موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

كتاب نقد النصوص
في شرح نقش الفصوص

تأليف: الشيخ عبد الرحمن الجامي

فص حكمة علية في كلمة إسماعيلية

  السابق

المحتويات

التالي  

فص حكمة علية في كلمة إسماعيلية


07 - شرح نقش فص حكمة علية في كلمة إسماعيلية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي

قال الشيخ رضي الله عنه : ( وجود العالم الذي لم يكن ثم كان يستدعي نسباً كثيرة في موجده أو اسماً ما شئت فقل لا بد من ذلك. وبالمجموع يكون وجود العالم. فالعالم موجود عن إحدى الذات المنسوب إليها أحدية الكثرة من حيث الأسماء لأن حقائق العالم تطلب ذلك منه. ثم العالم إن لم يكن ممكناً فما هو قابل للوجود فما وجد العالم إلا عن أمرين:
عن اقتدارٍ إلهي منسوب إليه ما ذكرناه.
وعن قبول.
فإن المحال لا يقبل التكوين ولهذا قال تعالى عند قوله: " كُنْ "

قال: " فَيَكُونُ " [النحل: 40]. فنسب إلى العالم من حيث قبوله.)

07 - شرح نقش فص حكمة علية في كلمة إسماعيلية

قال الشيخ رضي الله عنه : ( وجود العالم - الذي لم يكن، ثم كان - يستدعي نسبة كثيرة في موجده سبحانه ، أو أسماء - ما شئت. فقل، لا بد من ذلك. و بالمجموع يكون وجود العالم.)
إنما خصت الكلمة الإسماعيلية بالحكمة العلية لما شرف الله سبحانه إسماعيل عليه السلام بقوله : "وجعلنا لهم لسان صدق عليا" [مريم: 50]؛ ولأنه كان صادقا في الوعد - وذلك دليل على علو الهمة في الفعل والقول.
وأيضا كان كالوعاء الحامل لسر الكمال المحمدي الذي نسبه إلى ذات الحق أتم، كما أن إسحاق كان وعاء لأسرار الأسماء التي كان الأنبياء مظاهرها.
والإشارة إلى ذلك من القرآن العزيز قوله تعالى في سورة العنكبوت في قصة الخليل عليه السلام :"ووهبنا له إسحق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب" [العنكبوت : 27].
فكل نبي هو مظهر اسم من الأسماء، "والكتب" [العنكبوت: 27] ههنا الأمر الجامع للشرائع.
وانفرد إسماعيل بنبينا عليهما السلام الجامع لخواص الأسماء بشريعة جامعة لأحكام الشرائع.
فكان له علو بالنسبة إلى بقية أولاد الخليل عليهم السلام.
فقال مبتدئا بما يفضي إلى بيانهما، (وجود العالم، الذي لم يكن)، كما قال : «كان الله، ولم يكن معه شيء»، (ثم كان)، أي وجد بتكوين الحق إياه وإيجاده له، (يستدعي) بحسب ما فيه من الأعيان والحقائق القابلة للتجلي الوجودي والفيض الجودي (نسبا كثيرة) متعقلة (في موجده) سبحانه، (أو أسماء) أو صفات أو غير ذلك، (ما شئت) من العبارات.
(فقل)، إذ لا مشاحة فيها، (لا بد) في وجود العالم (من ذلك)، أي من تحقق الكثرة الأسمائية في موجده سبحانه .
(و بالمجموع) أي بمجموع تلك النسب والأسماء وأحدية كثرتها، (یكون وجود العالم)، لا باعتبار أحدية الذات، لأن الواحد من حيث هو واحد لا يكون منبعا للكثرة من حيث هي كثرة، إذ لا يصح أن يظهر من شيء .
كان ما كان - ما يضاده من حيث الحقيقة.
ولا خفاء في منافاة الوحدة للكثرة والواحد للكثير .
(فالعالم موجود عن أحدي الذات منسوب إليها أحدية الكثرة من حيث)
فتعذر صدور أحدهما عن الآخر من الوجه المنافي.
لكن للواحد والوحدة نسب متعددة، و للكثرة أحدية ثابتة.
فمتى ارتبطت إحداهما بالأخرى أو أثرت، فـ بالجامع المذكور.
وصورته فيما نروم بيانه أن للواحد حكمین :
أحدهما كونه واحدة لنفسه فحسب، من غير تعقل أن الوحدة صفة له أو اسم أو تعت أو حكم ثابت أو عارض أو لازم، بل بمعنى كونه هو لنفسه هو.
وثانيهما هو كونه يعلم نفسه بنفسه ويعلم أنه يعلم ذلك ويعلم وحدته ومرتبته وكون الوحدة نسبة ثابتة له أو حكمة أو لازمة أو صفة لا يشارك فيها، ولا تصح السواه . وهذه النسبة هي حكم الواحد من حيث نسبه .
ومن هذه النسبة انتشت الكثرة من الواحد بموجب هذا التعدد النسبي الثابت من حيث أن معقولية نسبة كونه يعلم نفسه بنفسه وكونه واحدة لذاته لا شريك له في وجوده مغايرة لحكم الوحدة الصرفة .
فالتعدد بالكثرة النسبية أظهر التعدد العيني.
وإذ قد نبهنا على مرتبة الوحدة، فلننبه على مرتبة الكثرة أيضا،
فنقول الكثرة على قسمين:
أحدهم كثرة الأجزاء والمقومات التي تلتئم منها الذات، كجزئي المادة والصورة أو الجوهر والعرض بالنسبة إلى الجسم على اختلاف المذهبين، وكالأجناس والفصول بالنسبة إلى الأنواع الحاصلة منهما؛ وبالجملة، كثرة يفتقر إليها أولا ليتصور حصول الشيء منها ثانية.
والقسم الثاني كثرة لوازم الشيء. وهو أن يكون الشيء الواحد في نفسه الوحدة الحقيقية أو المركب من أجزاء أو مقومات تلزمه بعد وجوده - كیف ما كان - معان وأوصاف في ذاته، ولا تكون ذاته ملتئمة منها، سواء كان في نفسه ملتئمة من غيرها أو لم يكن .
بل تتبع ذاته ضرورة ووجودة بحيث لا يتصور وجود ذلك الشيء أو تعقله إلا ويلزمة تلك المعاني، كالستة مثلا.
التي لا يتصور وجودها إلا أن تكون زوجا - لا أن الزوجية جزء من أجزاء الستة، بل هي لازمة لها لزوم اضطرار وتأخر في الرتبة - وتتضمن أيضا معقولية النصف والثلث.
ومن هنا يتنبه الفطن الذي لم يبلغ درج التحقيق لمعرفة سر الإحاطة مع كون المحيط ليس ظرفا للمحاط به، ولا المحاط به جزء من أجزاء المحيط، وكون الصفات اللازمة غير قادحة في أحديته ، وغير ذلك.
(فالعالم) بكثرته الحقيقية ووحدته النسبية (موجود) صادر (عن) موجد (أحدي الذات)، أي واحد بالوحدة الحقيقية الذاتية، (منسوب إليها أحدية الكثرة) النسبية .
(الأسماء، لأن حقائق العالم تطلب ذلك منه . ثم إن العالم إن لم يكن ممكنة، فما هو قابل للوجود. فما وجد العالم إلا عن أمرين : عن اقتدار إلهي منسوب إليه ما ذكرناه وعن قبول، فإن المحال لا يقبل التكوين.
ولهذا قال تعالى عند قوله ، ، «كن»، «فيكون». فنسب التكوين إلى العالم من حيث قبوله.)
وجمعيته (من حيث الأسماء) والصفات، (لأن حقائق العالم تطلب ذلك) المذكور من أحدية الكثرة الأسمائية وجمعيته (منه)، أي من موجده سبحانه. وذلك لأن الموجودات كلها، وإن كانت تحت ربوبية الاسم «الله» وإلهينه - والله هو رب الأرباب . ولكن كل جنس جنس و نوع نوع و شخص شخص له حصة خاصة من مطلق ربوبية الله به بها، ولا يصلح لتربيته إلا هي.
(ثم إن العالم) ليس بواجب، فهو ممكن، لأنه (إن لم يكن ممكنا)، فهو ممتنع ؛ وإذا كان ممتنعة، (فما هو قابل للوجود)؛ لكنه قابل للوجود، فهو ممكن. والممكن نسبتا طرفي الوجود والعدم إليه متساويتان .
فلا بد في وجوده من فاعل يرجح جانب وجوده على عدمه ومن قابلية من جانبه . (فما وجد العالم) - الذي ثبت إمكانه - (إلا عن أمرين : عن اقتدار إلهي منسوب إليه)، أي إلى موصوفه - يعني الذات الإلهية - (ما ذكرناه) من أحدية كثرة الأسماء والصفات، ليرجح جانب وجوده على عدمه، (وعن قبول) لصفة الوجود من جانبه؛ فإنه لو لم يكن قابلا للوجود، لم يكن ممكنا، فلا يتمكن الفاعل الموجد من تكوينه ، (فإن المحال لا يقبل التكوين) من الموجد تعالی.
(ولهذا)، أي لكون العالم بحيث لم يوجد إلا عن الأمرين المذكورين، (قال تعالی عند قوله : «كن») الدال على تعلق صفة الاقتدار بالشيء المراد، (قال «فيكون)، مقول القوله: «قال».
وذلك في مثل قوله تعالى: "إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون" [يس: 82]،
أي فلم يلبث أن يمتثل الأمر، فكان عقيب الأمر. (فنسب التكوين)، أي التكون ۔ على أن يكون المصدر مبنية للمفعول، أو يكون للمبالغة في الكون، كـ «التقتيل» للمبالغة في «القتل» - (إلى العالم من حيث قبوله) للكون واستعداده له، فإن الكون كان كامنة فيه معدوم العين، ولكنه مستعد لذلك الكون بالأمر.
فلما أمر، وتعلقت إرادة الموجد بذلك، واتصل في رأي العين أمژه به ، ظهر الكوثر الكامن فيه بالقوة إلى الفعل ، فالمظهر لكونه الحق، والكائن القابل للكون. فلولا قبوله واستعداده للكون، لما كان.
فما كونه إلا عينه الثابتة في العلم باستعداده الذاتي الغير المجعول وقابليته للكون وصلاحيته لسماع قول: «كن» وأهليته لقبول الامتثال .
فما أوجده إلا هو، ولكن بالحق وفيه .
وقال بعضهم: ذات الاسم "الباطن" هو بعينه ذات الاسم «الظاهر».
والقابل بعينه هو الفاعل. فالعين الغير المجعولة عينه تعالى.
والفعل والقبول له يدان. فهو الفاعل بإحدى يديه والقابل بالأخرى.
والذات واحدة ؛ والكثرة نقوش. فصح أنه " ما أوجد الشيء إلا نفسه، وليس إلا ظهوره".
فلا تضيق صدرك مما سمعت واحمد ربك على ما فهمت.
.

MhZsYh5HQtg

  السابق

المحتويات

التالي  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!