موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

شرح مؤيد الدين الجندي
على فصوص الحكم

تأليف: الشيخ مؤيد الدين الجندي

فص حكمة مهيمنية في كلمة إبراهيمية

  السابق

المحتويات

التالي  

فص حكمة مهيمنية في كلمة إبراهيمية


05 . فصّ حكمة مهيّميّة في كلمة إبراهيمية .شرح الشيخ مؤيد الدين الجندي على متن فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

شرح الشيخ مؤيد الدين الجندي على فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي الطائي

قد ذكرنا سبب إسناد حكمة التهيّم إلى كلمة إبراهيم عليه السّلام .
قال رضي الله عنه : ( إنّما سمّي خليلا ، لتخلَّله وحصره جميع ما اتّصف به الذات الإلهية .
قال الشاعر : قد تخلَّلت مسلك الروح منّي ..... وبه سمّي الخليل خليلا )
يعني رضي الله عنه : لمّا قامت الصفات والأسماء الإلهية بإبراهيم ، وقام بحقّ مظهرياتها حقّ القيام ، فاتّصف بجميعها ، فتخلَّل حضراتها ، وسرت الصورة الإلهية بحقائقها في ذات إبراهيم وحقائقه فتخلَّلته ، وكذلك سرت المحبّة الإلهية الذاتية في جميع حقائقه ، وسرت محبّته أيضا في حقائق الحضرات ، فسمّي خليلا ، فعيلا بمعنى فاعل وبمعنى مفعول .
قال رضي الله عنه : ( كما يتخلَّل اللون المتلوّن ، فيكون العرض بحيث جوهره ، ما هو كالمكان والمتمكَّن ) .
قال العبد : إذا تداخل جسمان أو اجتمعا ، فإن كانا كثيفين كالمكان والمتمكَّن ،
فلا سراية لأجزاء أحدهما في الآخر ، فلا تخلَّل ، وإن كان أحدهما لطيفا والآخر كثيفا ، سرى اللطيف في الكثيف ، وتخلَّله بحسب لطف اللطيف وتخلَّل أجزاء الكثيف وتناسبهما ، وإن اجتمع لطيفان وتناسبا في اللطف والرقّة ، كانت السراية أقوى والتخلَّل أشدّ وأوفى ، وإن اتّفق أن تكون معهما حرارة غريزية تناسبيّة في كل منهما لكل منهما ، ملزمة لانحلال أحدهما في الآخر وتخلَّله ، اشتدّ السريان وقوي التخلَّل ، فأدّى إلى اتّحاد هما بحيث يكونان شيئا واحدا لا يتميّز أحدهما عن الآخر ، وفي السراية والتخلَّل والاتّحاد يقع التفاوت بحسب قوّة اللطف والرقّة والمناسبة بين المتخلَّلين ، وهذا في الأجسام وفي الجواهر .
وأمّا الأعراض فإن كانت من اللوازم الجوهرية الذاتية .
فإنّها تكون بحيث جواهرها كالرطوبة والرقّة للماء ، والحرارة واليبوسة للنار ، وإن كان العرض غريبا ليس ذاتيّا للجوهر فبالوساطة الجوهرية الجامعة بينهما ، كتخلَّل اللون الغريب في جوهر غير ذي لون إنّما يكون بواسطة جوهر لطيف متلوّن بذلك اللون الغريب ، فيسري به اللطيف المتلوّن فيما لا لون له.
فإذا سرى اللطيف في جميع أجزائه وتشرّب الكثيف به وفارقه اللطيف ، بقي العرض الغريب في جوهر ما لا لون له ، فعاد متلوّنا بذلك اللون ، وكلّ هذا ضرب مثل لما من الحق في الخلق ولما للحق من الخلق ، وإذا كان الأمر في الأجسام على هذا الوجه ، ففي الروحانيات يكون أتمّ وأعمّ ، وكذلك الجواهر والأعراض ، وذلك بحسب القبول والتناسب والنفوذ .
وكذلك سريان أحكام الحقائق والمعاني والنسب بعضها في البعض بواسطة الوجود الجامع بينهما بحسب شدّة المناسبة وقوّة المحبّة بين المتخلَّل والمتخلَّل .
فلمّا ناسبت مظهرية الخليل عليه السّلام لتعيّن الحق فيه وبه من جميع الوجوه أو أكثرها بحسب مرتبته ومقام مظهريته للحق الذي هو ربّه ، سرى كلّ منهما في الآخر سراية كلَّية في إبراهيم في محبّة ربّه ، أو في ربّه ، فظهر في هوية إبراهيم إنّيّة الحق ، وكذلك يتخلَّل إبراهيم في الحضرات الإلهية ، فقام بجميع المظهريات الإلهية الأسمائية على الوجه الأتمّ ، وظهرت فيه وبه ومنه أيضا حقائق الحضرات بالظهور الأكمل الأعمّ ، فاتّخذه الله خليلا ، وهذه الخلَّة كسراية العرض بالجوهر اللطيف في الكثيف ، حتى يكون بحيث جوهره .
ونذكر قول الخليل عليه السّلام يوم القيامة ، حين يفزع الخلائق إليه في الشفاعة ، فيقولون له : أنت خليل الله اشفع لنا .
أو كما يقولون له.
فيقول : إنّما كنت خليلا من وراء وراء ، والخلَّة المحمّدية أفضل وأكمل ، ونظيره سراية اللطيف المناسب في مثله لطافة ومناسبة بالحرارة المعتدلة ، الحبّية ، الملزمة لكمال تخلَّل أحدهما في الآخر ، وانحلاله ، حتى يرتفع التمايز ويتّحد الخليلان كما ينحلّ ويتخلَّل الأبوان في الصنعة وهما العيان والعروس المطهّران المثبتان المحلولان إذا مزجناهما على ميزان العدل ، وألزمناهما الطبخ الطبيعيّ ، فإنّهما ينحلّ كل منهما في الآخر انحلالا لا مفارقة بعده أبدا ، وينعقدان جوهرا واحدا ، فإذا التقيناه ذاب ذوبانا واحدا وعاص عوصا واحدا ، ولا يطير أحدهما دون الآخر ، فيكون أحدهما عين الآخر .
كما قال تعالى : " الله وَرَسُولُه ُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوه ُ " فأفرد الضمير في الخبر المحمول بعد تثنية المبتدأ الموضوع .
وقال:" من يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ الله " وقال : « هذه يد الله » وأشار إلى يده " وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ الله رَمى " فافهم .
قال رضي الله عنه : ( أو لتخلَّل الحق وجود صورة إبراهيم عليه السّلام وكلّ حكم يصحّ من ذلك ، فإنّ لكلّ حكم موطنا يظهر فيه لا يتعدّاه ، ألا ترى الحقّ يظهر بصفات المحدثات ، وأخبر بذلك عن نفسه ، وبصفات النقص وبصفات الذمّ ؟)
يعني رضي الله عنه : أنّ الحق من حيث تعيّنه بوجوده في صورة إبراهيم يضاف إليه جميع ما يضاف إلى إبراهيم من صفات المخلوق ، ولا يتعدّى إليه في الصورة الإلهية الأزلية ، فإنّه تعالى أخبرنا إنّه ينادي ، ويمكر ، ويستهزئ ، ويسخر ، ويمرض ، ويجوع ، ويظمأ ، على لسان الصادق الذي " ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى . إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى " وذلك بظهوره وتعيّنه في إنّيّة العبد ، بوجوده الحقّ ، كما علمت ، فاذكر .
وقوله : ( وكلّ حكم يصحّ من ذلك ، فإنّ لكلّ حكم موطنا يظهر فيه لا يتعدّاه ).
يريد رضي الله عنه أنّ انضياف أصناف الأحكام والأحوال والأخلاق والأفعال والأسماء والنعوت الخلقية التي توهم النقص ، وتوجب الذمّ في مرتبة العقل والشرع أو العرف إلى الجناب الإلهي بالأصالة كما ذكرنا ليس إلَّا من حيث تعيّنه بالوجود في عين هذا العبد الذي به وفيه ظهرت تلك النقائص ، لا من حيث هو هو ، ولا من حيث موطن آخر ، فإنّ موطن الدنيا وظهور الوجود الحقّ بالعبيد في الدنيا يوجب ذلك وعامتها منتفية عن العبد أيضا في الدار الآخرة والمواطن الجنانية فافهم .
قال رضي الله عنه : ( ألا ترى المخلوق يظهر بصفة الخالق من أوّلها إلى آخرها وكلَّها حق له ، كما هي صفات المحدثات حق للحق).
يعني رضي الله عنه : أنّ صفات المحدثات من حيث تعيّن الوجود الحقّ بالمحدثات وفيها بحسبها ينضاف إليه جميع صفات المحدثات وأفعالها وآثارها ، وهي حق له استحقّها من حيث تعيّنه وظهوره فيها وظهورها ووجودها به ، ولأنّ الوجود ، له صلاحية الظهور بها وإظهارها ، وذلك مقتضى حقيقته ، وكذلك من حيث هذا الوجه ، وباعتبار أنّ حقائق المحدثات وأعيانها الثابتة في العلم الذاتي الأزلي هي شؤون الحق ونسبة الذاتية التي هي فيه هو لا غير يثبت أيضا كذلك للمحدثات جميع الأسماء والصفات والنعوت والنسب التي للحق من أوّلها إلى آخرها ، وهي حق له من هذين الوجهين ، فافهم .
قال رضي الله عنه : (الْحَمْدُ لِلَّه ِ " فرجعت إليه عواقب الثناء من كل حامد ومحمود . " وَإِلَيْه ِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّه ُ " ، فعمّ ما ذمّ وما حمد ، وما ثمّ إلَّا محمود أو مذموم) .
يشير رضي الله عنه إلى أنّ كل حمد من كل حامد لكل محمود فإنّه لله ، لأنّه المحمود بالحقيقة في كل مظهر وموجود بما ظهر فيه من الكمالات والمحامد ، والظاهر بها في ذلك الحامد ، فإذن هو الحامد والمحمود والحمد ، فاذكر أقسام حمد الحمد ، كما ذكرنا في شرح الخطبة .
قال رضي الله عنه : ( اعلم أنّه ما تخلَّل شيء شيئا إلَّا كان محمولا فيه ، فالمتخلَّل باسم فاعل محجوب بالمتخلَّل اسم مفعول فاسم المفعول هو الظاهر ، واسم الفاعل هو الباطن المستور ، وهو غذاء له ، كالماء يتخلَّل الصوفة فتربو به وتتّسع ) .
يعني رضي الله عنه : أنّ إبراهيم عليه السّلام بتخلَّله جميع الحضرات الإلهية يكون محمولا في الحق ، محجوبا ، فهو للحق جميع أسمائه وصفاته الظاهرة عليه ، فهو غذاؤه بالأحكام والنعوت والأسماء والصفات ، وكذلك بتخلَّل الوجود الحق صورة إبراهيم يكون محمولا في إبراهيم ، فيكون الحق سمعه وبصره ولسانه وسائر قواه .
قال رضي الله عنه : ( فإن كان الحق هو الظاهر ، فالخلق مستور فيه ، فيكون الخلق جميع أسماء الحق سمعه وبصره وجميع نسبه وإدراكاته . وإن كان الخلق هو الظاهر ، فالحق مستور ، باطن فيه ، فالحق سمع الخلق وبصره ويده ورجله وجميع قواه ، كما ورد في الخبر الصحيح).
قال العبد : يشير رضي الله عنه : إلى مقامي قرب الفرائض والنوافل ، وذلك أنّ وجود الحق هو الأصل الواجب وهو الفرض ووجود العالم وهو العبد نقل وفرع عليه .
لأنّ الوجود الحق لكمال سعته وسع الحق المطلق ، والخلق المقيّد ، فإذا ظهر الحق ، خفي العبد فيه ، كان الله ولا شيء معه أوّل " لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّه ِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ " آخرا ، فكان العبد سمع الحق وبصره وسائر قواه ، كما قال صلَّى الله عليه وسلَّم « إنّ الله قال على لسان عبده : سمع الله لمن حمده . هذه يد الله ، واليد يد محمّد صلَّى الله عليه وسلَّم وكذلك هو الرامي حقيقة في " إِذْ رَمَيْتَ " ، فيده يد الحق والحق هو الرامي ، لنفيه الرمي عن محمّد في قوله : " وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ " ، وإثباته الرمي للحق بقوله :
" وَلكِنَّ الله رَمى " .
والثاني قرب النوافل ، فهو كون الحق بوجوده محمولا في إنّيّة العبد وهويّته له فهو سمع العبد وبصره ولسانه وسائر قواه ، والحديث الثابت في الصحيح المثبت سرّ المقامين قد ذكر فيما ذكر ، فتذكَّر .
قال رضي الله عنه : ( ثم إنّ الذات لو تعرّت عن هذه النسب ، لم تكن إلها . وهذه النسب أحدثتها أعياننا ، فنحن جعلناه بألوهيّتنا إلها ، فلا يعرف حتى نعرف ) .
يعني رضي الله عنه : أنّ تحقّق أحد المتضايفين يتوقّف على الآخر بالضرورة فالإلهية والربوبية والخالقية لا تتحقّق إلَّا بالمألوه والمربوب والمخلوق وجودا وتقديرا ، فلا يعرف الله من كونه إلها ، حتى يعرف المألوه .
قال رضي الله عنه : ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من عرف نفسه فقد عرف ربّه » وهو أعلم الخلق بالله .
فإنّ بعض الحكماء وأبا حامد ادّعوا أنّه يعرف الله من غير نظر إلى العالم ، وهذا غلط . نعم ، تعرف ذات قديمة أزليّة لا يعرف إنّها إله ، حتى يعرف المألوه ، فهو الدليل عليه ).
يعني رضي الله عنه : أنّ الألوهية والربوبية وغيرهما من النسب لا تحقّق لها كما مرّ إلَّا بالمألوهية والمربوبية ، فإنّها حقائق إضافية ، فلا وجود لها إلَّا بالنسبة والإضافة ، ولا تثبت للذات المطلقة إلَّا بشرط موصوفيتها بالإيجاد والربوبيّة ، ولا ربوبية إلَّا بالمربوب ، فالربوبية والإلهية والخالقية ومعرفتها يتوقّف ثبوتها للذات المطلقة على المربوب والمألوه والمخلوق وإن لم يتوقّف وجودها الذاتي على شيء أصلا ، فإنّ الله من حيث ذاته غنيّ عن العالمين وعن الأسماء الإلهية .
قال رضي الله عنه : ( ثمّ بعد هذا في ثاني حال يعطيك الكشف أنّ الحق نفسه كان عين الدليل على نفسه وعلى ألوهيته ، وأنّ العالم ليس إلَّا تجلَّيه في صور أعيانهم الثابتة التي يستحيل وجودها بدونه وأن يتنوّع ويتصوّر بحسب حقائق هذه الأعيان وأحوالها ، وهذا بعد العلم به منّا أنّه إله لنا ) .
قال العبد : يشير رضي الله عنه : إلى أنّ الواجب على كلّ أن يعرف ربّه وإلهه الذي يعبده ، وذلك لا يكون إلَّا بعد معرفة عبدانيّته ومربوبيته ، فإذا عرف نفسه عبدا مربوبا ، تأتّى له أن يعرف أنّ له إلها هو ربّه خلقه .
ثم بعد هذه المعرفة الصحيحة إن عرف أنّه موجود بالحق ، أو عرف أنّ الموجود هو الحق في عينه وصورته يتنوّع ظهوره بحسب خصوصية المظهر ، عرف أنّ العالم تجلّ منه ، فهو الظاهر بالعالم وفيه بحسب خصوصية حقيقة العالم من القبول ، فهو من حيث ظهوره في العالم المحدث كان دليلا على نفسه أنّه أحدثه وأوجده ، وكان الحق حينئذ من حيث ظهوره فيك دليلا عليه أنّه ربّ ، إله ، خالق لك ، فافهم .
فما أنت إذن أنت على ما كنت في زعمك ، بل تعيّن وتجلّ من تجلَّياته في مرتبة كليّة أو جزوية ، في حقيقة عين ثابتة علميّة أزلية ذاتية من جملة شؤونه الذاتية التي لم توجد ولا شمّت رائحة من الوجود العيني ، بل هي على وجودها العلمي الأزلي الأبدي ، والموجود المشهود منك في الأعيان تجلَّى لظاهر في مظهر ، وكذلك الموجود المشهود من العالم تجلّ كلَّي وتعيّن عيني ظهر في مظاهر ومجال وتراءى في مناظر ومراء كثيرة مختلفة ، فما يشهد ولا يوجد في المرآة إلَّا الحق لا المرئيّ .
فإنّ متعلَّق الشهود والوجود ليس إلَّا المثال الظاهر من ناظر واحد محاذ بصورته لهذه المرائي الكثيرة ، وهي أعيان العالم وحقائقه فانظر ما ذا ترى ، فأنت يا أخي على عدميّتك الأزلية ، والمشهود هو الوجود الحق الظاهر في مظهريّتك ومرآتك ، وهو الدليل على نفسه من جهتين ومرتبتين :
مطلقة ومقيّدة ، فافهم .
قال رضي الله عنه : (ثمّ يأتي الكشف الآخر ، فيظهر لك صورنا فيه ، فيظهر بعضنا لبعض في الحق ، فيعرف بعضنا بعضا ، ويتميّز بعضنا عن بعض ، فمنّا من يعرف أن في الحق وقعت هذه المعرفة لنا بنا ، ومنّا من يجهل الحضرة التي وقعت فيها هذه المعرفة بن "أَعُوذُ بِالله أَنْ أَكُونَ من الْجاهِلِينَ).
قال العبد : أمّا في الكشف الأوّل فشهدت الحق في مجالي : حقائق العالم ومرائي مظهرياته بحسبها ، فكان الشاهد والمشهود هو الحق ، وفي هذا الشهود مرتبتان لأربابهما :
إحداهما : أنّ الحق هو الموجود المشهود في حقائق العالم وأعيان المحدثات وهي مظاهر للحق موجودة في أعيانها ، ظهر الحق بها وفيها وبحسبها ، نحوا من الظهور ، وضربا من التجلَّي .
وفي الثانية : يكون الحق أيضا كذلك هو الموجود المشهود في مراء غير موجودة في أعيانها ، بل هي على عدميّتها العينيّة ووجودها العلمي ، ظهر الوجود الواحد الحق المنسحب عليها بحسب خصوصياتها وقابلياتها ، فظهر الوجود الواحد الحق بهذه المظاهر المختلفة مختلف الصور ، فالمشهود الموجود في الشهودين هو الحق .
وأمّا الكشف الثالث: فيعطي أنّ المشهود نقوش أعيان العالم وصورها وأمثلتها في مرآة الوجود الواحد الحق الموجود هو الحق المشهود في صور نسبه ونقوش شؤونه وأحواله الذاتية العينيّة وهي أعني النسب والشؤون التي هي أعيان العالم لم تنتقل من العلم الذاتي إلى العين ، ولكن أثّرت في مرآة الوجود الحق من حيث قبوله وصلاحيته لتلك الآثار هيئات وصورا منها بحسبها .
قال رضي الله عنه : ( وبالكشفين معا ما يحكم علينا إلَّا بن ، بل نحن نحكم علينا بنا ، ولكن فيه ، فلذلك قال : " فَلِلَّه ِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ " يعني على المحجوبين إذ قالوا للحقّ : لم فعلت بنا كذا وكذا ممّا لا يوافق أغراضهم ، فيكش ف لهم الحق عن ساق ، وهو الأمر الذي كشفه العارفون هنا ، فيرون أنّ الحق ما فعل لهم ما ادّعوه أنّه فعله ، وأنّ ذلك منهم ، فإنّه ما علمهم إلَّا ما هم عليه ، فتدحض « 5 » حجّتهم ، وتبقى الحجة لله البالغة) .
قال العبد : إنّ الحاكم علينا نحن على الكشفين معا ، لأنّا على الكشفين معا إمّا تجلّ وحق متعيّن بمقتضيات أعياننا الثابتة ، أو صور أعيان ظهرنا في مرآة الوجود الحق بمقتضيات أعياننا وخصوصياتنا كذلك ، فإذن لم يحكم الحق علينا في كلّ ما حكم علينا ، دنيا وآخرة ، روحا وجسما ، ظاهرا وباطنا ، شقاوة وسعادة ، إلَّا بموجب ما اقتضت خصوصياتنا واستعداداتنا غير المجعولة ، الذاتية ، وقابليّات مظهرياتنا التي استدعت من الحق أن يحكم علينا بما نستأهله ونستحقّه .
والله العليم ، الحكيم ، العدل ، الحكم لا يحكم على كل محكوم عليه بكل حكم حكم عليه إلَّا بموجب علمه بالمحكوم عليه ، وبالحكم الذي يطلبه ويقتضيه بحقيقته وعلمه به على ما هو عليه وبحسبه وبموجب استعداده ، ولا ينسب إلى الحق ما يتوهّمه أهل الجهل أنّ الله قدّر وحكم على الخلائق ، أو كتب عليهم بما ليس فيهم وهو ظلم محض إن يقدّر على أحد ويحكم عليه قبل وجوده في الأزل بأفعال وأحوال وآثار ليست فيهم ومنهم ، ثم إذا صدرت منهم في الدنيا بموجب ما قدّر وكتب عليهم ، طالبهم بذلك في الآخرة ، وعاقبهم ، وأخذهم بها ، وعذّبهم .
تعالى الله عمّا يقول الظالمون الجاهلون علوّا كبير ، بل الله يحكم علينا بمقتضيات استعداداتنا وبموجب خصوص قابليّات صور معلوميّاتنا له أزلا ، فلم يحكم علينا إلَّا لما منه أو حكمنا أن يحكم علينا بذلك ، فما حكم علينا إلَّا بحكمنا ونحن صور نسب علمه وشئونه وأحواله الذاتية النفسية ، بل نحن حكمنا علينا بالحق وفيه ،فافهم .
قال رضي الله عنه : ( فإن قلت : فما فائدة قوله : " فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ ) ؟
قلنا : " لو " حرف امتناع لامتناع ، فما شاء إلَّا ما هو الأمر عليه .
ولكن عين الممكن قابل للشيء ونقيضه في حكم العقل ، وأيّ الحكمين المعقولين وقع فذلك هو الذي كان عليه الممكن في حال ثبوته . ومعنى « لهديكم » أي لبيّن لكم .
(وما كلّ ممكن من العالم فتح الله عين بصيرته ، فأدرك الأمر في نفسه على ما هو عليه ، فمنهم العالم والجاهل .
فما شاء ، فما هداهم أجمعين ، ولا يشاء .
وكذلك " إِنْ يَشَأْ " فهل يشاء ؟ هذا ما لا يكون ) .
قال العبد : « لو » في « لو شاء لهدى » تعليل عدم الهداية لعدم المشيّة ، فإنّه حرف امتناع لامتناع ما يسند إليه ، فحيث أسند إلى المشيّة بيّن امتناع المشيّة ، وإنّما جاء لعدم الهداية وامتناعها لامتناع المشيّة ، يعني ما هداهم أجمعين ، لأنّه لم يشأ هدايتهم أجمعين ، لعلمه أنّهم لا يستعدّون لقبول الهداية جميعا ، بل البعض .
فشاء بموجب علمه هداية البعض المستعدّين لها ، فهداهم ، ولو شاء هداية الكلّ لهدى الكلّ ، ولكنّه لم يشأ ، لعدم تعلَّق العلم بهداية الكلّ ، لما لم يكن في قابليتهم الاهتداء .
إذ المشيّة وهي تخصيص بعض المعلومات للهداية تابعة للعلم في تعلَّقه بهداية البعض الذين لهم قابلية الهداية ، فما شاء إلَّا ذلك البعض ، لأنّ مشيّة الحكيم العليم لا تتعلَّق إلَّا بما فيه صلاحية ما يشاء ، وإلَّا لكان عبثا ، ويتعالى عن ذلك علوّا كبيرا .
وكذلك " إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ " حرف امتناع وشرط ممتنع دخل على المشيّة ، لامتناع الإذهاب ، فامتنع إذهابهم ، لامتناع تعلَّق المشيّة به ، فهل يشاء الممتنع ؟
هذا لا يكون ، لعدم تعلَّق مشيّة الحكيم بالممتنع .
قال رضي الله عنه : ( فمشيّته أحدية التعلَّق ، وهي نسبة تابعة للعلم ، والعلم نسبة تابعة للمعلوم ، والمعلوم أنت وأحوالك ، فليس للعلم أثر في المعلوم ) .
يعني رضي الله عنه : لأنّه ما جعله على ما هو عليه ، بل تعلَّق به بحسبه ، وهذا ظاهر .
قال رضي الله عنه : ( بل للمعلوم أثر في العلم فيعطيه من نفسه ما هو عليه في عينه ) .
يعني رضي الله عنه : أنّ العلم إنّما يتعلَّق بالمعلوم بحسب ما هو المعلوم عليه فهو تابع للمعلوم في تعلَّقه به ، فليس للعلم أثر في المعلوم .
قال رضي الله عنه : ( وإنّما ورد الخطاب الإلهي بحسب ما تواطأ عليه المخاطبون وما أعطاه النظر العقلي ، ما ورد الخطاب على ما يعطيه الكشف . ولذلك كثر المؤمنون وقلّ العارفون أصحاب الكشوف) وَما مِنَّا إِلَّا لَه ُ مَقامٌ مَعْلُومٌ " .
(وهو ما كنت به في ثبوتك ظهرت به في وجودك ، هذا إن ثبت أنّ لك وجودا ، فإن ثبت أنّ الوجود للحق لا لك ، فالحكم لك بلا شك في وجود الحق ، وإن ثبت أنّك الموجود ، فالحكم لك بلا شكّ .
وإن كان الحاكم الحقّ ، فليس له إلَّا إفاضة الوجود عليك ، والحكم لك عليك ، فلا تحمّد إلَّا نفسك ولا تذّم إلَّا نفسك ، وما يبقى للحق إلَّا حمد إفاضة الوجود ، لأنّ ذلك له لا لك ) .
يعني رضي الله عنه : أنّ الله تعالى إنّما يخاطب عباده على قدر فهمهم وبحسب ما تواطئوا عليه ، إنّ الله لو تعلَّقت مشيّته بهداية الجميع ، أو بإذهاب الجميع ، لهداهم جميعا ، أو أذهبهم جميعا ، هذا مبلغ علوم أهل العموم من المخاطبين ، لاقتصارهم في نظرهم على ظاهر المفهوم من كمال القدرة والإرادة ، وهو نصف البحث ، فلو رزقوا العثور على الشطر الآخر ، لفازوا بإدراك الأمر على ما هو عليه ، وهو مقتضى الكشف بأنّ المشيّة لا تتعلَّق إلَّا بمقتضى الحكمة .
والعلم والحكمة يعطيان أن ليس في قوّة استعداد الجمع وقابليتهم صلاحية الهداية ، بل في البعض ، فتعلَّقت المشيّة بهداية المهتدين بنوره ، لما في استعدادهم لقبول نور الهداية ، والذي لم يستعدّ للهداية في حقيقته وخصوصية عينه الثابتة ، لم تتعلَّق بهدايته المشيّة ، فلم يهتد ، وهذا مقتضى الكشف الصحيح والحقّ الصريح الرجيح .
فرزق الله أهل الكشف والتحقيق الاطَّلاع على هذا السرّ وهو سرّ القدر فنزع بذلك عن قلوبنا غلّ الاعتراض على الله بالجهل ، كما اعترض أهل الحجاب من الجمهور في أفعاله وأوامره وأحكامه ، ونسبوا إلى الله الظلم ، وأجاز بعضهم الظلم من الله تعالى على خلقه ، لأنّهم تحت تصرّفه وهو موجدهم وربّهم ، فله الحكم ، وعدّل منه الظلم ، وكلّ ما قالوا جهل بالحقائق ، لأنّ حقيقة الظلم لا تنقلب عدلا ، ثمّ الحكيم لا يريد ولا يفعل إلَّا ما اقتضته حكمته ، فهو لا يكلَّف نفسا إلَّا وسعها ، ولا يطلبها إلَّا ما آتاها ، وإلَّا فما هو بحكيم ، وحكم بخلاف حكمته وعلمه ، والله تعالى حكيم ، فهو لا يسومنا ما ليس فينا ، فافهم.
وهذا بيّن فللَّه الحجّة البالغة ، فما منّا أحد إلَّا له مقام معلوم ، فنحن معاشر أهل الكشف والشهود بحمد الله لم نقف مع علوم هؤلاء المجتهدين ، فكشف لنا بحمد الله ما وراء هذا السرّ ، وذلك بمقتضى أعياننا الثابتة في العلم الأزلي ، فالحكم للعين فينا إن كان لنا وجود حقيقي على ما تقرّر ، وإن لم يكن لنا وجود ، فالحكم لنا علينا أيضا كما مرّ مرارا ، فادّكر ، فما يصل إليك نور الوجود إلَّا بموجب استعدادك .
فإن كان على الوجه الأكمل ، فلا تحمد إلَّا نفسك ، فإنّها صورة شأن إلهي من الشؤون ، وإن وجدت غير ذلك فلا تلومنّ إلَّا نفسك ،وليس لله تعالى إلَّا حمد إفاضة الوجود ، وليس للوجود إلَّا إظهار ما كنت عليه وكان فيك منك أزلا ، فافهم .
قال رضي الله عنه : ( فأنت غذاؤه بالأحكام ) .
يعني : أنّ الوجود الحقّ إنّما يظهر بصورة أحكام عينك ، فقد تغذّى بصورة العين الثابتة وجود ظهر فيك بحسبك .
قال رضي الله عنه : ( وهو غذاؤك بالوجود ) .
يعني : لأنّك ظهرت بالوجود ، فإنّ أحكام عينك الثابتة لا تظهر إلَّا بالوجود ، كما أنّ الوجود لا يتعيّن ولا يظهر إلَّا بحسب تلك الأحكام .
قال رضي الله عنه : ( فتعيّن عليه ما تعيّن عليك وهو حكمك بالأمر منه إليك ومنك إليه غير أنّك تسمّى مكلَّفا ، وما كلَّفك إلَّا بما قلت له : كلَّفنى بحالك وبما أنت عليه ، ولا يسمّى مكلَّفا اسم مفعول ، إذ لا كلفة عليه ) .
يعني : أنّ الحكم منك وإن توجّه على الحق أن يكلَّفك بما حكمت ، فإنّه لا يسمّى مكلَّفا اسم مفعول كما أنّك لا تسمّى مكلَّفا اسم فاعل ، لكون الفعل والتأثير والحكم لله بالأصالة فإنّه أحدية جمع حقائق الوجوب والإيجاب والفعل والتأثير والانفعال والتأثّر والقبول لك بالافتقار الأصلي الذاتي ، كما علمت ، فاذكر ، فهكذا أعطت الحقائق ، فإن حكمت وأثّرت وفعلت ، فلأنّك حقيقة من حقائق الجمع الإلهيّ ، فافهم .
قال رضي الله عنه :
فيحمدني وأحمده ..... ويعبدني وأعبده
يعني رضي الله عنه : يحمدني الحقّ على كمال قابليّتي وحسن قبولي لنور وجوده ، وإظهار صورته على ما هي عليها من غير تغيير .
وأحمده : أعرّفه بالكمالات التي ظهر بها في ، أو ظهرت بها فيه .
ويعبدني ، أي يطيعني لمّا سألته بالإجابة ، كما قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - حين قال له أبو طالب : ما أطوع لك ربّك يا محمّد ! : « وأنت يا عمّ إن أطعته أطاعك ».
والعبادة : الطاعة على أحد معانيها ، والعبادة : الجحود أيضا .
يقال : عبد حقّه أي جحد ، والعبد يطيع الله في ظهوره بالإلهية والربوبية ، فإذا ظهر في تعيّنه بصورة مخلوق وصفته ، جحده وأنكره .
وقال رضي الله عنه : (ففي حال أقرّ به .. وفي الأعيان أجحده .. فيعرفني وأنكره أي هو من حيث هو يعرفني على كلّ حال .)
وأمّ « أنكره » أي هو من حيث هو يعرفني على كل حال وأنا أنكره حال ظهوره في صور الأعيان المحدثة.
قال رضي الله عنه : ( وأعرفه فأشهده ) .
يعني رضي الله عنه : أنا في نفس الأمر أعرفه وأشهده ، لكون المعرفة والشهود من مقتضى حقيقتي منه ، فهو يعطي المعرفة والشهود .
قال رضي الله عنه : (وأنّى بالغنى وأن ... أساعده وأسعده ؟)
يشير رضي الله عنه : إلى توقّف النسب الأسمائية على الأعيان الكونية ، فإنّ الإلهية متوقّفة على العبودية ، فهو - من حيث إنّيّتي العبدانية - يساعده بي ويسعده .
كما قال الله تعالى : " إِنْ تَنْصُرُوا الله يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ ".
والنصر : المساعدة والإسعاد في تحقيق الربوبية والألوهيّة ، وحسن تأتّي القابل في كمال مظهريته لربّه إسعاده له ، فإنّ سعادة الحقائق والنسب الأسمائية أن تظهر آثارها في مظاهرها ، كما قلنا في كتاب « المنازل » لنا :وإذ الحقائق لم تبن آثاره
عدّت من الأموات لا الأحياء.
قال رضي الله عنه :
(
لذلك الحقّ أوجدني ..... فأعلمه وأوجده)
يعني : أنّما أوجدني الحق مظهرا له ومظهرا ، فأوجده في العلم صورة مطابقة لما هو عليه في العين .
قال رضي الله عنه :
(
بذا جاء الحديث لن .... وحقّق في مقصده)
جاء في الحديث الثابت عنه عليه السّلام حكاية عن الله - تعالى - : « قد مثّلوني بين أعينهم » أي أوجدوا مثالي في رأي أعينهم علما وشهودا ، فكلّ من كان في علمه بالله أصحّ تصوّرا للحق ، فقد أوجده في علمه وشهوده .
قال رضي الله عنه : ( ولمّا كان للخليل هذه المرتبة - التي بها سمّي خليلا - لذلك سنّ القرى. وجعله ابن مسرّة الجبليّ مع ميكائيل ملك الأرزاق ، وبالأرزاق يكون تغذّي المرزوقين ، فإذا تخلَّل الرزق ذات المرزوق - بحيث لا يبقى فيه شيء إلَّا تخلَّله - فإنّ الغذاء يسري في جميع أجزاء المغتذي كلَّها ، وما هناك أجزاء ،فلا بدّ أن يتخلَّل جميع المقامات الإلهية المعبّر عنها بالأسماء ، فتظهر بها ذاته جلّ وعلا ).
قال العبد : لمّا تخلَّل إبراهيم - بكمال مظهريته وسعتها وحيطة فلك قابليته - جميع المقامات الإلهية - التي ظهر بها المسمّى وتخلَّله - وسرى فيها سراية الرزق في أجزاء بدن المرزوق ، فصار غذاء له ، وكذلك الوجود الحق سرى - بأحدية جمع النفس الساري من حضرة جمع الجمع - في حقائق إبراهيم عليه السّلام وصار غذاء له ، ولولا سرايته فيه بالصورة ، لما وجد ، فغذّى إبراهيم عليه السّلام - من حسن مظهريته وكمال قابليته - بأحكام عينه الوجود الواحد الأحد ، وغذّي أيضا بالوجود الحق حقائق عينه التي هي شؤون الحق وصور أنانيّته العينية ، ظهر لذلك في حاله سرّ هذه الحقيقة ، فسنّ القرى للبادي والحاضر ، وغذّى الخلائق من كلّ وارد وصادر ، وواخى الله بينه وبين ميكائيل ، ملك الأرزاق على مذهب ابن مسرّة الجبليّ ، فإنّ حملة العرش ثمانية يوم الفصل والقضاء ، أربعة منهم الملائكة الأربعة : جبرئيل ، وميكائيل ، وإسرافيل ، وعزرائيل ، وقد اختلف فيهم وفي الأنبياء الذين هم معه في حوله ، فجعل ابن مسرّة إبراهيم مع ميكائيل .
قال رضي الله عنه :
( فنحن له كما ثبتت .... أدلَّتنا ونحن لنا)
يعني : نحن معاشر الكمّل قائمون بالحق على ما ثبتت الأدلَّة الكشفية ، فنحن بحقائقنا الذاتية شؤون الحق وأحوال ، وفيه صور ونسب ذاتية له ، وكذلك من حيث وجوداتنا المشهودة وإنائيّاتنا الظاهرة المعهودة الموجودة نحن لنا من حيث أعياننا ، فإنّا من حيث صورنا العينية تماثيل وأشخاص وجوده لحقائقنا وأعياننا العينية .
قال رضي الله عنه :
(وليس له سوى كوني .... فنحن له كنحن بنا)
يعني : ليس للحق مظهر أتمّ وأكمل من الإنسان الجامع وهو الإنسان الكامل .
أو الإنسان المفصّل وهو العالم فنحن بمظهرياتنا وعبدانيّاتنا وظهوره بنا كنحن من حيث أعياننا وحقائقنا قائمون بصور وجوده .
فنحن لوجوده الحق في الوجود العيني كنحن له من حيث أعياننا في الوجود العلمي العيني ، فهو باطننا ونحن ظاهره قائمون به وبوجوده ، وهو ظاهر بنا وفينا أو بالعكس ، فلا ننفكّ عنه ولا ينفكّ عنّا .
قال رضي الله عنه :
(فلي وجهان هو وأن ...... وليس له أنا بأنا)
يعني رضي الله عنه - : أنّ « أنا » لفظ لا يصلح لإنائيّته إلَّا لفظا لا حقيقة ، وظهور إنائيته حقيقة في الوجود العيني إنّما هو بالإنسان الكامل .
لأنّ الإنسان الكامل له وجه إلى الحق المطلق وهو باطنه وهويته الغيبية .
ووجه أيضا كذلك إلى العالم وهو إنائيته وظاهريته ، وحيث لا تصلح لفظة « أنا » لظهور إنائيته - تعالى - فظهورها في إنّيّات الموجودات كلَّها تفصيلا أسمائيا ، وفي إنائية الإنسان الكامل جمعا ذاتيّا .
قال رضي الله عنه :
(ولكن في مظهره .... فنحن له كمثل إنا)
يعني رضي الله عنه : ظهور إنائيّة الحق حقيقة في ، لأنّي إناء تعيّنه الجامع الأفضل ، وشخص إنّيّته الشامل الأكمل ، فالإنسان الكامل للحق كالإناء ، فإنّه ظاهر فيه ، ومتعيّن به كتعيّن ما في الإناء بالإناء ، فإنّيّته لهوية الحق إناء ، فافهم .
وقد قلنا في هذا المقام ، شعر :
يقولون لون الماء لون إنائه ..... أنا الآن من ماء إناء بلا لون.
" وَالله يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ "
.


GszkXUr9xtg

  السابق

المحتويات

التالي  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب فصوص الحكم وشروحاته

مطالعة هذه الشروحات والتعليقات على كتاب الفصوص


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!