موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

كتاب جواهر النصوص
في حل كلمات الفصوص

تأليف: الشيخ عبد الغني النابلسي

مقدمة مع قراءة خطبة الكتاب

  السابق

المحتويات

التالي  

مقدمة مع قراءة خطبة الكتاب


مقدمة الشارح النابلسى لكتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص على فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص الشيخ عبد الغني النابلسي على فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي

الحمد لله الذي بذاته ثبتت الأعيان , وبصفاته تفصلت الأكوان و بأفعاله ظهر التغير و تبينت الزيادة والنقصان، ثم بأسمائه برزت حقيقة الإنسان، وبأحكامه تمیزت الشقاوة من السعادة والسخط من الرضوان .
والصلاة والسلام على مجمل هذا التفصيل وتفصيل هذا المجمل.
ذاتي السر وصفاتي القلب وأفعالي النفس وأسمائي العقل وأحكامي الجسم الكامل المكمل.
وعلى كل من آل إليه واتحد به في انعطافة عليه ومن صحبه بالتميز بينه وبينه ليمتع بالنظر إليه عينه، والتابعين لهم بإحسان إلى آخر الزمان.
أما بعد:
فيقول أسير الذنوب وإناء النقائص والعيوب عبد الغني النابلسي، الحنفي مذهبا القادري مشربا، خادم نعال السادات والمنتصب لنصرة فقراء الطريق أرباب السيادات، أخذ الله بيده وأمده بمدده .
هذا شرح مختصر وضعته على كتاب "فصوص الحكم" الذي صنفه بحر المعارف الإلهية وترجمان العلوم الربانية الشيخ الأكبر والقطب الأفخر الشيخ محيي الدين ابن العربي الطائي الأندلسي قدس الله سره وأعلى في حضرة القرب مقره.
لما رأيت شروحه مغلقة العبارات صعبة الإشارات لا تبرد من كيد القاصرين غلة، ولا تشفي لأهل البداية علة .
حتى لا يكاد ينتفع بها غير أهل الأذواق من السادات الأجلة، فأردت أن أوضح مشكله وأفصل مجمله بأظهر ما تيسر لي من الكلام وعلى حسب الفتح والإلهام.
وسميته «جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص».
وبالله المستعان وعليه التكلان وهو حسبي ونعم الوكيل .
"والله يقول الحق وهو يهدي السبيل" آية 4 سورة الأحزاب.
اعلم أن العلوم ثلاثة :
علم القول
وعلم الفهم
وعلم الشهود.
فعلم القول للمقلدين القاصرين، وعلم الفهم للناظرين المستدلين، وعلم الشهود للعارفين الذائقين.
وقد انقسم الإيمان بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر والإيمان بالشرائع والأحكام إلى ثلاثة أقسام:
إيمان المقلدين :
وهو بالقول فقط مع طمأنينة قلوبهم إليه من غير فهم.
وقد اعتبره الشارع وسماه إيمانا حيث قال : "قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا" آية 136 سورة البقرة .
وقال لنبيه عليه السلام: "قل هو الله أحد " آية 1 سورة الإخلاص إلى آخر السورة. ونحو ذلك .
وإيمان المستدلين:
وهو بالفهم مع القول فقط .
وقد دعا الله تعالى إليه حيث قال : "قل انظروا ماذا في السموات والأرض" آية 101 سورة يونس.
وقال : "أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيؤا " آية 48 سورة النحل إلى غير ذلك.
وأصحاب هذين القسمين من الإيمان أبحاثهم عند علمائهم، وقد صنفنا في إيمانهم كتبا مختصرة ومطولة، وليس هذا الكتاب موضع بيان ذلك.
وأما القسم الثالث : فهو إيمان العارفين :
وهو بالشهود فقط بعد القول والفهم كما قال الله تعالى:" شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)سورة آل عمران.
ومن عظيم أسرار هذه الآية أن الشهادة ذكرت فيها مرة وأسندت إلى ثلاثة حقائق : الله والملائكة وأولو العلم، فدل أن الشهادة واحدة أسندت إلى الله أولا ، ثم تنزلت إلى الملك، ثم إلى صاحب العلم.
فهي في الله فعل، وفي الملك وصاحب العلم تفويض.
وبالتفويض يقع الشهود فإن الله لا ينسب إليك شهادته إلا إذا فوضت إليه.
وإذا فوضت إليه محقك من عينك، فكان هو الشاهد والمشهود، في هذا المقام يقول بعض العارفين : ما عرف الله إلا الله .
واعلم أن هذا الكتاب الجليل الذي هو «فصوص الحكم» إنما هو في إيمان أهل الشهود فقط.
لا إيمان أهل الأقوال أو أهل الاستدلال
فلا يفهم إلا من ترقت همته عن حضيض القول والفهم .
وقد انخرق له حجاب الوهم وإلا فمن كان إيمانه مجرد لقلقة اللسان أو محض تصورات الأذهان فبعيد عليه فهم هذه الحقائق وشهود هذه الدقائق .
ولا شك أن أقسام الإيمان الثلاثة ترجع إلى قسم واحد وهو ما ورد عن الله تعالى. قاله المقلدون بأفواههم وتصوره المستدلون بأذهانهم وشهده العارفون بأسرارهم.
فهو في المقلد قول.
وفي المستدل تصور.
وفي العارف شهود.
بمنزلة من قال بلسانه نار، ومن تصور النار في ذهنه ومن أدرك حرارتها ببدنه، فالقائل يستند في قوله إلى غيره حاكي عنه.
والمتصور يستند في تصوره إلى ذهنه حاكية عنه.
والمشاهد يستند في شهوده إلى حقيقة ما شاهد حاكيا عنه.
فمعلم الأول آخر مثله
ومعلم الثاني فكره وذهنه.
ومعلم الثالث ربه .
كما قال بعض العارفين :
"أخذتم علمكم ميتا عن ميت، وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت".
وشتان بين من ينطق عن غيره، أو عن فكره وبين من ينطق عن ربه، فالحق الذي يجب الإيمان به واحد، ولكن يختلف باختلاف الظهورات.
فظهوره في أصحاب الأقوال غير ظهوره في أصحاب الاستدلال غير ظهوره في أصحاب شهود الأحوال.
أرأيت إلى ما ذكرناه من النار، فإنها في لسان القائل على صورة غير صورتها في ذهن المنصور، غير صورتها في شهود من أحس بحرارتها، وهي حقيقة واحدة.
لم تتكرر ولكن ظهرت في كل موطن بحسب استعداده.
فإن اللسان لا استعداد فيه إلا للأقوال.
والذهن لا استعداد فيه إلا للتصور في الخيال.
وشهود الحس قد استعد لإدراك حقيقة الحال، ولا أتم من الظهور الشهودي، لأنه هو المقصود.
وأما الظهوران الأولان فإنما قصد منها حصوله، فهما مقصودان بالغير وهو مقصود بالذات.
وكذلك حقيقة الإيمان بالحق لها ظهور في لسان المقلدين، غیر ظهورها في تصور المستدلين الناظرين، غير ظهورها في شهود العارفين المحققين.
ولهذا اختلفت العبارات وتنوعت الإشارات وتكلمت كل طائفة بما عندها والكل مصیبون ولكلهم درجات عند ربهم "ورفعنا بعضكم فوق بعض درجات" آية 32 سورة الزخرف.
ومعلوم أنه لا أتم من ظهور الحق تعالى الظهور الشهودي، ودونه الظهور الاستدلالي النظري الفكري، ودونه الظهور القولي التقليدي.
وهذا الكتاب الذي هو «فصوص الحكم» في بيان الظهور الشهودي.
فبالضرورة يجهله أصحاب الظهور القولي، وأصحاب الظهور الاستدلالي.
وينكرون منه ما يفهمونه على حسب ما هم فيه من القول والتصور.
وذلك لأن أصحاب كل قسم من هذه الأقسام الثلاثة مرتبطون بحالتهم التي هم فيها يعتقدونها ويعبدون الله بها ويذمون ما عداها ويحافظون عليها لعدم علمهم من الله تعالى غيرها.
فلو تركوها تركوا مقدار ما علموه من الله تعالى وهو كفر.
فإذا أرادوا أن يفهموا ما هو فوق حالتهم التي هم عليها بغير تفهیم من الله تعالى، نزلت تلك الحالة العالية إلى حالتهم
السالفة، فأبطلت حالتهم التي هم فيها يدينون الله تعالى.
فلا يسعهم إلا إنكارها والتبري منها إذ لم تنزل إليهم على حسب ما هي عليه في نفسها بالنسبة إلى تحقق أصحابها بها.
وبيان ذلك أن ما نطق به المقلد من الحق واطمأن إليه قلبه من غير فهم هو مقدار ما علمه من الله تعالى، فهو محتفظ عليه يدين الله تعالی به .
فلو تكلم عنده صاحب الدليل الفكري بما يجده في تصوره من تنزيه الحق تعالى الذي هو مقدار ما علمه من الله تعالى ويدين الله تعالى به ويحتفظ عليه رأى ذلك المقلد أن الذي عند صاحب النظر والاستدلال من الحق تعالى غير الذي عنده.
فربما يذعن له ويطلب منه الوصول إلى درجته إن ظهر له كمالها ظهورة تقليدية ، وإن ظهر له نقصها ذمها وأنكرها عليه واحتفظ على ما عنده من التقليد المحض.
وكذلك صاحب الشهود إذا تكلم بما يجده في بصيرته من الحق تعالى عند صاحب التقليد أو صاحب النظر والاستدلال وجدا عنده ما ليس عندهما من الحق تعالى، فإن ظهر لهما كمال حالته إذعانا وتسليما وتوفيقا من الله تعالى.
طلبا حالته وسعيا في بلوغها وإن لم يظهر لهما ذلك احتفظا على مقدار ما علماه من الحق تعالى وأعرضا عنه مدحا وذما واشتغلا بأنفسهما إن كان فيهما بعض توفيق إلهي.
وإن خذلهما الله تعالى أنزلا حالته إلى ما هما فيه من القول والاستدلال، فظهرت حالته في قول المقلد مقالة كفر.
وفي ذهن المتصور الناظر زيغ وضلالا فأنكرا عليه حالته وما علما أن ما أنكراه منه مما فهما من حالته هو ينكره أيضا ويتبرأ منه.
غير أنهما لم يفهما حالته على ما هي عليه كما يفهمها هو.
فاضطر الأمر إلى ترجمان يكون عالما باللسانين واقفا على مقاصد الفريقين ليعتذر عن هذا الفريق لهذا الفريق وبالعكس.
فإن الذي أنكره علماء الرسوم على علماء الحقائق هو بعينه لو ظهر العلماء الحقائق من أنفسهم لأنكروه.
والذي اعترفت به علماء الحقائق وجهلوا فيه علماء الرسوم لو ظهر بعينه لعلماء الرسوم لآمنوا به وأذعنوا له من غير شك ولا تردد وكيف وهو ما تقوله علماء الرسوم بعينه.
ولكنه مفهوم بالفهم الرباني مؤيدة بالتوفيق الصمدانی والإلهام الرحماني.
وأرجو بعون الله تعالى أن أكون أنا ذلك الترجمان المذكور لهذا الكتاب الذي هو كتاب فصوص الحكم عناية وتوفيقة من الرب الغفور.
وحيث تمت المقدمة فلنشرع في المقصود بمعونة الرب المعبود.
فنقول وعلى الله القبول : قال الشيخ محيي الدين بن العربي قدس الله روحه ونور ضريحه :

OU0X0JhQZ7Y

  السابق

المحتويات

التالي  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!