موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

شرح مؤيد الدين الجندي
على فصوص الحكم

تأليف: الشيخ مؤيد الدين الجندي

مقدمة مع قراءة خطبة الكتاب

  السابق

المحتويات

التالي  

مقدمة مع قراءة خطبة الكتاب


البحث الثالث من مباحث خطبة الكتاب في سرّ " إنزال الحكم ".للشارح مؤيد الدين قبل البدء بشرح خطبة كتاب فصوص الحكم

شرح الشيخ مؤيد الدين الجندي على فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي الطائي

اعلم : أنّ « الإنزال » إنّما يتعقّل تحقّقه من علو إلى سفل . والعلوّ قد يكون بالمكان وقد يكون بالمكانة ، فإنّ علوّ كلّ حقيقة اتّصفت بالعلوّ إنّما يكون بما يليق بها ، وكذلك الإنزال والنزول والعروج حقائق نسبية لا تتصوّر إلَّا بحسب النازل والعارج والعالي والدارج .
فإنزال الحكم من الحضرات العالية الإلهية المطلقة إلى مرتبة التعيّن والتقيّد في حقائق القلوب الإنسانية الكمالية لأنّ العلوّ الحقيقي للإطلاق الذاتي وحضرة الربوبية الفعّالية ، والتقييد والانفعال والنزول والانتقال للمرتبة العبدانية القابلة للأثر .
وإن اعتبرنا الإنزال والنزول فيما نحن بصدده وهو" إنزال الحكم" من علو المكان ، كان من السماوات وما فوقها من العرش والكرسيّ .
والحقيقة تقبل الاعتبارين جميعا على كثرة أنحائها وجهاتها واختلاف درجاتها وطبقاتها فإنّ الحكم الإلهية تنزل من الحضرات الأسمائية المتعينة في أفلاكها وسماواتها ، وأنّ لكلّ اسم أو أسماء فلكا وسماء فيها عرشه ، وهو يتجلَّى فيها وينزل حكمته الخاصّة به من تلك السماء .
وذلك الفلك الخصيص به على أيدي سدنته الروحانية الملكية والنورية الكوكبية على قلب "قلوب" الكلم
الكاملة المحمولة في الروح الإضافي الخاصّ المنفوخ في صورة النبيّ الكامل أو الوليّ الذي هو مظهر ذلك الاسم ، وقلبه عرش الله المتعيّن في تلك الحضرة ، فافهم .
و " الحكمة " عبارة عن العلم بحقائق المراتب وترتيب المعلومات المترتّبة فيها .
فهو خصوص مرتبة في العلم ، كما أنّ « المعرفة » خصوص علم بالذوات والحقائق المجرّدة من جهة حقّيّتها وتجرّدها عن اللوازم والعوارض واللواحق لا غير .
و « العلم » عبارة عن الإحاطة بحقيقة المعلوم كما هو ، مع لوازمها وعوارضها ولواحقها ومراتبها فعلم أنّ الحكمة علم خاصّ بترتيب الحقائق في مراتبها الوجودية الأزليّة الأبدية حسب تعيّنها في أعيان مراتبها العلمية الأزلية ، ووضع الأشياء في مواضعها اللائقة بها ، فافهم .
فهذه حقائق العلم ، والمعرفة ، والحكمة من حيث هي هي ، سواء اعتبرت مضافة إلى الحق أو الخلق ، ولها باعتبار الإضافة إلى حضرة الحق خصائص ، وكذلك بحسب الإضافة إلى المرتبة الخلقية خصائص تقتضيها الإضافة لا بحسب الحقائق ، ليست كالأخرى فهي في الحضرة الإلهية الوجوبية مطلقة ، محيطة ، قديمة ، دائمة ، فعلية ، غير متغيّرة ولا متجدّدة ، كاملة ، مكمّلة . وهي بالنسبة إلى العالم مقيّدة ، محدثة ، مستفادة ، انفعالية ، قابلة للتغيّر والنفاد والفناء والذهاب بحسب المرتبة التي أضيفت إليه ، فافهم .
وإذا تحقّقت هذا فاعلم :
أنّ الحكيم الرحيم تجلَّى بحكمته الكلية الرحمانية السارية سرّ أحدية الجمع في حقائق الأسماء وحضرات المسمّيات .
فلكلّ حضرة من حضرات الأسماء الكلية الكمالية وحضرات الأسماء التالية الفرعية والنسب الحرفية أيضا حكمة خصيصة بها .
يقبض الله لها أهلا يفيض تلك الحكمة عليه ولكل حضرة من الحضرات عالم خصيص بها يظهر آثارها وأفعالها وعلومها وحكمها وأحكامها وتجلَّياتها إتماما في عالمه .
وجميع الأسماء والحضرات أعوانها وأتباعها في كل ذلك ، ولا تستغني حضرة عن حضرة ، ولا تنفرد بالاستبداد في الإمداد عن الاستمداد بالكلّ .
ولكنّ الغالب في كل عالم حكم حضرة خاصّة به على ما سواه ، وللكل في الكلّ بالكل تعيّن كمالي ، فافهم
ولكل حضرة من هذه الحضرات إنسان كامل في كل عصر هو حامل حكمتها .
فكانت كمّل الأنبياء من آدم إلى محمد صلَّى الله عليه وسلَّم في دورة فلك النبوّة ، حملة أحكام هذه الحكم ، والحكم الجامع لجميع الأحكام الحكمية كلَّها .
والحكمة الأحدية الجمعية الكمالية لجميع الحكم إنّما هي في كلمة خاتم النبيين على ما يأتي إن شاء الله .
ولمّا كانت الأفلاك الإلهية محيطة بأفلاك النبوّة ، وأفلاك النبوّة ظاهريّات أفلاك الولاية ، كانت لهذه الحكم مظاهر وحملة من الأولياء بعد انقراض نبوّة التشريع بخاتم النبيين ، محمد بن عبد الله المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم فلكل نبيّ وليّ من هذه الأمّة كامل محمديّ قائم بمقامه وعلمه وحاله.
وحكم ذلك النبي المنزلة عليه من حضرة اسم « المتولَّي » إيجاده و « المفيض » بتجلَّياته ، عليه عند ذلك الوليّ .
ويعرف بين أهل التحقيق مثلا بأنّه محمديّ المقام ، أو موسوي المقام والعلم والحال ، أو غيرهما كذلك .
ثم الأولياء والأقطاب الذين هم حملة تلك الحكم على أصناف :
صنف يأخذون الحكم عن أرواح أولئك الأنبياء الأوّل ولا يتعدّونهم أصلا ، وهؤلاء هم ورثة الأنبياء المسمّون بأسمائهم والقائمون بأحوالهم وأعمالهم وعلومهم من حيث هم .
وصنف أعلى وهم يأخذون الحكم من الحضرات الأسمائية ، كما أخذتها الأنبياء بكمال الاستعداد وقدم الصدق والعناية الإلهية .
وصنف لهم الجمع ، وهم المحمديّون الآخذون حكمة كل حضرة ونبيّ من الحضرة المحمدية الجمعية الكمالية ،ويعرفون بالمحمديّين بعد نبيّهم إلى سائر الأنبياء.
فيقال : فلان موسوي ومحمدي وعيسوي كذلك عيسى بن محمد ، أو محمد بن عيسى مثلا وذلك لأنّ سرّ أحدية الجمع المحمدي الإلهي سار في كل حضرة ومقام وحكمة ، فافهم .
وصل : في تتمّة هذا الأصل
اعلم : أنّ الحقّ تعالى و أولياؤه الذين آتاهم الله علوما وكتبا أمرهم بتصنيفها وأملى على قلوبهم بألسنة الإلهام والإعلام مسائل تأليفها .
أجرى الله سبحانه سنّته وسنّتهم في كتبهم أن يحمدوا الله وينعتوه بالمحامد والأوصاف الكمالية الخصيصة بعلوم ذلك الكتاب .
والمطابقة لمضمون ما فيه من فصل الخطاب لا بغيرها من المحامد بما لا يناسب حال المصنّف الحامد فيما هو بصدده من الوارد والشاهد .
وذلك مثل ما نعت الله نفسه في مقام تعريف ربوبيّته العامّة المطلقة بربّ العالمين .
فقال : " الْحَمْدُ لِلَّه ِ رَبِّ الْعالَمِينَ"آية 2 سورة الفاتحة .
ولمّا كان في مقام بيان إيجاد الذوات والصفات العلوية السمائية والسفلية الأرضيّة ، قيّد حمد الله بنعت « الخلق » و « الجعل » لكون الخلق إيجاد الذوات ، والجعل إيجاد الصفات.
فقال : " الْحَمْدُ لِلَّه ِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ " آية 41 سورة الأنعام.
ولمّا كان في بيان أنّ القرآن منزل على محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - من الله ، قال : "الْحَمْدُ لِلَّه ِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِه ِ الْكِتابَ " آية 1 سورة الكهف.
وكذلك المحقّقون من مشايخنا يتّخذون هذا الأصل في تصانيفهم ويتأسّون بسنّة الله في كتبه المنزلة على الرسل وعلى الخصوص ، شيخنا وإمامنا مصنّف الفصوص ، وأولاده الإلهيون من ورثة ختمية الخصوص.
ولهذا وصف الله تعالى بعد الحمد بأنّه منزل الحكم لكونه رضي الله عنه بصدد بيان الحكم المنزلة على كمّل الأنبياء لأنّه تعالى أنزل الحكم من إطلاقها الإلهي من الحضرات العالية إلى قلوب الأنبياء والأولياء وأرواحهم وأسرارهم .
فتعيّنت الحكم في مظاهرها وتبيّنت مقيّدة بخصوص مجاليها ومنازله .
.


OU0X0JhQZ7Y

  السابق

المحتويات

التالي  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب فصوص الحكم وشروحاته

مطالعة هذه الشروحات والتعليقات على كتاب الفصوص


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!