موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

كتاب فصوص الحكم
وخصوص الكلم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

فص حكمة إحسانية في كلمة لقمانية

  السابق

المحتويات

التالي  

فص حكمة إحسانية في كلمة لقمانية


23- فص حكمة إحسانية في كلمة لقمانية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

إذ شاء الإله يريد رزقاً ..... له فالكون أجمعه غذاء

وإن شاء الإله يريد رزقاً ..... لنا فهو الغذاء كما يشاء
مشيئته إرادته فقولو ..... بها قد شاءها فهي المشاء
يريد زيادة ويريد نقصاً ..... وليس مشاءَه إلا المشاءُ
فهذا الفرق بينهما فحقق‏ ..... ومن وجه فعينهما سواء
قال تعالى‏ «وَ لَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ: ومَنْ يُؤْتَ‏ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً».
فلقمان بالنص ذو الخير الكثير بشهادة اللَّه تعالى له بذلك.
والحكمة قد تكون متلفظاً به ومسكوتاً عنها مثل قول‏ لقمان لابنه‏ «يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ وفِي السَّماواتِ وفِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ».
فهذه حكمة منطوق بها، وهي أن جعل اللَّه هو الآتي بها، وقرر ذلك اللَّه في كتابه، ولم يردّ هذا القول على قائله.
وأما الحكمة المسكوت عنه وعُلِمَتْ بقرينة الحال، فكونه سكت عن المؤتَى إليه بتلك الحبة، فما ذكره، وما قال لابنه يأت بها اللَّه إليك ولا إلى غيرك.
فأرسل الإتيان عام وجعل المؤتَى به في السموات إن كان وفي الأرض تنبيهاً لينظر الناظر في قوله‏ «وَ هُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وفِي الْأَرْضِ».
فنبه لقمان بما تكلم وبما سكت عنه أن الحق عين كل معلوم، لأن المعلوم أعم من الشي‏ء فهو أنكر النكرات .
ثم تمم الحكمة واستوفاها لتكون النشأة كاملة فيها فقال‏ «إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ‏ » فمن لطفه ولطافته أنه في الشي‏ء المسمى كذا المحدود بكذا عينُ ذلك الشي‏ء، حتى لا يقال فيه إلا ما يدل عليه اسمه بالتواطؤ والاصطلاح.
فيقال هذا سماء وأرض وصخرة و شجر وحيوان وملك ورزق وطعام.
والعين واحدة من كل شي‏ء وفيه.
كما تقول الأشاعرة إن العالم كله متماثل بالجوهر: فهو جوهر واحد، فهو عين قولنا العين واحدة.
ثم قالت و يختلف بالأعراض، وهو قولن ويختلف ويتكثر بالصور والنسب حتى يتميز فيقال هذا ليس هذا من حيث صورته وعرضه ومزاجه كيف شئت فقل. وهذا عين هذا من حيث جوهره، و لهذا يؤخذ عين الجوهر في كل حد صورة ومزاج: فنقول نحن‏ إنه ليس سوى الحق، ويظن المتكلم‏ أن مسمى الجوهر وإن كان حقاً، ما هو عين الحق الذي يطلقه أهل الكشف والتجلي. فهذا حكمة كونه لطيفاً.
ثم نعت فقال «خبيراً» أي عالماً عن اختبار وهو قوله‏ «وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ» وهذا هو علم الأذواق.
فجعل الحق نفسه مع علمه بما هو الأمر عليه مستفيداً علماً.
و لا نقدر على إنكار ما نص الحق عليه في حق نفسه: ففرَّق تعالى ما بين علم الذوق و العلم المطلق، فعلم الذوق مقيد بالقوى. وقد قال عن نفسه إنه عين قوى عبده في قوله «كنت سمعه»، وهو قوة من قوى العبد، «و بصره» وهو قوة من قوى العبد، «و لسانه» وهو عضو من أعضاء العبد، «و رجله ويده».
فما اقتصر في التعريف‏ على القوى فحسب حتى ذكر الأعضاء: وليس العبد بغير لهذه‏ الأعضاء والقوى.
فعين مسمى العبد هو الحق، لا عين العبد هو السيد، فإن النسب متميزة لذاتها، وليس المنسوب إليه متميزاً، فإنه ليس‏ ثَمَّ سوى عينه في جميع النسب.
فهو عين واحدة ذات نسب وإضافات وصفات.
فمن تمام حكمة لقمان في تعليمه ابنه ما جاء به في هذه الآية من هذين الاسمين الإلهيين «لطيفاً خبيراً»، سَمَّى بهما اللَّه تعالى.
فلو جَعَلَ ذلك في الكون- وهو الوجود- فقال «كان» لكان أَتَمَّ في الحكمة وأبلغ.
فحكى اللَّه قول لقمان على المعنى كما قال: لم يزد عليه شيئاً- وإن‏ كان قوله‏ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ من قول اللَّه- لما علم اللَّه من لقمان أنه‏ لو نطق متمماً لتمم بهذا.
وأما قوله‏ «إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ» لمن هي له غذاء، وليس إلَّا الذَّرَّة المذكورة في قوله‏ «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، ومَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ».
فهي أصغر متغذٍ والحبة من الخردل أصغر غذاء.
ولو كان ثم أصغر لجاء به كما جاء بقوله تعالى‏ «إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها ».
ثم لما علم أنه ثَمَّ ما هو أصغر من البعوضة قال‏ «فَما فَوْقَها» يعني في الصغر.
وهذا قول اللَّه- والتي في «الزلزلة» قول اللَّه أيضاً.
فاعلم ذلك فنحن نعلم أن اللَّه تعالى ما اقتصر على وزن الذرة وثَمَّ ما هو أصغر منها، فإنه جاء بذلك على المبالغة واللَّه أعلم. وأما تصغيره اسم ابنه فتصغير رحمة: ولهذا أوصاه‏ بما فيه سعادته إذا عمل بذلك.
وأما حكمة وصيته في نهيه إياه أن‏ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ‏ ، والمظلوم المقام حيث نعته بالانقسام وهو عين واحدة، فإنه لا يشرك معه إلا عينه وهذا غاية الجهل.
وسبب ذلك أن الشخص الذي لا معرفة له بالأمر على ما هو عليه، و لا بحقيقة الشي‏ء إذا اختلفت‏ عليه الصور في العين الواحدة، وهو لا يعرف أن ذلك الاختلاف‏ في عين واحدة، جعل الصورة مشاركة للأخرى في ذلك المقام فجعل لكل صورة جزءاً من ذلك المقام.
ومعلوم في الشريك أن الأمر الذي يخصه مما وقعت فيه المشاركة ليس عَين‏ الآخر الذي شاركه، إذ هو للآخر .
فإذن ما ثم شريك على الحقيقة، فإن كل واحد على حظِّه مما قيل فيه إن بينهما مشاركة فيه.
وسبب ذلك الشركةُ المشاعة، وإن كانت مشاعة فإن التصريف من أحدهما يزيل الإشاعة.
«قُلِ ادْعُوا اللَّهَ وادْعُوا الرَّحْمنَ‏» هذا روح المسألة.
.
....

m8Koh6O4exM

  السابق

المحتويات

التالي  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب فصوص الحكم وشروحاته

مطالعة هذه الشروحات والتعليقات على كتاب الفصوص


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!