موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

كتاب نقد النصوص
في شرح نقش الفصوص

تأليف: الشيخ عبد الرحمن الجامي

فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية

  السابق

المحتويات

التالي  

فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية


16 – شرح نقش فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي
قال الشيخ رضي الله عنه : ( لما كانت له من حيث لا يشعر. قالت بالقوة: إنه كتابٌ كريم. وما ظهر "آصف" بالقوة على الإتيان بالعرش دون سليمان إلا ليعلم الجن أن )
إنّما اختصّت الكلمة السليمانية بالحكمة الرحمانية لعموم حكمهما، فانّه كما أنّ للاسم «الرحمن» شمول حكم على الموجودات كلها، كذلك للكلمة السليمانية إحاطة سلطنة و تصرّف في العالم كله، فسخّر الله له العالم الأعلى و الأسفل:
فأمّا تسخيره له العالم السفلى، فواضح بتحكّمه في الجنّ و الانس و الوحش و الطير و سائر الحيوانات البرّيّة و البحرية و تعدّى حكمه إلى العناصر فسخّر له الريح، تجرى بأمره. و سخّر له الماء، تغوص له فيه الشياطين النارية و هذا من أعظم التسخيرات لما فيه من الجمع بين ما من النار مع الماء و مع ما من الماء مع تضادّ طبائعهما. و لذلك نبّه سبحانه و تعالى بقوله، «وَ من الشَّياطِينِ من يَغُوصُونَ لَهُ وَ يَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذلِكَ» فأخبر تعالى أنّ كلّ ما كانوا يعملون له، فهو دون غوصهم، لما ذكرت من صعوبة الجمع بين الأضداد. و سخّرت له الأرض، يتبوّأ منها حيث يشاء.
و أمّا تسخير الحق له العالم العلوي، فواضح أيضا عند المستبصرين، فانّ كلّ ما تيسّر له عليه السلام في هذا العالم، فانّه من آثار تسخير الله له ذلك العالم و تعليمه إيّاه أسباب التصريفات. فافهم.
لما كانت بلقيس خالصة له، أي لسليمان عليه السلام بالانقياد إليه و الايمان به، من حيث لا تشعر هي بذلك، أي بكونها له- و ذلك لمناسبة فطرية
و مجانسة ذاتية و توفيق إلهى- قالت لقومها ظاهرة بالقوة، أي بقوّة الهمّة و التصرّف بها فيهم لينقادوا إليه في حق كتاب سليمان حين ألقاه الهدهد إليها، و أرتهم إيّاه، انه كتاب كريم، حيث قالت، «إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ»، أي مكرّم عليها معظّم عندها. «إِنَّهُ»، أي هذا الكتاب الكريم، «من سُلَيْمانَ»- هذا بيان لمرسل الكتاب أو إشارة إلى عنوانه- «وَ إِنَّهُ»، أي مضمونه، «بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَ أْتُونِي مُسْلِمِينَ».
قال الشيخ رضي الله عنه : (شرف سليمان عظيم إذ كان لمن هو حسنة من حسناته له هذا الإقتدار)
فتكريم بلقيس و تعظيمها لكتاب سليمان كان لعناية أزلية و مناسبة جبليّة، لا لما قال بعض أهل الظاهر من المفسّرين من أنّ السبب فيه تقديم سليمان اسمه على اسم الله- فانّه إنّما قدّم اسمه على اسم الله وقاية له أن يقع عليه الخرق و إنّه إن وقع الخرق، يكون على اسمه، لا على اسم الله و إنّ اسمه لكمال مهابته في قلوب البرية مانع لهم عن الخرق-
أمّا أوّلا، فلأنّ قوله، «إِنَّهُ من سُلَيْمانَ»، ليس من مضمون الكتاب، كما سبق إليه إشارة.
و أمّا ثانيا، فلأنّ بلقيس لو كانت مريدة للخرق و ما كانت موفّقة لاكرام الكتاب، لم يكن تقديم اسمه حاميا له من الخرق، و لا تأخيره. بل كانت تقرأ الكتاب و تعرف مضمونه، كما فعل كسرى، ثمّ كانت تمزّقه لو لم تكن موفّقة.
(و ما ظهر آصف)، وزير سليمان عليه السلام، بالقوة و جمعية الهمّة (على الإتيان بالعرش)، أي عرش بلقيس من سبا قبل ارتداد طرف الناظر إليه، (دون سليمان)، مع كونه عليه السلام أقوى و أقدر منه، (الا ليعلم) آصف (الجن)، الذي ادّعى عفريت منهم أنّه يأتى به قبل قيام القائم من مقامه- غيرة منه على سليمان و ملكه- (أن شرف سليمان عظيم، إذ كان لمن هو حسنة من حسناته ) و أحد من خاصّته هذا الاقتدار العظيم و التصرّف القوى فكيف كان الحال لو تصرّف هو نفسه؟
اعلم أنّ آصف بن برخيا مع فنون علومه كان مؤيّدا من عند الله، معانا من عالم القدرة بإذن الله و تأييده أعطاه الله التصرّف في عالم الكون و الفساد بالهمّة و القوّة الملكوتية، فتصرّف في عرش بلقيس بخلع صورته عن مادّته في سبا و إيجاده عند سليمان، فانّ النقل بالحركة أسرع من ارتداد طرف الناظر إليه محال، إذ النقل زمانى، و حركة البصر نحو المبصر و عنه آنية، لوقوع الأبصار مع فتح البصر في وقت واحد.
فاذن ليس حصول عرش بلقيس عند سليمان بالنقل من مكان إلى مكان و لا بانكشاف صورته على سليمان في مكانه، لقوله تعالى، «فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ».
فلم يبق إلّا أنّه كان بالتصرّف الإلهي من عالم الأيد و القدرة.
فكان وقت قول آصف :"أَنَا آتِيكَ به قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ"، عين وقت انعدام العرش في سبا و إيجاده عند سليمان عليه السلام.
و هذا التصرّف أعلى مراتب التصرّف الذي خصّ الله به من شاء من عباده و أقدره عليه.
و ما كان ذلك إلّا كرامة لسليمان عليه السلام حيث وهب الله لبعض أصحابه و أحد خاصته هذا التصرّف العظيم.
و هو من كمال العلم بالخلق الجديد، فانّ الفيض الوجودي و النّفس الرحمانى دائم السريان و الجريان في الأكوان، كالماء الجاري في النهر، فانّه على الاتّصال يتجدّد على الدوام.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ولما قالت في عرشها: كأنه هو. عثورٌ على علمها بتجديد الخلق في كل زمان فأتت بكاف التشبيه. وأراها صرح القوارير "كأنه لجة" وما كان لجة. كما أن )
فكذلك تعيّنات الوجود الحق في صور الأعيان الثابتة في العلم القديم لا تزال تتجدّد على الاتّصال.
فقد ينخلع التعيّن الأوّل الوجودي عن بعض الأعيان في بعض المواضع، و يتّصل به الذي يعقبه في موضع آخر.
و ما ذلك إلّا لظهور العين العلمي في هذا الموضوع و اختفائه في الموضع الأوّل، مع كون العين بحاله في العلم و عالم الغيب.
و لمّا كان آصف عارفا بهذا المعنى، معيّنا به من عند الله، مخصوصا منه بالتصرّف في الوجود الكونى- و قد آثر الله تعالى سليمان بصحبته و آزره و قوّاه بمعونته إكراما له، و إتماما لنعمته عليه في تسخير الجنّ و الانس و الطير و الوحش، و إعلاء لقدره، و إعظاما لملكه- سلّط الغيرة على آصف، فغار على سليمان و ملكه الذي آتاه من أن يتوهّم الجنّ أنّ تصرّفهم‏- الذي أعطاهم الله تعالى- أعلى و أتمّ من تصرّف سليمان و ذويه.
فأعلمهم أنّ الملك و التصرّف الذي أعطى بعض أصحابه من خوارق العادات أعلى و أتمّ من الذي خصّ الجنّ به من الأعمال الشاقّة و الخارجة عن قوّة البشر و الخارقة للعادة بحسب الفكر و النظر.
و اعلم أنّ الجنّ أرواح قوية متجسّدة في أجرام لطيفة، يغلب عليها الجوهر الناري و الهوائى، كما غلب علينا الجوهر الأرضى و المائى.
و للطافة جواهر أجسادهم و قوّة أرواحهم أقدرهم الله على التشكّل بأشكال مختلفة و التمكّن من حركات سريعة و أعمال عن وسع البشر متجاوزة، كالملائكة، إلّا أنّها سفلية، و الملائكة علوية. و الله أعلم.
ولما قالت بلقيس في جواب السؤال عن عرشها، حيث قيل لها، "أَهكَذا عَرْشُكِ"، قالت «كَأَنَّهُ هُوَ»،
أي كأنّ العرش المشاهد المشار إليه هو العرش الذي خلّفته في سبا،
ففيه، أي فيما قالت بلقيس، عثور و اطّلاع منّا على علمها، أي على كونها عالمة، بتجديد الخلق بالأمثال في كل زمان.
بل في كل آن فأتت بلقيس بكاف التشبيه في قولها، «كَأَنَّهُ هُوَ»، و حكمت بالمغايرة و المشابهة، فإنّ التشبيه لا يكون إلّا بين متغايرين.
و صدقت فيما قالت لما ذكرنا من تجديد الخلق بالأمثال فانّ مثل الشي‏ء لا يكون عينه من حيث التعيّن، و هو هو من حيث الحقيقة.
(وأراها)، أي سليمان بلقيس، (صرح‏ القوارير) فحسبته (كأنه لجة)، أي ماء،
فـ «كَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها» حتّى لا يصيب الماء ثوبها.
و ما كان لجة في نفس الأمر، (كما أن العرش المرئي) الموجد عند سليمان (ليس عين العرش) الذي
قال الشيخ رضي الله عنه : ( العرش المرئي ليس عين العرش من حيث الصورة. والجوهر واحد. وهذا سار في العالم كله . )
خلّفته في سبا (من حيث الصورة)، فانّه قد انخلع عن الصورة الأولى و تلبّس بصورة أخرى.
(و) لكنّ (الجوهر) الذي تعاقبت عليه الصورتان (واحد)، و الصورتان متماثلتان.
فنبّهها بذلك على أنّ حال عرشها كحال الصرح في كون كل منهما مماثلا مشابها لآخر:
أمّا العرش، فلأنّه انعدم، و ما أوجده الموجد مماثل لما انعدم وأمّا الصرح، فلأنّه من غاية لطفه و صفائه صار شبيها بالماء الصافي، مماثلا له، و هو غيره.
فنبّهها بالفعل على أنّها صدقت في قولها، «كَأَنَّهُ هُوَ»، فإنّه ليس عينه، بل مثله. و هذا غاية الانصاف من سليمان عليه السلام، فانّه صوّبها في قولها، «كَأَنَّهُ هُوَ».
و هذا التنبيه الفعلى كالتنبيه القولى الذي في سؤاله، «أَهكَذا عَرْشُكِ»، حيث لم يقل، "أهذا عرشك». فافهم.
(و هذا)، أي تجديد الخلق مع الآنات، ليس مخصوصا بعرش بلقيس‏ بل هو (ساري في العالم كله)، علوّه و سفله، فانّ العالم بمجموعه متغيّر أبدا، و كل متغيّر يتبدّل تعيّنه مع الآنات.
فيوجد في كل آن متعيّن غير المتعيّن الذي هو في الآن الآخر، مع أنّ العين الواحدة التي يطرأ عليها هذه التغيّرات بحالها، فالعين الواحدة هي حقيقة الحق المتعيّنة بالتعيّن الأوّل اللازم لعلمه بذاته.
و هي عين الجوهر المعقول الذي قبل هذه الصور المسمّاة «عالما»، و مجموع الصور أعراض طارية متبدّلة في كل آن.
و المحجوبون لا يعرفون ذلك.
فهم في لبس من هذا التجدّد الدائم في الكل.
وأمّا أهل الكشف، فانّهم يرون أنّ الله تعالى يتجلّى في كل نفس، ولا يتكرّر التجلّى: فانّ ما يوجب البقاء غير ما يوجب الفناء، وفي كل آن يحصل البقاء والفناء فالتجلّى غير مكرّر.
ويرون أيضا أنّ كل تجلّ يعطى خلقا جديدا و يذهب بخلق.
فذهابه هو الفناء عند التجلّى الموجب للفناء و البقاء، لما يعطيه التجلّى الآخر الموجب للبقاء بالخلق الجديد.
و لمّا كان هذا الخلق من جنس ما كان أوّلا، التبس على المحجوبين، و لم يشعروا التجدّد و ذهاب ما كان حاصلا بالفناء في الحق، لأنّ كل تجلّ يعطى خلقا جديدا و يفنى في الوجود الحقيقي ما كان حاصلا. و يظهر هذا المعنى في النار المشتعلة من الدهن و الفتيلة: فانّه في كل آن يدخل منهما شي‏ء في تلك النارية و يتّصف بالصفة النورية ثمّ تذهب تلك الصورة بصيرورته هواء. هكذا شأن العالم بأسره، فإنّه يستمدّ دائما من الخزائن الإلهية، فيفيض منها و يرجع إليها. و الله أعلم بالحقائق.
اعلم أنّ إمداد الحق و تجلّياته و اصل إلى العالم في كل نفس.
و في التحقيق الأتمّ ليس إلّا تجلّ واحد، يظهر له بحسب القوابل و مراتبها و استعداداتها تعيّنات.
فيلحقه
قال الشيخ رضي الله عنه : والمُلك الذي لا ينبغي لأحدٍ من بعد الظهور بالمجموع على طريق التصرف فيه )
لذلك التعدّد والنعوت المختلفة والأسماء والصفات، لا أنّ الأمر في نفسه متعدّد، أو وروده طار ومتجدّد.
وإنّما التقدّم و التأخّر و غيرهما من أحوال الممكنات يوهم التجدّد والطريان والتقيّد والتغيّر ونحو ذلك، كالحال في التعدّد.
وإلّا، فالأمر أجلّ من أن ينحصر في إطلاق أو تقييد أو اسم أو صفة أو نقصان أو مزيد.
وهذا التجلّى الأحدى المشار إليه ليس غير النور الوجودي، ولا يصل من الحق إلى الممكنات بعد الاتّصاف بالوجود وقبله غير ذلك.
وما سواه، فانّما هو أحكام الممكنات وآثارها تتّصل من بعضها بالبعض حال الظهور بالتجلّى الوجودي الوحدانى المذكور.
ولمّا لم يكن الوجود ذاتيا لسوى الحق بل مستفادا من تجلّيه افتقر العالم في بقائه إلى الأمداد الوجودي الأحدى مع الآنات دون فترة ولا انقطاع إذ لو انقطع الأمداد المذكور طرفة عين، لفنى العالم دفعة واحدة، فانّ الحكم العدمي أمر لازم للممكن، و الوجود عارض له من موجده.
(و الملك الذي لا ينبغي لاحد من بعده)، أي من بعد سليمان عليه السّلام- كما سأله عن ربّه بقوله، «رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ من بَعْدِي»-
هو (الظهور) في عالم الشهادة (بالمجموع)، أي بمجموع الأملاك المتعلّقة بالعالم، (على طريق التصرف فيه)، أي في العالم، لا الظهور ببعضها- فانّه عليه السلام قد شورك في كل جزء جزء من الملك الذي أعطاه الله- و لا الاقتدار و التمكّن من مجموعها من غير ظهور به: فانّ الأقطاب و الكمّل متحقّقون بهذا المقام قبله و بعده، لكن لا يظهرون به.
ألا ترى أنّ رسول الله صلّى الله عليه و سلّم كيف مكّنه الله سبحانه تمكين قهر من العفريت الذي جاءه بالليل ليضلّ به؟ فهمّ بأخذه و ربطه بسارية من سوارى المسجد، حتّى يصبح، فيلعب به ولدان المدينة.
فذكر صلّى الله عليه و سلّم دعوة سليمان عليه السلام، فردّه الله - أي العفريت- خاسئا عن الظفر عليه. رواه البخاري ومسلم وغيرهم .
فلم يظهر صلى الله عليه و سلم بما أقدره الله عليه، و ظهر بذلك سليمان عليه السلام.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( تسخير الرياح وتسخير الأرواح النارية. لأنها أرواح في رياح. بغير حساب. لست محاسباً عليها. )
(تسخير الرياح،) الذي اختصّ به سليمان و فضّل به على غيره، و جعله الله له من الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده، هو تسخير الأرواح النارية التي تكون لنوع الجنّ، كما قال تعالى، «خَلَقَ الْجَانَّ من مارِجٍ من نارٍ»، لأنها، أي الأرواح النارية، (أرواح) متصرّفة (في رياح)، هي كالأبدان له.
قال الشيخ رضى الله عنه، التسخير من حيث هو تسخير ليس ممّا يختصّ به سليمان، «فانّ الله يقول في حقّنا كلنا من غير تخصيص بأحد منّا، «وَسَخَّرَ لَكُمْ ما في السَّماواتِ وَما في الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ»، و قد ذكر تسخير الرياح و النجوم و غير ذلك، و لكن لا عن أمرنا، بل عن أمر الله.
فما اختصّ سليمان- إن عقلت- إلّا بالأمر من غير جمعية و لا همّة، بل بمجرّد الأمر.
وإنّما قلنا ذلك لأنّا نعلم أنّ أجرام العالم تنفعل لهمم النفوس إذا أقيمت في مقام الجمعية.
وقد عاينّا ذلك في هذا الطريق.
فكان من سليمان مجرّد التلفّظ بالأمر لمن أراد تسخيره من غير همّة و لا جمعية.» يريد رضى الله عنه أنّ التسخير المختصّ بسليمان هو التسخير بمجرّد أمره، لا بالهمّة و الجمعية و تسليط الوهم و لا بالأقسام العظام و أسماء الله الكرام.
و الظاهر أنّه كان له أوّلا بأسماء الله و الكلمات التامّات و الأقسام ثمّ تمرّن حتّى بلغ الغاية، و انقادت له الخلائق، و أطاعه الجنّ و الانس و الطير و الوحش و غيرها بمجرّد الأمر و التلفّظ بما يريد منها من غير جمعية و لا تسليط وهم و همّة، عطاء من الله و هبة.
و كان «أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ».
و يحتمل أن يكون ذلك اختصاصا له من الله بذلك ابتداء.
قوله تعالى، «بِغَيْرِ حِسابٍ»، حيث قال سبحانه، «هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ»، أي أعط، «أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ»، معناه (لست) يا سليمان (محاسبا) في الآخرة (عليها)، أي على ما أعطاكه الله من الملك و المال و تسخير الرياح و غير ذلك.
و في بعض النسخ: «ليست» على صيغة الغيبة، أي ليست تلك الأمور محاسبا عليها في الآخرة.
قال رضى الله عنه، «علمنا من ذوق هذا الطريق أنّ سؤاله عليه السلام‏ كان عن أمر ربّه. و الطلب إذا وقع عن الأمر الإلهي، كان الطالب له الأجر التامّ على طلبه»، لكونه مطيعا لربّه في ذلك، ممتثلا لأمره.
«و البارئ تعالى إن شاء، قضى حاجته فيما طلب منه و إن شاء، أمسك فانّ العبد قد وفى ما أوجب الله عليه من امتثال أمره فيما سأل ربّه فيه.
فلو سأل ذلك من نفسه عن غير أمر ربّه له بذلك، لحاسبه به.
و هذا سار في جميع ما يسأل الله فيه.» و الله أعلم.
.

jZaiezXmH-A

  السابق

المحتويات

التالي  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب فصوص الحكم وشروحاته

مطالعة هذه الشروحات والتعليقات على كتاب الفصوص


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!