موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المفاتيح الوجودية والقرآنية
لفصوص الحكم

تأليف: الشيخ عبد الباقي مفتاح

فص حكمة قدوسية في كلمة إدريسية

  السابق

المحتويات

التالي  

فص حكمة قدوسية في كلمة إدريسية


04 - فص حكمة قدوسية في كلمة إدريسية .كتاب المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص الحكم الشيخ الأكبر للشيخ عبد الباقي مفتاح

كتاب المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم الشيخ الأكبر ابن العربي للشيخ عبد الباقي مفتاح

الجسم هو آخر مراتب الظهور العينى. فالاسم الظاهر المتوجه على إيجاد الجسم يستلزم ظهور الاسم الآخر .
وفي هذا المعنى يقول الشيخ في حضرة الآخر من الباب 558: (... فالإنسان الكامل هو الآخر لأنه في الرتبة الثانية وهو الخليفة وهو أيضا الآخر بخلقه الطبيعي فإنه آخر المولدات) .. فظهر جسمه فكان المسمى آدم فهو الآخر.
بالنسبة للصورة الإلهية والآخر أيضا بالنسبة للصورة الكونية الطبيعية فهو الآخر نفسا و جسما وهو الآخر برجوع أمر العالم إليه...).
فظهر الآخر في المرتبة الرابعة متوجها على إيجاد مرتبة الهباء التي هي مظهر من حقيقة الحقائق أي أعلى وآخر المراتب الجامعة للإطلاق والتقييد والعدم والوجود... و لعلوها يرمز لها بالعنقاء التي تحوم فوق قمة جبل قاف.
فمرتبتها أنسب المراتب لإدريس عليه السلام الذي قال الله عنه :"ورفعناه مكانا عليا" (مريم، 57).
وقرن تعالى العلو الربوبي بالتسبيح والتقديس فقال: "سبح اسم ربك الأعلى" (الأعلى، 1) .
ولهذا كان وصف حكمة هذا الفص بالقدوسية لأن التسبيح الأعلى هو التقديس ولهذا ورد في الحديث الشريف أن من أذكار الملإ الأعلى: " سبوح قدوس رب الملائكة والروح".
وقد تمكن إدريس عليه السلام من التقديس والتروحن إلى أن اتصل بروحانيات السماوات والبروج .
وترقى إلى عالم القدس فاطلع على أسرار التدبير والتفصيل في الملك والملكوت وعلم الناس علوم الحكمة .
ثم رفع إلى قطب السماوات في الفلك الشمسي فهو قطب الأرواح السماوية المقدسة.
يقول الشيخ عن مرتبة الهباء الإدريسية ما خلاصته:
(اعلم أن هذا الجوهر مثل الطبيعة لا عين له في الوجود وإنما تظهره الصورة فهو معقول غير موجود الوجود العيني.
ونسميه العنقاء فإنه يسمع بذكره ويعقل ولا وجود له في العين.
وقد كان الله ولا شيء معه. فلما أراد وجود العالم وبدأه على حد ما علمه بعلمه بنفسه انفعل عن تلك الإرادة المقدسة بضرب بحل من تحليات التترية إلى الحقيقة الكلية انفعل عنها حقيقة تسمى الهباء هي ممتلة طرح البناء الجص ليفتح فيها ما شاء من الأشكال والصور وهذا هو أول موجود في العالم، وقد ذكره علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم وجهه .
ثم إنه تعالى تجلى بنوره إلى ذلك الهباء - ويسميه أهل الأفكار :
الهيولي الكل - والعالم كله فيه بالقوة والصلاحية فقبل منه تعالى كل شيء في ذلك الهباء على حسب قوته واستعداده كما تقبل زوايا البيت نور السراج.
فلم يكن أقرب إليه قبولا في ذلك الهباء إلا حقيقة محمد صلى الله عليه وسلم المسماة بالعقل .
فكان سيد العالم بأسره وأول ظاهر في الوجود فكان وجوده من ذلك النور الإلهي ومن الهباء ومن الحقيقة الكلية.
وفي الهباء وجد عينه وعين العالم من تجليه وأقرب الناس إليه علي بن أبي طالب وأسرار الأنبياء أجمعين.
فهذا العقول الهبائي هو كل أمر يقبل بذاته الصور المختلفة التي تليق به وهو في كل صورة بحقيقته وفيه تظهر العين التي تقبل حكم الطبيعة وهو الجسم الكل وهذا المعقول إنما قيدنا مرتبته بأنها الرابعة من حيث قبوله صورة الجسم خاصة.
وأما بالنظر إلى حقيقته فليست هذه مرتبته ولا ذلك الاسم اسمه وإنما اسمه الذي يليق به الحقيقة الكلية التي هي روح كل حق ومنى خلى عنها حق فليس حقا، وهو قديم في القديم حقيقة و حادث في المحدث حقيقة.
لأنه بذاته يقابل كل متصف به وهو في كل ذات بحقيقته وعينه وما له عين وجودية سوى عين الموصوف فهو على أصله معقول لا موجود وجودا عينيا .
ومثاله في الحس البياض في كل أبيض أو التربيع في كل مربع.
فالمعنى القابل لصورة الجسم هو المذكور المطلوب في هذه المرتبة الرابعة.
والجسم القابل للشكل هو هباء لأنه يقبل الأشكال لذاته فيظهر فيه كل شكل وليس في الشكل منه شيء وما هو عين الشكل.
والأركان هباء للمولدات وهذا هو الهباء الطبيعي، والحديد وأمثاله هباء لكل ما تصور منه من سيف ومفتاح وغيرها وكلها صور أشكال ومثل هذا يسمى الهباء الصناعي. فهذه أربعة عند العقلاء، والأصل هو الكل.
وزدنا نحن حقيقة الحقائق التي تعم الخلق والحق وما ذكرها أحد من أهل النظر إلا أهل الله.
وهذا كله من حكم الاسم الأخير الظاهر التي هي كلمة النفس الرحماني وهو الذي توجه على الدبران من المنازل و اسمها مناسب للآخر لأن الإدیار هو التأخر - وكواكبه ستة وهو أول عدد كامل فهو أصل كل عدد كامل فكل مسدس في العالم له نصيب من هذه الكمالية.
وإنما وصف بالكماليه لأنه يظهر عن نصفه وثلثه و سدسه فيقوم من عين أجزائه وعليه أقامت النحل بينها حتى لا يدخله خلاء). انتهى.
و لعلو هذه المرتبة المعقولة كان مدار هذا الفص الإدريسي حول على المكانة والمكان.
لأن الاسم العلي في الأسماء الحسنى كالهباء بالنسبة لصور العالم لقول الشيخ عنه: (والعلي لنفسه هو الذي يكون له الكمال الذي يستغرق به جميع الأمور الوجودية والنسب العدمية بحيث لا يمكن أن يفوته نعت منها وليس ذلك إلا لمسمى الله تعالى خاصة.).
ومن أقرب المعقولات المرتبة الهباء معقولية العدد. فالعدد لا وجود عيبني له وإنما يظهر بظهور المعدود.
ولذلك خصص الشيخ في هذا الفص فقرة حول العدد وفيها يقول:
(وما ظهر حكم العدد إلا بالمعدود... وقد يعدم الشيء من حيث الحس وهو موجود من حيث العقل) .
وحيث أن مرتبة الهباء هي محلى كل الصور. فقد كرر الشيخ في هذا الفصل لفظة "صورة" نحو ست مرات.
وفي النصف الأخير من الفص مهد للفص الإبراهيمي الموالي بذكره الآيات قصة رؤيا إبراهيم مع ولده والكبش وأشار إلى الاسم الظاهر الحاكم عليه بقوله: (فظهر بصورة كبش من ظهر بصورة إنسان. فمن الطبيعة ومن الظاهر منها؟...).
وإنما ذكر الطبيعة لعلاقتها بالهباء فهما توأمان حسب قوله في الباب 11 من الفتوحات: (فالطبيعة والهباء أخ وأخت لأب واحد وأم واحدة فأنكح الطبيعة الهباء فولد بينهم الجسم الكلي وهو أول جسم ظهر فكان الطبيعة الأب فإن لها الأثر وكأن الهباء الأم فان فيها ظهر الأثر وكان النتيجة الجسم ثم نزل التوالد في العالم إلى التراب).
السورة القرآنية الخاصة بالفص الإدريسي
04: مفتاح سورة فص إدريس عليه السلام
هذا الفص و سابقه أخوان لأن الاسمين الحاكمين على حكمتيهما أخوان وهما: "السبوح القدوس".
وكذلك الاسمان المتوجهان على إيجاد المرتبتين الثالثة والرابعة من مراتب العالم، أي الطبيعة و الهباء هما أيضا أخوان وهم "الباطن" و"الآخر".
فالباطن لنوح والطبيعة والآخر لإدريس و الهباء .
والطبيعة والهباء توأمان حسب ما ذكره الشيخ في الباب -11- في حيث يقول: " ... بعد أن عرفت الأب الثاني من الممكنات وأنه أم ثانية للقلم الأعلى كان مما ألقى إليها من الإلقاء الأقدس الروحاني: الطبيعة والهباء. فكان أولى أم ولدت توأمين ..."
وإنما ذكرنا هذا لعلاقته مع سورة هذا الفص وهي سورة الليل أخت سورة ليلة القدر أي سورة مرتبة الطبيعة وفص نوح، و المفتتحة بنكاح الليل والنهار والذكر والأنثى " والليل إذا يغشى . والنهار إذا تجلى . وما خلق الذكر والأنثى " (الليل، 1-3)
ومناسبة سورة الليل -- لهذا الفص له عدة وجوه منها:
أولا: مناسبتها للقدوس لأن الليل يرمز إلى غيب الهوية أي التنزيه والتقديس .
والنهار يرمز إلى الظهور والتشبيه.
قال تعالى :"والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى " (الليل، 1-2) وتكلم الشيخ في هذا الفص عن الحق المنزه والخلق المشبه.
ثانيا: مناسبتها للهباء أي الهيولى التي يصفها الشيخ بالسواد فيقول في جوابه عن السؤال "153" من أسئلة الترمذي: "والحرف صورة في السبخة السوداء.
فإن قلت وما السبخة قلنا الهباء الذي فتح فيه صور أجسام العالم... " وفي الباب "289" الفتوحات يقول: "فكل ظلام في العالم من جوهر الهباء الذي هو الهيولى"
ثالثا: مناسبتها مع "إدريس" عليه السلام يظهر من آيته التي افتتح الشيخ ما الفص أي: "ورفعناه مكانا عليا" وجل الفص يدور حول مفهوم العلو من "الآية 20 في سورة الليل "إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى " قيل إن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق عنه وهو من المحمديين الذين قال الشيخ عنهم: "... وأما علو المكانة فهو لنا أعني المحمدين قال الله تعالى: "وأنتم الأعلون والله معكم " (محمد، 35 ) في هذا العلو.
" فكأنه يشير إلى آية 40 من سورة التوبة وفيها وصف حال النبي والصديق ومعية الله تعالى لهما ثان أثنين إذ هما في الغار إذ يقول يصيبه لا تحزن إن الله معنا )
وكان الشيخ يلوح لتلك الآية و" إلا ابتغاء وجه به الأعلى ".
في قوله: "قد ظهر في هذا القول عشرون مرتبة" لأنها هي الآية العشرون.
والمعنى الظاهر للعشرين مرتبة هو مراتب الآحاد التسعة و مراتب العشرات التسعة ثم المائة ثم الألف فمجموعها عشرون...
وبدأ الشيخ هذا المنزل بقوله... "إن هذا المنزل من أعظم المنازل قدرا هو منزل النكاح الغيبي".
وهو نكاح المعاني والأرواح ويختص هذا المنزل علم التجلي الإلهي المشبه بالشمس ليس دونها سحاب دون التجلي القمري البدري..." إلى آخره.
يشير إلى الآية 2 ( والنهار إذا تجلى ) ومن هنا تظهر مناسبة أخرى بين هذه السورة و إدريس لأنه هو قطب فلك الشمس في السماء الرابعة التي بشروقها يتجلى النهار.
ورأينا في فص شيث أن شروقها هو "الضحى".
ومدار ذلك الفص على أيته "ولسوف يعطيك ربك فترضى " (الضحى، 5) .
ومدار هذا الفص على آية الليل الأخيرة "إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى . ولسوف يرضى )[ 20-21].
فتلك الآية من "الضحى" للنبي صلى الله عليه وسلم وهذه الآية من "الليل" لصاحبه أبي بكر الصديق رضي الله عنه فبشر الصاحيين بالرضا.. .
وكلامه عن الأول والأخر والعين واحدة من الآية (13) " وإن لنا للآخرة والأولى" وكلام الشيخ حول تشتت الأعداد من الواحد مرجعه للآية (4) "إن سعيكم لشتى" وكلامه عن الولد ووالده والزوج والنكاح مرجعه للآية(3) "وما خلق الذكر والأنثى".
وذكر أبا سعيد الخراز الذي قال: عرفت الله بجمعه بين الضدين، وهو عين ما نجده في الباب "292 فتوحات " الذي هو باب مزل سورة "الليل" - حيث يقول: "وأما علم تألف الضرتين فاعلم أن أبا سعيد الخراز قيل له: بم عرفت الله ؟ فقال بجمعه بين الضدين وتلا هو الأول والآخر أي هو أول من عين ما هو آخر وظاهر من حيث ما هو باطن".
وقول الشيخ: "إن كل أسم إلهي يسمى بجميع الأسماء الإلهية وينعت ما" مناسب لقوله عن الجوهر المباني في "الباب 198 فتوحات فصل 14" : الهباء هو كل أمر يقبل بذاته الصور المختلفة التي تليق به وهو في كل صورة بحقيقته".
علاقة هذا الفص بسابقه ولا حقه
- ذكرنا في البداية الأخوة بين هذا القص القدوسي الإدريسي الهبائي الآخر من سورة "الليل" والفص السابق النوحي السبوحي الطبيعي الباطن من سورة "ليلة القدر".
ولتأكيد هذه العلاقة ذكر الشيخ في هذا الفص الإدريسي الطبيعة وأركانها فقال : "... فمن الطبيعة ومن الظاهر منها... فهذا بارد یابس وهذا حار يابس: فجمع بالبس وأبان بغير ذلك. والجامع الطبيعة لا بل العين الطبيعية. فعالم الطبيعة صور في مرآة واحدة، بل صورة واحدة في مرايا مختلفة.".
وقوله عن الطبيعة: "من الظاهر فيها ؟" .
تمهيد للدخول لفص إبراهيم التالي الحاكم على مرتبته الاسم "الظاهر".
وزاد توضيحا لهذا التمهيد بقوله عن إبراهيم وابنه عليهما السلام: " ... فانظر ماذا ترى" "قال يا أبت افعل ما تؤمر"، والولد عين أبيه.
فما رأي يذبح سوى نفسه "وفداه بذبح عظيم" فظهر بصورة كبش من ظهر بصورة إنسان.
وظهر بصورة ولد. لا بل بحكم ولد من هو عين الوالد".
.

9hgezHGYm-w

  السابق

المحتويات

التالي  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب فصوص الحكم وشروحاته

مطالعة هذه الشروحات والتعليقات على كتاب الفصوص


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!