موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

شرح مؤيد الدين الجندي
على فصوص الحكم

تأليف: الشيخ مؤيد الدين الجندي

فص حكمة جلالية في كلمة يحيوية

  السابق

المحتويات

التالي  

فص حكمة جلالية في كلمة يحيوية


20 - فصّ حكمة جلالية في كلمة يحيوية .شرح الشيخ مؤيد الدين الجندي على متن فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

شرح الشيخ مؤيد الدين الجندي على فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي الطائي

كان الغالب على أحوال يحيى عليه السّلام الجدّ والجهد والقبض والبكاء ، بكى من خشية الله حتى خدت الدموع في خدوده أخاديد ، وكان لا يضحك إلَّا ما شاء الله ،
وهذه الخلال من حضرة القهر والجلال ، وكان مقتضى حقيقة القيام بمظهرية حضرة الجلال وتجلَّياتها ، ثم قتل في سبيل الله ،
وقتل على دمه سبعون ألفا حتى سكن دمه من فورانه ، ومنبعث تعيّن نفسه ومستقرّها بعد المفارقة سماء الأحمر عند الجليل القهّار ، ولهذا وأمثاله أضيفت هذه الحكمة إلى كلمته .
قال رضي الله عنه : " هذه الحكمية الأوّلية في الأسماء ، فإنّ الله سمّاه يحيى أي يحيا به ذكر زكريّ " . « في أكثر النسخ : حكمة الأوّلية . والأولى الحكمة »
يعني : أنّه لمّا طلب زكريّا من ربّه وارثا يرثه ، حتى يحيا به ذكره ، فأجاب الله دعاءه بوارث له يرثه ، وسمّاه يحيى ، أي بيحيى يحيا ذكره من باب الإشارات .
قال رضي الله عنه :( ولم "لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّ" ، فجمع بين حصول الصفة التي فيمن غبر ممّن ترك ولدا يحيا به ذكره وبين اسمه بذلك ، فسمّاه يحيى ، فكان اسمه يحيى كالعلم الذوقي ، فإنّ آدم حيي ذكره بشيث ، ونوحا حيي ذكره بسام ، وكذلك الأنبياء ، ولكن ما جمع الله لأحد قبل يحيى بين الاسم العلم منه له وبين الصفة إلَّا لزكريّا عناية منه ، إذ قال : "فهب لِي من لَدُنْكَ وَلِيًّا " .)
يشير رضي الله عنه : إلى أنّ هذه الحكمة الجلالية تتضمّن حكمة الأوّلية في الأسماء ، والجمع بين العلمية والصفة ، على خلاف العادة والوضع والمفهوم خرقا للعادة ، اختصاصا إلهيا وتشريفا لزكريّا ويحيى ، كما جمع الاسم « الله » بين العلمية والصفات الدالَّة على حقائق الأحدية الجمعية الإلهية الجامعة لجميع الأسماء الذاتية والصفاتية والفعلية ، على ما استقصينا بيانه في شرح الخطبة . فلذلك جمع الله لزكريّا في اسم ولده الذي وهبه الله بين كونه اسما علما مع دلالته على أنّ [ ذكره به يحيا ] .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فقدّم الحقّ على ذكر ولده كما قدّمت آسية ذكر الجار على الدار في قوله : " عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ " فأكرمه الله بأن قضى حاجته وسمّاه بصفته ، حتى يكون اسمه تذكارا لما طلب منه نبيّه زكريّا ، لأنّه عليه السّلام آثر إبقاء ذكر الله في عقبه ،
إذ الولد سرّ أبيه ، فقال : " يَرِثُنِي وَيَرِثُ من آلِ يَعْقُوبَ " وليس ثمّ موروث في حق هؤلاء إلَّا مقام ذكر الله والدعوة إليه .)
قال العبد : كان الغالب على زكريّا الهيبة والرقّة والخشوع والخوف والتقوى والحزن والمجاهدة وعدم التصرّف ، بل كانت مظهريته لرحمة وجمال ولطف وأنس يتضمّن إجلالا وهيبة وقهرا ، ومن هذا التجلَّي الجماليّ المتضمّن للجلال وجد زكريّا ، ورحمة الله عبده زكريّا من حضرة الجمال الذي تتضمّنه حضرة الجلال خفي وبطن اللطف في القهر ، فنادى كذلك نداء خفيّا من حقيقة كلّ شيء فيه كلّ شيء ، ولهذا كان الغالب على حال زكريّا ما ذكرنا ، وتحكَّمت عليه الأعداء أيضا ، كما تحكَّمت على يحيى عليه السّلام .
قال رضي الله عنه : ( ثمّ إنّه بشّره بما قدّمه من سلامه عليه ، "يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا " فجاء بصفة الحياة وهي اسمه وأعلمه بسلامه عليه ، وكلامه صدق ، فهو مقطوع به ، وإن كان قول الروح " وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا " أكمل في الاتّحاد ، فهذا أكمل في الاتّحاد والاعتقاد ، وأرفع للتأويلات ) .
يشير رضي الله عنه : إلى أنّ سلام عيسى على نفسه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيّا أكمل في الاتّحاد من جهته ، فإنّ الله هو المسلَّم على نفسه من حيث تعيّنه في مادّة عيسوية ، ويدلّ على كمال تمكَّن عيسى من شهود هذه الأحدية ، ولكن سلام الله على يحيى من حيث إنّ الله هو عين هويّته وربّه ، عليه لا في مادّة يحيى ، بل من حيث هو ربّه أتمّ في الاعتقاد بالنسبة إلى شهود أهل الحجاب .
وأمّا بالنسبة إلى شهود أهل الذوق فالاتّحاد من قبل الحق - من كونه تعالى مسلَّما على نفسه في مادّة يحيوية من كونه ربّه ووكيلا له في التسليم عليه ، إمّا من قبله أو من قبل الحق - أتمّ وأعمّ ، ولكن للالتباس الذي عند الجاهل المحجوب .
قال رضي الله عنه : ( فإنّ الذي انخرقت فيه العادة في حق عيسى إنّما هو النطق ، فقد تمكَّن عقله وتكمّل في ذلك الزمان الذي أنطقه الله فيه ، ولا يلزم للمتمكَّن من النطق - على أيّ حالة كان - الصدق فيما كان به ينطق ، بخلاف المشهود له كيحيى ، فسلام الحق على يحيى من هذا الوجه أرفع - للالتباس الواقع في العناية الإلهية به من سلام عيسى على نفسه ، وإن كانت قرائن الأحوال تدلّ على قربه من الله في ذلك ، وصدقه ، إذ نطق في معرض الدلالة على براءة أمّه في المهد ، فهو أحد الشاهدين ، والشاهد الآخر هزّ الجذع اليابس ،
فسقط " رُطَباً جَنِيًّا " من غير فحل ولا تذكير كما ولدت مريم عيسى من غير فحل ولا ذكر ولا جماع عرفيّ معتاد.
لو قال نبيّ : آيتيومعجزتي أن ينطق هذا الحائط ، فنطق الحائط ، وقال في نطقه : تكذب ، ما أنت برسول الله، لصحّت الآية، وثبت بها أنّه رسول الله ، ولم يلتفت إلى ما نطق به الحائط.
فلمّا دخل هذا الاحتمال في كلام عيسى "يعني عند المحجوب الجاهل "بإشارة أمّه إليه ، وهو في المهد .)
يعني رضي الله عنه : مجرّد نطق عيسى - بإشارة أمّه إليه عند سؤال الأحبار عن مريم بأنّى لك هذا و "ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا " كاف في صحّة مدّعا مريم وبراءتها عمّا توهّمت اليهود ممّا برّأها الله ممّا قالوا ، ولكن لمّا يطرق فيما نطق مثل ما مثّل في نطق الحائط عند الجاهل كان سلام الله على يحيى أرفع من هذا الوجه .
قال رضي الله عنه : ( فموضع الدلالة أنّه عبد الله من أجل ما قيل فيه : إنّه ابن الله - وفرغت الدلالة بمجرّد النطق - وأنّه عبد الله ، عند الطائفة الأخرى القائلة بالنبوّة ، وبقي ما زاد بحكم الاحتمال في النظر العقلي حتى ظهر في المستقبل صدقه في جميع ما أخبر به في المهد فتحقّق ما أشرنا إليه ).
يعني : العرفيّ الحجابيّ ، لأنّ النظر الصحيح العقلي - مع ثبوت دلالة القرائن على صحّته في نطقه - يقضي بصحّة جميع ما نطق به عليه السّلام إذ لو تطرّق احتمال نقيض الصدق في بعض ما نطق ، لوقع ارتباك في غير ذلك البعض ،
فإنّ الكذب في بعض الكلام يفضي إلى احتمال الكذب في الباقي ، وبكمال صحّة الصدق في موضعي الدلالة يجب صحّته في الباقي ،
وكذلك سقوط الرطب الجنّي بإخباره في بطن أمّه - مع عدم معقوليّة ذلك من الجذع اليابس - قبل تسليمه على نفسه شاهد بصدق إخباراته كلَّها عقلا مؤيّدا بالنور ،
وكذلك كلامه في المهد ، فإنّ من أقدر على الكلام في المهد - خرقا لعادة العقل والعرف بإذن الله في موضع إقامة المعجزة على براءة أمّه وأنّه نبيّ صادق بكلام متّصل مفتتحه دعوى عبودة الله ومختتمه التسليم على نفسه من قبل الله ، بتمكين الله
له في كل ذلك - دليل صحيح تامّ على صدقه في تمام الإخبارات وارتفاع الالتباس وتطرّق الاحتمال في نظر العقل الصحيح الإلهي ، ولكنّ الاحتمال لأهل الوهم والعقل المحجوب بالعرف والعادة ، وعندهم لا يرتفع الالتباس ، وأمّا عند الشيخ والمحمديّين فليس للاحتمال المذكور وجه أصلا ، ورأسا ، فافهم ،
" وَالله يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ "
.
....


Y7aNc9FJrT0

  السابق

المحتويات

التالي  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب فصوص الحكم وشروحاته

مطالعة هذه الشروحات والتعليقات على كتاب الفصوص


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!