موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

شرح الجامي
على فصوص الحكم

تأليف: الشيخ عبد الرحمن الجامي

فص حكمة ملكية في كلمة لوطية

  السابق

المحتويات

التالي  

فص حكمة ملكية في كلمة لوطية


13 - فص حكمة ملكية في كلمة لوطية .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي


شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الفصّ اللوطي
قال الشيخ رضي الله عنه : (الملك الشدّة والمليك الشّديد : يقال ملكت العجين إذا شددت عجنه قال قيس بن الخطيم يصف طعنة :
ملكت بها كفّي فأنهرت فتقه ..... يرى قائم من دونها ما وراءها
أي شددت بها كفّي يعني الطّعنة
.
فهو قول اللّه تعالى عن لوط :" لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ" [ هود: 80]
فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : يرحم اللّه أخي لوطا : لقد كان يأوي إلى ركن شديد )
وإنما وصف الشيخ رضي اللّه عنه هذه الحكمة بالملكية مراعاة لشدة م قاساه لوط عليه السلام من قومه ، ولشدة قومه في الانهماك في الشهوات ولشدّة م عاملهم به الحق من العقوبات ولتمنيه القوة والشدة بقولهل "َوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً "[ هود : 80 ] ولشدة ما كان يأوي إليه من الركن الشديد ( الملك بفتح الميم وسكون اللام ( الشدة والمليك الشديد يقال : ملكت العجين إذا شددت عجنه ، قال قيس بن الحطيم يصف طعنة :
ملكت بها كفي فانهرت فتقه ..... يرى قائم من دونها ما وراءه
أي شددت بها كفي يعني الطعنة ) ، أي أمسكت الرمح قويا فضربت به العدو فانهرت فتقها ، أي وسعت م فتقت الطعنة ، يرى من قام عندها ما وراء تلك الطعنة من جانب آخر (فهو ) ، أي معنى الملك الذي وصف به هذه الحكمة مما يدل عليه ( قول اللّه تعالى عن ) لسان ( لوط "لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ") [ هود : 80 ] .فإن معناه ، أي معنى الملك يفهم من موضعين ؛ من هذا القول الأوّل لو أن لي بكم قوة ، فإن القوة هي الشدة ، والثاني أو آوي إلى ركن شديد حيث وصف الركن بالشدة .
وكان هذا الكلام من الشيخ إشارة إلى وجه توصيف هذه الحكمة بالملكية وتمهيدا لما يفرع من قوله : ( فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : يرحم اللّه أخي لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد فنبه صلى اللّه عليه وسلم ) حيث أضافه إلى نفسه بالأخوة ( على أنه كان مع اللّه من كونه شديدا ) فإن إخوته معه صلى اللّه عليه وسلم إنما كانت في معنى النبوة المقتضية عدم الاحتجاب بالمظاهر عن الظاهر وشهود الظاهر

قال الشيخ رضي الله عنه : ( فنبّه صلى اللّه عليه وسلم أنّه كان مع اللّه من كونه شديد
.
والّذي قصد لوط عليه السلام القبيلة بالرّكن الشّديد ؛ والمقاومة بقوله :لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةًوهي الهمّة هنا للبشر خاصّة .
فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فمن ذلك الوقت ، يعني من الزّمن الذي قال فيه لوط عليه السلام :أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍم بعث نبيّ بعد ذلك إلّا في منعة من قومه .
فكان تحميه قبيلته كأبي طالب مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم .
فقوله :" لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً " [ هود : 80 ] لكونه عليه السلام سمع اللّه يقول :اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ بالأصالة ."ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ " فعرضت القوّة بالجعل فهي قوّة عرضيّة ثُمَّ)
في المظاهر فلا تكون مشهودة في الركن الشديد إلا للّه من حيث اسمه الظاهر فيه وهو القوي الشديد ، ( والذي قصد ) ، أي قصده ( لوط عليه السلام القبيلة ) ظاهرا .
واللّه حقيقة ( بالركن الشديد والمقاومة بقوله :لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً) ، أي كنت لي بكم قوّة أقاومكم بها ( وهي ) ، أي القوّة (الهمة هنا من البشر خاصة ) إنما قال : هنا ، لأن للقوة في مواضع أخر معاني غيرها .
وإنما قال : من البشر خاصة ، قيل : لأن الهمة المؤثرة التي بها يقاوم أقواما كثيرين لا تكون إلا من الإنسان الكامل وقيل : لأنه لما أضاف القوة إلى نفسه كانت مختصة به فما فسرت به أعنى الهمة كان مختصا بالبشر بل به ( فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فمن ذلك الوقت يعني من الزمن الذي قال فيه لوط عليه السلام أو آوي إلى ركن شديد ما بعث نبي بعد ذلك إلا في منعة من قومه فكان تحميه قبيلته كأبي طالب مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ) ، فإنه كان يتعصب للنبي صلى اللّه عليه وسلم ويذب عنه دائما وإنما اضطر إلى الهجرة بعد وفاته ( فقوله ) ، أي قول لوط عليه السلام (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً) منبأ عن طلبه من اللّه أن يجعل فيه قوة وإنما وقع (لكونه عليه السلام سمع اللّه تعالى ) ، أي أدرك منه بسمعه النوراني الروحاني معنى قول اللّه الدال على أن الصفات الوجودية كالقوّة مثلا يحتاج الممكن في الأتصاف بها إلى جعلها وإيجادها فيه ، فتكون عرضية له بخلاف الصفات العدمية كالضعف الذي هو عدم القوّة فإنه يكفي في الاتصاف عدم جعل القوّة بالخلق الجديد ، وذلك رد إلى العدم الأصلي الذاتي للممكن ، بل إبقائه عليه ، وسماع لوط هذا القول من اللّه حيث كان ( يقول :"اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ" بالأصالة ) [ الروم : 54 ] .
أي مبتدئا خلقكم من ضعف ، أي عدم قوّة هو الأصل فيكم
قال الشيخ رضي الله عنه : (ثم جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً فالجعل تعلّق بالشّيبة ، وأمّا الضّعف فهو رجوع إلى أصل خلقه وهو قوله :خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ " [ الروم: 54 ] .
فردّه لما خلقه منه قال تعالى :"وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً" [ الحج : 5 ] . فذكر أنّه ردّ إلى الضّعف الأوّل فحكم الشّيخ حكم الطّفل في الضّعف .
وما بعث نبيّ إلّا بعد تمام الأربعين وهو زمان أخذه في النّقص والضعف فلهذا قال :" لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً "[ هود : 80 ] مع كون ذلك يطلب همّة مؤثّرة .
فإن قلت وما يمنعه من الهمّة المؤثّرة وهي موجودة في السّالكين من الأتباع ، والرّسل أولى بها قلنا صدقت ولكن نقصك علم آخر ، وذلك أنّ المعرفة لا تترك للهمّة تصرّفا فكلّما علت معرفته نقص تصرّفه بالهمّة ، وذلك لوجهين :
الوجه الواحد
)

(ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةًفعرضت القوّة بالجعل فهي قوّة عرضية ) لكم فإن القوّة الذاتية كلها للّه (ثُمَّ " جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً " [ الروم : 54 ] وشيبة فالجعل تعلق بالشيبة ) لأنها أمر وجودي .
( وأما الضعف فهو رجوع إلى أصل خلقه ) فتعليق الجهل بهم باعتبار أحدهما ( وهو ) ، أي أصل خلقه ما يدل عليه ( قوله :خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ) كما بينا ( فرده لما خلقه ) ، أي إلى ما خلقه ( منه كما قال تعالى :وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً) ، أي لكيلا يحصل له علم محدود بعد حصول العلوم السابقة لفقدان قابلية الآلة لتحصيله ، لأن الناطقة يطرأ عليها الجهل بعد العلم ولما كان يبقى العلم بعد المفارقة .
ولا يبعد أن يقال : المراد بعدم العلم طرو النسيان والغفلة عن العلوم لما يلحقه من موانع التذكر فإذا ارتفعت الموانع المفارقة تذكر به ( فذكر ) اللّه سبحانه بقولهيُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ( أنه رد إلى الضعف الأوّل ) الذي خلق منه ( فحكم الشيخ حكم الطفل في الضعف ) الأصلي غير أن الشيخ مردود إليه بعد القوة والطفل لا يقوى بعد ( وما بعث نبي إلا بعد تمام الأربعين وهو زمان أخذه ) ، أي شروعه (في النقص والضعف ) لأن أحكام النشأة العنصرية والقوى الطبيعية غالبة في تلك المدة ، فلما نقصت وضعفت وغلبت أحكام النشأة الروحانية بعد تمامها بعثه اللّه لتكميل الناقصين .
( فلهذا ) ، أي لأجل أخذه في النقص والضعف ( قال :لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً) كان ( مع كون ذلك ) الأخذ ( يطلب همة مؤثرة ) لا قوّة جسمانية .
( فإن قلت : وما يمنعه من الهمة المؤثرة ، وهي موجودة في السالكين من الأتباع ، والرسل أولى به .
قلنا : صدقت ولكن نقصك علم آخر ، وذلك لأن المعرفة لا تترك للهمة تصرفا ، فلما علت معرفته نقص تصرفه بالهمة ) حتى إذا بلغت غايتها لم يبق له تصرف أصلا

قال الشيخ رضي الله عنه : (لنحقّقه بمقام العبوديّة ونظره إلى أصل خلقه الطّبيعيّ .
والوجه الآخر أحديّة المتصرّف والمتصرّف فيه : فلا يرى على من يرسل همّته فيمنعه ذلك .
وفي هذا المشهد يرى أنّ المنازع له ما عدل عن الحقيقة الّتي هو عليها في حال ثبوت عينه وحال عدمه ، فما ظهر في الوجود إلّا ما كان له في حال العدم في الثّبوت ، فما تعدّى حقيقته ولا أخلّ بطريقته .)
قال رضي الله عنه : ( وذلك لوجهين الوجه الواحد لتحققه بمقام العبودية ) المقتضية إتيان العبد أوامر سيده لا التصرف في ملكه فإنه من أحكام الربوبية ( ونظره ) ، أي ولنظره ( إلى أصل خلقه الطبيعي ) الذي هو الضعف والعجز ( والوجه الآخر أحدية المتصرف والتصرف فيه ) في نظر شهوده وغلبة شهود الأحدية عليه بحيث لا يتميز شيء عنده عن شيء ( فلا يرى ) أحدا ول يعلم ( على من يرسل همته فيمنعه ذلك ) المذكور من شهود الأحدية وغلبته عليه وعدم رؤيته شيئا يتصرف فيه ، بل نفسه التي تتصرف عن التصرف بالهمة ، والحاصل أن للعارف التام المعرفة حالتين :
إحداهما : حالة تحققه بمقام العبودية ونظره إلى نفسه ورجوعه إلى ضعفه الذاتي وعجزه الأصلي ، ففي هذه الحالة ل يتصرف لرعاية أدب العبودية .
وثانيتهما : حالة الاستغراق في شهود الأحدية بحيث لا تبقى له مسكة التمييز بين شيء وشيء من مقام : « لي مع اللّه وقت لا يسعني ملك مقرب ولا نبي مرسل » فلا يتمكن من التصرف فلو ظهر منه تصرف لكان في الحالة الأولى بمقتضى أمر سيده لا غير ( وفي هذا المشهد ) ، أي مقام شهود الأحدية والمعرفة التامة ( يرى ) العارف ( أن المنازع له ما عدل عن ) مقتضيات قال رضي الله عنه : (حقيقته التي هو عليها في حال ثبوت عينه ) الثابتة في العلم ( وحال عدمه ) الخارجي في العين .
قال رضي الله عنه : ( فما ظهر في الوجود ) العيني منه صورة المخالفة ( إلا ما كان ) ثابتا ( له في حال العدم ) الخارجي ( في مرتبة الثبوت العلمي فما تعدى ) المنازع ( حقيقته ) فيما جرى عليه من المخالفات ( ولا أخل بطريقته ) التي ينبغي أن يسلك عليها لاقتضاء حقيقته ، فإذا شهد العارف ذلك كيف تنبعث عنه داعية التصرف فيه .
والحال أنه يعلم أنه لا يتغير عما هو فيه بتصرفه ، اللهم إلا إذا كان بعض ظهور أحواله المنطوية في عينه الثابتة مشروط بتصرفه ، ولما كان تصرفه من مقتضيات عينه الثابتة فإنه حينئذ لا محيد له عن التصرف فهذا وجه آخر يمنع العارف عن التصرف بالهمة باختياره.
قال الشيخ رضي الله عنه : (فتسمية ذلك نزاعا إنّما هو أمر عرضيّ أظهره الحجاب الّذي على أعين النّاس كما قال اللّه تعالى فيهم :وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ( 7 ) [ الروم 6 - 7 ] وهو من المقلوب فإنّه من قولهم قُلُوبُنا غُلْفٌ [ النساء : 155 ] أي في غلاف وهو الكنّ الّذي ستره عن إدراك الأمر على ما هو عليه .
فهذا وأمثاله يمنع العارف من التّصرّف في العالم .
قال الشّيخ أبو عبد اللّه بن قائد للشّيخ أبي السّعود بن الشّبل : لم لا تتصرّف ؟
فقال أبو السّعود : تركت الحقّ يتصرّف لي كما يشاء : يريد قوله تعالى آمرا :فَاتَّخِذْهُ)
(فتسمية ذلك ) ، أي ذلك الأمر الظاهر على المنازع من المخالفة المسمى (نزاعا إنما هو أمر عرضي ) نسبي تعرض أحوال المنازع بقياسها إلى أحوال العارف ، فإن حقيقة كل منهما وعينه الثابتة تقتضي ما تخالف مقتضى حقيقة الأمر باعتبار الاسم الحاكم عليه .
فهذه المخالفة الواقعة منهما من غير اختيار تسمى نزاعا وهما فيها في عين الوفاق باعتبار امتثالهما أمر الأسماء الحاكمة عليها فالنزاع بينهما إنما ( أظهره الحجاب الذي على أعين الناس ) من رؤية سر القدر فيتوهمون أن كل واحد منهما في صدد المخالفة مع الآخر (كما قال اللّه تعالى فيهم ) ، أي في شأن المحجوبين عن سر القدر ( ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) ، أي سر القدر ("يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا") ، أي ما ظهر لهم في النشأة الدنيوية ("وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ") [ الروم : 7 ] .
أي وهم عن النشأة الأخروية التي عندها يظهر سر القدر غافلون ، ثم أراد أن ينبه على أن سبب هذه الغفلة هو الحجاب الذي وقع على قلوبهم فقال : ( وهو ) ، أي غافلون ( من المقلوب ) ، أي من الألفاظ التي قلب فيها بعض الحروف إلى مكان بعض آخر كاللام والفاء ههن ( فإنه ) ، أي غافلون مأخوذ ( "من قولهم :قُلُوبُنا غُلْفٌ " [ البقرة : 88 ] ، أي في غلاف ) ، أي في حجاب إذ لا شك أن الغافل إنم يغفل عن شيء بواسطة حجاب يحول بينهما فالغافلون عن الآخرة هم الذين قلوبهم في غلاف ( وهو ) ، أي الغلاف ( الكنّ الذي ستره ) ، أي القلب ( عن إدراك الأمر على ما هو عليه ) قال تعالى : "إن جعلناعَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ" [ الأنعام : 25 ] ، أي الحجب المانعة للقلب عن إدراك الحقائق على ما هي عليه .
( فهذا ) الذي ذكرنا من الوجوه الثلاثة ( وأمثاله يمنع العارف من التصرف في العالم بالهمة ) ومن جملة أمثاله امتثاله لأمر الحق حيث قال :" فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا " [ المزمل : 9 ] كما تومىء إليه في هذه الحكاية .
( قال الشيخ أبو عبد اللّه محمد بن قائد للشيخ أبي السعود بن الشّبل )وهما من كبار أصحاب الشيخ محيي الدين عبد القادر الكيلاني قدس اللّه أرواحهم ولا حرمنا من بركاتهم ( لم لا تتصرف فقال أبو السعود : تركت الحق يتصرف لي كما يشاء ، يريد قوله
قال الشيخ رضي الله عنه : (وَكِيلً [ المزمل : 9 ] فالوكيل هو المتصرّف .
ولا سيّما وقد سمع اللّه يقول :وَأَنْفِقُوا مِمَّ جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ [ الحديد : 7 ] فعلم أبو السّعود والعارفون أنّ الأمر الّذي بيده ليس له وأنّه مستخلف فيه . ثمّ قال له الحقّ هذا الأمر الّذي استخلفتك فيه وملّكتك إيّاه اجعلني واتّخذني فيه وكيلا ، فامتثل أبو السّعود أمر اللّه فاتّخذه وكيلا . فكيف تبقى لمن يشهد مثل هذا الأمر همّة يتصرّف بها ، والهمّة لا تفعل إلّا بالجمعيّة الّتي ل متّسع لصاحبها إلى غير ما اجتمع عليه ؟
وهذه المعرفة تفرّقه عن هذه الجمعيّة . فيظهر العارف التّامّ المعرفة بغاية العجز والضّعف .
قال بعض الأبدال للشّيخ عبد الرزّاق قل للشّيخ أبي مدين بعد السّلام عليه : يا أبا مدين لم لا يعتاص علينا شيء وأنت تعتاص عليك الأشياء ونحن نرغب في مقامك وأنت لا ترغب في مقامنا ؟
وكذلك كان مع كون أبي مدين - رضي اللّه عنه - كان عنده ذلك المقام وغيره ، ونحن أتمّ في مقام العجز والضّعف منه . ومع هذا قال له هذ البدل ما قال وهذا من ذلك)
تعالى آمرا :" فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا" فالوكيل هو المتصرف . ولا سيما وقد سمع ) أبو السعود ( اللّه يقول :" وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ " [ الحديد : 7 ] فعلم أبو السعود والعارفون أن الأمر الذي بيده ) صورة (ليس له ) حقيقة ( وأنه مستخلف فيه ثم قال له الحق هذا الأمر الذي استخلفتك فيه وملكتك إياه اجعلني واتخذني فيه وكيلا ، فامتثل أبو السعود أمر اللّه فاتخذه وكيلا . فكيف يبقى لمن شهد هذا الأمر همة يتصرف بها ، والهمة لا تفعل إلا بالجمعية التي لا متسع لصاحبه إلى غير ما اجتمع عليه ، وهذه المعرفة تفرقه عن هذه الجمعية فيظهر العارف التام المعرفة بغاية العجز والضعف . قال بعض الأبدال للشيخ عبد الرزاق : قل للشيخ أبي مدين لم لا يعتاص علينا شيء وأنت تعتاص عليك الأشياء ، ونحن نرغب في مقامك وأنت ل ترغب في مقامنا ) ، أي في الظهور به وإن كان حاصلا له .
يقول الشيخ رضي اللّه عنه تصديقا لقولهم : ( وكذلك كان ) أبو مدين تعتاص عليه الأشياء وكان غيره يرغب في مقامه وهو لا يرغب في مقام غيره ( مع كون أبي مدين رضي اللّه عنه كان عنده ذلك المقام ) ، أي مقام الأبدال ( وغيره ) ولم يكن راغبا في الظهور به .
ثم يقول الشيخ رضي اللّه عنه : (ونحن أتم في مقام الضعف والعجز منه ) ، أي في أبي مدين ( ومع هذا ) ، أي مع كون أبي مدين بحيث كان عنده مقام البدل وغيره .
( قال له هذا البدل ما قال ) ، لعدم ظهوره بمقامه ( وهذا ) الذي نحن فيه ( من ذلك
قال الشيخ رضي الله عنه : (القبيل أيض .
وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في هذا المقام عن أمر اللّه له بذلك « ما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتّبع إلّا ما يوحى إليّ » فالرّسول بحكم ما يوحى إليه ما عنده غير ذلك .
فإن أوحي إليه بالتّصرّف فيه بجزم تصرّف وإن منع امتنع ، وإن خيّر اختار ترك التّصرّف ، إلّا أن يكون ناقص المعرفة .
قال أبو السّعود لأصحابه المؤمنين به إنّ اللّه أعطاني التّصرّف منذ خمس عشرة سنة وتركناه تظرّفا هذا لسان ادلال .
وأمّا نحن فما تركناه تظرّفا - وهو تركه إيثارا - وإنّما تركناه لكمال المعرفة ، فإنّ المعرفة لا تقتضيه بحكم الاختيار . فمتى تصرّف العارف بالهمّة في العالم فعن أمر إلهيّ وجبر لا باختيار ، ولا نشكّ أنّ مقام الرّسالة يطلب التّصرّف لقبول الرّسالة الّتي جاء)
القبيل ) ، أي قبيل التحقيق بمقام العبودية والعجز والضعف ( أيضا ) ، أي كما كان مقام أبي مدين كذلك ( وقال صلى اللّه عليه وسلم في هذا المقام عن أمر اللّه له بذلك ) القول ( « ما أدري ما يفعل بي ولا بكمإِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ فالرسول ) [ الأنعام : 50 ] .
رواه الطبراني في الكبير والهيثمي في مجمع الزوائد والحاكم في المستدرك.
كان من كان ( مقيد بحكم ما يوحى إليه به ما عنده غير ذلك فإن أوحى إليه بالتصرف فيه بجزم تصرّف ) امتثالا للأمر ( وإن منع امتنع ) امتثالا للنهي ( وإن خير اختار ترك التصرف ) تأدبا بآداب العبودية ( إلا أن يكون ) المخير ( ناقص المعرفة ) لعدم إحاطته بمقتضيات التحقق بهذا المقام .
( قال أبو السعود لأصحابه المؤمنين به : إن اللّه أعطاني التصرف منذ خمس عشرة سنة وتركناه تظرفا ) ، بالظاء المعجمة ، أي تكرما وإيثارا ، فإن الظرف بكسر الظاء هو الكريم أو من ظرف الرجل ، أي جاء بظرفه ، أي تركناه إتيانا بأمر بديع . وكان في النسخة المقابلة بالأصل بحضور الشيخ رضي اللّه عنه بالمعجمة .
وكان المراد به الإتيان بأمر ظريف يستظرفه العارفون (وهذا لسان الإدلال ) ، أي الانبساط والاجتراء .
( وأما نحن فما تركناه تظرفا وهو ) ، أي التظرف ( تركه ) ، أي ترك التصرف ( إيثارا ) ، أي اختيارا للحق على نفسه في التصرف ( وإنما تركناه لكمال المعرفة فإن المعرفة لا تقتضيه ) يعني التصرف .
( بحكم الاختيار فمتى تصرف العارف بالهمة في العالم فعن أمر إلهي وجبر لا باختيار ولا شك إذ مقام الرسالة يطلب التصرف لقبول الرسالة التي جاء
قال الشيخ رضي الله عنه : (بها ، فيظهر عليه ما يصدّقه عند أمّته وقومه ليظهر دين اللّه .
والوليّ ليس كذلك ، ومع هذا فلا يطلبه الرّسول في الظّاهر لأنّ للرّسول الشّفقة على قومه ، فلا يريد أن يبالغ في ظهور الحجّة عليهم ، فإنّ في ذلك هلاكهم فيبقي عليهم .
وقد علم الرّسول أيضا أنّ الأمر المعجز إذا ظهر للجماعة فمنهم من يؤمن عند ذلك ومنهم من يعرفه ويجحده ولا يظهر التّصديق به ظلما وعلو وحسدا ومنهم من يلحق ذلك بالسّحر والإيهام . فلمّا رأت الرّسل ذلك وأنّه لا يؤمن إلّا من أنار اللّه قلبه بنور الإيمان ، ومتى لم ينظر الشّخص بذلك النّور المسمّى إيمانا فلا ينفع في حقّه الأمر المعجز فقصرت الهمم عن طلب الأمور المعجزة لما لم يعمّ أثرها في النّاظرين ولا في قلوبهم .
كما قال في حقّ أكمل الرّسل وأعلم الخلق وأصدقهم في الحالإِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ [ القصص : 56 ] ولو كان للهمّة أثر ولا بد ، لم يكن أحد أكمل من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولا أعلى وأقوى همّة منه ، وما أثّرت في إسلام أبي طالب )
بها فتظهر عليه ما يصدقه عند أمته وقومه ) من المعجزات وخوارق العادات ( ليظهر دين اللّه ، والولي ليس كذلك ومع هذا فلا يطلبه الرسول في الظاهر لأن للرسول الشفقة على قومه فلا يريد أن يبالغ في ظهور الحجة عليهم ، فإن في ذلك هلاكهم ) ، إذا لم يذعنوا وتمردوا بخلاف م إذا لم يظهر الحجة عليهم ( فيبقي عليهم ) ، أي يرحم .
( وقد علم الرسول أيضا ) كان ما كان ( أن الأمر المعجز إذا ظهر للجماعة فمنهم من يؤمن عند ذلك ومنهم من يعرفه ويجحد ولا يظهر التصديق به ) .
إما ( ظلما ) على نفسه كالمنهمكين في الشهوات ( و ) إما ( علوا ) على الناس بالجاه والغلبة ( و ) إما ( حسدا ) على صاحب المعجزة كالمشاركين له في السبب وغيره.
( ومنهم من لم يعرفه ويلحق ذلك ) ، أي الأمر المعجز ( بالسحر والإيهام ) ، أي الشعبذة كالجاهلين والغافلين عنه (فلما رأت الرسل ذلك وأنه لا يؤمن إلا من أنار اللّه قلبه بنور الإيمان )بحسب استعداده النظري .
( ومتى لم ينظر الشخص بذلك النور المسمى إيمانا فلا ينفع في حقه الأمر المعجز فقصرت الهمم ) ، أي همم الرسل ( عن طلب الأمور المعجزة لما لم يعم أثرها في الناظرين ) ظاهرا بالإسلام ( ولا في قلوبهم )باطنا بالإيمان .
( كما قال تعالى في حق أكمل الرسل وأعلم الخلق وأصدقهم في الحال "إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ " [ القصص : 56 ] ولو كان للهمة أثر ول بد ) لها من الأثر للزومه إياها ( لم يكن أحد أكمل من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولا أعلى ولا أقوى همة منه
قال الشيخ رضي الله عنه : (طالب عمّه ، وفيه نزلت الآية الّتي ذكرناه ولذلك قال في الرّسول إنّه ما عليه إلّا البلاغ ، وقال تعالى :" لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ " [ البقرة : 272] .
وزاد في سورة القصص :" وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" [ القصص 56 :]أي بالّذين أعطوه العلم بهدايتهم في حال عدمهم بأعيانهم الثابتة فأثبت أنّ العلم تابع للمعلوم .
فمن كان مؤمنا في ثبوت عينه وحال عدمه ظهر بتلك الصّورة في حال وجوده ، وقد علم اللّه ذلك منه أنّه هكذا يكون ، فلذلك قال :" وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" .
فلمّا قال مثل هذا قال أيضا :" ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ " لأنّ قولي على حدّ علمي في خلقي وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ " [ ق: 29 ]أي م قدّرت عليهم الكفر الّذي يشقيهم ثمّ طلبتهم بما ليس في وسعهم أن يأتوا به ، بل م عاملناهم إلّا بحسب ما علمناهم ، وما علمناهم إلّا)
وما أثرت في إسلام أبي طالب عمه ) .
فإن قلت : لا يفهم من الآية إلا أنه صلى اللّه عليه وسلم كان يحب أن يؤمن أبو طالب . وأما تصرفه بجمعية الهمة حيث لا يبقى له مفسح إلى غيره فغير معلوم ، قلنا : لعله رضي اللّه عنه جعل ميله صلى اللّه عليه وسلم إلى إيمانه بمثابة التصرف بالهمة من آخرين في التأثير ، أو علم ذلك بوجه آخر .
وقلنا ذلك من جملة ما ألقاه النبي صلى اللّه عليه وسلم إليه وهو صلى اللّه عليه وسلم أعلم بنفسه فإن قلت : إنه تصرف بالهمة ولكن بأمور لما عرفت فلم تخلف عنه الأثر .

قلنا : لعل الحكمة فيه أن يعلم صلى اللّه عليه وسلم أنه لا أثر للهمة إلا فيما له استعداد قبول أثرها فيستريح عن إتعاب نفسه بتسليط الهمة على إيمان أحد فيقتصر على البلاغ ، فإن كان شديد الحرص على إيمان قومه كما قال تعالى :" فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً " [ الكهف : 6 ] .
( وفيه ) ، أي في شأن أبي طالب (نزلت الآية التي ذكرناها ولذلك قال في ) شأن ( الرسول إنه ما عليه إلا البلاغ ) بصيغة الحصر ( وقال :" لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ"[ البقرة : 272 ] وزاد ) على ذلك ( في سورة القصص )قوله : ("وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ"، أي بالذين أعطوا العلم بهدايتهم في حال عدمهم بأعيانهم الثابتة فاثبت ) بهذه الزيادة ( أن العلم تابع للمعلوم فمن كان مؤمنا في ) حال ( ثبوت عينه وحال عدمه ظهر بتلك الصورة في حال وجوده ، وقد علم اللّه ذلك منه أنه هكذا يكون فلذلك قال : هو أعلم بالمهتدين فلما قال مثل هذا قال أيضا :م يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّلأن قولي على حد علمي في خلقيوَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ[ ق : 29 ] ، أي ما قدرت عليهم الكفر الذي يشقيهم ) حتى أكون ظالما .
( ثم طالبتهم بما ليس في وسعهم أن يأتوا به ) حتى يكون ظلما على ظلم وأكون به ظالم ( بل ما عاملناهم في إعطائهم )
قال الشيخ رضي الله عنه : ( بما أعطونا من نفوسهم ممّا هم عليه ، فإن كان ظلما فهم الظّالمون . ولذلك قال :وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ[ الأعراف : 160 ] فما ظلمهم اللّه ، كذلك ما قلن لهم إلّا ما أعطته ذاتنا أن نقول لهم ؛ وذاتنا معلومة لنا بما هي عليه من أن نقول كذا ، ولا نقول كذا ، فما قلنا إلّا ما علمنا أنّا نقول فلنا القول منّا . ولهم الامتثال وعدم الامتثال مع السّماع منهم
فالكلّ منّا ومنهم ..... والأخذ عنّا وعنهم
إن لا يكونوا من ..... فنحن لا شك منهم
فتحقّق يا وليّ هذه الحكمة الملكيّة من الكلمة اللّوطيّة فإنّها لباب المعرفة .)
الوجود (إلا بحسب ما علمناهم وما علملناهم إلا بم أعطونا من نفوسهم مما هم عليه فإن كان ) في الواقع ( ظلما فهم الظالمون ) فإنهم طلبوا من الجواد المطلق وجود ما يجري عليهم من الظلم ( ولذلك قال :"وَلكِنْ كانُو أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ " فما ظلمهم اللّه ) [ البقرة : 57 ] .
وكما أنه ما أعطونا من العلم بهم إلا ما أعطونا ذواتهم ( كذلك م قلنا لهم ) ، أي أمرناهم بهذا القول : كن ( إلا ما أعطته ذاتنا أن نقول لهم ) ، أي نأمرهم بهذا القول ( وذاتنا معلومة بما هي عليه من أن نقول كذا ولا نقول كذ فما قلنا إلا ما علمناه أنا نقول فلنا القول منّا ) بكلمة كن ( ولهم الامتثال ) قطعا إن كان القول أمرا إيجاديا أو إيجابيا واقتضت أعيانهم امتثاله ( وعدم الامتثال ) إن كان الأمر أمرا إيجابيا اقتضت أعيانهم امتثاله ( مع السماع ) ، أي مع وقوع سماع قولنا ( منهم . . فالكل منا ومنهم . . والأخذ عنا وعنهم ) يحتمل أن يكون هذا الكلام من لسان الأسماء الإلهية وهو الظاهر نظرا إلى الكلام السابق .
ويحتمل أن يكون من لسان الأعيان الثابتة فعلى الأول معناه أن كل م دخل في الوجود منا أي من حضرات الأسماء بالفعل والتأثير منهم .
أي من الأعيان الثابتة باعتبار القول والتأثر والأخذ ، أي أخذهم الوجود عنا وأخذنا العلم بهم عنهم ، وعلى الثاني معناه أن الكل منا .
أي من الأعيان الثابتة المتأثر ومنهم أي من الأسماء الإلهية المؤثرة وأخذهم العلم بنا عنا وأخذنا الوجود عنهم ( إن لا يكونون منا ) تقدير الكلام إن كان الأعيان الثابتة أو الأسماء الإلهية لا يكونون منا لمكان النون في يكونون ، وفي بعض النسخ إن لم يكونوا ولا حاجة حينئذ إلى هذا التقدير ، فعلى الاحتمال الأول معناه إن لم تكن الأعيان الثابتة ظاهرة عنا في عرصة الوجود الكوني باعتبار أنها ما شمت رائحة الوجود فنحن أي الأسماء الإلهية ظاهرون فيها منهم لأنهم مجالينا ومظاهرنا باعتبار ظهور عكوسهم وظلالهم في مرآة ظاهر الوجود الحق ، وعلى الثاني معناه إن لم تكن الأسماء الإلهية وكيف تكون منا وهي المؤثرات في وجودنا ( فنحن بلا شك منهم ) لهذا المعنى بعينه ( فتحقق يا ولي هذه الحكمة الملكية من الكلمة اللوطية فإنها لباب المعرفة )
قال الشيخ رضي الله عنه : (
فقد بان لك السّرّ ...... وقد اتّضح الأمر
وقد أدرج في الشّفع ..... الّذي قيل هو الوتر)
لاشتمالها على بيان أن كمال العارف في الرجوع إلى ضعفه الأصلي وعجزه الذاتي وتركه التصرف في العالم بجمعه الهمة امتثالا للأمر الإلهي ، وعلى بيان سر القدر الذي بمعرفته يستريح العارف ويقيم أعذار الخلائق فيما يجري عليهم وعلى غير ذلك من الحقائق كانحصار الوجود في الفاعل والقابل
( فقد بان لك السر ) ، أي سر القدر وسر سريان الوجود في الكل ( وقد اتضح الأمر ) ، أي أمر الوجود على ما هو عليه وانحصاره من الفاعل والقابل (وقد اندرج في الشفع ) ، أي صورتي الفاعل والقابل اللذين هما الشفعية للوجود الواحد ( الذي قيل هو الوتر ) في حد ذاته الأحدية .

.
....


19A4wQC5k0E

  السابق

المحتويات

التالي  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!