موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

شرح القاشاني
على فصوص الحكم

تأليف: الشيخ عبد الرزاق الكاشاني

فص حكمة فتوحية في كلمة صالحية

  السابق

المحتويات

التالي  

فص حكمة فتوحية في كلمة صالحية


11 - فص حكمة فتوحية في كلمة صالحية .شرح القاشاني كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي

شرح القاشاني العارف بالله الشيخ عبد الرزاق القاشاني 938 هـ على متن كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر

إنما اختصت الكلمة الصالحية بالحكمة الفتوحية لأن مبادئ الإيجاد هي الأسماء الإلهية الذاتية الأولية ، ثم الثالثية ، ومن الثالثية : الفاتح والفتاح والموجد ونظائرها والأسماء كلها مفاتيح الغيب ، وقد خص الله تعالى صالحا بفتح باب الغيب عن آيته بفتق الجبل عن الناقة ، وهي كخلق آدم من التراب وفتحه على إيمان من آمن به بسبب هذه المعجزة ، واحترامهم لها على وفق ما أمروا به ، وبإهلاك من كفر لهذه النعمة منهم وعقروا الناقة ، فهذه ثلاثة فتوحات وفي بعض النسخ : فاتحية ، أي حكمة منسوبة إلى اسم الله الفاتح .
واعلم أن معجزة كل نبي هي من الاسم الغالب عليه وإن كان له أسماء ، فإن الغالب على كل مركب هو الذي ظهر ذلك المركب بصورته وحكم عليه .
كما يقال : إن القرع بارد رطب ، والثوم حار يابس ، وإن كان في كل منهما الكيفيات الأربع ، فالغالب على صالح عليه السلام الفاتح فلذلك له فتوحات من ذلك الاسم ، واشتملت حكمته على الإيجاد اللازم لفتح أبواب الغير ، وسيره على ذلك الاسم ، وعلمه من خزانة دعوته إليه ، وسيأتي سر الناقة ، وسر تخصيص كل نبي لمركب كعيسى بالحمار ، وموسى بالعصا ، ومحمد عليه الصلاة والسلام بالبراق إن شاء الله .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( من الآيات آيات الركائب ... وذلك لاختلاف في المذاهب )
من آيات الله التي خص بها كل نبي بل كل واحد من بني آدم آيات الركائب وهي المركوبات ، وذلك أن كل عين من الأعيان الإنسانية لها روح هو أول مظهر للاسم الذي يرب الله ذلك الشخص به .
"" إضافة بالي زادة : وهو صالح بن عبيد بن أسف بن ماسح بن عبيد بن ساذر بن ثمود ، وصالح سار بعد هلاك قومه إلى فلسطين ، ثم انتقل إلى الحجاز وعبد الله ، حتى مات وعمره ثمان وخمسون سنة اه.
( من الآيات ) خبر ( آيات الركائب ) مبتدأ ، وإضافة الآيات إلى الركائب إضافة عام إلى خاص ، من وجه الركائب جمع ركيبة ، أي ومن جملة المعجزات الدالة على صدق الأنبياء معجزات الركائب كالبراق لمحمد والناقة لصالح ، فكل آيات ليست بركائب ولا كل الركائب ليست بآيات ، وإن كان المراد بالركائب هنا نفس الآيات وهي البراق والناقة ، لكنه صحت الإضافة من حيث مغايرتهما بحسب المفهوم بالعموم والخصوص من وجه اهـ بالي زاده
( وذلك ) أي كون الركائب من الآيات ( لاختلاف في المذاهب ) أي بأن كان بعضها ذاهبا إلى الحق وبعضها إلى برارى عالم الظلمات ، والركائب قابلة للذهاب إلى كلى منها موصلة للراكب إلى مقصوده من حق أو غيره اهـ بالى زاده .""
ولكل روح في العالم الجسماني صورة جسدانية هي مظهر ذلك الروح ، وله مزاج خاص يناسب حاله في حضرة عينه الثابتة فلا بد لصورة بدنه من ذلك المزاج ، وعند تعلقه بمادة البدن يكون رابطة في تعلق ذلك المزاج ثم إن له في عالم النبات صورة تناسب ذلك المزاج وكذا في عالم الحيوان .
ولا شك أن الحيوان مركب هذا الروح في استكماله ، وهذه الأمور كلها من أحوال عينه الثابتة ونسبة الحق أي الذات الإلهية إليه وهو الاسم الغالب الذي هو رب الشخص وخزانة علمه وحكمته ، وسير هذا الشخص وترقيه إنما يكون لإخراج ما في خزانته من القوة إلى الفعل حتى يكون على كماله الذي خلق له بمركبه المخصوص به .
وذلك السير والترقي هو عبوديته الخاصة به وشريعته إن كان نبيا ، فمن المركب ما هو على صورة الناقة وصفاتها ، فإن النفس الحيوانية لا بد لها من عين أثر هي من أحوال عينها وخواص ربها ، ومنها ما هو على صورة الفرس ، وعلى صورة الأسد ، وعلى صورة
الثعبان ، وفي اطمئنانه في طاعة الروح وأمانته لها عن خواصها الحيوانية كالعصا وكذلك على صورة كل واحد من الحيوانات أو على التركيب كالبراق ، فسيره على طريقة تلك الحيوان بمقتضى حكمة الاسم الذي هو ربه .
وهو معنى قوله : وذلك الاختلاف في المذاهب ، وهذا سر إعجازه بإخراج الناقة من الجبل ، ومنه يعرف أحوال معاد الأشقياء على الصورة المختلفة ، كقوله : يحشر بعض الناس على صورة يخس عندها القردة والخنازير .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فمنهم قائمون بها بحق .... ومنهم قاطعون بها السباسب )
أي من أصحاب الركائب أو أهل المذاهب وكلاهما واحد قائمون بتلك الركائب بحق ، أي بأمر الحق في السير والسلوك إليه وفيه حتى الكمال وبلوغ الغاية ، أي السالكون أو الواصلون أهل الشهود الذين فنوا عن ذواتهم فقاموا بها بالحق عند الشهود والاستقامة ، فكان الحق عين ذواتهم وقوامهم ومراكبهم وصورهم.
"" إضافة بالي زادة : )فمنهم ) أي إذا كانت المذاهب مختلفة من عباد الله ( قائمون به ) أي أقاموا مراكبها وهي صورة النفوس الحيوانية في طريق الحق وطاعته ( بحق ) أي بأمر حق لا بأنفسهم ( ومنهم قاطعون بها السباسب ) أي صحارى عالم الأجسام التي تاهوا فيها ولم يخرجوا عنها اه ( فأما القائمون فأهل عين ) وشهود ، وهم الواصلون حقيقة العلم والمختصون عن ظلمات الجهل ، وهم أهل الكشف واليقين ( وأما القاطعون هم الجنائب ) أي البعداء عن معرفة الحق ، وإن استدلوا بفكرهم النظري من الأثر إلى المؤثر ، لكنهم محجوبون عن حقيقة العلم وهم أهل النظر والاستدلال ، حذف الفاء من فهم لضرورة الشعر اهـ بالى زادة . ""
ومذهبهم الدين الخالص لله في قوله : " أَلا لِلَّه الدِّينُ الْخالِصُ " وسيرهم سير الله ، ومنهم قاطعون بها سر عالم الملكوت في الاستدلال بآيات الآفاق ، أو تدابير عالم الشهادة والملك عالم الحجاب في بوادي الاسم الظاهر :
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فأما القائمون فأهل عين .... وأما القاطعون هم الجنائب )
يعنى أن القائمين هم أهل العيان والشهود يدعون إلى الله على بصيرة ، وفي الجملة الأنبياء والأولياء حال السلوك والوصول ، فإن السالكين الصادقين المشارفين إلى الوصول هم أهل عين باعتبار عشياتهم ، والقاطعون هم الجنائب أي الأمم والأتباع الذين يدعون إلى الحق ، ويستعملون في الجهاد والمصالح الدينية والدنيوية ، المشوشون المحكومون بالطبع ، المحجوبون كالحيوانات إلى ما فيه صلاحهم وصلاح العالم المخلوقون للتبعية والصحيح فهم جنائب ، لكن الشيخ قدس سره راعى جانب المعنى فلم يجيء بالفاء بعد إما تخفيف .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وكل منهم يأتيه منه ... فتوح غيوبه من كل جانب )
أي وكل واحد من الداعين القائمين بالحق ، ومن المدعوين المجنوبين القاطعين ، تأتيه فتوح غيوبه من الله التي هي في غيب الذات وغيب ربه ، أي الاسم الذي هو إلهه ، وهذا العبد عبده وغيب علمه تعالى به وغيب عينه الثابتة ومن فوقه ومن تحت أرجله ، وذلك معنى قوله من كل جانب ، وتلك الفتوح إما ملائمة أو غير ملائمة بمقتضى عينه .
وذلك أن الداعي في الحياة الدنيا وفي الآخرة تأتيه فتوحه بم لاءم ، لأنه في مقام الرضا لا يريد إلا ما يريد الله به ، وإن كان في مقام السلوك شكر على النعماء وصبر على البلاء فيكون ملائما من وجه .
لأن الابتلاء يظهر فضيلته وفي الآخرة يكون مجازاته حسن الثواب وأما المدعو فإن أجاب الداعي بما يلائم وأطاعه وسلك طريقه وسار على سبيله وسيرته فتح له باب المجازاة بم يلائم ، وإن أجابه بما الا يلائم وخالفه بالكفر والعصيان فتح له باب المجازاة بما لا يلائم .
وقد تظهر أمور من الغيب هاهنا لكلا الفريقين ملائمة وغير ملائمة ، لا يعرف بليتها والاطلاع على سر الغيب إنما هو للحق ، وقد يطلع على بعضه من شاء من عباده .
قال الشيخ رضي الله عنه : (اعلم وفقك الله أن الأمر مبنى في نفسه على الفردية ، ولها التثليث فهو من الثلاثة فصاعدا ، فالثلاثة أول الأفراد ) يعنى أن الأمر الإيجادى في نفسه مبنى على الفردية ، والفردية من خواص العدد وما لم يتعدد الواحد الذي هو منشأ العدد ومبدؤه بالتثنية لم تحصل الفردية .
والواحد ليس بعدد إذ ليس فيه كثرة فليس بفرد ول زوج ، لأن الفردية باعتبار الانقسام ولكن لا بمتساويين والواحد غير منقسم ، ولو فسرنا الفردية بعدم الانقسام بمتساويين كان الفرد أعم من العدد ، لأنه يشمل الواحد بهذا المعنى فلم يكن من خواصه .
ولكن الفردية معناها الانفراد عن الغير فلا بد فيها من اعتبار معنى الغير في مفهومها بخلاف الواحد ، إذ لا يتوقف معناه على تصور الغير فلا بد للتعدد من الشفعية ولا بد في الإيجاد من الفردية ، لبقاء معنى التأثير الذي للواحد الأصل فيه أولا وآخر .
"" إضافة بالي زادة : ( مبنى في نفسه على الفردية ) وهي عدم الانقسام بالمتساويين عما من شأنه الانقسام فلا يشمل الواحد .
و بين أن المنقسم إما أن ينقسم بالمتساويين فله الشفعية والتثنية من العدد ، أو لا ينقسم إلى ذلك بل بالمتخالفين في الزيادة والنقصان ، فله الفردية والتثليث ضرورة اشتمال القسم الزائد على الناقص اه جامى .""
وإنما كان التثليث هو الأصل في الإيجاد ، لأن الإيجاد مبنى على العلم ولا بد للعلم من عالم ومعلوم فثبت التثليث الذي للفردية .
فالثلاثة أول الإفراد كما قال : وإنما قلنا إنها مسبوقة بالشفعية لأن الفاعل ما لم يكن له قابل لم يؤثر ، فإن التأثير يقتضي منتسبين : فالعالم هو ذات الفاعل والفاعل ظله من حيث الفاعلية ، والقابل ظل المعلوم والتأثير ظل العلم ، فظهر من هذا الاعتبار التعين الأول.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وعن هذه الحضرة الإلهية وجد العالم ) بعد تعدده بالعلم ، فإن حضرة الذات ما لم يتعدد باعتبار العالمية لم يسم الحضرة الإلهية.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فقال تعالى : " إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناه أَنْ نَقُولَ لَه كُنْ فَيَكُونُ" فهذه ذات ذات إرادة وقول ، فلولا هذه الذات وإرادتها وهي نسبة التوجه بالتخصيص لتكوين أمر ما ، ثم قوله عند ذلك التوجه كن لذلك الشيء ما كان ذلك الشيء ).
لا شك أن الإرادة والقول إنما يكونان بعد العلم ، فإن الشيء الذي تتعلق بوجوده الإرادة يخاطب بالقول هو المعلوم ، فالإرادة والقول من الحضرة الإلهية بعد تعينها بالعلم ، ثم المبادي المقتضية بوجود الشيء من الحضرة الإلهية هي هذه الثلاثة ذات الحق وإرادته ، وقوله : " كُنْ فَيَكُونُ " .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ثم ظهرت الفردية الثلاثية أيضا في ذلك الشيء وبها من جهته صح تكوينه واتصافه بالوجود ، وهي شيئيته وسماعه وامتثاله لأمر مكونه بالإيجاد.
فقابل ثلاثة بثلاثة ، ذاته الثابتة في حال عدمها في موازنة ذات موجدها ، وسماعه في موازنة إرادة موجده ، وقبوله للامتثال لما أمر به من التكوين في موازنة قوله كن فكان هو ، فنسب التكوين إليه ، فلولا أنه في قوته التكوين من نفسه عند هذا ما تكون ، فما أوجد هذا الشيء بعد أن لم يكن عند الأمر بالتكوين إلا نفسه ) .
يعنى أن الفردية الثلاثية التي في الموجد لا بد أن تقابل من جهة القابل بفردية ثلاثية ، وإلا لم تتأثر من المؤثر فإنها نسب والنسبة لا بد لها من الطرفين ليحصل بكل ما في الفاعل من وجوه التأثير أثر في القابل وإلا لم يكن مستعدا لما يراد به منه فلم تقبل التأثير فلم يوجد وهي شيئيته ، أي ذاته الثابتة في العدم في مقابلة ذات موجدها ، وسماعه في مقابلة إرادة موجده ، وقبوله بامتثال أمر موجده بالتكوين في مقابلة قوله كن ، والتكوين في قوله لما أمره بالتكوين بمعنى المبالغة في التكوين لا بمعنى الصيرورة كالتقتيل للمبالغة .
في القتل بدليل قوله ما تكون فلم يكن من جهة الموجد إلا الأمر بالتكوين ، وأما التكون الذي هو امتثال الأمر فلم يكن إلا من نفس ذلك الشيء ، لأنه كان في قوته أي كان فيه بالقوة كامنا ولهذا نسب إليه في قوله فيكون ، أي فلم يلبث أن يمتثل الأمر فكان عقيب الأمر ، وإنما كان في قوته ذلك لأنه موجود في الغيب ، فإن الثبوت ليس إلا وجودا باطنا خفيا وكل ما بطن ففي قوته الظهور ، لأن ذات الاسم الباطن بعينه ذات الاسم الظاهر والقابل بعينه هو الفاعل ، ألا ترى إلى قوله : "أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ الله هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِه ".
"" إضافة بالي زادة : (فكان هو ) أي فوجد ذلك الشيء بهاتين الفرديتين الثلاثيتين ( فلولا أنه في قوته ) أي فلو لا لم يكن التكوين حاصلا بالفيض الأقدس في قوة نفس ذلك الشيء عند هذا القول وهو قول - كُنْ ) * - ( ما تكون فما أوجد الشيء ) أي فلا ينسب الإيجاد إلا إلى نفس ذلك الشيء ، نعم ينسب إلى الحق لكونه أمرا بالتكوين فكان إسناد الإيجاد في الحق مجازا وفي العبد حقيقة اهـ بالى زادة.
( وهذ ) أي انحصار أمر الله في القول وانتساب التكوين إلى الشيء نفسه ، كما أنه هو المفهوم من قول المنقول كذلك ( هو المعقول في نفس الأمر ) فإن الأمر إنما يطلب من المأمور بصيغة الأمر مبدأ الاشتقاق الذي هو من جملة أفعاله الصادرة عنه ، فالأمر يكون الفعل المأمور للآمر ، والفعل المأمور به المأمور ( كما يقول الأمر الذي يخاف فلا يعصى لعبده قم ، فيقوم العبد ) اه جامى .""
فالعين الغير المجعولة عينه تعالى ، والفعل والقبول له بك كما ذكر في الفص الأول فهو الفاعل بإحدى يديه والقابل بالأخرى والذات واحدة والكثرة نقوش وشئون ، فصح أنه ما أوجد الشيء إلا نفسه وليس إلا ظهوره .
قال رضي الله عنه : ( فأثبت الحق تعالى أن التكوين للشيء نفسه لا للحق والذي للحق فيه أمره خاصة ، وكذا أخبر عن نفسه في قوله :" إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناه أَنْ نَقُولَ لَه كُنْ فَيَكُونُ " فنسب التكوين لنفس الشيء عن أمر الله ). أي إلى نفس الشيء ، يقال : نسب إليه وله بمعنى واحد
قال رضي الله عنه : ( وهو الصادق في قوله فهذا هو المعقول في نفس الأمر ) كما في هذا المثال.
قال رضي الله عنه : ( كما يقول الآمر الذي يخاف ولا يعصى لعبده قم ، فيقوم العبد امتثالا لأمر السيد فليس للسيد في قيام هذا العبد سوى أمره له بالقيام ، والقيام من فعل العبد لا من فعل السيد.) ظاهر غنى عن الشرح .
قال رضي الله عنه : (فقام أصل التكوين على التثليث ، أي من ثلاثة من الجانبين ، من جانب الحق ومن جانب الخلق ) ظاهر غنى عن الشرح .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ثم سرى ذلك في إيجاد المعاني بالأدلة فلا بد في الدليل أن يكون مركبا من ثلاثة على نظام مخصوص وشرط مخصوص ، وحينئذ ينتج لا بد من ذلك ).
أي ثم لما كان التثليث سببا لفتح باب النتائج في التكوين والإيجاد سرى ذلك التثليث في جميع مراتب الإيجاد حتى إيجاد المعاني بالأدلة ، وكما أن التثليث الأول مرتب ترتيبا متقنا بكون الذات فيه مقدما والإرادة متوسطة بينه وبين القول لا يكون إلا كذلك ، فلذلك يكون الدليل مرتبا على نظام مخصوص حتى ينتج.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وهو أن يركب الناظر دليله من مقدمتين ، كل مقدمة تحتوى على مفردين ، فتكون أربعة : واحد من هذه الأربعة يتكرر في المقدمتين ليربط أحدهما بالآخر كالنكاح فيكون ثلاثة لا غير لتكرار الواحد فيهما فيكون أي يوجد المطلوب إذا وقع هذا الترتيب على هذا الوجه المخصوص ، وهو ربط إحدى المقدمتين بالأخرى بتكرار ذلك الواحد المفرد الذي صح به التثليث ، والشرط المخصوص أن يكون الحكم أعم بالعلة أو مساويا لها ، وحينئذ يصدق ) .
أي الحكم ، ومعنى كون الحكم أعم من العلة أو مساويا لها الكلية الكبرى ، فإن العلة هي الوسط ، وهي إذا كان بأكثر على الأصغر أعم منها لثبوته لغير هذه العلة ، كانت الكبرى كلية ، كقولك : هذا إنسان وكل إنسان حيوان ، فهذا حيوان وهذا الحكم قد يثبت لغير هذه العلة كقولك : هذا فرس وكل فرس حيوان ، وكذلك إذا كان الحكم مساويا كقولك :
هذا إنسان وكل إنسان ناطق ، فهذا الحكم لا يثبت إلا بهذه العلة فيرجع إلى عموم المحكوم به أو مساواته للمحكوم عليه في الكبرى ، وهو معنى كليته.
"" إضافة بالي زادة : فإن النكاح قائم على ثلاثة أركان زوج وزوجة وولى عاقد اهـ بالي
( المفرد ) أي الواحد الذي يجعل الدليل بتكراره فردا اه ( وحينئذ يصدق ) أي ينتج القياس نتيجة صادقة اهـ بالي
( وهذ ) أي صدق النتيجة عند حكم التثليث وعدم صدقها عند عدمه ( موجود في العالم مثل إضافة الأفعال إلى العبد معراة عن نسبته إليه تعالى ) فإن من أضافها إلى العبد فقط لم يتفطن بأنه لا بد في تحقيق الأثر من فاعل وقابل ورابطة بينهما ، وبأن القابل لا أثر له بدون الفاعل فأضافها إلى القابل فقط ، وهذه الإضافة كاذبة لعدم ملاحظة التثليث فيها أو إضافة التكوين إليه مطلقا من غير أن يكون العبد فيه مدخل ، وهذا أيضا كاذب ( والحق تعالى ما أضافه إلا إلى الشيء ) القابل الذي ( قيل له كن ) من أن الفاعل المؤثر أيضا فيه مدخلا ، لكنه تعالى لاحظ جانب تقييد الوجود الظاهر في حقيقة القابل ، وهو من القابل لا جانب التجلي الوجودي ، فإنه من الحق تعالى ، والنتيجة الصادقة هي الإضافة الواقعة إلى كلا الجانبين والنسبة الرابطة بينهما ، كما هو الحق بحسب الواقع اه جامى .""
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وإن لم يكن كذلك فإنه ينتج نتيجة غير صادقة ) كقولك : كل إنسان حيوان وبعض الحيوان فرس ، فلا يصدق كل إنسان فرس ولا بعضه ( وهذا موجود في العالم مثل إضافة الأفعال إلى العبد معراة عن نسبتها إلى الله ، أو إضافة التكوين الذي نحن بصدده إلى الله مطلق . والحق ما أضافه إلا إلى الشيء الذي قيل له كن ) .
أما الأول فلأن العبد إن لم يوجد بوجود الحق فلا فعل له ، فهناك أمور ثلاثة الحق الذي هو
الفاعل بالحقيقة ، والعبد الذي هو القابل ، وظهور الحق في صورة العبد ، أعنى وجود العبد به تعالى فاضافته إلى القابل دون الفاعل كذب محض ، وكذلك الثاني لأن الأمر بالتكون إنما هو من الحق لا نفس التكون الذي هو الامتثال كما ذكر
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ومثاله ) أي مثال الدليل المركب من الثلاثة على النظام والشرط المخصوصين الذي لا بد من إنتاجه ( إذا أردنا أن ندل على أن وجود العالم عن سبب ، فنقول : كل حادث فله سبب ) وهذه المقدمة كبرى القياس وهي كلية ( فمعنا الحادث والسبب ، ثم نقول في المقدمة الأخرى والعالم حادث ) وهي الصغرى ( فتكرر الحادث في المقدمتين ، والثالث ) أي المفرد الثالث وهو الحد الأصغر .
( قولنا العالم فأنتج أن العالم له سبب فظهر في النتيجة ما ذكر في المقدمة الواحدة ) يعنى الكبرى ( وهو السبب ) وفي لفظه تسامح فإن الأكبر قولنا له سبب لا نفس السبب ، لكن مثل هذا مما يسامح فيه .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فالوجه الخاص هو تكرار الحادث والشرط الخاص عموم العلة ) أي في الخارج لا في الذهن لأن الوسط في برهان إني هو المعلوم المساوى ، وهو علة في الذهن لثبوت الأكبر للأصغر كما ذكر ، والمراد بقوله : عموم العلة ، عموم الأكبر الذي هو علة في نفس الأمر في الأوسط لا في البرهان ، لأن المراد بالعلة في البرهان علة الحكم وهو الأوسط ، ومراده العلة في الوجود أي الأكبر .
ألا ترى إلى قوله ( لأن العلة في وجود الحادث السبب ) أي وجوده في الخارج ( وهو عام في حدوث العالم عن الله ) يعنى أن السبب بمعنى ثبوت السبب أعم من حدوث العالم عن الله.
( أعنى الحكم ) أي الحكم بثبوت السبب للعالم الموصوف بالحدوث فيكون الحكم أعم من علة الحكم الذي هو الحدوث فتكون الكبرى كلية كما ذكر أعنى الحكم ( فنحكم على كل حادث أن له سببا يعنى في الكبرى سواء كان ذلك السبب ) يعنى سبب الحكم في البرهان أي العلة المذكورة التي هي الوسط وهو الحادث في مثالن ( مساويا للحكم ) كما إذا أردنا بالحادث في هذا المثال الحادث بالحدوث الذاتي فإنه مساو لما له سبب .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( أو يكون الحكم أعم منه ) كما إذا أردنا بالحادث الحادث الزماني ( فيدخل تحت حكمه ) أي فيدخل العالم تحت حكم السبب في الحالتين ( فتصدق النتيجة فهذا أيضا قد ظهر حكم التثليث في إيجاد المعاني التي تقتنص بالأدلة ) فهذا مبتدأ قد ظهر خبره وحكم التثليث بدله أو بيانه كائن قال فهذا الذي حكم التثليث .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فأصل الكون التثليث ، ولهذا كانت حكمة صالح عليه السلام التي أظهرها الله في تأخير أخذ قومه ثلاثة أيام وعدا غير مكذوب ) وفي بعض النسخ وعد كما هو لفظ المصحف على الحكاية أو على خبر المبتدأ كما في القرآن أي ذلك وعد غير مكذوب ( فأنتج صدقا وهو الصيحة التي أهلكهم الله به " فَأَصْبَحُوا في دارِهِمْ جاثِمِينَ ") أي هلكوا فلم يستطيعوا القيام .
قال الشيخ رضي الله عنه : (فأول يوم من الثلاثة اصفرت وجوه القوم ، وفي الثاني احمرت ، وفي الثالث اسودت ، فلما كملت الثلاثة صح الاستعداد فظهر كون الفساد فيهم فسمى ذلك الظهور هلاكا ، فكان اصفرار وجوه الأشقياء في موازنة إسفار وجوه السعداء ، في قوله تعالى : " وُجُوه يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ " من السفور وهو الظهور ، كما كان الاصفرار في أول يوم ظهور علامة الشقاء في قوم صالح ، ثم جاء في موازنة الاحمرار القائم بهم قوله تعالى في السعداء : " ضاحِكَةٌ " فإن الضحك من الأسباب المولدة لاحمرار الوجوه فهي في السعداء احمرار الوجنات ، ثم جعل في موازنة تغيير بشرة الأشقياء بالسواد قوله تعالى : " مُسْتَبْشِرَةٌ " وهو ما أثره السرور في بشرتهم كما أثر السواد في بشرة الأشقياء ، ولهذا قال في الفريقين " بِالْبُشْرى " أي يقول لهم قولا يؤثر في بشرتهم فيعدل بها إلى لون لم تكن البشرة تتصف به قبل هذا ، فقال في حق السعداء " يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْه ورِضْوانٍ ") .
قال الشيخ رضي الله عنه : (وقال في حق الأشقياء : " فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ " فأثر في بشرة كل طائفة ما حصل في نفوسهم من أثر هذ الكلام ، فما ظهر عليهم في ظواهرهم إلا حكم ما استقر في بواطنهم من المفهوم ، فما أثر فيهم سواهم ، كما لم يكن التكوين إلا منهم " فَلِلَّه الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ ".
فمن فهم هذه الحكمة وقررها في نفسه وجعلها مشهودة له أراح نفسه من التعلق بغيره ، وعلم أنه لا يؤتى عليه بخير ولا بشر إلا منه ، وأعنى بالخير ما يوافق غرضه ويلائم طبعه ومزاجه ، وأعنى بالشر ما لا يوافق غرضه ولا يلائم طبعه ولا مزاجه ، ويقيم صاحب هذا الشهود معاذير الموجودات كلها عنهم ، وإن لم يعتذروا ويعلم أنه منه كان كل ما هو فيه كما ذكرناه أولا في أن العلم تابع للمعلوم ، فيقول لنفسه إذا جاءه ما لا يوافق غرضه : يداك أوكت وفوك نفخ ، والله يقول الحق وهو يهدى السبيل ) كله ظاهر غنى عن الشرح .
.
....

LptqkGQgKnI

  السابق

المحتويات

التالي  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب فصوص الحكم وشروحاته

مطالعة هذه الشروحات والتعليقات على كتاب الفصوص


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!