موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

كتاب نقد النصوص
في شرح نقش الفصوص

تأليف: الشيخ عبد الرحمن الجامي

فص حكمة مهيمنية في كلمة إبراهيمية

  السابق

المحتويات

التالي  

فص حكمة مهيمنية في كلمة إبراهيمية


05 - شرح نقش فص حكمة مهيمية في كلمة إبراهيمية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي

الفص الإبراهيمي
قال الشيخ رضي الله عنه : (لابد من إثبات عين العبد وحينئذٍ يصح أن يكون الحق سمعه وبصره ولسانه ويده ورجله.
فعم قواه وجوارحه بهويته على المعنى الذي يليق به سبحانة وهذه نتيجة حب النوافل.
وأما حب الفرائض فهو أن يسمع الحق بك ويبصر بك.
والنوافل تسمع به وتبصر به. فتدرك بالنوافل على قدر استعداد المحل. وتدرك بالفرائض كل مدرك. فافهم. )
05 - شرح نقش فص حكمة مهيمية في كلمة إبراهيمية
«الهيمان» شدة العشق. وهو صفة تقتضي عدم انحياز صاحبها إلى جهة بعينها بل إلى المحبوب في أية جهة كان، لا على التعيين وعدم امتیاز صاحبها بصفة مخصوصة تقيده .
وهذه المرتبة تحققت أولا في الأرواح العالية المهيمة : تجلى لهم الحق سبحانه في جلال جماله، فهاموا فيه وغابوا عن أنفسهم، فلا يعرفونها ولا غير الحق؛ وغلب على خلقيتهم حقيه التجلي، فاستغرقهم واستهلكهم.
وثانيا من كل الأنبياء في إبراهيم عليه السلام، حيث غلب عليه محبة الحق حتى تبرأ عن أبيه في الحق وعن قومه وذبح ابنه في سبيل الله وخرج عن جميع ما له مع كثرته المشهورة لله .
وأيضا من شدة المحبة جعل يطلبه في مظاهر الكواكب لظهور النورية فيها، ومن غلبة الهيمان قال : "لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين" [الأنعام: 79]، أي الحائرين في جمال الحق.
وعند كمال الهيمان فني عن نفسه، وتجلى له الحق، فبقي بالحق في مقام الجمع والفرق.
وأدركه في مظاهر سماوات الأرواح وأرض الأجسام والأشباح.
فقال : "إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض" [الأنعام: 79] بتجليه الوجودي عليها وسريان ذاته فيه "حنيفا" [الأنعام: 79] مسلما فانيا عن الأفعال والصفات والذات في أفعاله وصفاته وذاته. "وما أنا من المشركين " [الأنعام: 79] المثبتين للغير. لوجد أن الذات الإلهية في صور جميع الأكوان بالكشف والعيان.
قد ظهر مما سلف وجه اختصاص حكمة التهييم بكلمة إبراهيم.
وإنما قرنها بالحكمة القدوسية لأنه وجب أن يذكر بعد الصفات التنزيهية السلبية أحكام الصفات الثبوتية ومراتبها وأول مظاهرها الإنسانية لتكميل مرتبة المعرفة بالذات. فإن السلوب لا تفيد معرفة تامة أصلا.
وكان الخليل عليه السلام أول مرة ظهرت بها أحكام الصفات الإلهية الثبوتية وأول من حاز التخلق بها.
فله أولية الظهور بالصفات الإلهية الثبوتية ، بمعنى أنه بحقيقته كسا الذات بالصفات. ولهذه المناسبة ورد في الصحيح، «إن أول من يكسي من الخلق يوم القيامة إبراهيم» ، لأنه الجزاء الوفاق .
ولما كان الخليل عليه السلام متحققا بالفناء في الحق سبحانه ، وكان المتوهم أن يتوهم أن الفاني لا شيء محض ، واللاشيء يستحيل أن يتصف بالصفات الثبوتية - فكيف يتصف الخليل عليه السلام بالصفات الإلهية الثبوتية؟
قال الشيخ رضي الله عنه : (لا بد من إثبات عين العبد. وحينئذ يصح أن يكون الحق سمعه وبصره ولسانه ويده ورجله . فعم قواه وجوارحه بهويته على المعنى الذي يليق به سبحانه . وهذه )
دفعه الشيخ رضي الله عنه بقوله: (لا بد)، أي في مقام الفناء في الله، (من إثبات عين العبد) الفاني فيه وذاته ، إذ ليس المراد بـ «الفناء» ههنا انعدام عين العبد مطلقا ؛ بل المراد منه فناء جهة البشرية في الجهة الربانية، إذ لكل عبد جهة من الحضرة الإلهية، هي المشار إليها بقوله تعالی : " ولكل وجهة هو موليها" [البقرة: 148]. وذلك لا يحصل إلا بالتوجه التام إلى جناب الحق المطلق سبحانه، إذ به تقوي جهة حقيته، فتغلب جهة خلقيته إلى أن تقهرها وتفنيها، كالقطعة من الفحم المجاورة للنار : فإنها بسبب المجاورة والاستعداد لقبول النارية والقابلية المختفية فيها تشتعل قليلا قليلا إلى أن تصبر نارا.
فيحصل منها ما يحصل من النار من الإحراق و الإنضاج والإضاءة وغيرها.
وقبل الاشتعال كانت مظلمة كدرة باردة.
وذلك التوجه لا يمكن إلا بالمحبة الذاتية الكامنة في العبد.
وظهورها لا يكون إلا بالاجتناب عما يضادها و يناقضها، وهو التقوى مما عداها. فالمحبة هي المركب، والزاد التقوى.
وهذا الفناء موجب لأن يتعين العبد بتعينات حقانية وصفات ربانية ، وهو البقاء بالحق ؛ فلا يرتفع التعين منه مطلقا .
(وحينئذ)، أي و حين إذ أثبت عين العبد حال الغناء في الله ، وبقي ببقائه سبحانه ولم ينعدم مطلقا، (يصح أن) ينضاف إليه الأمور، ويكون الحق سمعه الذي به يسمع (وبصره) الذي به يبصر (ولسانه) الذي به ينطق ويده التي بها يبطش (ورجله) التي بها پمشي.
(فعم) الحق سبحانه وتعالى (قواه)، أي قوى العبد الظاهرة والباطنة ، (وجوارحه) وأعضاءه البدنية (بهويته) السارية في الموجودات كله (على المعنى الذي يليق) ذلك المعنى! (به سبحانه).
يشير رضي الله عنه إلى ما يخطر لبعض المحجوبين أن الحق تعالى، إذا كان عين سمع أو بصر أو غير ذلك، كان محدودا بحده، وهو غير محدود.
فنبه على أن عموم الحق قوى العبد وجوارحه إنما يكون على وجه يليق به سبحانه، وهو أن يحيط بالكل ويستغرق الكل غير منحصر في الكل.
لم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها بعينه، فكان عينها ولم يتعين في عين على التعيين.
فلم يتحدد بحد مخصوص على التخصيص والتمييز ؛ فلم يدركه حد، ولم يبلغه حصر، وإن كان محدودة بكل حدا فإنه غير محصور في ذلك. فافهم، إن شاء الله العزيز .
(وهذه)، أي كون الحق سمع العبد وبصره وعمومه سائر قواه وجوارحه،
قال الشيخ رضي الله عنه : ( نتيجة حب النوافل. وأما حب الفرائض، فهو أن يسمع الحق بك ويبصر بك. والنوافل، فهو أن تسمع به وتبصر به . فتدرك بالنوافل على قدر استعداد المحل؛ ويدرك بالفرائض كل مدرك. فافهم
(نتيجة حب النوافل) وقربها في السير المحبى وتقدم السلوك على الجذبة وسبق الفناء على البقاء، حيث يتجلى الحق بالاسم «الباطن» ويكون آلة لإدراك العبد المتجلى له.
(وأما حب الفرائض) وقربها، أي نتيجتهما في السير المحبوبي وتأخر السلوك عن الجذبة وتقدم البقاء الأصلي على الفناء، حيث يتجلى الحق سبحانه بالاسم
"الظاهر"، ويكون العبد المتجلى له آلة لإدراك الحق المتجلي.
(فهو أن يسمع الحق بك) على أن يكون المدرك هو الحق سبحانه، وأنت آلة لإدراكه، (ويبصر بك) كذلك.
وأما حب (النوافل، فهو)، أي نتيجته، (أن تسمع به وتبصر به) على أن يكون الحق سبحانه آلة لإدراكك على عكس قرب الفرائض
اعلم أن الوجود الحق هو الأصل الواجب وهو الفرض؛ ووجود العالم - وهو العبد - نفل وفرع عليه.
فإذا ظهر الحق، خفي فيه العبد.
فكان العبد سمع الحق وبصره وسائر قواه وجوارحه، كما قال صلى الله عليه و سلم : «إن الله قال على لسان عبده: "سمع الله لمن حمده ".
"هذه يد الله"، واليد يد محمد صلى الله عليه و سلم، وكذلك هو الرامي حقيقة في "إذا رميت" [الأنفال:17].
فيده يد الحق. وهو الرامي لنفيه الرمي عن محمد صلى الله عليه و سلم في قوله : " ولكن الله رمى " [الأنفال: 17]، وإثباته الرمي للحق سبحانه بقوله : " ولكن الله " [الأنفال: ۱۷]. هذا قرب الفرائض،
وأما قرب النوافل، فهو كون الحق سبحانه محمولا في إنية العبد، مستورة باطنا فيه. فهو سمع العبد وبصره ولسانه وسائر قواه .
اعلم أن مراتب القرب - التي هي العلة الغائية لرفع الموانع من وجهي العناية بالجدية والهداية بالسلوك - منحصرة في رتب أربع :
أولها رتبة المحبة المترتبة على الجذبة المعنية بقوله: «ما تقرب أحد أحب إلي من أداء ما افترضته عليه»، أو على السلوك المعنية بقوله: «ولا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه.
والثانية رتبة التوحيد المبنية على المحبة المعنية بقوله: «فإذا أحببته كنت سمعه وبصره.
والثالثة رتبة المعرفة المعنية بقوله : «فبي يسمع وبي يبصر وبي يعقل»، المعبر عنها في لسان
القوم به مقام البقاء بعد الفناء».
والرابعة رتبة التحقيق، وهي رتبة الخلافة والكمال المشتملة على الجميع، الجامعة بين البداية والنهاية .
وأحكامهما وأحكام الجمع والتفرقة والوحدة والكثرة والحقية والخلقية والقيد والإطلاق عن حضور من غير غيبة ويقين بلا ريبة، ثم فوق كل ذلك طور الأكملية المختصة بالحضرة المحمدية.
(فتدرك) أنت (بالنوافل)، أي بسبب القرب الحاصل منها حيث كان الحق سبحانه آلة لإدراكك ، (على قدر استعداد المحل)، الذي هو أنت لتجلي الحق فيه بصفة السمع والبصر وغيرهما.
فإن تجليه سبحانه بأي صفة كان ليس إلا بمقدار استعداد المتجلى له، لا على ما هو عليه في حد ذاته .
فإن ذلك لا يسعه مجلي، ولا يضبطه مظهر .
كيف؟ ولو لم يكن الأمر كذلك، للزم أن يكون كينونة الحق سمع عبده و بصره وعقله واقعة على نحو ما هو الحق عليه في نفسه.
فيرى العبد إذن كل مبصر ويسمع كل مسموع سمعه الحق وأبصره.
ولزم أيضا أن يعقل كل ما عقله الحق وعلى نحو ما عقله، ومن جملة ذلك، بل الأجل من كل ذلك، عقله سبحانه ذاته على ما هي عليه ، ورؤيته لها كذلك، وسماعه كلامها وكلام سواها أيضا كذلك.
وهذا غير واقع لمن صح له ما ذكرنا ولمن تحقق بأعلى المراتب وأشرف الدرجات . فما الظن بمن دونه؟
(ويدرك) الحق سبحانه بك حيث تكون الله له سبحانه (بالفرائض)، أي بسبب القرب الحاصل منها.
وفي بعض النسخ "وتدرك" بصيغة الخطاب ، وحينئذ يكون من قبيل إسناد الفعل إلى الآلة، أي يدرك الحق بك ، أو تدرك أنت حيث تكون الله لإدراكه
(كل مدرك) من غیر اختصاص بشيء دون شيء؛ لأن المدرك حينئذ هو الحق سبحانه، فيسري حكم إحاطته إلى الآلة.
قال الشيخ رضي الله عنه: «إذا كنت مع الحق أينما كان فهو معك أينما كنت، فأنت الرجل».. وهذا من قرب الفرائض .
ولا يخفى عليك أن تلك الإحاطة الإدراكية لا يمكن وقوفها إلا بالتدريج والقوة، لا دفعة وبالفعل، لما مر آنفا.
(فافهم)، فإنه دقيق و بالتأمل حقيق.
والله ولي الهداية والتوفيق .
.


GszkXUr9xtg

  السابق

المحتويات

التالي  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب فصوص الحكم وشروحاته

مطالعة هذه الشروحات والتعليقات على كتاب الفصوص


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!