موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

كتاب نقد النصوص
في شرح نقش الفصوص

تأليف: الشيخ عبد الرحمن الجامي

فص حكمة نورية في كلمة يوسفية

  السابق

المحتويات

التالي  

فص حكمة نورية في كلمة يوسفية


09 - شرح نقش فص حكمة نورية في كلمة يوسفية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي

قال الشيخ رضي الله عنه : ( النور يكشف ولا يُكشف به .
وأتم الأنوار وأعظمها نفوذ النور الذي يُكشف به ما أراد الله بالصور المتجلية المرئية في النور وهو التعبير .
لأن الصور الواحدة تظهر له معانٍ كثرة مختلفة يراد منها في حق صاحب الصورة معنى واحد .
فمن كشفه بذلك النور فهو صاحب النور . فإن الواحد يؤذن فيه .
وآخر يؤذن فيسرق . وصورة الأذان واحدة .
وآخر يؤذن فيدعو إلى الله على بصيرة . والآخر يؤذن فيدعو إلى ضلالة . )

09 - شرح نقش فص حكمة نورية في كلمة يوسفية


لما كان عالم المثال عالم نورانيا، وكان كشف يوسف عليه السلام مثاليا، وأيضا ظهر فيه عليه السلام سلطنة النورية العلمية المتعلقة بكشف الصور الخيالية والمثالية .
وهو علم التعبير على الوجه الأكمل؛ وكل من يعلم بعده ذلك العلم، فمن مرتبته يأخذ ومن روحانيته يستفيد، أضاف رضي الله عنه الحكمة النورية إلى الكلمة اليوسفية .
اعلم أن النور الحقيقي يدرك به، وهو لا يذرك ، لأنه عين ذات الحق سبحانه من حيث تجدها عن النسب والإضافات.
ولهذا حين سئل النبي صلى الله عليه وسلم :"هل رأيت ربك؟»، قال: «نور، أني أراه"»،رواه مسلم . أي النور المجرد لا يمكن رؤيته.
وكذا أشار الحق في كتابه لما ذكر ظهور نوره في مراتب المظاهر، وقال :" الله نور السماوات والأرض" [النور: 35].
فلما فرغ من ذكر مراتب التمثيل، قال : "نور على نور" [النور: 30],
فأحد النورين هو الضياء، والآخر هو النور المطلق؛ ولهذا تمم.
فقال : "يهدى الله لنوره من يشاء " [النور: 35]، أي يهدي الله بنوره المتعين في المظاهر إلى نوره المطلق الأحدي .
ولما سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن رؤية النبي عليه السلام ربه ، أخبر أنه رآه ؛ فأخبر بقول عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد سأله عن رؤية ربه وقوله عليه السلام : "نور، أني أراه؟» .
فراجع السائل ابن عباس في ذلك ، فقال ابن عباس : "ويحك ، ذاك إذا تجلى في نوره الذي هو نوره»، أي إنما يتعذر الرؤية والإدراك باعتبار تجرد الذات عن المظاهر والنسب والإضافات ؛ فأما في المظاهر ومن وراء حجابية المراتب ، فالإدراك ممكن.
""حديث: سئل ابن عباس، فقيل: يابن عباس، هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه؟ قال: نعم، فقلت لابن عباس: أليس يقول الله: "لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار" [الأنعام: 103] ، قال: لا أم لك، ذاك نوره الذي هو نوره الذي هو نوره، إذا تجلى بنوره لا يدركه شيء"" رواه المقدسي في المختارة والبيهقي وابن خزيمة وغيرهم.
كما قيل :
كالشمس تمنعك إجتلاك وجهه …. فإذا اكتست برقیق غيم أمكن
وإلى مثل هذا أشار النبي صلى الله عليه وسلم في بيان الرؤية الجنائية المشبهة برؤية الشمس والقمر.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( النور يكشف ويكشف به. وأتم الأنوار وأعظمها نفوذا النور الذي يكشف به)
فأخبر عن أهل الجنة أنهم يرون ربهم وأنه ليس بينه وبينهم حجاب إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن، فنبه صلى الله عليه وسلم على بقاء رتبة الحجابية، وهي رتبة المظهر. فاعلم ذلك.
"" أضاف المحقق: يشير إلى قوله صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن قيس عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهم وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن». رواه مسلم وغيره.""
وإذ قد نبهت على شأن النور الحقيقي وأنه يذرك به وهو لا يدرك، فاعلم أن الظلمة لا تدرك، ولا يدرك بها، وأن الضياء يدرك، ويدرك به.
ولكل واحد من الثلاثة شرف يختص به: فشرف النور الحقيقي هو من حيث الأولية والأصالة، إذ هو سبب انكشاف كل مستور.
وشرف الظلمة هو أنه باتصال النور الحقيقي بها يتأتى إدراك النور مع تعذر ذلك قبل الاتصال.
وشرف الضياء هو من حيث الجمع بالذات بين الأمرين واستلزام ذلك حيازة الشرفين.
ثم إن النور المحض المشار إليه لا يغادر الوجود الحق. ولا شك أن الوجود المحض يتعقل في مقابلة العدم المضاد له ؛ فإن للعدم تعينا في التعقل، لا محالة ؛ وله الظلمة ، كما أن الوجود له التورية.
ولهذا يوصف الممكن بالظلمة وأنه يتنور بالوجود، فيظهر. فظلمته من أحد وجهيه، الذي هو العدم.
وإليه الإشارة بقول النبي عليه السلام: «إن الله خلق الخلق في ظلمة. ثم رش عليه من نوره، فظهر».
وإذا تقرر هذا، فالعدم المتعقل في مقابلة الوجود لا تحقق له بدون التعقل. والوجود المحض لا يمكن إدراكه. فمرتبة العدم من حيث تعقل مقابليته للوجود كالمرآة له. والمتعين بين الطرفين هو حقيقة عالم المثال . والضياء صفته الذاتية .
ثم لما كان الغالب على عالم المثال النورية، لقربها من عالم الأرواح وما فوقه من عوالم الأسماء والصفات .
كما أن الغالب على صور عالم الكون والفساد الظلمة ، لكونها في مقابلة عالم الأرواح، الذي هو عالم النور وكان من حكم كل متوسط بين شيئين أنه إذا كان نسبته إلى أحد الطرفين أقوى من نسبته إلى الطرف الآخر أن يوصف بما يوصف به ذلك الطرف الغالب ويسمى باسمه.
لقب الشيخ رضي الله عنه هذه الحكمة ب «النورية». وإلا، فهي في الحقيقة ضيائية ، لا نورية محضة.
وعبر عن الضياء بـ «النور» حيث قال، (النور)، أي ما عدا النور الوجودي الحقيقي ... الذي هو ذات الحق سبحانه - (يكشف)، أي يذرك لذاته ، (ويكشف به) أي يدرك به ما سواه.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ما أراد الله بالصور المتخيلة المرئية ، وهو علم التعبير، لأن الصورة الواحدة تظهر بمعان كثيرة مختلفة يراد منها في حق صاحب الصورة معنى واحد.
فمن كشفه بذلك النور ، فهو صاحب النور، فإن الواحد يؤذن ، فيحج؛ وآخر يؤذن، فيسرق، وصورة الأذان واحدة. وآخر يؤذن، فيدعو إلى الله على بصيرة. وآخر يؤذن، فيدعو إلى الضلالة.)
(وأتم الأنوار) التي تكشف ويكشف بها في الكاشفية (وأعظمها نفوذا) في الأشياء بالكشف عن حقائقها هو (النور) التام العلمي (الذي يكشف به) ويدرك (ما أراد الله بالصور المتخيلة المرئية في النوم)، المتغيرة عما كانت عليه في عالم المثال، ويصير مشاهدة في عالم الحس بتصرف القوة المتصرفة.
(وهو)، أي الكشف عما أراد الله بها هو، (علم التعبير).
وإنما كان ذلك النور التام العلمي أتم الأنوار وأعظمها نفوذ (لأن الصورة الواحدة) المتخيلة المرئية في النوم قد (تظهر) في خيال أشخاص متعددة (بمعان كثيرة مختلفة التفاوت استعدادات تلك الأشخاص واختلاف أمزجتهم وتباين أمكنتهم وأزمنتهم وغير ذلك.
لكن (يراد منها)، أي من هذه الصورة، (في حق صاحب الصورة)، أي صاحب كان، (معنى واحد) من تلك المعاني الكثيرة.
(فمن كشفه)، أي المعنى المراد، وميزه عن غيره وعبر الصورة المرئية به (بذلك النور) التام العلمي ، (فهو صاحب النور) الأتم.
ونوره أنه الأنوار لأنه يتميز به ما هو في غاية الالتباس ونهاية الاشتباه.
وإنما قلنا: «إن الصورة الواحدة تظهر بمعان كثيرة»، (فإن) الشخص (الواحد) من جماعة قد يرى في النوم أنه (يؤذن، فيحج) في عالم الحس.
(و) شخص (آخر) منهم يرى فيه أنه (يؤذن، فيسرق) في الحس.
أما الحج، فمن قوله تعالى : "وأذن في الناس بالحج" [الحج: 27]، وأما السرقة، فمن قوله تعالى: "ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون" [يوسف: 70].
(وصورة الأذان واحدة)، لكن التعبير مختلف، لاختلاف الرائين.
(و) كذلك شخص (آخر) يرى فيه أنه (يؤذن، فيدعو إلى الله على بصيرة. و) شخص (آخر) يرى أنه (يؤذن، فيدعو إلى الضلالة).
وذلك الاشتراك الأذان مع هاتين الدعوتين في مطلق الدعوة إلى أمر ما، وإنما اختلف المدعو إليه لاختلاف الرائي.
اعلم أن كل ما يظهر في الحس هو مثل ما يظهر في النوم والناس غافلون عن إدراك الحقائق ومعانيها التي تشتمل الصور الظاهرة عليها .
كما قال : «الناس نيام، فإذا ماتوا، انتبهوا» رواه أبو نعيم والزهري . وكما يعرف العارف بالتعبير المراد من الصور المرئية في النوم،
كذلك يعرف العارف بالحقائق المراد من الصور الظاهرة في الحس؛ فيعبر عنها إلى ما هو المقصود منها.
فالعارف إذا شاهد صورة في الحس أو سمع كلاما، أو وقع في قلبه معنى من المعاني، يستدل منها على مبادئها ويعلم مراد الله من ذلك.
ومن هذا المقام ما يقال : إن كل ما يحدث في العالم رسل من الله تعالى إلى العباد، يبلغون رسالات ربهم؛ يعرفها من يعرفها، ويعرض عنها من يجهلها».
قال تعالى: "وكأين من اية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون" [يوسف: 105]، لعدم انتباههم ودوام غفلتهم.
ولا يعرف هذا المقام إلا من يكاشف جميع المقامات العلوية والسفلية ، فيرى الأمر النازل من الحضرة إلى العرش والكرسي والسموات والأرض ويشاهد في كل مقام صوره.
قال رضي الله عنه :
إنما الكون خيال ….. وهو حق في الحقيقة
كل من يفهم هذ …… حاز أسرار الطريقة
وفقنا الله للخروج من مضيق العلم إلى فضاء العين ورزقنا الجمع بين هاتين الحسنيين.
.

....


gbVrFJ73TZ0

  السابق

المحتويات

التالي  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!