق فقال :( فلا تنظر إلى الحق وتعريه عن الخلق ) أي مع قعرى الحق من الخلق ، بل اجعله معرى مستغنيا من حيث الذات عن الخلق ، واجعله متعلقا من حيث الصفات إلى الأكوان :( ولا تنظر إلى الخلق تكسوه سوى الحق )من كل الوجوه بل تكسوه بالغيرية في مقام الكثرة وتكسوه بالحق في مقام الجمع ، وهو مقام تحققه بصفات الحق .
( ونزهه وشبهه ) أي نزه الحق في مقام التنزيه وهو مقام استغناء ذاته عن العالمين ، وشبهه في مقام الصفات باثباتك بالصفات الكاملة كالحياة والعلم وغير ذلك ( وقم في مقعد الصدق ) يعنى إذا علمت ذوقا ما ذكرنا لك وعلمت به فقد أقمت في مقام الكاملين وهو مقام الجمع بين الكمالين التنزيه والتشبيه ، فإذا كنت كذلك فلا يبالي لك بعد ذلك اهـ بالى زادة . ""
( وكن في الجمع إن شئت .... وإن شئت ففي الفرق)
وكن في الجمع ، فانظر إلى الحق بدون الخلق ، فإن الوجود ليس الإله بل هو هو ، وان شئت لاحظت الخلق بالحق ، بتعدد الواحد بالذات الكثير بالأسماء والتعينات ، فكنت في فرق باعتبار التعينات الخلقية واندراج هوية الحق في هذية الخلقية :( تحز بالكل إن كل
تبدى قصب السبق )تحز جواب الشرط : أي إن كنت في الجمع وفي الفرق بعد الجمع بحسب المشيئة تجز قصب السبق بالكل منها ، إن كل منها تبدى لك بحيث لا تحتجب بأحدهما عن الآخر ، فتشهد الحق خلقا والخلق حقا والخلق خلقا ، فلا يحجبك أحد الشهودين عن الآخر ولم يفتك شهود. لأن الكل ليس إلا هو ولا يختلف إلا بالاعتبار :
( فلا تفنى ولا تبقى ... ولا تفنى ولا تبقى )
فلا تفنى عند كونك حقا عن الخلقية ولا تبقى حقا بلا خلق ، فإن الحقيقة واحدة ، فلك أن تكون حقا بلا خلق أو خلقا بلا حق أو حقا وخلقا معا ، ولا تفتي الخلق عند تجلى الحق فإنه فان حقيقة في الأزل ، فكيف تفنيه ولا تبقى الحق فإنه باق لم يزل ، ولك أن تثبتهما واحدا في وجود واحد لا معا :
( ولا يلقى عليك الوحي ... في غير ولا تلقى )
وإذا كان الوجود واحدا لا غير ، فإن كنت عبدا يلقى عليك الوحي منك فيك لا من غيرك ولا في غيرك ، وإن كنت ربا فلا تلقى .
"" إضافة بالي زادة : ( وكن في الجمع إن شئت ... وإن شئت ففي الفرق )
لأنك حينئذ نلت درجة المحققين ، فلا يضرك في أي مقام كنت من الفرق والجمع ، فإذا تحققت بما قلناه لك ( تخر ) أي تقابل وتساو ( بالكل ) أي بكل الناس في هذا الكمال ( إن كل تبدى ) أي إن قصد كل من الناس ( قصب السبق ) فلا يسبق عليك شيء منهم وأنت لا تسبق عليهم ، لأنه ليس وراء هذا المقام مقام آخر ( فلا تفنى ) من حيث حقيقتك من فنى يفنى ( ولا تبقى ) من حيث خلقيتك وتعينك لتبدل أحكام الخلقية عليك ( ولا تفنى ) الأشياء من جهة الحقية من أفنى يفنى ( ولا تبقى ) من حيث التعينات ( ولا يلقى ) مجهول ( عليك الوحي في غير ) أي لا يلقى الله الوحي عليك في حق غير بل يلقيه على نفسه ، فإنك هو من حيث هويتك وحقيقتك ، وأنت مرتبة من مراتب تفصيله ، هذا إذا كان الحق باطنا والعبد ظاهرا ( ولا تلقى ) الوحي في حق غيرك بل تلقيه على نفسك ، فإن الحق أنت من حيث الحقيقة ، هذا إذا كان الحق ظاهرا والعبد باطنا ، والوحي من جانب الحق كونه سببا لوجود العبد ولكل ما يحتاج العبد إليه ، والوحي من طرف العبد كونه سببا لظهور كمالات الحق وأحكامه . أهـ بالي زادة ""
( الثناء بصدق الوعد لا بصدق الوعيد ، والحضرة الإلهية تطلب الثناء المحمود بالذات) لما كان الكمال المطلق للحضرة الإلهية الموصوفة بالجلال والعظمة والجمال والألوهية ذاتيا ، والثناء إنما يكون بذكر تلك النعوت فهي طالبة للثناء والحمد بالذات ، وللثناء لا يتوجه بصدق الوعيد أصلا بل بصدق الوعد ، لزم أن يكون صادق الوعد ( فيثنى عليها بصدق الوعد لا بصدق الوعيد بل بالتجاوز – " فَلا تَحْسَبَنَّ الله مُخْلِفَ وَعْدِه رُسُلَه " .
لم يقل ووعيده ، بل قال " ونَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ " فوعد التجاوز (مع أنه توعد على ذلك ، فأثنى على إسماعيل بأنه صادق الوعد) ، وقد زال الإمكان في حق الحق ( يعنى لما أثنى الله تعالى على إسماعيل بصدق الوعد توجه الثناء والحضرة الإلهية طالبة للثناء ، فلزم أن يكون الله صادق الوعد على سبيل الوجوب لا الإمكان ( لما فيه من طلب المرجح ) أي لما في الإمكان من طلب المرجح ، ولا يتوقف صفة ما من صفات الله على شيء فتحقق وجوب صدق وعده ، وقد وعد التجاوز لكونه من جملة وعده.
"" إضافة بالي زادة : ولما بين أسرار الرضا شرع في بيان أسرار الثناء فإنهما مودع في كلمة إسماعيل . قوله ( تطلب الثناء ) من كل عبد سعيدا أو شقيا فلا بد من وقوع مطلوب الحق من كل عبد ، فلا بد من صدق الوعد والنجا وزمن الحق في حق كل عبد على حسب ما يليق بذواتهم حتى يحصل له الثناء المحمود من كل عبد على حسب مراتبهم اه
( فيثنى عليها بصدق الوعد ) أي لما طلب الذات الإلهية بذاته الثناء المحمود لا يثنى عليها إلا بصدق وعده وهو ( بالتجاوز ) عن سيئاتهم يدل على ذلك قوله تعالى - فَلا تَحْسَبَنَّ الله " اهـ بالي زادة . ( ولم يقل ووعيده ) لعدم الثناء المحمود بذلك مع أنه اهـ بالى .زادة
( مع أنه توعد ذلك ) أي على الشيء ، فدلت هذه الآية على أن الله يطلب بذاته من عباده الثناء المحمود ، وأن ذلك لا يحصل إلا بصدق وعده عباده وبالتجاوز عن سيئاتهم ، فعم التجاوز للخالدين في النار أبدا بحصول النعيم الممتزج بالعذاب لهم فيثنون على الله بذلك ، فعم الثناء المطلوب ( فأثنى على إسماعيل ) فالثناء المحمود سواء كان من العبد على الحق أو من الحق إلى العبد لا يكون إلا بصدق الوعد ( وقد زال الإمكان ) أي زال بدلالة النص إمكان وقوع الوعيد على الأبد ( في حق الحق لما فيه ) أي في وقوع الإمكان ( من طلب مرجح ) وطلب المرجح لوقوع الوعيد هو الذنب ، وذلك يرتفع بوعده تعالى بالتجاوز ، فإن وعده واجب الوقوع في كل فزال وقوع الوعيد وقت وقوع التجاوز ، والتجاوز في حق الكفار حصول الرحمة الممتزجة بألم النار بحيث لا ينقص عن الألم الأول ، فإذا زال صدق الوعيد. أهـ بالي زادة ""
(فلم يبق إلا صادق الوعد وحده ... و ما لوعيد الحق عين تعاين)
( فلم يبق إلا صادق الوعد وحده ) أي لا صادق الوعيد لوجوب صدق وعده بالتجاوز ، وعدم تنفيذ الوعيد لقوله – " وما نُرْسِلُ بِالآياتِ " - أي آيات الوعيد " إِلَّا تَخْوِيفاً " .
ولعلهم يتقون ولأن الثناء لا يتوجه بالوعيد والحضرة الإلهية طالبة للثناء كما ذكر ، فثبت أن الإيعاد إنما يكون للتخويف لإيقاع الوعيد الزائل إمكان تحقيقه بتحقق تحقيق الوعد بالتجاوز والمنافاة ، وتحقيق الوعد للثناء
و إن دخلوا دار الشقاء فإنهم ... على لذة فيها نعيم مباين
نعيم جنان الخلد فالأمر واحد ... و بينهما عند التجلي تباين
يسمى عذابا من عذوبة طعمه ... و ذاك له كالقشر و القشر صاين
( مع أنه توعد ذلك ) أي على الشيء ، فدلت هذه الآية على أن الله يطلب بذاته من عباده الثناء المحمود ، وأن ذلك لا يحصل إلا بصدق وعده عباده وبالتجاوز عن سيئاتهم ، فعم التجاوز للخالدين في النار أبدا بحصول النعيم الممتزج بالعذاب لهم فيثنون على الله بذلك ، فعم الثناء المطلوب ( فأثنى على إسماعيل ) فالثناء المحمود سواء كان من العبد على الحق أو من الحق إلى العبد لا يكون إلا بصدق الوعد ( وقد زال الإمكان ) أي زال بدلالة النص إمكان وقوع الوعيد على الأبد ( في حق الحق لما فيه ) أي في وقوع الإمكان ( من طلب مرجح ) وطلب المرجح لوقوع الوعيد هو الذنب ، وذلك يرتفع بوعده تعالى بالتجاوز ، فإن وعده واجب الوقوع في كل فزال وقوع الوعيد وقت وقوع التجاوز ، والتجاوز في حق الكفار حصول الرحمة الممتزجة بألم النار بحيث لا ينقص عن الألم الأول ، فإذا زال صدق الوعيد .
( فلم يبق إلا صادق الوعد وحده عين تعاين ) على البناء للمفعول أي شخص تعاين العذاب الخالص عن الرحمة على الأبد ( نعيم مباين ) خبر مبتدإ محذوف ( نعيم ) منصوب بمباين ( جنان الخلد فالأمر ) أي نعيم جنان الخلد ونعيم دار الشقاء واحد ( وبينهما ) بين النعيمين ( عند التجلي ) عند الظهور ( تباين ) لأن نعيم الجنان رحمة خالصة عن العذاب ، ونعيم دار الشقاء رحمة ممتزجة لا تخلو عن العذاب أصلا ، فكانا عند التحقيق واحدا داخلا في حد النعمة ومتباينان عند التجلي ( يسمى ) نعيم دار الشقاء ( عذابا من عذوبة طعمه ) لأهله ، يعنى كما أن العذاب الاصطلاحي متحقق في الكفار في دار جهنم كذلك العذاب اللغوي وهو اللذة ، فكانوا جامعين بينهم ( وذاك ) أي عذابهم .
"" إضافة بالي زادة : الوعد والنجا وزمن الحق في حق كل عبد على حسب ما يليق بذواتهم حتى يحصل له الثناء المحمود من كل عبد على حسب مراتبهم. اه
( فيثنى عليها بصدق الوعد ) أي لما طلب الذات الإلهية بذاته الثناء المحمود لا يثنى عليها إلا بصدق وعده وهو ( بالتجاوز ) عن سيئاتهم يدل على ذلك قوله تعالى - فَلا تَحْسَبَنَّ الله " اهـ بالي زادة . ( ولم يقل ووعيده ) لعدم الثناء المحمود بذلك مع أنه .اهـ بالى زادة ""
( له ) أي لنعيمهم ( كالقشر والقشر صاين ) أي حافظ اليه ، فلا يزال العذاب صاينا للبه وهو لما تقرر أن المواعيد لا بد من تحققها والإيعاد قد يجاوز عنه ولا يوجد بما أوعد عليه ، قال بعض التراجم فيه :وإني إذا أوعدته أو وعدته
لمخلف إيعادى ومنجز موعدي قال : وإن دخلوا دار الشقاء وهي جهنم لاستحقاق العقاب فلا بد أن يؤول أمرهم إلى الرحمة ، لقوله « سبقت رحمتي غضبى » فينقلب العذاب في العاقبة عذبا ، وذلك أن أهل النار إذا دخلوها وتسلط عليهم العذاب بظواهرهم وبواطنهم هلكهم الجزع والاضطرار ،فيكفر بعضهم ببعض ويلعن بعضهم بعضا متخاصمين متقاولين.
كما نطق به كلام الله في مواضع :
وقد "أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها " فطلبوا أن يخفف عنهم العذاب أو أن يقضى عليهم ، كما حكى الله عنهم بقوله ليقض علينا ربك أو أن يرجعوا إلى الدنيا فلم يجابوا إلى طلباتهم .
هل أخبروا بقوله : " لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ ولا هُمْ يُنْظَرُونَ " ؟
وخوطبوا بمثل قوله : " إِنَّكُمْ ماكِثُونَ " ، " اخْسَؤُا فِيها ولا تُكَلِّمُونِ " فلما يئسوا وظنوا أنفسهم على العذاب والمكث على ممر السنين والأحقاب ، وتغللوا بالأغلال ومالوا إلى الاضطراب. وقالوا : " سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا من مَحِيصٍ " .
فعند ذلك دفع الله العذاب عن بواطنهم وخبت نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة ، ثم إذا تعودوا بالعذاب بعد مضى الأحقاب ألفوه ولم يتعذبوا بشدته بعد طول مدته ولم يتألموا به وإن عظم .
فعند ذلك دفع الله العذاب عن بواطنهم وخبت نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة ، ثم إذا تعودوا بالعذاب بعد مضى الأحقاب ألفوه ولم يتعذبوا بشدته بعد طول مدته ولم يتألموا به وإن عظم .
ثم آل أمرهم إلى أن يتلذذوا به ويستعذبوه حتى لو هب عليهم نسيم من الجنة استكرهوا وتعذبوا به كالجعل وتأذيه برائحة الورد لتألفه بنتن الأرواث ، والتناسب الحادث بين طباعه والقاذورات.
فذلك نعيمهم الذي تباين نعيم أهل الجنان والأمر واحد ، أي أمر الالتذاذ والتنعم بينهم وبين أهل الجنان واحد ، واشمئزازهم عن نعيم الجنان كاشمئزاز أهل الجنة عن عذاب النيران ، وبينهما أي بين نعيم أهل الجنة ونعيم أهل النار عند تجلى الحق في صورة الرحمن بون بعيد .
ولهذا ورد في الحديث « سينبت في قعر جهنم الجرجير ولا ينبت الورد والفرفير » .
فإن نعيم أهل النار من رحمة أرحم الراحمين لحدوثه بعد الغضب والعذاب ، ونعيم أهل الجنة من حضرة الرحمن الرحيم ، والامتنان الجسيم ، فإذا آل العذاب إلى نعيم يسمى عذابا من عذوبة طعمه ، فيكون الأمر بينهم نعيمهم ، فلا يزال العذاب الاصطلاحي عنهم أبدا كما هو مذهب أهل السنة ، فإن الشيخ قسم الرحمة إلى رحمة ممتزجة بالعذاب ، وإلى رحمة خالصة من العذاب اهـ.
اعلم أن الشيخ قدس سره قسم الرحمة إلى رحمة ممتزجة بالعذاب ، وإلى رحمة خالصة من العذاب .
ثم قال : ( لا تكون هذه الرحمة في الدار الآخرة إلا لأهل الجنان ثم أثبت النعيم المباين لأهل الشقاء ، فالنعيم هو عين الرحمة عنده وعند سائر أهل الله ، فالنعيم منه نعيم خالص مختص بأهل الجنان ، ومنه نعيم ممتزج بالعذاب مختص بأهل جهنم ، وبعض الشارحين حمل كلامه على خلاف مراده ).
وقال في شرح هذه المسألة : إن العذاب منقطع مطلقا عن الكفار ، ومن ذلك ظن بعض الناس السوء على الشيخ رضي الله عنه وعلى أهل الله ، وستطلع حقيقة هذا المقام في آخر الفص الهودى إن شاء الله تعالى اهـ.
يعقوب عليه السلام تزوج ليا بنت لايان بن تنويل ابن باخور أخي إبراهيم عليه السلام ، فولدت له روبيل وشمعون ولاوى ويهوذا ، ثم تزوج عليها أختها راحيل وبين أهل الجنة في العذوبة واللذة واحدا .
وذلك أي نعيم أهل النار كنعيم أهل الجنة كالقشر لكثافة ذلك ولطافة هذا ، كالتبن والنخالة للحمار والبقر ، ولباب البر للإنسان والبشر ، والقشر صاين أي حافظ اللب .
فكذا أهل النار محامل يتحملون المشاق لعمارة العالم ، وأهل الجنة مظاهر يتحققون المعارف والحقائق لعمارة الآخرة ، فيحفظونهم عن الشدائد ويفرغونهم لملازمة المعابد .
انتهي الفص الإسماعيلي
.


MhZsYh5HQtg

  السابق

المحتويات

التالي  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!