موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

كتاب نقد النصوص
في شرح نقش الفصوص

تأليف: الشيخ عبد الرحمن الجامي

فص حكمة قدوسية في كلمة إدريسية

  السابق

المحتويات

التالي  

فص حكمة قدوسية في كلمة إدريسية


04 - شرح نقش فص حكمة قدوسية في كلمة إدريسية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي

الفص الإدريسي

قال الشيخ رضي الله عنه : (العلو علوان:
علو مكان مثل قوله تعالى: " الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى " [طه: 5]. والعماء والسماء.
وعلو مكانة مثل قوله تعالى: " كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ " [القصص: 88].
والناس بين علمٍ وعمل: فالعمل للمكان والعلم للمكانة.
وأما علو المفاضلة فقوله تعالى: " وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ "، " وَاللَّهُ مَعَكُمْ " [محمد: 35].
فهذا راجعٌ إلى تجليه في مظاهره.
فهو في تجلٍ ما أعلى منه في تجلٍ آخر مثل: " كَمِثْلِهِ شَيْءٌ " [الشورى: 11].
ومثل: " إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى" [طه: 46].
ومثل: " جعت فلم تطعمني .. الحديث القدسي الشريف ".)
بسم الله الرحمن الرحيم
04 - شرح فص حكمة قدوسية في كلمة إدريسية
قال الشيخ رضي الله عنه : (العلو نسبتان، علو مكان وعلو مكانة. فعلو المكان «ورفعناه مكانا عليا». وأعلى الأمكنة المكان الذي تدور عليه رحى عالم الأفلاك وهو فلك الشمس،)
إنما أردف الشيخ رضي الله عنه الكلمة النوحية بالكلمة الإدريسية وإن كان إدريس قبل نوح عليهما السلام بحسب الزمان لمناسبة مخصوصة بينهما .
من حيث أن الصفة القدوسية تلي الصفة السبوحية في المعنى والمرتبة فإن السبوح هو الذي ينزه عن كل سوء.
والقدوس هو الطاهر عما يتوهم فيه من إمكان طرق نقص ما إليه بشینه، وأما سر اختصاص هذه الصفة بإدريس عليه السلام فلأجل أن الكمال الذي حصل له إنما كان بطريق التقديس وهو تروحنه وانسلاخه عن الكدورات الطبيعية والنقائص العارضية من المزاج العنصري ولما نزل في شأنه عليه السلام أنه رفع مكانة عليا ابتدأ رضي الله عنه حكمته بذكر العلو وبيان أقسامه وأحكامه.
فقال : (العلو نسبنان) أراد علوان كما صرح به في مختصره المسمى بنقش الفصوص ولكن لما كان العلو في ذاته أمرا نسبيا وكان امتیاز كل من قسميه عن الآخر أيضا بالنسبة والإضافة إلى موصوفه عبر عنهما بقول نسبتان أو المعنى العلو له نسبتان (علو مكان) يتصف به المكان أو لا والمتمكن ثانية (وعلو مكانة) أي منزلة ومرتبة ويوصف به كل موجود.
(فعلو المكان) يدل عليه قوله تعالى: ("ورفعناه مكانا عليا") [مريم: 57 ] فذلك يدل على رفعة إدريس عليه السلام، أو على علو مكانه وهو فلك الشمس، أما رفعته فتبعية مكانه .
وأما علو مكانه فلوجهين:
أحدهم باعتبار ما تحته من الكثرات الفلكية والعنصرية.
وثانيهما باعتبار المرتبة بالنسبة إلى جميع الأفلاك.
ولما كان علوه بالاعتبار الأول ظاهرا أعرض رضي الله عنه عن بيانه وتعرض للثاني بقوله (وأعلى الأمكنة) أي بالمكانة والمرتبة لا باعتبار الجهة فإن أعلاها بهذا الاعتبار هو العرش كما سيجيء.
(المكان الذي يدور عليه عالم الأفلاك) ويصل من روحانيته الفيض إلى سائر الأفلاك كما أن من كوكبه تتنوّر الأفلاك جميعاً، وذلك كما يقال على القلب يدور البدن أي منه يصل الفيض إلى سائر البدن (وهو) أي السكان الذي تدور عليه الأفلاك (فلك الشمس، وفيه)
قال رضي الله عنه : (وفيه مقام روحانية إدريس عليه السلام. وتحته سبعة أفلاك وفوقه سبعة أفلاك وهو الخامس عشر. فالذي فوقه فلك الأحمر وفلك المشترى وفلك كيوان وفلك المنازل والفلك الأطلس فلك البروج وفلك الكرسي وفلك العرش. والذي دونه فلك الزهرة وفلك الكاتب، وفلك القمر، وكرة الأثير، وكرة الهوى، وكرة الماء، وكرة التراب. فمن حيث هو قطب الأفلاك هو رفيع المكان. وأما علو المكانة فهو لنا أعني المحمديين. قال الله تعالى «وأنتم الأعلون والله معكم» والناس بين علم وعمل. فالعمل للمكان، والعلم للمكانة . )
أي في فلك الشمس (مقام روحانية إدريس عليه السلام) كما يشعر به حديث المعراج واجتماع به الشیخ رضي الله عنه هنالك.
وظهرت بينهما مفاوضات عليه وإسرار كلية الآنية.
فاطلبها من كتاب الأسرار وكتاب التنزلات نه (وتحته سبعة أفلاك) سمى رضی الله عنه كرات العناصر أيضاً أملاكاً تغليباً (وفوقه سبعة أفلاك وهو)، أي فلك الشمس هو (الخامس عشر فالذي فوقه فلك الأحمر)، أي المريخ (وفلك المشتري وفلك كيوان) يعني زحل (وفلك المنازل)، أي فلك الثوابت (وفلك الأطلسي) صاحب الحركة اليومية.
وفي النسخة المقروءۃ علی الشیخ رضي الله عنه و الفلك الأطلس ( وهو فلك البروج)، على أن تكون البروج عطف بيان الفلك الأطلس وتسميته بفلك البروج على أن البروج إنما تقدر فیه وإن كانت آسامیها بملاحظة ما يجذبها من كواكب فلك المنازل.
(وفلك الكرسي وفلك العرش) أثبت رضي الله عنه هذين الفلكين أيضاً في الباب الخامس والتسعين ومائتين من المفتوحات .
وذكر أن الأطلس هو عرش التكوين ، أي فظهر عنه الكون والفساد بواسطة الطبائع الأربع ومستوى الرحمن هو العرش العظيم الذي ما فوقه جسم ومستوى الرحيم هو الكرسي الكريم.
والحكماء أيضاً ما جزموا بأنه ليس فوق التسعة فلك آخر بل جزموا بأنه لا يمكن أن يكون أقل منه (والذي دونه)، أي دون فلك الشمس (فلك الزهرة وفلك الكاتب) ، أي عطارد (وفلك القمر وكرة الأثير)، أي النار (وكرة الهواء وكرة الماء وكرة التراب).
وتعبيره رضي الله عنه عن هذه الأربع بالكرة ههنا يدل على أن إطلاق الفلك عليها فيما تقدم كان تغليباً (فمن حيث هو)، أي فلك الشمس (قطب الأفلاك) بالمعنى المذكور (هو)، أي إدريس الذي رفع إليه (رفيع المكان) وعلوه علو المكان (وأما علو المكانة فهو لنا أعني المحمديين قال تعالى خطاباً لهم : " وَأَنتم الأعلُونَ " )
(و) ثانيهم (علو مكانة)، أي مرتبة. وما يقتضي نسبة على المكانة إليه قوله :
("كل شيء هالك إلا وجهه") [القصص: 88].
وقوله: ("وإليه يرجع الأمر كله") [هود: 123].
وقوله : ("أإله مع الله") [النمل: 63]؛ إذ البقاء مع هلاك الأشياء وكونه مرجع الأمور والانفراد بالإلهية منزلة عظيمة ومكانة رفيعة، لا يمكن أن تكون فوقها مرتبة.
وقد يخص علو المكانة بولاة الأمر - كالسلطان والحكام والوزراء والقضاة وكل ذي منصب.
ويسمى ما عدا ذلك بـ «العلو الصفاتي»، كعلو العلماء على غيرهم بسبب صفة العلم، والأول في معرض الزوال بخلاف الثاني.
ثم اعلم أن نسبة العلوين المكاني والمرتبي إليه سبحانه إنما هي بحسب المراتب والمظاهر والأسماء والصفات.
وأما بحسب الذات، فهو منزه عنهما. أما تنزهه عن العلو المكاني، فواضح لعدم تحيزه. وأما التنزه عن علو المكانة، فلأن كل علي بمكانة، فإنه يتقيد بها؛ وإن علوه إنما يثبت فيها من حيث هي لا غير.
وهو سبحانه يتعالی عن ذلك. فلا اشتراك بين الحق سبحانه وبين غيره فيما يفهمه الجمهور من العلو.
ولذلك قال سبحانه : "سبح أسم ربك الأعلى" [الأعلى: 1]، بمعنى أنه متی أضيف العلو إلى الحق بحسب معتقدهم، فالحق أعلى من ذلك.
والسر فيه أن الحق في كل متعین غیر متعين.
فكما ينتفى عنه الإشارة الحسية ، ينتفي عنه الإشارة العقلية .
فتقدس عما يتوهم فيه من الاشتراك بسبب المفهوم من المعية حيث أخبر أنه تعالى مع كل شيء ، مع أن الأشياء لا تخلو عن أحد العلوين.
فهو سبحانه مقدس عن مفهوم الجمهور من العلوین، منزه عنه.
فعلوه حيازته الكمال المستوعب كل وصف وعدم تنزهه عما يقتضيه ذاته من حيث إحاطتها واتسام كل وصف بصفة الكمال من حيث إضافة ذلك الوصف إليه.
فاعلم ذلك , تعرف سر العلو الحقيقي الذاتي اللائق إضافته إلى الحق وتنزهه عن العلوين المفهومين للجمهور المضافين إلى الغير .
(والناس) موصوفون بالعلوين، لأنهم دائرون (بين علم) بالله (وعمل) له سبحانه. فبعضهم يترقون في مراتب العلم بالله ، كالعارفين؛ وبعضهم يتدرجون في درجات العمل، كالعباد والزهاد؛ وبعضهم يجمعون بينهما، كالكمل .
(فالعمل) الصالح الخالص (للمكان) العلي، يعني أنه يثمر العلو المكاني، كالجئة ودرجاتها .
(والعلم) بالله (للمكانة) العلية، فإنه يوجب العلو في مراتب القرب إلى الله سبحانه ، وذلك لأن المكانة للروح، كما أن المكان للجسم.
والعلم روح العمل، والعمل جسده .
فاقتضى كل منهما بحسب المناسبة ما يشبهه ويماثله.
فعلو المكانة للعالم ، وعلو المكان للعامل؛ ومن جمع بينهما، فله العلوان.
قال رضي الله عنه : (وأما علو المفاضلة ، فقوله : « "وأنتم الأعلون والله معكم. فهذا راجع إلى تجليه سبحانه في مظاهره، فهو سبحانه في تجلى ما أعلى منه في تجلى آخر، مثل "ليس كمثله شيء" ومثل (إنني معكما أسمع وأرى ) ومثل «جعت، فلم تطعمني»..)
وإلى هذا أشار الشيخ رضي الله عنه بقوله : (وأما علو المفاضلة)، أي العلو الإضافي الذي تكون لبعض العالين فيه فضيلة على بعض.
فقوله، أي فما يقتضي نسبته إلى الحق سبحانه قوله تعالى : (" وأنتم الأعلون والله معكم") [محمد: 35]، حيث أثبت الأعلوية للمخاطبين وأخبر أنه معهم في هذه الأعلوية ، فيلزم إثبات الأعلوية له سبحانه .
(فهذا) العلق ، أي علو المفاضلة ، (راجع إلى تجليه سبحانه) وظهوره (في مظاهره) المتكثرة المتفاضلة ، لا إلى أحدية ذاته .
(فهو سبحانه في تجل ما) من تجلياته (أعلى منه في تجل آخر) منها.
فإذا تجلی بصفة التنزيه مثلا، (مثل) قوله : ( "ليس كمثله شيء" ) [الشورى:11]، فهو أعلى منه إذا تجلی بصفة التشبيه.
وفي التجلي بصفة التشبيه إذا تجلى بالصفات الكمالية ، فهو أعلى منه إذا تجلی بغيرها بحسب الظاهر (و) الأول (مثل) قوله : ( إني ما أسمع وأرى) [طه: 46].
حيث تجلى بصفتي السمع والبصر، اللذين هما من الصفات الكمالية .
(و) الثاني (مثل) قوله : ("جعت، فلم تطعمني")، حيث تجلی بصفة الجوع، التي هي من الصفات الغير الكمالية.
" يشير الى الحديث القدسي: (يا عبدي! جعت فلم تطعمني، فيقول: وكيف أطعمك وأنت رب العالمين؟!
فيقول: جاع عبدي فلان، فلو أطعمته لوجدتني عنده، يا عبدي!
مرضت فلم تعدني، فيقول: يا رب! وكيف أعودك وأنت رب العالمين؟!
فيقول: مرض عبدي فلان، ولو عدته لوجدتني عنده.)"
فظهر أن على المفاضلة له سبحانه إنما هو باعتبار كثرة التجليات والاعتبارات، لا باعتبار أحدية الذات، وأن في مرتبة الأحدية ليس إلا العلق الذاتي الحقيقي، لا الإضافي.
لا ينافي ظهوره في الأشياء وتعينه وتقيده بها وبأحكامها من حيث هي وحدته وإطلاقه عن القيود، ولا غناه بذاته عن جميع ما وصف بالوجود.
بل هو سبحانه الجامع بین ما تماثل من الحقائق وتخالف من وجه، فيأتلف؛ وبين ما تنافر وتباین، فيختلف، بتجلية الوجودي.
ظهرت الخفيات ، وتنزل من الغيب إلى الشهادة البركات . إذا شاء، ظهر في كل صورة ؛ وإن لم يشأ، لا ينضاف إليه صورة .
.


9hgezHGYm-w

  السابق

المحتويات

التالي  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!