موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

شرح مؤيد الدين الجندي
على فصوص الحكم

تأليف: الشيخ مؤيد الدين الجندي

فص حكمة وجودية في كلمة داودية

  السابق

المحتويات

التالي  

فص حكمة وجودية في كلمة داودية


17 - فصّ حكمة وجودية في كلمة داوودية .شرح الشيخ مؤيد الدين الجندي على متن فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

شرح الشيخ مؤيد الدين الجندي على فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي الطائي

قال العبد : قد ذكرنا علَّيّة استناد الحكمة الوجودية إلى الكلمة الداودية في شرح الفهرست ، وفي شرح فصّ سليمان ، أنّه صورة كمال ظهور الوجود ، ونتمّمه إن شاء الله في شرح المتن .
" إنّما كانت حكمته وجودية لما تمّ في وجوده حكم الوجود العامّ في التسخير ، وجمع الله له بين الملك والحكمة والنبوّة ، ووهبه سليمان الذي آتاه التصرّف في الوجود على العموم ، وخاطبه بالاستخلاف ظاهرا صريح ، فبلغ الوجود بوجوده كمال الظهور ."
قال رضي الله عنه : « اعلم : أنّه لمّا كانت النبوّة والرسالة اختصاصا إلهيّا ليس فيها شيء من الاكتساب ، أعني نبوّة التشريع ، كانت عطاياه - تعالى - لهم عليهم السّلام من هذا القبيل مواهب ليست جزاء ، ولا يطلب عليها منهم جزاء ، وإعطاؤه إيّاهم على طريق الإنعام والإفضال ، فقال : ( وَوَهَبْنا لَه ُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ) ، يعني لإبراهيم الخليل ، وقال في أيّوب : ( وَوَهَبْنا لَه ُ أَهْلَه ُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ ) ،
وقال في حق موسى : ( وَوَهَبْنا لَه ُ من رَحْمَتِنا أَخاه ُ هارُونَ نَبِيًّا ) فالذي تولَّاهم أوّلا هو الذي تولَّاهم في عموم أحوالهم أو أكثرها ، وليس إلَّا اسمه « الوهّاب » وقال في حق داوود عليه السّلام : ( وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا ) فلم يقرن به جزاء يطلبه منه ، ولا أخبر أنّه أعطاه هذا الذي ذكره جزاء ، ولمّا طلب الشكر على ذلك بالعمل ، طلبه من آل داوود ، ولم يتعرّض لذكر داوود ليشكره الآل على ما أنعم به على داوود » .
قال العبد : يشير رضي الله عنه بإسناد هذه الحكمة الوجودية إلى الكلمة الداودية ، إلى أنّ الكمال الوجوديّ والوجود الكماليّ إن يظهرا في أحدية جمع الجمع الإنساني الإلهي ، بالخلافة والنيابة الإلهية الكلَّية من حضرة الجواد الوهّاب ،
فإنّ الوجود فيض ذاتي جودي ، وهو نفس رحماني وجودي ، وهذا وإن ظهر في كل خليفة الله في أرضه وقطب قام بنيابته في نفله وفرضه في كل عصر ،عصر من الأنبياء والأولياء ، ولكن ظهوره في داوود عليه السّلام كان أتمّ وأبين ، بمعنى أنّ الله جمع له - صلوات الله عليه - بين الخلافة الحقيقية المعنوية الإلهية وبين الخلافة الظاهرة بالسيف والتحكيم الكلَّي في العالم.
وأعطاه النبوّة والحكمة وفصل الخطاب والملك الكامل والسلطان والحكم الشامل في جميع أنواع العالم وأجناسه ،
كمال ظهور حكم ذلك في سليمان ، فإنّه حسنة من حسنات داوود - على نبيّنا وعليهم السّلام وتكملة لكماله وتتمّة لفضله وإفضاله ، وسليمان مع ما أعطاه الله من الملك والسلطان موهوب لداود عليه السّلام .
قال الله تعالى : ( وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ ) ومن جملة كمالاته الاختصاصية - التي اختصّه الله بها ممّا لم يظهر في غيره من الخلفاء والكمّل أنّ الله تعالى نصّ على خلافته .
بقوله : ( يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً في الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ) فحكمه بالحقّ على الخلق ، ولم يصرّح بمثل ذلك في غيره ،
وقوله تعالى : ( إِنِّي جاعِلٌ في الأَرْضِ خَلِيفَةً ) فيه احتمال في حق آدم عليه السّلام من كونه أوّل الخلفاء وأباهم ، ولكنّ احتمال متناول غيره من أولاده ، وقرينة الحال تدلّ على أنّ الاحتمال في حق داوود أرجح ، لأنّ آدم ما أفسد ولا سفك الدماء .
ومحاجّة الملائكة مع الربّ في جواب قوله : ( إِنِّي جاعِلٌ في الأَرْضِ خَلِيفَةً ) بقولهم : ( أَتَجْعَلُ فِيها من يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ ) مرجّحة للاحتمال في حق داوود ، لأنّه سفك دماء أعداء الله من الكفرة كثيرا ، وقتل جالوت وأفسد ملكه .
وجعل كما قال تعالى حكاية عن بلقيس : ( إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ ) فظهر من داوود عليه السّلام هذا النوع من الفساد في الكفّار الذين أمر الله داوود وأولي العزم من خلفائه بإفساد ملكهم وحالهم ، لأنّه عين إصلاح الملك والدين ، فصحّ في حق داوود ما قالت الملائكة .
فلقائل أن يقول : المراد على التعيين من قوله : ( إِنِّي جاعِلٌ في الأَرْضِ خَلِيفَةً ) هو داوود ، فلم تبق مرتبة وجودية إلَّا ظهر كمال داوود وخلافته فيها ، حتى في كلام الله ومرتبة اللفظ والرقم ، فلهذا نسبت الحكمة الوجودية إلى الكلمة الداودية .
ثمّ اعلم : أنّ الشيخ رضي الله عنه أشار إلى أنّ النبوّة والرسالة تكونان بالاختصاص الإلهي ، وليستا بكسب ، ولا مجازاة عن عمل أو ثوابا عن سابق حسنة وطاعة تكونان نتيجة عنها ، ولا لشكر أو عبادة متوقّعة منهم عليهما ،
وإذا كانتا كذلك ، فلا تحصلان لأحد بتعمّل وكسب ، كما وهم فيه القائلون من أهل النظر الفكري بأنّهما تحصلان لمن كملت علومه وأعماله ، وأنّ النبوّة عبارة عن كمال العلم والعمل فكلّ من كمل علمه وعمله ، فهو نبيّ في زعمهم ،
وهذا باطل ، وإلَّا لكان كل من تكامل علمه وعمله رسولا نبيّا يوحى إليه وينزل عليه الملك بالتشريع وليس كذلك ، فكم من عالم عامل كامل في العلم والعمل ولا ينزل عليه الملك بالوحي والتشريع ، فصحّ أنّها ليست إلَّا عن اختصاص إلهي ، ومن لوازمها كمال العلم والعمل ، فلا يتوقّف تحقّقها - أعني النبوّة - على لوازمها ، فإنّ تحقّق وجود اللازم بتحقّق وجود الملزوم لا بالعكس ، وهذا ظاهر .
ولمّا كانت اختصاصا إلهيّا ، لم يطلب منهم عليها جزاء ولا شكورا - وإن وقع الشكر منهم دائما - أو ثوابا لإعمال الصالحات في مقابلة ذلك ، فليس ذلك مطلوبا بالقصد الأوّل من الاختصاص ، ولا هم مطالبون بذلك عوضا عن ذلك ،
كما قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قيامه الليل كلَّه ، حتى تورّمت قدماه ، فقيل له :
اقصر ، فقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر : « فلا أكون عبدا شكورا » ولهذا لم يرد طلب الجزاء والشكر من داوود ، وإنّما ورد ما ورد في حق آل داوود حيث جعلهم الله من آل من هذا شأن كمالاته ، فافهم .
قال رضي الله عنه : " وهو في حق داوود " يعني ما وهبه الله « عطاء نعمة وإفضال ، وفي حق آله على غير ذلك ، لطلب المعاوضة ، فقال تعالى ( اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً ) يعني الأعمال الصالحة الزاكية عند الله ( وَقَلِيلٌ من عِبادِيَ الشَّكُورُ ) ،
وإن كانت الأنبياء عليهم السّلام قد شكروا الله تعالى على ما أنعم به عليهم ووهبهم ، فلم يكن ذلك عن طلب من الله ، بل تبرّعوا بذلك من نفوسهم كما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تورّمت قدماه شكرا لما غفر له من ذنبه ، ما تقدّم وما تأخّر ،
فلمّا قيل له في ذلك ، قال : « أفلا أكون عبدا شكورا ؟ »
وقال في حق نوح : ( إِنَّه ُ كانَ عَبْداً شَكُوراً ) والشكور من عباد الله قليل ، فأوّل نعمة أنعم الله بها على داوود أن أعطاه اسما ليس فيه حرف من حروف الاتّصال ، فقطعه عن العالم بذلك إخبارا لنا عنه بمجرّد هذا الاسم ، وهي الدال والألف والواو » .
يشير رضي الله عنه إلى أنّ الله أخبره كشفا أنّه قطعه عن العالم من كونه غيرا وسوى بما اختصّه به من الجمع بين النبوّة والرسالة والخلافة والملك والعلم والحكمة والفصل ، بلا وساطة غيره ، وظهرت أسرار هذا القطع في حروف اسمه ، لكونه من أقطاب كمل الاسم « الظاهر » فإنّ الألقاب مع الأسماء تنزل من السماء ،
أي عن سماء الأسماء بتسمية ربّ حكيم عليم بما سمّى به كلّ عبد من الاسم ، وهذه الحروف من حروف الاسم الأعظم المتصرّف في الأكوان ، وكان هو - صلوات الله عليه - بعينه معنى الاسم الأعظم وصورته في عصره .
قال رضي الله عنه : « وسمّى محمّدا صلى الله عليه وسلم بحروف الاتّصال والانفصال ، فوصله به وفصله عن العالم ، فجمع له بين الحالين في اسمه ، كما جمع لداود بين الحالين من حيث المعنى ، ولم يجعل ذلك في اسمه ، فكان ذلك اختصاصا لمحمّد على داوود ، أعني التنبيه عليه باسمه ، فتمّ له الأمر عليه السّلام من جميع جهاته ، وكذلك في اسم أحمد ، فهذا من حكمة الله » .
أي إنّما سمّاهما الله لحكمة دالَّة على حقائقهما من هذه الحروف والترتيب والتركيب والوضع والوزان التي في أسمائهما لمن عقل عن الله وما أغفل شيئا من الأشياء إلَّا شاهد حكمة الله المودعة فيه .
قال رضي الله عنه : « ثم قال في حق داوود ، فيما أعطاه على طريق الإنعام عليه ترجيع الجبال معه التسبيح ، فتسبّح لتسبيحه ، ليكون له عملها ، وكذلك الطير » .
قال العبد : يريد أن يوفي بحمد الله إلى الحكم والحقائق التي أوجبت ترجيع الجبال والطير لداود عليه السّلام بلسان الإشارة الكشفية ، فنقول : الجبال هي صورة الرسوخ والتمكَّن والثبات ، الخصيصة بالكمّل ، المتعيّنة حجابياتها في الجسمانيات والأماكن العالية ، المحتوية على جواهر الحقائق الكمالية التي أومأنا إليها ممّا يصعب الصعود عليها ، وقد أودعت في الحقائق الجسمية ، ممّا ليس في عالم الأرواح إلَّا روحانياتها ، ولا في عالم المعاني إلَّا معانيها وأعيان حقائقها من كمال الظهور والعلوّ وأحدية الجمع ، وما ذكرنا .
والطير صور القوى والحقائق والخصائص الروحانية في نشأة الإنسان الكامل ، ولمّا كان داوود عليه السّلام من كمال تبتّله وانقطاعه إلى الله بالمحبّة الدائمة والهيمان فيه والعشق وإيثار جنابه - تعالى - على نفسه وسواه وشدّة الشوق إليه بحيث تبعته قواه الجسمانية وقواه الروحانية ، فغلب عليه وعلى قواه الجسمانية والروحانية الانقطاع والرجوع إلى الله والتبتّل ، وتحقّق فيه هذا السرّ ، أظهر الله لسرّ تبعية ظاهره وباطنه ، كما قلنا له في التنزيه والتقديس الإلهي صورة ومثالا ترجيع الجبال والطير ، لمّا كان الغالب عليه في زمانه تجلَّي الاسم « الظاهر » على « الباطن » ، فكانت الحقائق والمعاني تظهر صورا قائمة لهم لما أهّله الله وخصّه بكمال الظهور الوجودي .
قال رضي الله عنه : « أعطاه القوّة ونعته بها وأعطاه الحكمة » يعني : وضع الأمور مواضعها ، وكان يحكم بالأحكام المؤيّدة بالحكمة .
قال : « وفصل الخطاب » .
يعني الإفصاح بحقيقة الأمر ، وقطع القضايا والأحكام باليقين من غير ارتياب ولا شكّ أو توقّف .
قال رضي الله عنه : « ثمّ المنّة الكبرى والمكانة الزلفى - التي خصّه الله بها - التنصيص على خلافته ، ولم يفعل ذلك بأحد من أبناء جنسه وإن كان فيهم خلفاء ،
فقال : ( يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً في الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى ) ، أي ما يخطر لك في حكمك من غير وحي منّي ( فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ الله ) أي عن الطريق الذي أوحي بها إلى رسلي ، ثمّ تأدّب سبحانه معه " ليعلمنا جل شأنه الأدب مع الرسل والأنبياء وأولياء الله و وانزالهم منازلهم ".
، فقال رضي الله عنه : ( إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ الله لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ )
"ولم يقل له : فإن ضللت عن سبيلي فلك عذاب شديد ."
قال الشيخ رضي الله عنه : (فإن قلت : وآدم عليه السّلام قد نصّ على خلافته .
قلنا : ما نصّ مثل التنصيص على داود ، وإنّما قال للملائكة : ( إِنِّي جاعِلٌ في الأَرْضِ خَلِيفَةً ) ، ولم يقل : إنّي جاعل آدم خليفة في الأرض ،
ولو قال ، لم يكن مثل قوله : « جَعَلْناكَ خَلِيفَةً » في حق داوود ، فإنّ هذا محقّق ، وليس ذلك كذلك ، وما يدلّ ذكر آدم في القصّة بعد ذلك على أنّه عين ذلك الخليفة الذي نصّ الله عليه ، فاجعل بالك لإخبارات الحق عن عباده إذا أخبر )
وكذلك في حق إبراهيم : " إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ، ولم يقل : خليفة ، وإن كنّا نعلم أنّ الإمامة هنا خلافة ، ولكن ما هي مثلها لو ذكرها بأخصّ أسمائها وهي الخلافة . ثم في داوود من الاختصاص بالخلافة أن جعله خليفة حكم ، وليس ذلك إلَّا عن الله تعالى فقال له : « فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ » .
يشير رضي الله عنه : إلى أنّ الحكم مستنده إلى حضرة الاسم « الله » فإنّ الحكم لله ، والألوهية كمال الحكم والتصرّف بالفعل والإيجاد والاختراع .
قال رضي الله عنه : « وخلافة آدم قد لا تكون من هذه المرتبة ، فتكون خلافته أن يخلف من كان فيها قبل ذلك ، لا أنّه نائب عن الله في خلقه بالحكم الإلهي فيهم ، وإن كان الأمر كذلك وقع ، ولكن ليس كلامنا إلَّا في التنصيص عليه والتصريح به ، ولله في الأرض خلائف عن الله وهم الرسل ، وأمّا الخلافة اليوم فعن الرسول لا عن الله » يريد بها الخلافة الظاهرة بالملك والسيف .
« فإنّهم ما يحكمون إلَّا بما شرع لهم الرسول ، ولا يخرجون عن ذلك غير أنّ هنا دقيقة لا يعلمها إلَّا أمثالنا ، وذلك في أخذ ما يحكمون به ممّا هو شرّع للرسول عليه السّلام » .
يشير - رضي الله عنه - إلى أنّ الحاكم من الخلفاء الإلهيّين الآخذين الخلافة عن الله - بعد أن يرثها عمّن استخلفه بما يأخذ الحكم أيضا كذلك عن الله فيحكم بحكم الله - عليه أن يحكم تحكيمه إيّاه في خلقه ، ويطابق حكمه حكم المشروع ، فهو مأمور من قبل لله بالحكم .
قال رضي الله عنه : « فالخليفة عن الرسول من يأخذ الحكم بالنقل عنه صلى الله عليه وسلم أو بالاجتهاد الذي أصله أيضا منقول عنه صلى الله عليه وسلم وفينا من يأخذه عن الله ، فيكون خليفة عن الله بعين ذلك الحكم ، فتكون المادّة له من حيث كانت المادّة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فهو في الظاهر متّبع ، لعدم مخالفته في الحكم ، كعيسى إذا نزل فحكم ،
وكان النبيّ محمّد صلى الله عليه وسلم في قوله : ( أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى الله فَبِهُداهُمُ اقْتَدِه ْ ) وهو في حق ما يأخذه من صورة الأخذ مختصّ موافق ، هو فيه بمنزلة ما قرّره النبيّ صلى الله عليه وسلم من شرع من تقدّم من الرسل بكونه قرّره ، فاتّبعناه من حيث تقريره لا من حيث إنّه شرع لغيره قبله )، (وكذلك أخذ الخليفة عن الله عين ما أخذه منه الرسول).
يشير رضي الله عنه إلى أنّ الخليفة منّا أو الرسول فيما أمر باقتداء هدى الله الذي هدى به من قبله من الأنبياء وإن وقعت صورة الاقتداء والاتّباع ، فإنّ ذلك منهم موافقة لكونه مختصّا بالحكم من الله ، فإنّه وإن وقع الحكم بما يحكم به من قبله ، ولكنّه أخذ الحكم عن الله لا عمّا أخذه العامّة من علماء الرسوم ، وإن اشتركهم في شيء خصّصت به من بينهم وحدي ، فافهم .
قال رضي الله عنه : « فنقول فيه » أي في خليفة من خلفاء الأولياء منّا « بلسان الكشف : خليفة الله ، وبلسان الظاهر : خليفة رسول الله ، ولهذا مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وما نصّ بخلافة عنه إلى أحد ولا عيّنه ، لعلمه أنّ في أمّته من أخذ الخلافة عن ربّه ، فيكون خليفة عن الله تعالى ليوافقه في الحكم المشروع ، فلمّا علم ذلك صلى الله عليه وسلم لم يحجز الأمر ،
فللَّه خلفاء في خلقه ، يأخذون من معدن الرسول والرسل ما أخذته الرسل عليهم السّلام ويعرفون فضل المتقدّم هناك ، لأنّ الرسول قابل للزيادة ، وهذا الخليفة ليس بقابل للزيادة التي لو كان الرسول قبلها ، فلا يعطى من العلم والحكمة فيما شرع إلَّا ما شرع للرسول خاصّة ، وهو في الظاهر متّبع غير مخالف بخلاف الرسل ، ألا ترى عيسى عليه السّلام لمّا تخيّلت اليهود أنّه لا يزيد على موسى – مثل ما قلناه في الخلافة اليوم مع الرسول - آمنوا به وأقرّوا »
أي أثبتوه نبيّا وأقرّوا بنبوّته « فلمّا زاد حكما أو نسخ حكما كان قد قرّره موسى لكون عيسى رسولا لم يحتملوا ذلك ، لأنّه خالف اعتقادهم فيه ، وجهلت اليهود الأمر على ما هو عليه ، فطلبت قتله ، فكان من قصّته ما أخبرنا الله تعالى في كتابة العزيز عنه وعنهم فلمّا كان رسولا قبل الزيادة : إمّا بنقص حكم قد تقرّر ، أو زيادة حكم . على أنّ النقص زيادة حكم بلا شكّ .
والخلافة اليوم ليس لها هذا المنصب ، وإنّما تنقص أو تزيد على الشرع الذي قد تقرّرنا بالاجتهاد ، لا على الشرع الذي شوفه به محمّد صلى الله عليه وسلم فقد يظهر من الخليفة ما يخالف حديثا ما في الحكم ، فيتخيّل أنّه عن الاجتهاد وليس كذلك ،
وإنّما هذا الإمام لم يثبت عنده من جهة الكشف ذلك الخبر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ولو ثبت لحكم به ، وإن كان الطريق فيه العدل عن العدل ، فما هو معصوم من الوهم ، ولا من النقل على المعنى ، فمثل هذا يقع من الخليفة اليوم ،
وكذلك يقع من عيسى عليه السّلام فإنّه إذا نزل يرفع كثيرا من شرع الاجتهاد المقرّر ، فيبيّن برفعه صورة الحق المشروع الذي كان عليه عليه السّلام ولا سيّما إذا تعارضت بأحكام الأئمّة في النازلة الواحدة ، فيعلم قطعا أنّه لو نزل وحي لنزل بأحد الوجوه ، فذلك هو الحكم الإلهي ، وما عداه - وإن قرّره الحق - فهو شرع تقرير لرفع الحرج عن هذه الأمّة واتّساع الحكم فيها » .
يشير رضي الله عنه : إلى أنّ الخلافة المنفردة عن النبوّة التشريعية ورسالتها المنقطعتين بخاتم الأنبياء والرسل عليهم السّلام ليس لها هذا المنصب من الحكم ظاهرا من وجهين :
أحدهما : أنّ الخلفاء من بني العبّاس خلفاء من تقدّمهم من خلفاء رسول الله ، والحكم الذي كانوا يحكمون به غير مأخوذ عن الله ، على ما كان يأخذه الرسول أو الوليّ الخليفة ، بل مأخوذ عن النقل أو باجتهاده لا غير ، فلو كان الخليفة منهم آخذا خلافته عن الله وحكمه فيما يحكم به عن الله ، وكان له الحكم والسيف ظاهرا ، لكان له هذا المنصب الذي كنّا بصدده كخلافة داوود ومحمّد وموسى صلوات الله عليهم .
والثاني : أنّ الكمّل من خلفاء الله من الأولياء - وإن تحقّقوا بمقام الكمال وارتقوا في درجات الأكملية فليس لهم منصب الخلافة ظاهرا بالسيف ولا الحكم بالقتل والإبقاء على الاستقلال والاستبداد ، وإن كان كل منهم إماما متبوعا للعالمين كافّة فيما يشترك فيه الكلّ ، وللخاصّة فيما يخصّهم ، وينفردون بخصوصيات ليست لغيرهم من الأولياء ، ممّن لم يتحقّقوا بدرجة الكمال والخلافة ،
فيرى هذا الخليفة بعض الأحاديث المنقولة ثابت الإسناد في الظاهر ، عدلا عن عدل إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم غير ثابت عنده من طريق الكشف فيما أخذ عن الله ، فيحكم بخلافه إن أمر بذلك ، أو يسكت عنه إن أمر بذلك كذلك ، أو يبيّن الأمر فيه ،
فيقول : هذا الحديث ثابت ظاهر نقلا ، غير صحيح كشفا وبالعكس ، فيحكم بصحّة ما لم يصحّ في النقل الظاهر .
وكيفية علمه بصحّة ما صحّح كشفا - وإن لم يصحّ رواية وبالعكس هي أنّ الخليفة الكامل يحضر لتصحيح ذلك نقلا في الحضرة الإلهية ، ويجتمع بالرسول صلَّى الله عليه وسلَّم من حيث روحه في برزخه ، أو ينزل إليه روح الرسول ، أو ألحق مع الرسول ،
فيأخذ الحكم عن الله ، أو يسأل الرسول عن صحّة الحديث وعدم ثبوته عنه ، فيثبت ويصحّح له الرسول ما صحّ ، ويعرض عمّا لم يصحّ ،
فيقول : هذا صحيح كشفا لا نقلا ، وذلك غير صحيح كشفا إلَّا في النقل الظاهر ، فهذا سرّ الخلاف الواقع من الخليفة اليوم ، فلو كان مع الخلفاء من الأولياء الحكم بالهمم أو بغير الهمم من أنفسهم بل أمر بعض الأولياء المتصرّفين في العالم بالهمم ، فيخدمون ويمتثلون أمره وحكمه ، فافهم .
قال رضي الله عنه : « وأمّا قوله عليه السّلام : « إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما » - هذا في الخلافة الظاهرة التي لها السيف ، وإن اتّفقا ، فلا بدّ من قتل أحدهما ، بخلاف الخلافة المعنوية ، فإنّه لا قتل فيها » .
يعني رضي الله عنه : أنّ الخلافة الحقيقية المعنوية العطيّة الكمالية لا تكون في كل عصر إلَّا لواحد ، كما أنّ الله واحد ، فكذلك خليفته الذي هو نائبه في الكلّ واحد ، ولا يأخذ الحكم الكلَّي الواحد عن الله الواحد الأحد إلَّا ذلك الواحد ، أعني كامل العصر .
قال : « وإنّما جاء القتل في الخلافة الظاهرة وإن لم يكن لذلك الخليفة هذا المقام » أي الأخذ عن الله ، تعالى .
قال رضي الله عنه : « وهو خليفة رسول الله إن عدل - فمن حكم الأصل الذي به يخيّل وجود إلهين ، ( لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا الله لَفَسَدَتا ) وإن اتّفقا ، فنحن نعلم أنّهما لو اختلفا تقديرا لنفذ حكم أحدهما ، فالنافذ الحكم هو الإله على الحقيقة ،
والذي لا ينفذ حكمه ليس بإله ، ومن هاهنا يعلم أنّ كل حكم ينفذ اليوم في العالم أنّه حكم الله ، وإن خالف الحكم المقرّر في الظاهر المسمّى شرعا ، إذ لا ينفذ حكم إلَّا لله في نفس الأمر ، لأنّ الأمر الواقع في العالم ، إنّما هو على حكم المشيّة الإلهية ، لا على حكم الشرع المقرّر وإن كان تقريره من المشيّة ، ولذلك نفذ تقريره خاصّة ، فإنّ المشيّة ليس لها إلَّا التقرير لا العمل بما جاء به » .
يعني رضي الله عنه أنّ حكم الخليفة فيما خالف الحكم المقرّر في الشرع إذا نفذ ، علمنا أنّ نفوذه ليس إلَّا بإرادة الله ومشيّته ، إذ لا نفوذ إلَّا لما أراد الله ، لا ما تقرّر ممّا لا نفوذ له ، فليس في ذلك مشيّة التقرير النافذ ، ولا العمل غير النافذ ، فإنّ المشيّة ليس لها إلَّا التقرير التخصيصي لا العمل إلَّا ما تعلَّق به الإرادة من العمل ، فافهم .
والذي ذكر فيما قبل فإنّه يشير رضي الله عنه إلى أنّ الحكم بقتل آخر الخليفتين من أصل تقرّر في وحدة الله تعالى من قوله : ( لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا الله لَفَسَدَتا ) .
وبيان ذلك على نحو ما قرّره الشيخ رضي الله عنه هو أنّه لو كان إلهان في العالم ، فإمّا أن يكونا إلهين بالذات أو بما خرج عن ذاتيهما ، لا جائز أن تكون إلهيّتهما بما خرج عنهما لا بالذات ، فإنّ غير الكامل بالذات في إلهيّته لا يكون إلها .
وإن كانا بالذات ، فلا يخلو في الإيجاد والإعدام من أن يتّفقا أو يتخالفا ، فإن تخالفا ، فلا يقع إيجاد ولا إعدام ، لتساوي تعادي أحد المقتضيين الآخر في أحد النقيضين ، لاقتضاء حكم أحدهما الإيجاد - مثلا - واقتضاء حكم الآخر بنقضه ونقيضه .
وإن اتّفقا فإمّا أن ينفذ حكم أحدهما في الآخر أو لم ينفذ ، فإن لم ينفذ فلا إلهية وإن نفذ فالنافذ الحكم هو الله وحده لا غير .
قال رضي الله عنه : « فالمشيّة سلطانها عظيم ، ولهذا جعلها أبو طالب عرش الذات » .
يعني ذات الألوهية لا ذات الذات المطلقة ، تباركت وتعالت .
قال رضي الله عنه : « لأنّها تقتضي لذاتها الحكم » يعني المشيّة « فلا يقع في الوجود شيء ولا يرتفع خارجا عن المشيّة ، فإنّ الأمر الإلهي إذا خولف هنا بالمسمّى معصية ، فليس إلَّا الأمر الواسطة لا الأمر التكوينيّ ، فما خالف الله أحد قطَّ في جميع ما يفعله من حيث أمر المشيّة ، فوقعت المخالفة من حيث أمر الواسطة ، فافهم » .
يشير رضي الله عنه : إلى أنّ حقيقة المشيّة تقتضي الحكم لذاتها ، لأنّ المشيّة اقتضاء ، والاقتضاء حكم بتخصيص ما عيّنه العلم لأمر بالإيجاد ، فيقع ما تعلَّقت المشيّة بوقوعه أو بإعدامه ، فيكون كذلك ،
وذلك بحسب تعيّن العلم وحكمه على مقتضى ما تعيّن المعلوم في العلم وبموجبه ، وقد علمت فيما سلف أنّ الأمر الإلهي الذي لا رادّ له وحكم الله الذي لا معقّب لحكمه ، وهو ما اقترنت به الإرادة والمشيّة ، فيقع ضرورة ، لوقوع تعلَّق المشيّة بوقوعه .
وإن لم تقترن المشيّة بوقوع العمل واقترنت بوقوع الأمر ، لم يقع العمل ووقع الأمر ، لاقتران المشيّة بوقوع الأمر من الآمر به وعدم اقترانها بوقوع مقتضى الأمر والعمل من هذا العامل المعيّن .
فاعلم هذا تعلم أنّ المسمّى معصية ومخالفة إنّما هي باعتبار أمر المكلَّف والشارع المتوسّط ، وليست من حيث نسبتها إلى الله ، فإنّه لا مخالف لله في أمره الذي لا واسطة فيه ، فلا رادّ له ، والله يقتضي ، إذ لا معقّب لحكمه ، هذا مقتضى الألوهة .
قال رضي الله عنه : « وعلى الحقيقة فأمر المشيّة إنّما يتوجّه على إيجاد عين الفعل ، لا على من ظهر على يديه ، فيستحيل إلَّا أن يكون ، ولكن في هذا المحلّ الخاصّ فوقتا يسمّى مخالفة لأمر الله ، ووقتا يسمّى موافقة وطاعة لأمر الله » .
يعني : فيمن وقع منه العمل بالطاعة ، بمعنى أنّ تعلَّق المشيّة والأمر الإرادي إنّما يكون بعين الفعل المأمور به ، فيقع بموجبه ، ولكن في هذا العبد المعيّن المسمّى مطيعا موافقا ، ويثاب عليه ، وذلك في ضمن تعلَّقها بعين فعله ، وأمّا بالنسبة إلى المخالف عرفا شرعيا فما تعلَّقت المشيّة به ولا بفعله ، لأنّ المشيّة ما تعلَّقت بعين الفعل في هذا المحلّ المعيّن ، ولم يكن في مقتضى حقيقته وعينه الثابتة في العلم أن يوجد منه هذا الفعل المأمور به ، بل في غيره ، لكون ذلك من مقتضى حقيقته ، فافهم .
قال رضي الله عنه : « وينبعث لسان الحمد والذمّ على حسب ما يكون » على المخالفة لأمر الواسطة والموافقة لأمر الإرادة .
قال رضي الله عنه : « ولمّا كان الأمر في نفسه على ما قرّرناه لذلك كان مآل الخلق إلى السعادة على اختلاف أنواعها ، فعبّر عن هذا المقام بأنّ الرحمة وسعت كلّ شيء ، وأنّها سبقت الغضب الإلهيّ ، والسابق متقدّم فإذا لحقه هذا الذي حكم عليه المتأخّر ، حكم عليه المتقدّم ، فنالته الرحمة ، إذ لم يكن غيرها سبق » .
يعني : كانت الرحمة هي السابقة بالنصّ الإلهي ، فنالت الكلّ ، فالكلّ مرحوم ، ومآل الكلّ إلى الرحمة .
ثم اعلم : أنّ الشيخ نبّه على برهان عال عظيم على زوال الشقاء وعموم السعادة في الدنيا والآخرة آخرا ، وذلك أنّ المقتضي لعموم السعادة بالرحمة وزوال الشقاوة بها كذلك سالم وهو سبق الرحمة الغضب ، فلا يلحقها الغضب ، وإلَّا لم تكن سابقة ، فإذا لحق المغضوب عليه الرحمة السابقة لكونها في الغاية ووقفت ، لم يبق للغضب المسبوق فيه حكم .
وأيضا لأنّ عين المغضوب من كونه شيئا يجب أن يكون مرحوما فإنّ رحمته وسعت كلّ شيء ، ولم يقل : سبقت رحمتي عين المغضوب ، فأعيان الأشياء مرحومة ، لكونها موجودة فلا يلحقها الغضب ، لأنّها لحقت الرحمة ولحقتها الرحمة التي وسعت والرحمة التي سبقت الغضب وبعد اللَّحوق ، فالرحمة تحكم بمقتضاها لا بمقتضى نقيضها ، وهو الغضب ، فتعمّ الرحمة جميع الحقائق .
قال رضي الله عنه : « فهذا معنى ) سبقت رحمته غضبه ( لتحكم على من وصل إليها ، فإنّها في الغاية ووقعت ، والكلّ سالك إلى الغاية ، فلا بدّ من الوصول إليها ، فلا بدّ من الوصول إلى الرحمة ومفارقة الغضب ، فيكون الحكم لها في كلّ واصل إليها بحسب ما يعطيه حال الواصل إليها » .
قال العبد : هذا برهان ظاهر .
قال رضي الله عنه :
فمن كان ذا فهم يشاهد ما قلن .... وإن لم يكن فهم فيأخذه عنّ
وما ثمّ إلَّا ما ذكرناه فاعتمد .... عليه وكن بالحال فيه كما كنّ
فمنه إلينا ما تلونا عليكم .... ومنّا إليكم ما وهبناكم منّ
يعني رضي الله عنه : ما قلناه لكم وارد إلينا من الحق ، وقد وهبناكم ، فلكم منّا ذلك ، وليس ذلك وارد من الحق إليكم ، بل منّا إلَّا ما شاء الله العزيز الحكيم .
قال رضي الله عنه : « وأمّا تليين الحديد فقلوب قاسية يليّنها الزجر والوعيد تليين النار الحديد ، وإنّما الصعب قلوب أشدّ قساوة من الحجارة ، فإنّ الحجارة تكسرها وتكلَّسها النار ولا تليّنها » .
يعني رضي الله عنه : أنّ الحجارة ليس فيها قبول التليين ، فإنّها للكسر أو للتكليس .
قال رضي الله عنه : " وما ألان له الحديد إلَّا لعمل الدروع الواقية ، تنبيها من الله أن لا يتّقى الشيء إلَّا بنفسه ، فإنّ الدروع يتّقى بها السنان والسيف والسكَّين والنصل ، فاتّقيت الحديد بالحديد ، فجاء الشرع المحمدي بـ « أعوذ بك منك » فافهم ، فهذا روح تليين الحديد فهو المنتقم الرحيم . والله الموفّق ".
يشير رضي الله عنه إلى أنّ صورة تليين الحديد على يد داوود والعمل للدروع صورة ما كان الله أعطاه من قوّة تليينه لقلب من يسمع كلامه ومزاميره ،
ومن جملة ذلك ترجيع الجبال والطير ، لقوّة تأثيره ولذّة ألحانه في الجماد والنبات والحيوان والإنسان ، فتليين القلوب روح تليين الحديد ،
لأنّ في الحديد قابلية للَّين كما في قلوب المؤمنين قابلية الانقياد والطاعة لكلامه وحكمه ، فإنّ من ليس فيه قابلية الزجر والوعيد والوعد والتشويق ، فهو في مرتبة أشدّ قساوة من الحجارة ، فـ
( إِنَّ من الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْه ُ الأَنْهارُ ) . . . ( وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ من خَشْيَةِ الله )
، ومنها ما لم يكن قابلا للَّين ، فالنار أولى بها ، حتى تكسرها وتكلَّسها ، حتى تلحق بالتراب ، فافهم .
.
....

YsddzTmlby4

  السابق

المحتويات

التالي  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب فصوص الحكم وشروحاته

مطالعة هذه الشروحات والتعليقات على كتاب الفصوص


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!