موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المفاتيح الوجودية والقرآنية
لفصوص الحكم

تأليف: الشيخ عبد الباقي مفتاح

فص حكمة مالكية في كلمة زكراوية

  السابق

المحتويات

التالي  

فص حكمة مالكية في كلمة زكراوية


21 - فص حكمة مالكية في كلمة زكراوية .كتاب المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص الحكم الشيخ الأكبر للشيخ عبد الباقي مفتاح

كتاب المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم الشيخ الأكبر ابن العربي للشيخ عبد الباقي مفتاح
المرتبة 21 : فص حكمة مالكية في كلمة زكراوية. من الاسم المميت ومرتبة الأرض وحرف الصاد ومنزل البلدة .
لا ظهور لعزة العزيز إلا بظهور عكس العزة وهو القهر الذي ينتهي بالموت .
وغاية العز هو البقاء والثبات في الكمال والغنى ، وهذا يستلزم أن يكون غيره متغيرا تحت قهر الإستحالات أي فناء صورة واستبدال أخرى بها وهو المعبر عنه بالموت .
أي أن ظهور العزيز يستلزم ظهور اسمه تعالى المميت ليتميز الحق تعالى بعزته عن خلقه المقهور في كل آن تحت حكم المميت .
وبظهور المميت وتوجهه وجدت المرتبة الإحدى والعشرون المتمثلة في ركن الأرض الترابي وحرف الصاد ومنزل البلدة بطبعها اليابس الحار المميت لأنه طبع النار لوجود البلدة في حكم برج القوس النارى ، والقوس من رموز الموت بسهمه المصيب .
وفي القرآن نجد الموت مقترنا بالأرض والتراب في العديد من الآيات كقوله تعالى :فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها( فاطر ، 9 ) .فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ( سبأ ، 14 ) .
ووردت لفظة بلدة مقترنة بالموت أيضا :فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً( الزخرف ، 11 ) ،وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً( ق ، 11 )
فانظر كيف اقترن المميت بمنزل البلدة وركن التراب . .
وأنسب الأنبياء إلى هذه المرتبة هو زكرياء عليه السلام لما ظهر فيه وفي زوجه من اشتعال الرأس بالشيب والعقم ثم رحمه اللّه تعالى فأصلح زوجه - كما يحيى اللّه بالماء الأرض - ووهبه يحيى .
لكن يحيى كان حصورا فلم يتزوج ولم يترك عقبا .
ومات زكرياء ويحيى مقتولين شهيدين فاسمه تعالى المميت كان له خصوص توجه للمظهر الزكراوي من حقيقة الإنسان الكامل . .
ولهذا أيضا كانت حكمة هذا الفص مالكية لأن المالك هو الشديد ومن أكبر الشدائد الموت .
وكان الغالب على زكرياء حكم المالك لتشديده على نفسه في المجاهدات ولشدة نفوذ همته في طلب الوارث من اللّه تعالى فصلحت زوجه العقيم في سن إلياس وأنجبت يحيى
.
وأما علاقة المالك بالأرض فلأن الأرض هي عرش الخلافة ومنصة ملكها أي الإنسان الكامل وخلفاؤه وهو المخلوق على صورة الرحمن خليفة اللّه في الأكوان وللصورة حرف الصاد الذي يقول الشيخ عنه ( ف ص 71 ) الصاد حرف من حروف الصدق والصون والصورة . . .
حرف شريف عظيم أقسم عند ذكره بمقام جوامع الكلم وهو المشهد المحمدي في أوج الشرف بلسان التمجيد ) .
فالصدق والصون والصورة من أوصاف الكامل المالك خليفة الرحمن . . .
ومدار هذا الفص كله على رحمة الرحمن الواسعة ، التي لها علاقة بالمميت إذ يقال عن الميت إنه انتقل إلى رحمة اللّه ويسمى عادة بالمرحوم واقترنت الرحمة بزكرياء وحرف الصاد في فاتحة سورة مريم : كهيعص ( 1 ) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا.
ومن شدة المميت المالك تكلم الشيخ في هذا الفص على الآلام والبلاء والانتقام . . .
وكما أن لحرف هذه المرتبة أي الصاد الصدق - أي الشدة في التوجه - والصون - أي الشدة في الستر - والصمت - أي الشدة في الكتم - والصورة الرحمانية التي هي مجلى السيادة المالكة
فقد وصف الشيخ في الفصل 31 من الباب 198 الخاص بهذه المرتبة ركن الأرض بنفس تلك الصفات الصادية السيادية التي ظهرت في زكرياء وابنه يحيى الذي سماه اللّه في القرآن سيدا وحصورا ، فحاله كحال التراب عبودية وثباتا لعدم استحالته .
يقول الشيخ ما خلاصته : الأرض هي أول مخلوق من الأركان ثم الماء ثم الهواء ثم النار ثم السماوات وجعلها محلا لتكوين المعادن والنبات والحيوان والإنسان وجعلها حضرة الخلافة والتدبير فهي موضع نظر الحق وسخر في حقها جميع الأركان والأفلاك والأملاك وأنبت فيها من كل زوج بهيج .
وما جمع لمخلوق بين يديه سبحانه إلا لما خلق منها وهي طينة آدم عليه السلام خمرها بيديه وهو ليس كمثله شيء وأقامها مقام العبودية
فقال :الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا( الملك ، 15 ) ، وجعل لها مرتبة النفس الكلية التي ظهر عنها العالم كذلك ظهر عن هذه الأرض من العالم المولدات إلى مقعر فلك المنازل ) .
ويضيف الشيخ : ( وهذا الركن لا يستحيل إلى شيء ولا يستحيل إليه شيء وإن كان بهذه المثابة بقية الأركان ولكنه في هذا الركن أظهر حكما منه في غيره ( . . . )
فالرجل الذي رأى الحق حقا فاتبعه وحكم الهوى وقمعه " أي تحقق باسم المالك لنفسه المميت لهواه " فإذا جاع جوع اضطرار وحضر بين يديه أشهى ما يكون من الأطعمة تناول منه بعقله لا بشهوته ودفع به سلطان ضرورته ثم أمسك عن الفضل غنى نفس وشرف همة فذلك سيد الوقت فاقتد به ،
وذلك صورة الحق أنشأها اللّه صورة جسدية بعيدة المدى لا يبلغ مداها ولا يخفى طريق هداها وهذا هو طبع الأرض التي لا تقبل الاستحالة فيظهر فيها أحكام الأركان ولا يظهر لها حكم في شيء تعطي جميع المنافع من ذاتها ، هي محل كل خير فهي أعز الأجسام .
( . . . ) وهي الصبور القابلة الثابتة الراسية سكن ميدها جبالها التي جعلها اللّه أوتادها لما تحركت من خشية اللّه أمنها اللّه بهذه الأوتاد فسكنت سكون الموقنين .
ومنها تعلم أهل اليقين يقينهم ، فإنها الأم التي منها أخرجنا وإليها نعود ومنها نخرج تارة أخرى .
لها التسليم والتفويض . هي ألطف الأركان معنى .
وما قبلت الكثافة والصلابة إلا لستر ما أودع اللّه فيها من الكنوز لما جعل اللّه فيها من الغيرة فحار السعاة فيها فلم يخرقوها ولا بلغوا جبالها طولا .
أعطاها صفة التقديس فجعلها طهور
( . . . ) أنزلها منزلة النقطة من المحيط فلو زالت زال المحيط ولو زال المحيط لم يلزم زوالها فهي الدائمة الباقية في الدنيا والآخرة .
أشبهت نفس الرحمن في التكوين ( . . . ) جعلها بعد أن كانت رتقا سبعة أطباق لكل أرض فلك سماء : فالأرض الأولى هي التي نحن عليها للسماء العليا ثم تنزل إلى أن تنتهي إلى الأرض السابعة والسماء الدنيا ( . . . )
وجعلها سبعة أقاليم لكل إقليم بدل يمسك اللّه وجود ذلك الإقليم به.
وهؤلاء الأبدال السبعة على قلوب أقطاب السماوات السبعة حسب ترتيبهم :
إبراهيم وموسى وهارون مع يحيى وإدريس ويوسف وعيسى مع يحيى وآدم عليهم السلام .
وفي آخر الفص أورد الشيخ الآية : "فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ" (الأعراف ، 156 )، يشير بالزكاة إلى المال المكنوز كتمهيد للفص الموالي الإلياسي الذي له مرتبة المعدن .
ومن المعادن الذهب والفضة .
والكنوز التي تلزم زكاتها . . . ثم ذكر رحمتي الوجوب والامتنان وصفتي العلم والعمل المناسبتين لنوعي تدبير المعادن كما وصفهما في الباب 167 من الفتوحات وهما إزالة علة المعدن أو إلقاء الإكسير عليه ،
وإشارة إلى الطريقتين المتبعتين في ذلك:
إما بطريق الحكمة والعلم وهي الأشرف
وإما بطريق الهمة وخرق العادة كما ذكرناه في آخر المرتبة السابقة .
وأخيرا فان للفصين المتتابعين الإلياسي والزكراوي علاقة تتمثل في سلطان الوهم .
ففي هذا الفص يقول :
" الأثر لا يكون إلا للمعدوم لا للموجود وإن كان للموجود فبحكم المعدوم وهو علم غريب ومسألة نادرة ولا يعلم تحقيقها إلا أصحاب الأوهام فذلك بالذوق عندهم وأما من لا يؤثر الوهم فيه فهو بعيد عن هذه المسألة .
ثم فصل حقيقة الوهم في فص إلياس فقال :
(ولذلك كانت الأوهام أقوى سلطانا في هذه النشأة من العقول ... فالوهم هو السلطان الأعظم في هذه الصورة الكاملة الإنسانية وبه جاءت الشرائع.) .
21 : سورة فص زكريا عليه السلام
سورة هذا الفص هي سورة " البلد " والاسم الحاكم على هذا الفص هو " المميت " المتوجه على إيجاد " التراب " وعلى منزل " البلدة " في برج القوس ، وعلى حرف الصاد من الحروف اللفظية . وله من الحروف الرقمية حرف " الشين " .
فمن الاتفاق اللطيف أن اسم السورة " البلد " مطابق للمنزلة الفلكية " البلدة " وبرج القوس له طبع النار حار يابس جلالي الحال له الشدة والبأس المناسبان للآية " 4 " من البلد :لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍوسهم القوس مناسب للاسم " المميت " .
ولهذا كانت حكمة هذا الفص مالكية لأن المالك هو الشديد القهر . وكان زكرياء شديد المجاهدة عظيم المكابدة . ومن مظاهر الشدة في السورة :فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ( 11 ) وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ. . .عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌالآية " 11 - . . . - 20 " والآية " 17 " :. . . وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ . . . والاسم " المميت " المتوجه على إيجاد " التراب " له صداه في السورة في كلمة يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ( البلد ، 14 ) والجوع قريب من الموت ، وكذلك للتراب صداه في كلمة أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ( البلد 16 )
ومدار جلّ الفصل حول وسع الرحمة من الآية : " وتواصوا بالمرحمة " وفي السورة أمر بالتخلق بالرحمة رحمة الأسير واليتيم والمسكين .
ولهذا نجد الشيخ في الباب " 294 فتوحات " المتعلق بمنزل سورة " البلد " يتكلم عن وسع الرحمة ، ويختم الباب بنفس ما بدأ به هذا الفص حيث يذكر سبق الرحمة للغضب وأن الرحمة ستعم بعد إقامة الحدود .
قوله في هذا الفص : " وقد ذكرنا في الفتوحات أن الأثر لا يكون إلا للمعدوم لا للموجود " . فهذا مناسب لقوله في الباب " 294 فتوحات " :
" اعلم أن هذا المنزل يتضمن علم مرتبة العالم عند اللّه بجملته ، وهل العدم له مرتبة عند اللّه يتعين تعظيمه من أجلها أم لا "
وفي وسط الباب يقول : " فلا يعرف اللّه مما سوى اللّه أعظم معرفة من العدم المطلق " . . .
وقد افتتح هذا الباب الخاص بمنزل سورة البلد بالإشارة إلى وراثة النبوة من الآية " ووالد وما ولد " كوراثة يحيى لزكريا أو وراثة العلماء والأولياء للنبي صلى اللّه عليه وسلم
فقال :
حرم اللّه قلب كل نبي .... وكذا قيل قلب كل ولي
ورثوه وورثوه بنيهم .... في علوم وفي مقام علي
علاقة هذا الفص بلاحقه:
ختم الفص بالمغفرة في الآية المخاطب بها الرسول صلى اللّه عليه وسلم :لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ( الفتح ، 2 )
وبداية هذه الآية في سورة الفتح هي :إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً
وآخرها :وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً( الفتح ، 1 - 3 ) .
وهذا النصر والفتح والمغفرة هو عين ما نجده في سورة الفص الإلياسي التالي أي سورة " النصر " :إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ. . .وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً( النصر ، 1 - 3 )
والفتح المذكور في سورة فص إلياس هو فتح مكة أي البلد المقسم به في فاتحة سورة فص زكرياء :لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ ( 1 ) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ( البلد ، 1 - 2 ) .
وكلمة " عزيزا " من الآية تشير إلى الاسم " العزيز " الحاكم على فص إلياس بمرتبته المعدنية.
.

PVVJptG-TZQ

  السابق

المحتويات

التالي  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!