موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

كتاب نقد النصوص
في شرح نقش الفصوص

تأليف: الشيخ عبد الرحمن الجامي

فص حكمة ملكية في كلمة لوطية

  السابق

المحتويات

التالي  

فص حكمة ملكية في كلمة لوطية


13 - شرح نقش فص حكمة ملكية في كلمة لوطية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي
قال الشيخ رضي الله عنه : (قال الله تعالى " الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً " [الروم: 54].
فالضعف الأول بلا خلاف ضعف المزاج في العموم والخصوص.
والقوة التي بعد قوة المزاج. وينضاف إليه في الخصوص قوة الحال.
والضعف الثاني ضعف المزاج وينضاف إليه في الخصوص ضعف المعرفة أي المعرفة بالله.
بضعفه حتى يلصقه بالتراب فلا يقدر على شيء فيصير في نفسه عند )

«الملك» بفتح الميم و سكون اللام هو الشدّة و القوّة التامّة. و إنّما قرن الشيخ قدّس الله روحه هذه الحكمة بالصفة الملكية مراعاة للأمر الغالب على حال لوط و أمّته و ما عامل الحقّ به قومه من شدّة العقوبة في مقابلة الشدّة التي قاساها لوط منهم، حتّى نطق لسان حاله معهم بقوله، «لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى‏ رُكْنٍ شَدِيدٍ
قال الله تعالى، «الله الَّذِي خَلَقَكُمْ من ضَعْفٍ»، أي أساس أمركم و ما عليه جبلّتكم و بنيتكم الضعف- الذي هو عدم القوّة" يَاأَيُّهَ النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلً ». [الحج : 5]
«ثُمَّ جَعَلَ من بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً» [الروم : 54] حيث بلغتم وقت الاحتلام و الشبيبة و تلك حال القوّة إلى الاكتهال و بلوغ الأشدّ. «ثُمَّ جَعَلَ من بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَ شَيْبَةً» [الروم : 54]، أي رددتم إلى أصل حالكم- و هو الضعف- بالشيخوخة و الهرم.

(فالضعف الأول بلا خلاف ضعف المزاج) في فهم أرباب (العموم و الخصوص) جميعا.
(و القوة التي بعده) ، أي بعد الضعف الأوّل، (قوة المزاج) بحسب مفهومها الظاهر عندهم جميعا، و ينضاف اليه، أي إلى مفهومه الظاهر، في فهم أرباب الخصوص قوة الحال، و هي التي تقتضي التصرّف و التأثير في العالم بالهمّة.
(و الضعف الثاني ضعف المزاج) بموجب مفهومه الظاهر عند الجميع (و ينضاف اليه في) فهم أرباب (الخصوص ضعف المعرفة)، أي ضعف حصل بسبب المعرفة، (أي المعرفة باللَّه، تضعفه) و تخرجه عن قوّته العرضية و تردّه إلى ضعفه الأصلي،

قال الشيخ رضي الله عنه : ( نفسه كالصغير الرضيع عند أمه ولذلك قال لوط: " أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ " [هود: 80]. يريد القبيلة.
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رحم الله لوطاً، كان يآوي إلى ركنٍ شديد ". يريد صلى الله عليه وسلم ضعف المعرفة.
فالركن الشديد هو الحق سبحانه )

(حتى تلصقه بالتراب)
الذي هو أصله- و تلحقه به.
فيرجع إلى ضعفه الأوّل، فلا يقدر على شي‏ء بالتصرّف و التأثير بقوّة الهمّة.
(فيصير في نفسه)، أي في حدّ ذاته مع قطع النظر عن ظهور الصفات الإلهية فيه، عند نفسه، أي في نظره و اعتقاده، كالصغير عند أمه الرضيع، أي كالطفل الصغير الرضيع عند أمه فكما أنّه لا يرى لنفسه قوّة و ل قدرة و يكل أمره بالكلية إلى أمّه التي ترضعه و تربّيه، فكذلك العارف بالنسبة إلى الوجود الحق الرب المطلق

و للشيخ الكامل العارف مؤيّد الدين الجندي رحمه الله هاهنا كلام، لخصه بعضهم بهذه العبارات: «و الوجه الثاني- و هو شهود أحدية المتصرّف و المتصرّف فيه- كما يمنع من التصرّف، فقد يقتضي التصرّف، لأنّه واقع في نفس الأمر، إذ ليس في الوجود إلّا الحق وحده، و التصرّف واقع.
فلو تصرّف العارف بالأحدية المذكورة، ما كان ذلك التصرّف إلّا للحق سبحانه و لا سيّما العبد الكامل: فانّه هو الذي له جميع ما للربّ من الحقائق الأسمائية الإلهية و ما للعبد من الصفات العبدانية بأحدية العين، و إلّا لم يكن كاملا. لكن لا يكون بإرسال الهمّة و تسليطها لئلّ يخلّ بمقام العبودية، بل باظهار الحق ذلك منه و ظهوره تعالى على مظهره بالتصرّف من غير تقيّد منه بذلك و لا إرسال همّة و لا تسليط نفس و لا ظهور به. فالمانع بالحقيقة هو الوقوف في مقام العبودية الذاتية له و ردّ أمانة الربوبية العرضية إلى الله تأدّبا بآداب أهل القرب. فلا يتصدّى للتصرّف و التسخير، و يتوجّه بالكلية إلى الله الواحد الأحد المتفرّد بالتقدير و التدبير".
(و لذلك)، أي للضعف الحاصل بسبب المعرفة باللَّه و عدم الاقتدار على شي‏ء بالتصرّف فيه، (قال لوط عليه السلام)، «لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً»، أي ليت لي بكم قوّة من الهمّة القوية أقاومكم بها و أقاويكم، "أَوْ آوِي"، أي ألتجئ، «إِلى‏ رُكْنٍ شَدِيدٍ»، يريد لوط عليه السلام بـ "الركن الشديد" بحسب الظاهر القبيلة القوية الغالبة على أعدائها.
و يقول رسول الله صلّى الله عليه و سلّم مشيرا إلى ما أراده لوط عليه السلام بـ "الركن الشديد" بحسب الباطن، «رحم الله أخى لوطا، لقد كان يأوي الى ركن شديد».
يريد صلّى الله عليه و سلّم «ضعف المعرفة»، أي يشير بهذا الكلام
قال الشيخ رضي الله عنه : ( مدبره ومربيه.)
إلى ضعفه الحاصل له بسبب معرفته باللَّه حيث تعطّف عليه أوّلا بالدعاء له بالرحمة فانّ ذلك ينبئ عن ضعفه و عجزه عليه السلام.
و نسبه ثانيا إلى نفسه بالأخوّة المشعرة بمشاركته إيّاه في هذا الضعف الظاهر تحقّقه صلّى الله عليه و سلّم به. ف «الركن الشديد» الذي‏ التجأ إليه لوط عليه السلام بحسب الباطن هو الحق سبحانه مدبره الذي يدبّر أمره بمقتضى علمه و حكمته و مربيه الذي يربّيه بموجب لطفه و رحمته.

و الله الموفّق
.

19A4wQC5k0E

  السابق

المحتويات

التالي  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب فصوص الحكم وشروحاته

مطالعة هذه الشروحات والتعليقات على كتاب الفصوص


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!