موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المفاتيح الوجودية والقرآنية
لفصوص الحكم

تأليف: الشيخ عبد الباقي مفتاح

فص حكمة غيبية في كلمة أيوبية

  السابق

المحتويات

التالي  

فص حكمة غيبية في كلمة أيوبية


19 - فص حكمة غيبية في كلمة أيوبية .كتاب المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص الحكم الشيخ الأكبر للشيخ عبد الباقي مفتاح

كتاب المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم الشيخ الأكبر ابن العربي للشيخ عبد الباقي مفتاح
المرتبة 19 -لفص حكمة غيبية في كلمة أيوبية . من الاسم الحي وفلك الهواء وحرف الزاي ومنزلة الشولة .
فعل الإحياء لا يظهر الا ممن له الحياة الذاتية ، فهو لا يستمد حياته من غيره أي أن الاسم : المحيي يستلزم ظهور الاسم : الحي .
فلهذا جاءت المرتبة 19 للحي الذي هو أول الأسماء الصفاتية وينبوع الكمالات وإليه ترجع الأسماء الأمهات .
ولمكانته القطبية ظهر بتوجهه أقوى الأركان وأعمها وسبب حياة الكائنات جميعها أي الهواء الذي يقول عنه الشيخ في الفصل 29 ن الباب 198 باختصار : ( ولا يسمى الهواء ريحا إلا إذا تحرك وتموج .
وهو ذو روح يعقل كسائر أجسام العالم وهبوبه تسبيحه وما ثم شيء أقوى منه إلّا الإنسان حيث يقدر على قمع هواه الذي أوجده اللّه فيه فيظهر عقله في حكمه على هواه.
فإنه لقوة الصورة التي خلق عليها ، الرياسة له ذاتية ، ولكونه ممكنا الفقر والذلة له ذاتية .
فإذا غلب فقره على رياسته فظهر بعبوديته ولم يظهر لربوبية الصورة فيه أثر لم يكن مخلوق أشد منه .
فالهواء موجود عظيم وهو أقرب الأركان نسبة إلى نفس الرحمن .
وهو نفس العالم الكبير وهو حياته وله القوة والاقتدار ، وهو أقوى المؤثرات الطبيعية في الأجسام والأرواح . وهو أصل حياة العالم الطبيعي كما أن الماء أصل الصور الطبيعية . فصورة الهواء من الماء وروح الماء من الهواء . ولو سكن الهواء لهلك كل متنفس وكل شيء في العالم متنفس فان الأصل نفس الرحمن .
وجعله اللّه لطيفا يسوق الأرواح إلى المشام ويوجد النغمات فيؤثر السماع الطبيعي في الأرواح ويحرك ويطفي ويشعل وفيه تظهر صور الحروف والكلمات فلولا الهواء ما نطق ناطق ولما كان الباري متكلما ويحدث فيه صور الجنين في النكاح والثمر في اللقاح
قال تعالى :وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ ( الحجر ، 22 ) ووصف الحق تعالى نفسه بأن له نفسا وإن كان ليس كمثله شيء ولكن نبه عباده العارفين أن علمه بالعالم علمه بنفسه ووصف نفسه سبحانه بأنه ينفخ الأرواح فيعطى الحياة في الصور المسواة فجاء بالنفخ الذي يدل على النفس .
فحياة العالم بالنفخ الإلهي من حيث أن له نفسا فلم يكن في صور العالم أحق بهذه الحياة من الهواء فهو الذي خرج على صورة النفس الرحماني الذي ينفس اللّه به عن عباده ما يجدونه من الكرب والغم الذي تعطيه الطبيعية ) انتهى .
وأنسب الأنبياء لهذا النفس الرحماني الهوائي هو أيوب عليه السلام الذي نفس عليه ما يجده من كرب المرض وغم فقدان الأهل والمال بعد أن قال له :ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ( ص ، 42 ) ، فجعل الشيخ هذا الباب 19 للكلمة الأيوبية وبدأه بذكر سر الحياة ، أي الهواء الساري في الماء كسريان الاسم : الحي في الاسم : المحيي .
ثم أشار إلى علاقة هذا الفص بالهواء والنفس
فقال : " من أجل أن الحقائق والشهود تعطي التكوين مع الأنفاس على الدوام " .
وفي أول الباب مقارنة خفية بين العرش المحمول على الماء ، والماء على الهواء ، وبين أيوب الذي انفجر الماء تحته فسرى فيه نفس الرحمة والحياة ،
وفي هذا إشارة إلى أن الإنسان الكامل مكتنف بالرحمة من جميع جوانبه كالعرش إذ كلاهما مجلى استواء الرحمانية ومن تحتهما تتفجر مياه الحياة الأزلية . . .
وأما وصف حكمة أيوب بالغيبية فلأنّ أقرب الأركان للغيب هو الهواء لأنه هو أصل الأركان والأصل غيب الهوية ولهذا تكلم الشيخ في هذا الفص على الهوية
فقال : فالعارف لا يحجبه سؤال هوية الحق في رفع الضر عنه عن أن تكون جميع الأسباب عينه من حيثية خاصة .
وهذا لا يلزم طريقته إلّا الأدباء من عباد اللّه الأمناء على أسرار اللّه ، فإن للّه أمناء لا يعرفهم الا اللّه ويعرف بعضهم بعض
( وكتم أسرار الأمانة من مظاهر الغيب الدال على أن صاحبه ممن ملك هواه . يقال : الريح نمامة أي تشيع الخبر والروائح والأنغام كما يشيع النمام الحديث . . . والأديب الأمين بتحكيم عقله على هواه كاتم للأسرار فباطنه غيب . . . ) وقد تكلم الشيخ في الباب 371 من الفتوحات المخصوص بسورة الرعد عن علاقة الهواء بالغيب
فيقول : ( فالعرش إنما يحمله الماء الجامد ، والحملة التي له إنما هي خدمة له تعظيما وإجلالا . وذلك الهواء نفس الظلمة التي هي الغيب .
ولا يعلم أحد تلك الظلمة إلا اللّه كما قال :عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً( الجن ، 26 ) ، وفيها يكون الناس على الجسر إذا بدلت الأرض غير الأرض .

ويقول الشيخ في هذا الباب :
فإن الهواء هو الأصل عندن ولذلك هو أقرب نسبة إلى العماء الذي هو نفس الرحمن
فجمع بين الحرارة والرطوبة .
فمن حرارته ظهر ركن النار ،
ومن رطوبته ظهر ركن الماء
ومن جمود الماء كان الأرض .
فالهواء ابن للنفس وهو العماء
والماء والنار ولدان للهواء والأرض ولد الولد وهو ما جمد من الماء ).
( وأما علاقة أيوب بالغيب فلأن كل أحواله عطاء من الغيب بلا كسب كالأموال والبنين ثم الابتلاء بفقدهم وصبره على ذلك ثم كشفه الضر عنه بالماء المتفجر تحته وبإعادة أهله وأمواله ومثلهم معهم كل ذلك من يقينه بغيب اللّه فرحمه اللّه من غيبه .
حتى ورد في الحديث الذي رواه أحمد وابن أبي حاتم وابن حبان : ( لما عافى اللّه أيوب عليه السلام أمطر عليه جرادا من ذهب فجعل يأخذ منه بيده ويحمل في ثوبه فقيل له : يا أيوب أما تشبع ؟ قال : يا رب ومن يشبع من رحمتك ) .
وأما الحرف اللفظي التاسع عشر الموجود عن توجه الحي فهو الزاي الذي له صفات .
الجهر والإرتخاء والانفتاح والإنسفال والصفير .
وهو عند الشيخ من الحروف المقدسة التي تتصل بها الحروف وهو لا يتصل بها فهو أحد حروف الذات السبعة " أدذرزول " وهو مخصوص بالتتريه الذاتي وتتريهه هذا مناسب لحكمته الغيبية فالغيب الباطن هو المتره .
يقول الشيخ عنه في تعريفه في الباب الثاني من الفتوحات :
في الزاي سرّ إذا حققت معناه ... كانت حقائق روح الأمر مغناه
إذا تجلى إلى قلب بحكمته ... عند الفناء عن التنزيه أغناه
فليس في أحرف الذات النزيهة من ... يحقق العلم أو يدريه إلا هو
فانظر كيف ختم الأبيات بهوية الغيب المترهة .
وأما المترلة الفلكية المناسبة لهذه المرتبة الأيوبية فهي الشولة .
وفعل " شال " يعني : رفع .
فالشولة تشير إلى الحركة نحو العلو كما يرفع الهواء الأجسام ، والرفع إلى العلو تتريه .
والثلثان الأولان للشولة في برج العقرب الذي له طبع الماء البارد الرطب ، وبيد ملك هذا البرج مفتاح خلق النباتات .
وثلثها الأخير في برج القوس الناري الحار اليابس ولملكه تدبير الأجسام النورية والظلمانية ومفتاح خلق النار حسب ما ذكره الشيخ في " عقلة المستوفز ".
ولتأكيد المناسبات بين الاسم الإلهي وما يوجد عنه من مراتب وحروف ومنزلة فلكية
يقول الشيخ في آخر هذا الفصل 29 من الباب 198 :
" فله - أي للهواء - حرف الزاي وهو من حروف الصفير فهو مناسب لأن الصفير هواء بشدة وضيق وله الشولة وهي حارة فافهم " .
19 : سورة فص أيوب عليه السلام
سورة هذا الفص هي " الشرح " المناسبة تماما لحال أيوب الذي شرح اللّه صدره بالنبوة ووضع وزره الذي أنقض ظهره من البلاء العظيم الذي أصابه ، ورفع ذكره في القرآن وجعل له بعد العسر يسرا ، ووفقه للصبر ،
ورغب من ربه وحده في رفع الضر عنه متحققا بآخر آية من " الشرح " الآية ( 8 ) :وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ ولهذا ختم الشيخ الفص بالشكوى إلى اللّه والرغبة إليه فأيوب أواب إلى اللّه تعالى أي راغب في فضله رجاع له لا إلى الأسباب .
وأتى الشيخ بجملة هي كالشرح للآيتين الأخيرتين من " الشرح " فقال في نهاية الفص : " فقد نصحناك فاعمل " إشارة إلى الآية ( 7 ) :فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ
ثم قال : " وإياه سبحانه فاسأل " إشارة إلى "وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ" والاسم الحاكم على هذا الفص - هو " الحي " المتوجه على إيجاد الهواء . وبالهواء يشرح الصدر حس .
وفي الفص كلام عن إزالة الآلام وزوال الغضب ، كل ذلك من الآيات :وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ. . .إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً( الشرح ، 2 - 6 ) وهو نفس ما نجده في الوصل " 21 " من الباب " 369 فـ " وهو الوصل الخاص بسورة " الشرح " حيث يقول : " . . . وزال ما كان يجده من ثقل الكون الذي من أجله سمي الجن والإنس : الثقلين .
وهو اسم لكل موجود طبيعي . وزال عنه ما كان يحس به من الألم النفسي والحسي ورفعه اللّه عند هذا مكانا عليا وهو نصيبه من مقام إدريس عليه السلام فارتفعت مكانته وزالت زمانته وحمد مسراه وحمد ما أعطاه سراه . . . "
وأما الآية ( 4 ) : وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ
فيناسبها قول الشيخ : " وأعلم أن سر اللّه في أيوب الذي جعله عبرة لنا وكتابا مسطورا خاليا تقرؤه هذه الأمة المحمدية لتعلم ما فيه فتحلق بصاحبه تشريفا لها . "
علاقة هذا الفص بسابقة ولاحقه
الفص السابق تكلم عن القتل والموت من تباب سورة " المسد " . وكل موت من موطن هو حياة في موطن آخر .
فجاء هذا الفص يتكلم عن الحياة بعد الهلاك من سورة " الشرح " لأيوب .
وفي الفص السابق كلام حول الذكر ورفعته :وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ ، كذكر يونس :لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ( الأنبياء ، 87 ) وفي هذا الفص كلام عن تسبيح كل شيء .
وآخر ما ختم به هذا الفص " نصحناك فاعمل وإياه سبحانه فاسأل " من آخر الشرح الآية " 7 - 8 " :فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ( 7 ) وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ هو ما نجده عمليا في سورة " الكوثر " الآية " 2 " التي لها فص يحيى التالي :فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ.
ولفص " يحيى " الاسم " المحيي " وفلك الماء الذي حيي به أيوب والذي لفصه الاسم " الحي " : فالفصان متكاملان وسورتاهما في غاية المناسبة فموضوعهما ذكر النعم والتكاليف المخاطب بها سيدنا محمد صلى عليه وسلم وفيهما كبرى البشائر له .
فناسب شرح صدره صلى اللّه وعليه وسلم فص أيوب وناسب كوثره صلى اللّه عليه وسلم فص يحيى عليه السلام.
.

zSlDyuoR4HI

  السابق

المحتويات

التالي  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب فصوص الحكم وشروحاته

مطالعة هذه الشروحات والتعليقات على كتاب الفصوص


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!