موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

كتاب جواهر النصوص
في حل كلمات الفصوص

تأليف: الشيخ عبد الغني النابلسي

فص حكمة روحية في كلمة يعقوبية

  السابق

المحتويات

التالي  

فص حكمة روحية في كلمة يعقوبية


08 - فص حكمة روحية في كلمة يعقوبية .شرح جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص الشيخ عبد الغني النابلسي

كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص الشيخ عبد الغني النابلسي على فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي

هذا نص الحكمة اليعقوبية، ذكره بعد حكمة إسماعيل عليه السلام لبيان أن ما ذكره في حكمة إسماعيل عليه السلام من الدين الذي هو عند الله تعالى وعند من هو عند الله لا من الدين الذي عند الخلق، ولأن يعقوب عليه السلام ابن إسحاق فناسب أن يذكر الولد بعد أبيه وإن فصل بأخيه إسماعيل عليه السلام احتراما للعمومة وتتميما للنعمة الموهوبة لإبراهيم عليه السلام حيث قال كما حكى الله تعالی عنه : "الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحق" [إبراهيم: 39].
(فص حكمة روحية) منسوبة إلى الروح كما مر بیانه (في كلمة يعقوبية) إنما اختص يعقوب عليه السلام بالروحية، لأنه كان الغالب على يعقوب عليه السلام الميل إلى الجمال ومحبة الحسن الظاهر في الصور الكونية، وهذا حظ الروح ولذة الروحانيين . ولهذا ورد أن نعيم الملائكة عليهم السلام رؤية الوجوه الحسان والتمتع بمشاهدة ذلك من غير شيء زائد على ذلك من شهوة بطن أو فرج، فإن الملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا ينكحون.
وكان يعقوب عليه السلام روحانية من غلبه استيلاء الروح على باطنه ولهذا أحب ابنه يوسف عليه السلام وهام قلبه به، لأن يوسف عليه السلام أعطي شطر الحسن كما ورد في الحديث .
قال الشيخ رضي الله عنه : (الدين دينان، دين عند الله وعند من عرفه الحق تعالى ومن عرف من عرفه الحق. ودين عند الحق، وقد اعتبره الله. فالدين الذي عند الله هو الذي اصطفاه الله وأعطاه الرتبة العليا على دين الخلق فقال تعالى «ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون»: أي منقادون إليه. )
(الدين)، أي الملة والشريعة والحق الذي ينقاد إليه أهل الإسلام من أمة محمد عليه السلام إذ أديان الكفر كثيرة (دینان) الأول (دین) هو (عند الله)، أي في حضرته سبحانه وتعالى لا يعامل خلقه إلا بمقتضاه في الدنيا والآخرة (وعند كل من عرف) به (الحق تعالی) بأن ألهمه إياه كما ورد في الحديث «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ويلهمه رشده» رواه الطبراني وأبي نعيم وابن السري وغيرهم .
(و) عند أيض (من عرفه من عرف الحق) كاتباع الأولياء رضي الله عنهم من المريدين الصادقين .
(و) الثاني : (دین) هو (عند الخلق)، أي المخلوقين وهم عوام المؤمنین غیر الأولياء العارفين واتباعهم في قدم الصدق إلى يوم الدين (وقد اعتبره)، أي هذا الدين الثاني (الله تعالى وألزم أهله به وقبله منهم وجازاهم عليه وإن لم يكن هو الدين الذي عنده سبحانه كما سيأتي (فالدين) الأول (الذي) هو (عند الله) تعالى وعند من عرفه الله تعالی به وعند من عرف من عرفه الله تعالى كما مر (هو) الدين (الذي اصطفاه)، أي استخلصه الله تعالى به، وجعله صفوة، أي خلاصة من بين جميع الأديان .
(وأعطاه) سبحانه (الرتبة)، أي المنزلة (العلية)، أي الرفيعة (على) الدين الثاني الذي هو (دین الخلق فقال) الله (تعالی): "ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإليه في الآخرة لمن الصالحين . إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين " [البقرة : 130-131].
(ووصى بها)، أي بالملة المذكورة وبقوله : "أسلمت لرب العالميين" على معنى الكلمة ("إبراهيم") عليه السلام ("بنيه")، أي أولاده : إسماعيل وإسحاق عليهما السلام ("ويعقوب" ) معطوف على إبراهيم عليه السلام، أي وصى یعقوب أيضا بنیه بها وصورة تلك الوصية قول أبيهما ("يابني")، أي يا أولادي .
("إن الله") سبحانه (" اصطفى")، أي اختار وانتقي ("لكم") من بين سائر الأديان ("الدين") الذي عنده سبحانه وبيانه ("فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون" [البقرة : 132]، أي منقادون) مستسلمون (إليه) سبحانه لا حول لكم ولا قوة إلا به عن كشف منكم لذلك وشهود لا بمجرد التصديق بذلك مع الغفلة.
قال الشيخ رضي الله عنه : (وجاء الدين بالألف واللام للتعريف والعهد، فهو دين معلوم معروف وهو قوله تعالى «إن الدين عند الله الإسلام» وهو الانقياد. فالدين عبارة عن انقيادك. والذي من عند الله تعالى هو الشرع الذي انقدت أنت إليه.
فالدين الانقياد ، والناموس هو الشرع الذي شرعه الله تعالى. فمن اتصف بالانقياد لما شرعه الله له فذلك الذي قام بالدين وأقامه، أي أنشأه كما يقيم الصلاة. فالعبد هو المنشئ للدين والحق هو الواضع للأحكام. فالانقياد هو عين فعلك، فالدين من فعلك.
فما سعدت إلا بما كان منك. فكما أثبت للسعادة لك ما كان فعلك كذلك ما أثبت الأسماء الإلهية إلا أفعاله وهي أنت وهي المحدثات. فبآثاره سمي إلها و بآثارك سميت سعيدا. )
(وجاء الدين) في قوله : " أصطفى لكم الدين" (بالألف واللام للتعريف والعهد) الذهني أو الذكري بلفظ الملة فإنها ترادفه (فهو دين معلوم) عندهم (معروف) بينهم بحيث لا يحتاج إلى بيان (وهو قوله تعالى :" إن الدين ") الكامل الحق ("عند الله الإسلام") (وهو) [آل عمران: 19]، أي الإسلام معناه (الانقياد) لله تعالی بامتثال جميع أوامره واجتناب جميع مناهيه بحوله سبحانه وقوته لا بحول العبد وقوته كما ورد في بعض خطب النبي صلى الله عليه وسلم : «الحمد لله المحمود بنعته المعبود بقدرته»
(فالدين) الذي هو عند الله وهو دين الإسلام (عبارة عن انقیادك)، أي استسلامك وإطاعتك لله سبحانه، في كل ما ورد عنه سبحانه به سبحانه لا بنفسك .
(و) أما الدين (الذي) جاء (من عند الله) إلى الخلق فإنه (هو الشرع الذي انقدت)، أي أطعته واستسلمت (أنت) يا أيها المكلف به (إليه) لا نفس الانقياد الحاصل منك فقد فهمت أحكاما إلهية، وعلمتها وعملت بها على حسب ما تريد فهي الشرع الذي خاطب الله تعالى بها جميع المكلفين .
(فالدين) هو (الانقياد) منك لما شرع لك (والناموس)، أي القانون الوضعي الإلهي (هو الشرع) المحمدي (الذي شرعه) أي بينه وأوضحه ( الله تعالی له ) لعباده على ألسنة الوسائط.
قال تعالى : "شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم" [الشورى: 13]، الآية .
(فمن اتصف) من المكلفين (بالانقياد)، أي التسليم والامتثال (لما شرعه)، أي بينه وأوضحه (الله تعالى له) من الاعتقادات والعمليات (فذلك) هو العبد (الذي قام بالدين المحمدي) على وجه العدل (وأقامه) يعني أقام الدين (أي أنشأه)، وأتى به على وجه الكمال قال تعالى : "أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا" [الشورى : 13].
وقال عليه السلام: «الصلاة عماد الدين فمن أقامها فقد أقام الدين ومن تركها فقد هدم الدين»، (كما يقيم الصلاة)، أي ينشئها ويفعلها على أكمل الوجوه (فالعبد) المكلف (هو المنشيء)، أي العامل الفاعل (للدین)، لأن الاعتقادات الصحيحة وترك الباطل منها يصدر عنه بخلق الله تعالى له ذلك، وكذلك جميع الأعمال البدنية فعلا وكفا صادر منه، والله تعالى خلق لجميع ذلك فيه، فالفاعل العامل متصف بما فعله وعمله والخالق غير متصف بذلك (والحق) تعالی (هو الواضع للأحكام) الشرعية التي ينشئها العبد بفعله وعمله، كما ذكرنا .
(فالانقياد) لجميع ذلك والقيام به (عين فعلك) يا أيها المكلف (فالدين من فعلك، فما سعدت) يا أيها المكلف (إلا بما كان منك) من الدين، والدین انقیادك فهو عملك فما سعدت إلا بعملك (فكما أثبت السعادة في الدارين (لك ما كان فعلك) من الدين (كذلك ما أثبت الأسماء الإلهية له تعالى إلا أفعاله) في مخلوقاته بما يريد على مقتضی حكمته البالغة، فلولا فعله ما ظهر اسمه سبحانه، فأفعالك أثبتت لك السعادة، وأفعاله أثبتت له الكمال، وأفعاله من جملة كماله.
فكذلك أفعالك من جملة كمالك (وهي) أي أفعاله التي أثبتت له الأسماء وأظهرتها بإظهار آثاره (أنت) يا أيها المكلف، أي ذاتك وصفاتك في ظاهر و باطنك وجميع أفعالك في الخير والشر (وهي)، أي أفعاله جميع (المحدثات) أيضا، أي المخلوقات المحسوسة والمعقولة.
و (فبآثاره)، أي مخلوقاته الصادرة عنه من حضرات أسمائه وصفاته (سمي) سبحانه وتعالى (إلها)، أي معبودة بحق في السموات والأرض، لأنه سبحانه ما استحق العبادة إلا من كونه خالقا و رازقا إلى آخر أسمائه ، فعنده حاجة كل عبد فهو الإله الحق وما عداه من الآلهة باطل، لأنه لا تأثير له في شيء أصلا.
كما قال تعالى :" قل أتعبدون من دون" [المائدة: 76]، " ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون" [الأعراف : 191] الآية .
(وبآثارك)، أي أفعالك الصادرة عنك بسبب اتصاف بصفات المعاني وهي:
الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام.
وبالصفات المعنوية أيضا ، وهي: كونك حيا وعالما وقادرا ومريدا وسميعا وبصيرا ومتكلما إلى غير ذلك من الصفات بخلق الله تعالی فيك جميع ذلك.
ولا تأثير لك أصلا مباشرة ولا تولدة (سمیت) يا أيها المكلف (سعيدا) في الدنيا والآخرة، وكذلك تسمى شقية بآثارك في نقيض الخير من أنواع الشر.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فأنزلك الله تعالى منزلته إذا أقمت الدين وانقدت إلى ما شرعه لك. فأنزلك الله تعالى منزلته إذا أقمت الدين وانقدت إلى ما شرعه لك.
وسأبسط في ذلك إن شاء الله ما تقع به الفائدة بعد أن نبين الدين الذي عند الخلق الذي اعتبره الله. فالدين كله لله وكله منك لا منه إلا بحكم الأصالة. قال الله تعالى «ورهبانية ابتدعوها» وهي النواميس الحكمية التي لم يجيء الرسول المعلوم بها في العامة من عند الله بالطريقة الخاصة المعلومة في العرف.)
(فأنزلك)، أي أقامك الله (تعالی منزلته)، أي في مقامه (إذا أقمت)، أي أدمت القيام (في الدين) وهو الطاعة في الظاهر والباطن (وانقدت)، أي استسلمت (إلى ما شرعه)، أي بينه وأوضحه الحق تعالی (لك) يا أيها المكلف من الأحكام.
(وسأبسط)، أي أطيل الكلام في ذلك الأمر المذكور (إن شاء الله تعالی ما)، أي الذي أو شيئ (تقع به الفائدة)، أي الانتفاع للمريدين والأتباع (بعد أن نبين)، أي نشرح النوع الثاني من الدين كما مر وهو (الدين الذي عند الخلق)، أي المخلوقين (الذي اعتبره الله) تعالى، أي قبله ممن أتى به عاجزا عن غيره، لأنه مقدار الطاقة .
قال تعالى: "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها " [البقرة: 286] (فالدين كله)، أي الانقياد والطاعة إما لأمر الله تعالى كما في النوع الأول أو بمقدار وسع النفس من ذلك كما في النوع الثاني (الله تعالی). أما في الأول فلأنه منه وإليه قال تعالى :
"وإليه ترجع الأمر كله" [هود: 123]، وقال تعالى في سادات هذا النوع الأول: "وهم بأمره، يعملون" [الأنبياء: 27] "وما فعلته عن أمري" [الكهف: 82] "يا أيتها النفس المطمئنة " [الفجر: 27].
أي على أمر الله تعالی بعد قوله في موضع آخر: "إن النفس لأمارة بالسوء" [يوسف: 53].
وأما في الثاني فلأنه كان بقصده تعالی فعلا وكفا كما قال سبحانه: "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين " [البينة: 5] الآية .
(و) الدين (كله) أيضا ناشيء (منك) يا أيها المكلف لأنك أنت الذي تنقاد الحكمه سبحانه عليك وتطيعه في الأمر والنهي به سبحانه أو بنفسك، والدین هو الانقياد والطاعة كما ذكر (لا) ناشئ (منه ) سبحانه، لأنه هو الخالق لجميع أفعالك، الا هو المتصف بكونه فعلها.
وأنت المتصف بكونك فعلتها ولست خالقا لها كأعضائك، فيدك مثلا ما خلقتها أنت بل هو الخالق لها فيك وهي يدك لا يده، لأنه خلقها لك لتكون من أعضائك، وكذلك رجلك، وفمك ونحو ذلك ومثل هذا أعمالك كلها كما أوضحنا في كتابنا المطالب الوفية وغيره في عقائد العامة من المؤمنين (إلا بحكم الأصالة)، فإن الدين كله منه سبحانه ، لأنه الخالق للعبد وأفعاله كلها له، وحكمة ذلك ليظهر هو سبحانه بما شاء من مظاهر أسمائه وصفاته بمقتضی أسمائه وصفاته، فالأصل هو الظاهر لا غير والفرع الاعتباري هو العبد المكلف .
(قال تعالى) في حق هذا النوع الثاني من الدين وهو الدين الذي عند الخلق (ورهبانية) من الرهبة وهي الخوف، فكأنها حالة أو أعمال منسوبة إلى الرهبة، لأنهم ما اتصفوا بها وعملوها إلا من رهبتهم وخوفهم عقاب الله لهم في الآخرة.
وكانت هذه في ملة عيسى عليه السلام قبل أن تنسخ ثم جاءت في ملتنا في حق العموم (ابتدعوها)، أي اخترعوها بتحسين عقولهم ما ينبغي أن تكون عليه من الكميات والكيفيات والاتصاف بها والقيام بمقتضاها، وإن استندوا في فهم ذلك كله بعقولهم إلى ما خيلت لهم كلمات الكتاب والسنة من المعاني، وقاسوا بعضها على بعض، وقد قبل منهم ذلك وإن كان خطأ، لأنه غاية وسعهم كما قال عليه السلام من اجتهد فأصاب فله أجران، ومن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد». رواه ابن حبان والحاكم و أبو داود.
(وهي)، أي الرهبانية المذكورة (النواميس)، أي القوانين (الحكمية)، أي المنسوبة إلى حكمة الحكماء وهم علماء العقول والأفهام الدقيقة التي نعت للنوامیس (لم يجيء الرسول إلى العباد (المعلوم) في كل زمان إلى زمان رسولنا محمد عليه السلام (بها)، أي بتلك النواميس (في) حق (العامة) أي عامة الناس (من عند الله) تعالى (بالطريقة الخاصة) أي بالوحي النبوي (المعلومة) من الأنبياء عليهم السلام في العرف)، أي اصطلاح أهل كل زمان وكان في زمان عيسى عليه السلام حكماء ماهرون كجالینوس وأفلاطون الإلهي وأرسطاطالیس وغيرهم ولهم نواميس و قوانین اخترعوها لما لم يبق في الفترة دین عیسى علیه السلام .
وبعد رفع عیسی علیه السلام اخترع الرهابين أيضا من أمة عيسى عليه السلام لما ساحوا في الأرض وفروا من ملوك زمانهم رهبانية استحسنوها بعقولهم تعظيما لملة عيسى عليه السلام وقيامها بها على زعمهم فهي النواميس المذكورة .
وفي هذه الأمة أيضا عند العباد والزهاد ما يضارع ذلك من القوانين العقلية في الامتثال والاجتناب، اخترعوها جهلا منهم بالأحكام الشرعية المحمدية، أو استحسانا بآرائهم الخسيفة وطبائعهم الكثيفة من زيادات ونقصان في أحكام الله تعالی مشرعة بأصلها دون وصفها وبالعكس.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( (فلما وافقت الحكمة والمصلحة الظاهرة فيها الحكم الإلهي في المقصود بالوضع المشروع الإلهي، اعتبرها الله اعتبار ما شرعه من عنده تعالى، «و ما كتبها الله عليهم».
ولم فتح الله بينه وبين قلوبهم باب العناية والرحمة من حيث لا يشعرون جعل في قلوبهم تعظيم ما شرعوه يطلبون بذلك رضوان الله على غير الطريقة النبوية المعروفة بالتعريف الإلهي.
فقال: «فما رعوها»: هؤلاء الذين شرعوها وشرعت لهم: «حق رعايتها» «إلا ابتغاء رضوان الله» وكذلك اعتقدوا، «فآتينا الذين آمنوا» بها «منهم أجرهم» «وكثير منهم»: أي من هؤلاء الذين شرع فيهم هذه العبادة «فاسقون» أي خارجون عن الانقياد إليها والقيام بحقها. ومن لم ينقد إليها لم ينقد مشرعه بما يرضيه. لكن الأمر يقتضي الانقياد)
(فلما وافقت الحكمة) الباطنة والمصلحة الظاهرة الموجودة (فيها)، أي في النواميس المذكورة (الحكم بالنصب مفعول وافقت (الإلهي في) الأمر (المقصود) من الشارع (بالوضع)، أي الاصطلاح (المشروع)، أي المبين الذي بينه الله تعالی ورسوله نفعا للعباد المكلفين (الإلهي)، أي المنسوب إلى الإله الحق جل وعلا من جهة كون ذلك بمجرد انقیاد تحكم الغيب في الشهادة.
والتعلق من كلية الحادث بجناب القديم سبحانه ليطهر من دنس الجهل النفساني، وأوساخ الطبيعة الأرضية في ظاهره، وباطنه فليلتحق بالمجردات الفلكية في الانقياد للحضرة الغيبية، ويقرب من جناب القدس، فيحظى بعد الانسلاخ من العالم الفاني والاتصال بالعالم الباقي باللذائذ الدائمة والأحوال الملائمة.
وإن كانت هذه المقاصد والفوائد إنما تحصل بمتابعة الشرع الصحيح المنقول إلينا على وجهه من غير زيادة ولا نقصان بعد تحرير أحكامه والقيام بمقتضاه في الظاهر والباطن، ولكن هذا المقدار منه لا يحصل للعبد إلا في زمان النبوة، وقد انقضى و سيتجدد إن شاء الله تعالى في زمان نزول عيسى عليه السلام.
وكان ذلك حاصلا في زمان ظهور الخلافة عن النبوة حتى مات الحسن بن علي رضي الله عنهما، وصار الأمر ملكا عضدا وسلطنته ظاهرة، واختفت الخلافة النبوية في الأمة من واحد إلى واحد حتى أراد الحسين أخو الحسن رضي الله عنهما أن يظهرها بعد موت أخيه، فلم يمكنه ذلك حتى قتل بكربلاء وستظهر إن شاء الله في آل البيت في الإمام المهدي فيبطل الملك وتبطل السلطنة في الإسلام استقلالا وتظهر الخلافة فتمتلئ الأرض عدلا كما امتلأت جورة وحيث تعسر الوصول إلى ذلك في حق العموم.
(اعتبرها)، أي تلك الرهبانية وما في معناها مما ذكرنا في هذه الأمة (الله) تعالی ولهذا أقر الشارع الخطأ في أحكام الله تعالى من المجتهدين، وأخبر أن لهم فيه ثوابا حيث لم يقصروا في بذلك المجهود لنيل المقصود في قوله عليه السلام :
"من اجتهد فأصاب فله أجران ومن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد". رواه ابن حبان والحاكم و أبو داود.
ووجب على غير المجتهد متابعة المجتهد على خطئه وجعل ذلك شرعة للأمة مثابين عليه عند الله تعالى إذا عملوا بمقتضاه حيث تعسر الوصول إلى الأحكام الشرعية الحقيقية التي شرعها الله تعالى للأمة كما ذكرن (اعتبارا)، أي مثل اعتباره سبحانه (ما)، أي الحكم الذي (شرعه) للعباد (من عنده تعالی) من غير فرق حيث أصاب بفعله وعاقب بتركه (وما كتبها)، أي فرضها الله تعالى (عليهم) لأنها ليست شرعه المطلوب في نفس الأمر وإن جعلوها هم نفس شرعه المطلوب بمقدار جهدهم في تعرفهم، كمن اشتبهت عليه القبلة وليس هناك من يعرفها ليسأله عنها ، فإذا أراد أن يصلي يجتهد فإذا وصل اجتهاده إلى جهة وجبت صلاته إليها وإن كانت خطأ في نفس الأمر، وهو مثاب على تلك الصلاة حتى لو تبين خطؤه بعد الفراغ منها، ومضت على الصحة.
(و) لكن (لما فتح الله) تعالى (بينه) سبحانه (وبين قلوبهم)، أي قلوب أهل تلك الرهبانية وما يتبعه (باب العناية)، أي المعونة لهم في طريق طلب الهداية منه سبحانه (و) باب (الرحمة) منه لأنفسهم وأمثالهم (من حيث لا يشعرون)، أي لا يعلمون بذلك (جعل) جواب لم (في قلوبهم تعظیم ما شرعوه) من تلك الرهبانية وما يلتحق بها لأنفسهم وأمثالهم .
والحال أنهم (يطلبون بذلك) الذي شرعوه ("رضوان الله ") تعالی عنهم (على غير الطريقة النبوية) في الأحكام الشرعية (المعروفة) عند الأنبياء عليهم السلام، ومن تلقاها منهم بالأخذ والإلهام (بالتعريف الإلهي) من الوحي النبوي (فقال) تعالى عنهم بعد ذلك ("فما رعوها")، أي قاموا بحقوقها والمحافظة عليها بالوجه الذين شرعوها به.
(هؤلاء)القوم (الذين شرعوها) في البعض(وشرعت) بالبناء للمفعول، أي شرعها الله تعالى (لهم في البعض الآخر). كأصل الصلاة والصوم مثلا.
واختلف المجتهدون في شروط ذلك وأركانه وسننه ومفسداته ونحو ذلك .
والأول في جميعه والثاني في تقرير ذلك واعتباره ("حق رعايتها")، أي المقدار الذي اعتبروه فيها هم مما لا بد منه .
("إلا ابتغاء" )، أي طلب وإرادة ورضوان الله تعالی عنهم بذلك.
(وكذلك)، أي مثل ما ذكر من ابتغاء الرضوان بالمحافظة عليها وأدائها على الوجه الأكمل بحسب نظرهم الذي شرعوها مشتملة عليه (اعتقدوا) أنها حق من الله جزمة بقلوبهم .
قال تعالى ("فأتيناه")، أي أعطينا في الآخرة يوم الجزاء ("الذين آمنوا")، أي صدقو (بها)، أي بتلك الرهبانية وما يلتحق بها و اعتقدوها حق ("منهم")، أي من أولئك القوم الذين شرعوها (و أجره ه)، أي ثوابهم فضلا منه تعالى وإحسانا .
(" كثير منهم " أي من هؤلاء الذين شرع) بالبناء للمفعول، أي شرع الله تعالی أصل ذلك أو باعتباره والإقرار عليه (فيهم هذه العبادة) المنقسمة إلى أقسام كثيرة وما يتبعها من المعاملات التي هي معونة فيه (" فاسقون " [الحديد: 27]، أي خارجون عن الانقياد إليها)، والعمل بها والقيام بحقها على الوجه المشروع عندهم فيها .
(و) كل (من لم ينقد إليها)، أي يحافظ عليها ويهتم بفعلها في نفسه على أتم ما يعرف من وجوه الاستحسان (لم ينقد إليه)، أي يطعه (مشرعه)، أي من شرعه له ذلك الأمر من حيث هو في نفسه بحسب تجليه الخاص.
أو بسبب اعتباره لما شرعه وإقراره عليه (بما يرضيه) من الجزاء الوافي (لكن الأمر) الإلهي النافذ في الخلق على كل حال (يقتضي الانقياد) إليه من كل واحد.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وبيانه أن المكلف إما منقاد بالموافقة وإما مخالف، فالموافق المطيع لا كلام فيه لبيانه، وأما المخالف فإنه يطلب بخلافه الحاكم عليه من الله أحد أمرين إما التجاوز والعفو، وإما الأخذ على ذلك، ولا بد من أحدهما لأن الأمر حق في نفسه.
فعلى كل حال قد صح انقياد الحق إلى عبده لأفعاله وما هو عليه من الحال. فالحال هو المؤثر.
فمن هنا كان الدين جزاء أي معاوضة بما يسر وبما لا يسر فبما يسر «رضي الله عنهم ورضوا عنه» هذا جزاء بما يسر، «ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا» هذا جزاء بما لا يسر. «ونتجاوز عن سيئاتهم» هذا جزاء. فصح أن الدين هو الجزاء )
(وبيانه)، أي اقتضاء الانقياد (أن) العبد (المكلف) بالأحكام الشرعية لا يخلو حاله (إما) أنه (منقاد) لأمر الله تعالى (بالموافقة) لما يقتضيه الأمر من الفعل أو الكف في الظاهر والباطن (وإما) أنه (مخالف) لمقتضى الأمر في فعل أو كف في الظاهر أو الباطن (فالموافق المطيع) من غير مخالفة مطلقة (لا كلام فيه)، أنه منقاد الأمر الله تعالى (لبيانه)، أي لوضوحه وانكشافه من غير شبهة.
(وأما) العبد (المخالف) لأمر الله تعالى في فعل أو كف في الظاهر أو الباطن (فإنه يطلب بخلافه)، أي بسبب مخالفته وترك طاعته.
(الحاكم) نعت للخلاف (عليه من) ظرف تقدیر (الله تعالی) النافذ فيه (أحد) مفعول يطلب (أمرين إما) الأمر الأول فهو (التجاوز)، أي المسامحة له من الله تعالى (والعفو) عنه فضلا من الله تعالى عليه وإحسانا إليه .
(واما) الأمر الثاني فهو (الأخذ)، أي المؤاخذة (على ذلك)، أي الخلاف الذي صدر منه عدلا من الله تعالى في حقه (ولا بد من وجود (أحدهما) بمقتضى الخلاف المذكور .
(لأن الأمر) الإلهي النافذ في الخلق كلهم (حق في نفسه) فلا بد أن يقتضي حالا للمكلف ينتفع به ذلك المكلف أو يتضرر به ولا يكون عبثا أصلا.
فعلى كل حال من أحوال المكلف الملائمة وغيره (قد صح انقياد الحق) سبحانه (إلى عبده) وإطاعته له (لأفعاله)، أي لأجل أفعال العباد التي تصدر منه فتقتضي جزاء نافعا أو مضر (و) لأجل (ما هو)، أي العبد (عليه من الحال) المقتضى لأمر ما .
(فالحال) الذي يكون عليه العبد (هو المؤثر) في جزاء العبد من ربه
(فمن هنا)، أي كون حال العبد هو المؤثر في جزاء العبد (كان الذين) الذي يجب . الانقياد إليه (جزاء وفاقة، أي معاوضة) من الله تعالى لعبده (بما يسر) العبد إن كان حاله خيرة (وبما لا يسر) العبد إن كان حاله شر (معا)، أي كلا الأمرين يسمى جزاء فبما)، أي في المعارضة بالأمر الذي يسر.
قال الله تعالى: "رضى الله عنهم ورضوا عنه" في المائدة : 119] مقابلة ما كان منهم من الطاعات الخالصة لله تعالی.
(وهذا) الرضوان المذكور (جزاء) من الله (بما يسر) العبد .
وقال الله تعالی : ("ومن يظل") غيره أو نفسه ("منكم") يا أيها المكلفون (" نذقه عذابا كبيرا") [الفرقان : 19] في القيامة (هذا جزاء ) من الله تعالى للعبد (بما لا يسر) العبد.
وقال الله تعالى : ( "ونتجاوز")، أي نعفو ونصفح ("عن سيئاتهم") [الأحقاف : 16]، أي معاصيهم وذنوبهم.
(هذا) أيض (جزاء) من الله تعالى للعبد بما يسر العبد، فالجزاء على الدين ثلاثة أنواع :
نوعان في الفضل بما يسر العبد ونوع واحد في العدل بما لا يسر العبد، لأن الدين والانقياد إما إلى خير أو إلى شر.
والشر على قسمين إما معفو عنه أو غير معفو عنه.
(فصح) من هذ (أن الدين هو الجزاء)، لأنه الانقياد لما مر، فلم ينقد إلا إلى عين جزائه من ربه، وجزاؤه من ربه عین انقياده ولكن لم تتبين الحقيقة.
فإن الثمر يخرج في الابتداء زهرا ثم يعقد فيصير ثمرا نضيجا ، وصورة الزهر غير صورة الثمر.
وصورة الانقياد وهو الدين هو الأعمال غير صورة الثواب أو العقاب وهو الجزاء في الآخرة، والشجرة هي الجسد.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وكما أن الدين هو الإسلام والإسلام عين الانقياد فقد انقاد إلى ما يسر وإلى ما لا يسر وهو الجزاء. هذا لسان الظاهر في هذا الباب.
وأما سره وباطنه فإنه تجلي في مرآة وجود الحق: فلا يعود على الممكنات من الحق إلا ما تعطيه ذواتهم في أحوالها، فإن لهم في كل حال صورة، فتختلف صورهم لاختلاف أحوالهم، فيختلف التجلي لاختلاف الحال، فيقع الأثر في العبد بحسب ما يكون. فما أعطاه الخير سواه ولا أعطاه ضد الخير غيره، بل هو منعم ذاته ومعذبها. فلا يذمن إلا نفسه ولا يحمدن إلا نفسه. «فلله الحجة البالغة» في علمه بهم إذ العلم يتبع المعلوم. )
(وكما أن الدين هو الإسلام)، أي الاستسلام والانقياد (والإسلام) هو (عين الانقياد) والطاعة (فقد انقاد) صاحب الدين والإسلام (إلى ما يسر) العبد (وإلى ما لا يسر وهو)، أي ما يسر وما لا يسر (الجزاء) من الله تعالى للعبد على الدين (هذا) المذكور في هذا المحل من الكلام (لسان أهل الظاهر) من معاني الأسرار الإلهية (في هذا الباب) وهو بيان الدين والإسلام.
(وأما سره)، أي سر ما ذكر من الدين والإسلام (وباطنه) الذي لا يتنبه له إلا العارفون من أهل الله تعالى (فإنه)، أي الدين المذكور (تجل)، أي ظهور وانكشاف من العبد (في مرآة وجود الحق تعالی) على طريقة الاستعارة.
وإلا فيستحيل حلول الأعراض الحادثة في الذات القديمة أو في صفاتها كما هو معروف في عقائد أهل البداية من الرسميين. وقد قررنا هناك في كتبه وإذا كان كذلك (فلا يعود)، أي يرجع (على الممكنات) الظاهرة بتقديره سبحانه في قيومية وجوده تعالى على كل ممكن من معرفة وجود الحق سبحانه (إلا) مقدار (ما تعطيه ذواتهم) الحادثة .
(في) جملة (أحوالها) المقدرة لها من الأزل (فإن لهم)، أي للممكنات بتغليب العقلاء منهم أو باعتبار أن كلهم عقلاء في نظر العارف (في كل حال) من أحوالهم (صورة) هم عليها في حضرة الإمكان مكشوف عنها بعلم القديم ثم في حضرة الكون مكشوف عنها بسمع القديم وبصره (فتختلف صورهم) التي هم عليه (لاختلاف أحوالهم) في حضرة الإمكان وحضرة الكون (فيختلف التجلي)، أي الانكشاف الإلهي عليهم.
(لاختلاف الحال) التي هم فيها، فإنه على قدر الاستعداد یكون التجلي من رب العباد (فيقع الأثر) من خير أو شر (في) نفس (العبد بحسب ما يكون) عليه ذلك العبد من الحال.
(فما أعطاه)، أي العبد (الخير) الذي هو أثر التجلي (سواه)، أي سوى ذلك العبد باعتبار استعداده له (ولا أعطاه)، أي العبد أيض (ضد الخير) وهو الشر الذي هو أثر التجلي (غيره)، أي غير ذلك العبد.
(بل هو)، أي ذلك العبد (منعم ذاته) في الجنة (ومعذبها) في النار بسبب الحال الذي هو عليه، والاستعداد المقتضي للتجلي الخاص الذي يقع به الأثر الملائم وغير الملائم .
فالعبد هو الذي استعد للخير أو للشر، فاتصف بالحال المقتضي لذلك، فتجلی علیه ربه فأعطاه خلقه، ثم ظهر أثر ذلك التجلي فيه فهداه إلى عين ما هو فيه بالقوة حيث خرج إلى الفعل.
وهذا قوله تعالى : "الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى" [طه: 50]، أي عرف ذلك الشيء على خلقه الذي هو استعداده (فلا) يليق بالعبد حينئذ أن (يذمن) على الشر الذي يصدر منه (إلا نفسه)، فإنها هي التي استعدت له بحالها، فأعطاها التجلي الإلهي ما استعدت له وهو الشر، ولهذا قال آدم عليه السلام: "ربنا ظلمنا أنفسنا" [الأعراف: 23]
وقال تعالى: "وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون" [النحل: 118] .
(ولا) يليق بالعبد أيضا أن (يحمدن) على الخير، الذي يصدر منه (إلا نفسه) فإنها هي التي استعدت لذلك فأعطاها التجلي الإلهي ذلك الخير وإن كان من آداب الكاملين الاجراء على الأصل في الأول ونسبة الشر إلى النفس، ومخالفة الأصل في الثاني ونسبة الخير إلى الله تعالی.
والسر في ذلك أن التجلي على قسمين:
تجلي ذاتي وهو الذي أعطى الاستعداد الكل حقيقة كونية في حضرة الإمكان قبل الاتصاف بالوجود.
وتجلي صفاتي وهو الذي أعطى كل مستعد مما استعد له من الخير أو الشر فحصل به الاتصاف بالوجود.
وللعبد المكلف حالتان:
حالة غفلة ونقصان يصدر منه فيها الشر فيناسبها أن ينسب الشر إلى نفسه، لأنه المستعد له .
والتجلي الصفاتي ما أفاض عليه إلا عين ما استعد له فالشر من نفسه في هذا التجلي لا من التجلي الحق .
وحالة يقظة وكمال يصدر منه فيها الخير فيناسبها أن ينسب الخير إلى الحق تعالی، لأنه بتجليه الذاتي هو الذي أعطى العبد ذلك الاستعداد المقتضي لحكم التجلي الصفاتي عليه بعين ما استعد له من الخير.
فالخير من الحق تعالى في هذا التجلي الذاتي لا من نفس العبد، ولهذا كان أهل الخير من السعداء فوق أهل الشر من الأشقياء، لأنهم فوقهم في النظر الدقيق والمعرفة الإلهية، لأنهم من الذات الإلهية يستمدون وإليها يرجعون، وأهل الشر من الصفات الإلهية يستمدون وإليها يرجعون، "قد علم كل أناس مشربهم" [البقرة: 60].

("فلله") سبحانه وتعالى ("الحجة") على مخلوقاته ("البالغة") [الأنعام: 149]، أي القوة النافذة بحيث تخرس كل مخلوق فلا يستطيع رده (في علمه) سبحانه (بهم)، أي بالمخلوقات فإنه علم كيفية ما هم عليه في حضرة إمكانهم وما استعدوا له، فما أعطاهم إلا ما علم منهم.
(إذ)، أي لأن (العلم) مرتبته (أنه يتبع المعلوم) على ما هو عليه، لأنه صفة كاشفة والكاشف تابع للمكشوف على ما هو عليه، وإلا لم يكن كاشفة كما مر مفصلا.

قال الشيخ رضي الله عنه : ( ثم السر الذي فوق هذا في مثل هذه المسألة أن الممكنات على أصلها من العدم، وليس وجود إلا وجود الحق بصور أحوال ما هي عليه الممكنات في أنفسها وأعيانها.
فقد علمت من يلتذ ومن يتألم وما يعقب كل حال من الأحوال وبه سمي عقوبة وعقابا وهو سائغ في الخير والشر غير أن العرف سماه في الخير ثوابا وفي الشر عقابا، وبهذا سمى أو شرح الدين بالعادة، لأنه عاد عليه ما يقتضيه ويطلبه حاله.
فالدين العادة قال الشاعر: كدينك من أم الحويرث قبلها أي عادتك.
ومعقول العادة أن يعود الأمر بعينه إلى حاله: وهذا ليس ثم فإن العادة تكرار.)
ومعقول العادة أن يعود الأمر بعينه إلى حاله، وهذا ليس ثم فإن العادة تکرار .
(ثم السر الذي فوق هذا)، أي الحكمة التي هي أعلى من المذكور (في هذه المسألة) التي هي مسألة الدين والانقياد، وأن الجزاء عليه هو عينه .
إعلم (أن جميع الممكنات) الموجودة في الحس والعقل لم تزل (على أصلها) الذي كانت عليه (من العدم) ما اكتسبت الوجود أصلا ولا تغيرت عما كانت عليه .
(وليس) له (وجود) يظهر منه (إلا وجود الحق تعالی) ظاهرة (بصور أحوال ما هي عليه من الممكنات) المعقولة والمحسوسة (في أنفسها وأعيانها)، أي ماهياتها وعوارضها الممكنة الثابتة غير المنفية المعدومة، غير الموجودة المكشوف عنها بالعلم القديم في حضرة القيومية، وبالسمع القديم والبصر القديم في حضرة الاستواء على العرش والنزول إلى سماء الدني (فقد علمت) من هذا يا أيها العارف .
(من يلتذ)، أي ينعم ذاته بذاته في حضرات أسمائه وصفاته (ومن يتألم) في ذاته بذاته في تلك الحضرات، فإنه ما هناك غير الحق تعالی ولا لذة ولا ألم، لأنهما من جملة أحوال ما هي عليه الممكنات في أنفسها وأعيانها .
من حيث ظهور نفسه وعينه بها في الحضرات الكثيرة والأسماء التي لا يبلغها العدد ولا يحصيها الحد (و) قد علمت أيض (ما يعقب كل حال من الأحوال) التي عليها الممكن في نفسه مما سمي خيرا وشرا.
(وبه)، أي بسبب أنه يعقب الحال (سمي) ما يعقب من الجزاء (عقوبة وعقابا) أيضا في الآخرة (وهو)، أي إسم العقوبة والعقاب (سائغ)، أي قابل أن يسمی به الجزاء (في الخير والشر) .
فيقال للثواب أيضا في الآخرة عقوبة وعقاب (غير أن العرف) الشرعي (سماه)، أي الجزاء في الخير ثوابا ومثوبة (وفي الشر عقابا) وعقوبة (ولهذا)، أي لكون الأمر كذلك (سمي) في اللغة العربية (أو شرح)، أي بين مع اختلاف المعنى (الدين) الذي هو الانقياد (بالعادة لأنه)، أي الدين (عاد)، أي رجع (عليه) من قبل نفسه (ما يقتضيه ويطلبه حاله) من الجزاء
(فالدين) معناه (العادة) إما بطريق الترادف في المعنى اللغوي أو بالخصوص في معنى الدين والعموم في معنى العادة. فالعام يشرح الخاص ويبينه .
(قال الشاعر) من العرب في ثبوت هذا المعنى (كدينك) بخطاب المذكر (من أم الحويرث) تصغير الحارث .
(قبلها) وهو شطر بیت (أي عادتك)، فالدين العادة (ومعقول العادة)، أي المعنى الذي يعقل منه (أن يعود الأمر) الأول الذي مضى (بعينه إلى حاله) الذي كان عليه (وهذا) المعنى (ليس ثم) بالفتح، أي هناك يعني غير موجود إذ لا يتكرر شيء في الوجود أصلا.
ثم علل معقول العادة بقوله (فإن العادة تكرار) لأنها مشتقة من الوجود بمعنی الرجوع.

قال الشيخ رضي الله عنه : ( لك العادة حقيقة واحدة معقولة؛ والتشابه في الشور موجود تخين تعلم أن رندة بن عمرو في الإنسانية وما عادت الإنسانية، إذ لو عادت لتكترث وهي حقيقة واحدة والواحد لا يتكئر في تفسيه. ولم أين تريدة ليس عن عمرو في الشخصية فشخص زید کی شخص عمرو مع تحقق وجود الخيرية بما هي شخصية في الاتيني فنقول في الج عادت لهذا الشبير، وتقول في المحكم الصحيح لم تعد. )

(لكن العادة) التي هي التكرار (حقيقة معنوية معقولة)، أي أمر اعتباري ويتحققه العقل ويفهمه (والتشابه)، أي حصول الشبه (في الصور) المحسوسة والمعقولة (موجود) لا شك فيه (فنحن نعلم) قطعة (أن زيدا) اسم لشخص معين هو (عين عمرو) الذي هو اسم لشخص آخر معين (في) الحقيقة الواحدة (الإنسانية) وإنما افترقا في الصورتين الجسمانيتين والنفسانيتين (و) مع ذلك (ما عادت) الحقيقة الإنسانية الواحدة الموجودة فيهما على السواء بعينها، أي ما حصل فيها تکرار باعتبار وجودها في زيد وفي عمرو (إذ لو عادت)، أي الحقيقة الإنسانية باعتبار وجودها فيهم (لتكثرت)، أي صارت كثيرة (وهي حقيقة واحدة) في نفسه (و) الأمر (الواحد لا يتكثر)، أي لا يصير كثيرة (في نفسه) أصلا .
(و) نحن( نعلم) أيضا، (أن زيدا) المذكور (ليس) هو (عين عمرو) المذكور (في) الهيئة (الشخصية) الجزئية المتعينة في الحس .
(فشخص زید)، أي جسده في نفسه الحيوانية المنفوخة فيه لا المنفوخ منها فإنها الإنسانية المذكورة (ليس) هو عين (شخص عمرو).
فإن الحس يحكم بالمغايرة بين الشخصين والعقل يتبعه في هذا الحكم (مع تحقق)، أي ثبوت
(وجود الشخصية) الواحدة الظاهرة (بما)، أي بالأمر الذي (هي شخصية به في الاثنين)، أي ماهية زيد وماهية عمرو، فالشخصية أيضا متعددة في الحكم بها إلا في وحدة وجودها، فهي واحدة بما هي شخصية به وإن تكثر ما سمي بها من
الأشخاص.
إذا تقرر هذ (فنقول) في العادة إنه (في الحس عادت)، أي تكررت وتکثرت لهذا)، أي لأجل (الشبه المذكور) نظير قوله تعالى في ثمر الجنة " وأتوا به متشابها" [البقرة: 25].
أي يشبه بعضه بعضا وهو ما يثمر ظهور الحق من كل شيء في جنة المعارف، إذا دخلها العارف .
وقالت بلقيس عن عرشها: "كأنه هو" لما نکر لها عرشها وقيل :" أهكذا عرشك" [النمل: 42].
فتنبهت للشبه المذكور بطريق الإلهام ثم قالت: "وأسلمت مع سليمان " [النمل: 44]، يعني التبعية في العقد الصحيح وذلك عين المعرفة.

(ونقول) مع ذلك (في الحكم) منا على تلك العادة الحكم (الصحیح) الذي هو وجه التحقيق في ذلك (لم تعد) العادة أصلا ولا يتكرر في الوجود شيء أبدا إذ لو تكرر ما تغير والتغير ظاهر في كل شيء.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فما ثم عادة بوجه وثم عادة بوجه، كما أن ثم جزاء بوجه وما ثم جزاء بوجه فإن الجزاء أيضا حال في الممكن من أحوال الممكن.
وهذه مسألة أغفلها علماء هذا الشأن، أي أغفلوا إيضاحها على ما ينبغي لا أنهم جهلوها فإنها من سر القدر المتحكم في الخلائق.
واعلم أنه كما يقال في الطبيب إنه خادم الطبيعة كذلك يقال في الرسل والورثة إنهم خادمو الأمر الإلهي في العموم، وهم في نفس الأمر خادمو أحوال الممكنات. وخدمتهم من جملة أحوالهم التي هم عليها في حال ثبوت أعيانهم. فانظر ما أعجب هذا! )
(فما ثم)، أي هناك في هذا الوجود (عادة) تعود بعينها في ذات أو شخص أصل (بوجه)، أي باعتبار وجه وهو حقيقة الأمر في نظر العارفین (و) مع ذلك أيض (ثم)، أي هناك في هذا الوجود (عادة) تعود بعينها في كل ذات وشخص (بوجه)، أي باعتبار وجه آخر غير الأول وهو ما يظهر للحس والعقل .
(كما)، أي مثل ما ذكر في العادة (أن ثم)، أي هناك في الآخرة (جزاء) على الأعمال بنعيم الجنة إن كانت الأعمال خيرة وعذاب النار إن كانت الأعمال شرة (بوجه)، أي باعتبار ما يظهر للحس والعقل.
(وما ثم)، أي هناك (جزاء) أصلا بخير ولا بشر على الأعمال (بوجه) آخر، لأن اجزاء عين العمل الصادر من المكلف وغيره سمي عملا في دار الظهور بالنفوس خلافة إلاهية و سیسمی جزاء في دار الظهور بالقلوب المؤمنة التي ينبع منها النعيم أو بالأفئدة الكافرة التي ينبع منها العذاب الأليم والأعمال من الفريقين صورة تتبدل بالأمثال وكذلك الجزاء، فالجزاء هو الأعمال بوجه أيضا وليس هو الأعمال بوجه آخر والعدل الإلهي ناظر إلى الأزل والفضل إلى الثاني .
وقال تعالى : " هل تجزون إلا ما كنت تعملون" [النمل: 90].
(فإن الجزاء) في الآخرة (أيضا)، أي كالعادة فيما ذكر (حال) متبدل بأمثال (في) الشخص (الممكن من) جملة (عين أحوال الممكن) يتصف بها في الآخرة.
فما ثم إلا أحوال للممكن المعدوم العين الموجود الحكم يتصف بها في الدنيا فتسمى أعمالا ، ويتصف بها في الآخرة فتسمى جزاء وقد كان متصفا بها في الحضرة العلمية الإلهية فسميت قضاء وقدرة، وما ثم غير الأحوال والعين الواحدة تتعدد وتتكثر باعتبارها، فيظهر العالم الموهوم المسمی مكلفین .
(وهذه)، أي مسألة العادة والجزاء (مسألة أغفلها)، أي أعرض عن بيانه (علماء هذا الشأن) من العارفين المحققين (أي أغفلوا إيضاحها)، أي بيانها وتفصيلها على ما ينبغي أن تشرح به من العبارات في كتبهم (لا) أن المراد بكونهم أغفلوه (أنهم جهلوها) فلم يعلموها فغفلوا عنها فأغفلوها .
لذلك (فإنها)، أي هذه المسألة (من سر القدر)، أي التقدير الإلهي (المتحكم في جميع الخلائق) فكيف يجهلونها وهم العارفون، فإن جميع ما عليه أعيان الممكنات من الأحوال هو ما علمه الله تعالى منها.
فقدره عليها وحكم به لها، ثم أظهره فيها أعمالا وأقوالا وهيئات نفسانية وجسمانية في الدنيا ونعيما وعذابا في الآخرة، من غير أن يتكرر شيء من ذلك عليها باعتبار نفس الأمر.
ويتكرر ذلك عليها بحسب النظر الحسي والعقلي، ومعرفة هذا من ضرورات العارفين، فلا يجهلونه، لأنهم يعرفون به معروفهم الظاهر لهم بجميع ذلك.
والباطن عنهم بما لا يعلمه إلا هو من العين الذاتية الوجودية المسماة بالأعيان الكثيرة الصفاتية الفعلية الإمكانية العدمية.
(واعلم) يا أيها السالك (أنه)، أي الشأن (كما)، أي مثل ما يقال عند أهل العلم الظاهر (في) حق (الطبيب) الذي هو عالم بعلم الطب يعرف الأمزجة الحيوانية فيسعى في تعديل انحرافها بالأدوية والمعالجات.
(إنه)، أي ذلك الطبيب (خادم الطبيعة) المتركبة في الأجسام الحيوانية المنقسمة إلى حرارة وبرودة ورطوبة ويبوسة ، يمنع زيادة بعضها على بعض المقتضي للأمراض المناسبة لذلك الزائد بما عنده من بسائط الأدوية ومركباتها والكيفيات المختلفة من المعالجة .
(كذلك يقال في الرسل) من الأنبياء عليهم السلام (والورثة) لهم من العارفین الكاملين المحققين الذين فيهم الكمال والتكميل (أنهم خادمو الأمر الإلهي) الواحد الذي هو كلمح البصر المنصبغ بصيغة جميع المخلوقات من حيث ذواتهم وصفاتهم وأحوالهم الظاهرة والباطنة.
كما قال تعالى : "ذلك أمر الله أنزله إليكم" [الطلاق : 5]، وقوله سبحانه : "وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر" [القمر: 50]، وقوله : "ألا له الخلق والأمر" [الأعراف : 54]، وقوله: "ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره" [الروم: 25].
(في) اعتبار (العموم)، أي أمر التكليف من حيث الأعمال وأمر التكوين من حيث الأحوال، فهم خادمون أمر التكوين بأمر التكليف .
فموضوع دعوتهم أشخاص المكلفين وأحوالهم من حيث الأمر المقوم للكل في الكل لا من حيث نفس الأشخاص، لأن المطلوب انتفاء استقلالها الوهمي بالإخلاص الذي هو الكيفية المطلوبة في التقوی.
قال تعالى: "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء" [البينة: 5]، أي مائلين عن الباطل الذي هو غير الحق تعالى إلى الحق تعالی، وذلك رجوعهم إلى الأمر الذي تخدمه الرسل والورثة .
(وهم)، أي الرسل والورثة (في نفس الأمر) مع قطع النظر عن أمر التكليف (خادمون أحوال الممكنات) من المكلفين وغيرهم، وذلك ظواهر أمر التكوين، فقد خدموا ظاهر أمر التكوين بباطنه وهو أمر التكليف، والأمر الإلهي واحد تكلیف بظاهره وتكوين بباطنه.
كما قررناه في كتابن «خمرة الحان ورنة الألحان شرح رسالة الشيخ رسلان» (وخدمتهم)، أي الرسل والورثة عليهم السلام لأحوال الممكنات (من جملة أحوالهم)، أي أحوال الرسل والورثة : (التي هم عليها في حال ثبوت أعيانهم) في حضرة العلم الإلهي القديم.
فلا خدمة منهم إلا باعتبار الاسم الظاهر، لأنهم لم يظهروا إلا بأحوالهم الثابتة في العلم القديم، كالمخدومين من الممكنات لم يمتثلوا ولم يخالفوا إلا على طبق ما هم عليه من أحوالهم الثابتة في العلم القديم.
فليسوا بمخدومین من هذا الوجه ومخدومون من هذا الوجه الذي فيه الرسل والورثة خادمون.
(فانظر) يا أيها السالك (ما أعجب هذا) الشأن الذي للرسل والورثة بل لجميع الممكنات .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( إلا أن الخادم المطلوب هنا إنما هو واقف عند مرسوم مخدومه إما بالحال أو بالقول، فإن الطبيب إنما يصح أن يقال فيه خادم الطبيعة لو مشى بحكم المساعدة لها، فإن الطبيعة قد أعطت في جسم المريض مزاجا خاصا به سمي مريضا، فلو ساعدها الطبيب خدمة لزاد في كمية المرض بها أيضا، وإنما يردعها طلبا الصحة والصحة من الطبيعة أيضا بإنشاء مزاج آخر يخالف هذا المزاج.
فإذن ليس الطبيب بخادم للطبيعة، وإنما هو خادم لها من حيث إنه لا يصلح جسم المريض ولا يغير ذلك المزاج إلا بالطبيعة أيضا.
ففي حقها يسعى من وجه خاص غير عام لأن العموم لا يصح في مثل هذه المسألة. فالطبيب خادم لا خادم أعني للطبيعة، )
(إلا أن الخادم المطلوب هنا) في الطبيب الذي يخدم الطبيعة والرسل والورثة الذين يخدمون أحوال الممكنات (إنما هو)، أي ذلك الخادم المذكور (واقف عند رسوم)، أي ما يقتضيه حال (مخدومه ) من طبيعة أو حال ممكن (إما) مرسوم
(بالحال) كما إذا اقتضی حال المريض تناول الدواء الفلاني فيعطيه الطبيب ذلك.
أو اقتضی حال المكلف العمل الفلاني، أو الكف الفلاني في علم الرسول، أو الوارث فيرشده إلى ذلك.
(أو بالقول) كما إذا صرح المريض أو المكلف بالطلب لمثل ذلك ، (فإن الطبيب إنما يصح أن يقال فيه إنه خادم الطبيعة)، كما سبق (لو مشى)، أي الطبيب (بحكم المساعدة) منه (لها)، أي تلك الطبيعة .
(فإن الطبيعة) ربم (قد أعطت في جسم المريض) بغلبتها فيه (مزاجا، خاصا) وهو الداء (به)، أي بذلك المزاج (يسمي مريضا فلو ساعدها)، أي تلك الطبيعة الغالبة في جسم المريض (الطبيب خدمة) بأن خدمها بالزيادة فيها بما يقويها من حيث خصوصها كطبيعة الحرارة إذا قواها بالأدوية الحارة (لزاد في كمية)، أي مقدار (المرض) الحاصل في جسم المريض (بها)، أي بتلك الطبيعة الغالبة.
(أيضا) على ذلك المرض الحاصل بغلبتها أولا فلم يكن خادمها من هذا الوجه، ولا ذلك مراد من قال عنه إنه خادم الطبيعة، لأنه ليس بطبيب للمرضى حينئذ بل هو ممرض أو مزيد للمرض .
(وإنما) شأن الطبيب الذي يقال عنه إنه خادم الطبيعة أنه (يردعها)، أي يكف الطبيعة بإعطاء المريض ما يضادها من الأدوية وبمعالجتها بما يمنعها من المضي في مقتضی غلبتها بالاستفراغ ونحوه (طلبا) منه (للصحة)، أي العافية في جسم المريض.
وهذا معنى خدمة الطبيب للطبيعة، وحاصله أنه يمنعها من ظلمها لغيرها بالغلبة عليه، ويمنع غيرها من ظلمه لها بغلبته عليها، فيوقفها موقف الاعتدال في الجملة على حسب ما يمكنه .
(والصحة)، أي العافية في الجسم (من) جملة (الطبيعة أيضا) مثل المرض (بإنشاء)، أي بسبب حصول (مزاج آخر) في جسم المريض يسمى صحة (يخالف هذا المزاج) المسمى مرضا.
فالطبيب خادم الطبيعة في حال غلبتها على غيرها يردعها بإرجاعها إلى الاعتدال، وخادم الطبيعة أيضا في حال اعتدالها باستدامة ذلك الاعتدال (فإذن)، أي حيث تقرر ما ذكر (ليس الطبيب بخادم للطبيعة) من حيث هي الطبيعة ولا خادم لها من جهتها، هي مساعدة منه لها لتقوى وتزيد وتنفذ فيما توجهت عليه في الجسم .
(وإنما هو)، أي الطبيب (خادم لها)، أي للطبيعة (من حيث إنه لا يصح جسم المريض)، أي يصل إلى العافية من مرضه (ولا يغير ذلك المزاج) الأول المسمی مرض (إلا بالطبيعة أيضا) بأن يردعها عن الغلبة فتعود إلى الاعتدال فيخدم الطبيعة لخدمتها للمزاج لا لنفسها وخدمتها للمزاج طبيعة أيضا بإنشاء مزاج آخر.
كما ذكر (ففي حقها)، أي الطبيعة (یسعی) أي الطبيب (من وجه خاص) وهو وجه خدمتها للمزاج بقبول ردعه لها وكفها عن الغلبة (غير عام) فيما يساعدها من حيث هي طبيعة (لأن العموم) في خدمة الطبيعة من جهة الطبيب (لا يصح في مثل هذه المسألة) أصلا وإلا لكان الطبيب ممرضة وانعكس الغرض المطلوب منه إلى ضده (فالطبيب) على هذ (خادم) من وجه (لا خادم) من وجه آخر (أعني الطبيعة) كما ذكر.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وكذلك الرسل والورثة في خدمة الحق. والحق على وجهين في الحكم في أحوال المكلفين، فيجري الأمر من العبد بحسب ما تقتضيه إرادة الحق، وتتعلق إرادة الحق به بحسب ما يقتضي به علم الحق، ويتعلق علم الحق به على حسب ما أعطاه المعلوم من ذاته: فما ظهر إلا بصورته. فالرسول والوارث خادم الأمر الإلهي بالإرادة، لا خادم الإرادة.
فهو يرد عليه به طلبا لسعادة المكلف فلو خدم الإرادة الإلهية ما نصح وما نصح إلا بها أعني بالإرادة.
فالرسول والوارث طبيب أخروي للنفوس منقاد لأمر الله حين أمره، فينظر في أمره تعالى وينظر في إرادته تعالى، فيراه قد أمره بما يخالف إرادته ولا يكون إلا ما يريد، ولهذا كان الأمر.
فأراد الأمر فوقع، وما أراد وقوع ما أمر به بالمأمور فلم يقع من المأمور، فسمي مخالفة ومعصية. )
(كذلك الرسل) من الله تعالى إلى المكلفين (والورثة) عنهم بعدهم خادمون الأحوال الممكنات من وجه حيث كان مطلوبهم اعتدال تلك الأحوال واستقامتها من المكلفين على طبق الأمر الإلهي، وليسوا بخادمين لأحوال الممكنات من وجه آخر.
ولهذا لم يساعدوا شيئا من تلك الأحوال على غيرها من الأحوال مما تقتضيه الخدمة، فيما تلك الأحوال بصدده، وإنما هم قائمون (في خدمة الحق تعالی) ليظهر من غير احتجاب في الظواهر والبواطن، ويتميز أمره عن خلقه عند خلقه .
(والحق) سبحانه وتعالى قائم (على وجهين)، أي اعتبارين (في الحكم في أحوال المكلفين) وفي غير المكلفين أيضا لكن المعتبر هنا بیان أحوال المكلفين.
لأن الكلام فيهم من جهة العادة والجزاء لأنهم أهل الدين والانقياد (فيجري الأمر) الإلهي المتصور بصور الممكنات (من) جهة (العبد) الذي هو من جملة تلك الصور، أي معتبرة من جهته في جميع أعماله وأقواله وأحواله (بحسب)، أي على مقدار (ما تقتضيه)، أي تتوجه عليه (إرادة الحق تعالی) من الأزل وهذا هو الوجه الأول والاعتبار الأول في الحكم من الحق تعالى في أحوال المكلفين .
(و) الوجه الثاني والاعتبار في ذلك أنه (تتعلق إرادة الحق) تعالی (به)، أي بما تقتضيه إرادته سبحانه أو بالعبد (بحسب)، أي على مقدار (ما يقتضي)، أي يحكم ويلزم (به علم الحق) تعالى في الأزل (ويتعلق علم الحق) تعالی (به)، أي بما يقتضي به علم الحق سبحانه أو بالعبد (على حسب)، أي مقدار (ما أعطاه المعلوم)، بعلم الحق تعالى الذي هو ذلك العبد وجميع أحواله وأعماله وأقواله (من ذاته) المعدومة بالعدم الأصلي هي وأحوالها المكشوف عنها بعلم الحق تعالى من الأزل كشفة تامة لا يحتمل النقيض أصل (فما ظهر) ذلك العبد بالوجود الحادث في هذا العالم (إلا بصورته) التي كان عليها في عدمه الأصلي.
فعلم الحق تعالی بها في الأزل وهو معدوم وأراد له عين ما علم منه، فحكم عليه بما أراد له وأوجده على طبق ما حكم عليه وأراد له، فظهر كذلك.
فأخذ منه ما وجده فيه من الأحوال وهذا أحد الوجهين المذكورين للحق تعالى، وأعطاه عين ما أخذ منه.
وهذا هو الوجه الثاني في حكم الحق تعالى في أحوال المكلفين.
(فالرسول) من الله تعالى للمكلفين (والوارث) بالنيابة عنه بعده كل منهم (خادم للأمر الإلهي) الذي هو مطلق بالنظر إليه تعالی و متقید بصور ما كشف عنهم من أعيان الكائنات العدمية وأحوالها من حيث هو علم كشفة أزلية.
وظاهرا بتلك الأعيان وأحوالها من حيث هو قيوم قادر على حسب ترتيب تلك الكائنات بحسب أحوالها المختلفة بالنظر إليها لا إليه سبحانه (بالإرادة) الإلهية القديمة.
أي على حسب ما تقتضي من الخدمة إذ الخدمة منهما من جملة أحوالهما، وأحوال الكائنات الثابتة لأعيانها بكشف العلم القديم وحكم الإرادة ، فهما بالإرادة يخدمان لأنهما من جملة مراداتها.
(لا) كل منهم (خادم الإرادة)، لأن خدمتها سبقت بها الإرادة من كشف العلم القديم عن أحوالهما التي هما عليها في عدمها الأصلي، فهما بها يخدمان ما تقتضيه من أحوال المكلفين لا هما يخدمانه (فهو)، أي كل من الرسول والوارث (برد)، أي يمنع الزيادة الضارة (عليه)، أي على الأمر الإلهي المذكور (به)، أي بالأمر الإلهي المذكور .
قال تعالى : "والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون" [يوسف : 21] لعدم معرفتهم بالأمر الإلهي الذي قامت به الرسل والورثة من حيث هم قائمون به على وجه الخصوص المسمى الله .
وهم خاصة الناس، وعامة الناس الذين لا يعلمون إنما يعلمون بوجه العموم، فمعلومهم الأمر المغلوب من حيث صورهم.
وذلك قوله تعالى: "إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا" [غافر: 51] .
وهم الورثة والرسل "في الحياة الدنيا" [غافر : 51]، وهي مقام الدعوة إلى الله تعالى بالله تعالی.
قال سبحانه:" قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني " [ يوسف: 108] الآية .
"ويوم يقوم الأشهاد" [غافر : 51] من كل نفس كما قال سبحانه: " وجائت كل نفس معها سائق وشهيد " [ق: 21] .
(طلبا)، أي لأجل طلب الرسول والوارث (لسعادة المكلف) في الدارين، وسعادته موجودة على كل حال من حضرات مختلفة، كل حضرة لها سعادة تحضر، وسيأتي هذا إن شاء الله تعالی عند تعرض المصنف قدس الله سره له.
(فلو) أن الرسول والوارث (خدم الإرادة ) الإلهية على حسب ما تقتضيه من أحوال المكلف (ما نصح) في خدمة، لأنه يكون حينئير داعية إلى الضلال كما أنه داع إلى الهدى لأنهما مقتضى الإرادة التي لا ينفذ إلا مقتضاها.
(و) الرسول والوارث (ما نصح) في خدمته (إلا بها أعني بالإرادة) الإلهية من جهة أن نصحه ودعوته إلى الهدی وكفه عن الضلال كان بمقتضى الإرادة الإلهية إذ لا يخرج عنها شيء أصلا.
(فالرسول والوارث) على مقتضى ما ذكر (طبيب أخروي)، أي منسوب إلى الآخرة (للنفوس) البشرية يشفيها من مرض الأعراض عن فشوها، وإن وقع الشفاء به في الدنيا فإنه ليس المطلوب ولا لأجله كانت البعثة (منقاد)، أي مطيع ذلك الرسول والوارث (لأمر الله تعالی) أمر التكليف (حين أمره) به وكلفه بما كلف به من الأحكام، والدعوة إليه سبحانه في حقه وفي حق غيره (فينظر ذلك) الرسول والوارث.
(في أمره تعالی) بما أمره به (وينظر) أيض (في إرادته تعالی) لكل ما هو واقع من أحوال المكلفين (فيراه)، أي يرى الحق تعالی (قد أمره) في شأن الأمة (بما يخالف إرادته تعالی) بهم (ولا یكون)، أي لا يوجد من المخلوقات أصل (إلا ما يريد) الحق تعالی منهم من الأحوال التي هم عليها في عدمهم الأصلي المكشوف عنه بعلم الله تعالى القديم كما سبق بيانه .
(ولهذا)، أي لكونه لا يكون إلا ما يريد سبحانه (كان الأمر) من الله تعالى للمكلفين على ألسنة الوسائط من الملائكة والبشر لأنه تعالى لا يريد ظلما للعالمين.
فأراد لهم ما هو مقتضى أحوالهم المكشوف عنها بعلمه، وأوجد ما أراده وما أراد أن يظلمهم بمنعهم ما هو مقتضى أحوالهم، فأرسل إليهم من يبلغهم مراده تعالى منهم من الخير والهدى، ليظهر لهم التفاوت بين مرادهم منهم من حيث هو تعالى، ومراده منهم من حيث هم، وما هو بظلام للعبيد.
فمراده من حيث هو يسمى أمرا تكليفيا، ومراده من حيث هم يسمى أمرا تكوينيا ، وإرادته على طبق علمه سبحانه، وعلمه على طبق المعلوم، فالرسل والورثة مظاهر الذات المستجمعة، وجميع من عداهم مظاهر الصفات والأسماء الجامعة، والأمر عین الدعوة إلى المقام الذاتي، والدخول في زمرة الرسل والورثة، والتأثير للصفات والأسماء لا للذات .
(فأراد) الحق تعالی (الأمر) التكليفي لأنه خير محض (فوقع) منه سبحانه للمكلفين على ألسنة الوسائط (وما أراد) سبحانه (وقوع ما أمر به) من ذلك الخير (بالمأمور) من المكلفين لأنه أراد ما علمه وما علم من المأمور وقوع ما أمر به ليريده منه (فلم يقع من المأمور) ما أمره تعالى به، لأن لا يكون إلا ما يريده تعالى ولا يريد إلا ما يعلمه ولا يعلم إلا ما هو عليه المأمور في عدمه الأصلي.
(فسمي) عدم وقوع الأمر من المأمور (مخالفة) لأمر الله تعالى (ومعصية) الله تعالی صدرت من مأمور مكلف .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فالرسول مبلغ: ولهذا قال شيبتني «هود» وأخواتها لما تحوي عليه من قوله «فاستقم كما أمرت» فشيبه «كما أمرت فإنه لا يدري هل أمرت بما يوافق الإرادة فيقع، أو بما يخالف الإرادة فلا يقع.
ولا يعرف أحد حكم الإرادة إلا بعد وقوع المراد إلا من كشف الله عن بصيرته فأدرك أعيان الممكنات في حال ثبوتها على ما هي عليه، فيحكم عند ذلك بما يراه. وهذا قد يكون لآحاد الناس في أوقات لا يكون مستصحبا.
قال: «ما أدري ما يفعل بي ولا بكم» فصرح بالحجاب، وليس المقصود إلا أن يطلع في أمر خاص لا غير. )
(فالرسول مبلغ) عن الله تعالى الأمر إلى الأمة، والوارث نائبه في ذلك فهو تابع له على كل حال وإن لم يذكره هنا ؛ (ولهذا)، أي لكونه مبلغا وليس له من الأمر.
شيء والأمر كله مع اطلاعه على ما ذكر من عدم موافقة الأمر الإلهي للإرادة الإلهية في كثير من الأحوال.
(قال) الرسول عليه السلام كما ورد في الحديث : (شیبتنی) سورة (هود) عليه السلام (وأخواتها) من السور وما كان ذلك إل (لما تحتوي عليه) تلك السورة من قوله تعالى : ( فاستقم) يا أيها الرسول، أي كن مداوما أمر المكلفين ونهيهم (" كما أمرت")، أي أمرناك بذلك ولا تترك الدعوة مع أنه يرى الإرادة الإلهية نافذة في الخلق على خلاف ما أمر به الحق (فشيبه) من ذلك.
أي أظهر الشيب في لحيته عليه السلام قوله تعالى: ("كما أمرت" (فإنه عليه السلام لا يدري هل) هو (أمر) في شأن الأمة باعتبار أشخاصهم المعينة عنده (بما يوافق الإرادة الإلهية فيقع ذلك الأمر بما يخالف الإرادة) الإلهية .
(فلا يقع) ذلك الأمر وهذا ابتلاء من الله تعالى للرسول عليه السلام، ولهذا شيب ذلك كما ورد : «أشد الناس بلاء الأنبياء» .
ومن هذا القبيل قول موسى عليه السلام: " إن هي إلا فيتنئك تضل يا من تشاء وتهدي من تشاء" [الأعراف: 155]. مع أمره له عليه السلام بإنذار فرعون وقومه.
(ولا يعرف أحد) من المخلوقين (حكم الإرادة الإلهية)، أي ما تحكم به على كل شيء الحكم العدل المطابق للعلم القديم الكاشف عن كل شيء معدوم بالعدم الأصلي (إلا بعد وقوع المراد) وظهوره واتصافه بالوجود الإضافي الحادث (إلا من كشف الله) تعالى (عن بصيرته) من رسول أو نبي أو وارث أو ولي (فأدرك أعيان الممكنات) مع جميع أوصافها في الظاهر والباطن مرسومة (في حال ثبوتها)، أي كشف العلم الإلهي القديم عنها ثابتة في عدمها الأصلي لا منفية.
فإن الثبوت ضد النفي فالشيء إذا كان ثابتا لا يكون منفية، وإذا كان منفية لا يكون ثابتة، ولا يلزم من الثبوت الوجود فقد يكون الشيء ثابتة معدومة، وقد يكون ثابتة موجودة، والوجود ضد العدم.
وأعيان الممكنات في الأزل ثابتة في نفسها مكشوف عنها بالعلم الإلهي القديم، على معنى أنها ليست منفية، إلا أنها موجودة لأن وجودها حادث وثبوتها قدیم.
(على ما هي عليه) في حال وجودها إذا وجدت من غير زيادة ولا نقصان (فيحكم) من كشف عن بصيرته (عند ذلك بما يراه) من موافقة الأمر الإلهي للإرادة القديمة الإلهية أو عدم موافقته لها .
(وهذا) الكشف المذكور (قد یكون)، أي يوجد (لآحاد الناس)، أي أفراد منهم كبعض الرسل والأنبياء والأولياء (في أوقات) دون أوقات كما سبق في تقريره من المصنف قدس الله سره في أوائل الفص الشيثي ومر كلامنا فيه .
(لا يكون) هذا الكشف (مستصحبا)، أي ملازمة صاحبه في كل وقت كم (قال) الله تعالى للكامل المكمل صلى الله عليه وسلم (قل "وما أدري") عند انحجابه عن هذا الكشف المذكور في بعض الأوقات استدامة المقام العبودية ("وما يفعله" [الأحقاف: 9])، أي يفعل الحق تعالی ("بي ولا بكم" فصرح) صلى الله عليه وسلم (بالحجاب) عن الكشف المذكور في بعض الأعيان مع أنه عليه السلام قال: «إن الله قد رفع لي الدنيا فأنا أنظر إليها وإلى ما هو كائن فيها إلى يوم القيامة كأنما أنظر إلى كفي هذه» ، أخرجه الطبراني .
وفي حديث أبي داود: «قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاما فما ترك شيئا إلى قيام الساعة إلا حدثنا به».
وفي الحديث الصحيح: «فعلمت علم الأولين والآخرين وإنما كان هذا من النبي عليه السلام في بعض الأحيان».
(وليس المقصود)، أي مقصودنا هنا بقولنا إلا كشف الله عن بصيرته فأدرك أعيان الممكنات في حال ثبوتها على ما هي عليه (إلا أن يطلع) صاحب هذا الكشف (في أمر خاص) من أمور الممكنات أو أمر شخص خاص (لا غير) إذ ليس المقصود الاطلاع على جميع أعيان الممكنات، فإنه مختص بالحق تعالی لعدم تناهي الأعيان الممكنة في الحضرة الثبوتية العلمية .
تم فص الحكمة اليعقوبية



37s-qKz-Nkw

  السابق

المحتويات

التالي  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب فصوص الحكم وشروحاته

مطالعة هذه الشروحات والتعليقات على كتاب الفصوص


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!