موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

شرح بالي أفندي
على فصوص الحكم

تأليف: الشيخ مصطفي سليمان بالي زاده الحنفي

فص حكمة إمامية في كلمة هارونية

  السابق

المحتويات

التالي  

فص حكمة إمامية في كلمة هارونية


24 - فص حكمة إمامية في كلمة هارونية .كتاب شرح فصوص الحكم مصطفي بالي زادة على فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

شرح الشيخ مصطفي بالي زادة الحنفي أفندي على فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
ولما كان هارون نبيا وخليفة من اللّه وخليفة من موسى عليهما السلام أورد الحكمة الامامية في كلمته.
"" أضاف المحقق :
يدور هذا الفص حول مسألة الألوهية والعبادة . فيشرح ابن العربي نظريته في الدين بمعناه الصوفي الواسع .
وهو دين وحدة الوجود ، ويخلص منه إلى الحب هو أساس عبادة كل معبود ، وأن المعبود على الحقيقة هو المحبوب على الحقيقة وهو اللّه .""
قال الشيخ رضي الله عنه : ( اعلم أن وجود هارون كان من حضرة الرحموت ) مبالغة من الرحمة ( بقوله :وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا يعني لموسى أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا فكانت نبوته من حضرة الرحموت ) بالنص الإلهي (فإنه ) أي هارون عليه السلام ( أكبر من موسى سنا ) والكبير لشفقته ورحمته للصغير تحت تسخيره
( وكان موسى أكبر منه نبوة ولما كانت نبوة هارون من حضرة الرحمة لذلك ) أي لأجل كون نبوته من الرحمة .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( قال لأخيه موسى ) في وقت أخذه بلحيته ( يا ابن أمّ فناداه بأمه لا بأبيه ) أي لم يقل لموسى يا ابن أبي ( إذ كانت الرحمة للأم دون الأب أوفر ) أي أغلب ( في الحكم ) أي في الشفقة والمرحمة للولد ( ولولا تلك الرحمة ) للأم ( ما صبرت على مباشرة التربية ) لولده وجواب لما قال في قوله لذلك قال فإن العامل مقدم على معموله في الأصل فكان أصل الكلام قال لذلك ( ثم قال ) هارون لأخيه موسى (لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي ولا تشمت بي الأعداء فهذا كله نفس من أنفاس الرحمة وسبب ذلك )الأخذ من موسى عليه السلام .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( عدم التثبت في النظر فيما كان في يديه من الألواح التي ألقاها من يديه فلو نظر فيها نظر تثبت لوجد فيها الهدى والرحمة فالهدى ) التي وجدت في الألواح ( بيان ما وقع من الأمر الذي أغضبه ) أي الأمر الذي أغضب موسى عليه السلام هو عبادة قومه العجل .
( بما هو هارون بريء منه ) أي وجد موسى عليه السلام في الألواح م أضل قومه إلا السامري وهارون بريء منه ( والرحمة ) هي الرحمة ( بأخيه ) فالرحمة مبتدأ وخبره محذوف أي الرحمة التي وجد موسى عليه السلام فيها هي رحمة هارون على موسى عليهما السلام .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فكان ) موسى ( لا يأخذ بلحيته ولا برأسه بمرأى ) أي بمنظر (من قومه مع كبره وأنه ) أي هارون ( أسن منه فكان ذلك الكلام كله من هارون ) إلى موسى عليه السلام ( شفقة على موسى عليه السلام لأن نبوة هارون من رحمة اللّه فلا يصدر منه إلا مثل هذا ، ثم قال هارون لموسى عليهما السلام إني خشيت أن تقول فرقت ) من التفريق ( بين بني إسرائيل فتجعلني يا موسى سببا في تفريقهم ) وما كنت سببا في تفريقهم وإنما قال هارون في تفريقهم ( فإن عبادة العجل فرقت بينهم فكان منهم من عبده اتباع للسامري وتقليدا له ومنهم من توقف عن عبادته حتى يرجع موسى إليهم فيسألون في ذلك ) أي في عبادة العجل ( فخشي هارون أن ينسب موسى ذلك الفرقان بينهم إليهم ) أي إلى هارون فخاطبه بهذا الكلام لئلا ينسب هذا الفرقان إليه
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وكان موسى عليه السلام أعلم بالأمر من هارون لأنه علم ) موسى عليه السلام ( ما ) أي الذي ( عبده أصحاب العجل ) فكانت العبادة في علم موسى عليه السلام للحق الظاهر في صورة العجل لا للعجل ( لعلمه بأن اللّه قد قضى ) أي حكم ( أن لا يعبد ) على صيغة الغائب المبني للمفعول ( إلا إياه وما حكم اللّه بشيء إلا وقع ) فقد حكم اللّه في الأزل أن يعبد له فصورة العجل لذلك وقع هارون لم يعلم بذلك فأنكر عبادة الحق في صورة العجل .
( فكان عتب موسى أخاه هارون لما وقع الأمر في إنكاره ) لعدم علمه بما علم موسى ( وعدم اتساعه فإن العارف من يرى الحق في كل شيء بل يراه عين كل شيء ) وقد مر مرارا تحقيق كون الحق عين كل شيء (فكان موسى يربي هارون تربية علم وإن كان أصغر منه في السن ) فالأنبياء والأولياء العارفون وإن كانوا ينكرون العبادة للأرباب الجزئية لكن إنكارهم ليس لاحتجاجهم عن الحق الظاهر في صورة الأشياء ، بل إنكارهم بحسب اقتضاء نبوتهم وبحسب اقتضاء الظاهر فإنهم يرون الحق بحسب الباطن في كل شيء ونهى العبادة عن الأمة بحسب النبوة في مظهر خاص والمحجوبون وإن أنكروا أيضا لكن إنكارهم لاحتجابهم عن ظهور الحق في صور الأشياء.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ولذلك ) أي ولأجل كون موسى عليه السلام مربيا لهارون ( لما قال له هارون م قال رجع ) موسى ( إلى السامري فقال له ما خطبك ) أي ما مرادك ( ي سامري يعني فيما صنعت من عدو لك إلى صورة العجل على الاختصاص وصنعك هذا الشبح من حلي القوم حتى أخذت أنت بقلوبهم من أجل أموالهم ) وإنما أخذت القلوب من أجل الأموال .
( فإن عيسى عليه السلام يقول لبني إسرائيل قلب كل إنسان ) أي المراد منه قلب كل إنسان لا يختص لبني إسرائيل ( من حيث ماله فاجعلوا أموالكم في السماء تكن قلوبكم في السماء ) فأشار عيسى عليه السلام إلى أن القلوب حيث كان المال ( وما سمي المال مالا إلا لكونه بالذات تميل القلوب إليه بالعبادة فهو ) أي المال ( المقصود الأعظم المعظم في القلوب لما فيها )أي في القلوب ( من الافتقار إليه ) أي إلى المال .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وليس للصور بقاء فلا بد من ذهاب صورة العجل لو لم يستعجل موسى عليه السلام بحرقه فغلبت عليه الغيرة فحرقه ثم نسف رماد تلك الصورة في اليم نسفا وقال ) موسى عليه السلام ( له ) للسامري ( انظر إلى إلهك فسماه إلها بطريق التنبيه للتعليم ) أنه مظهر إلهي ( لما علم ) موسى عليه السلام ( أنه بعض المجالي الإلهية ) فعلم هارون ما أشار إليه موسى عليه السلام من كلامه إلى السامري ، وعلم أن غضبه وأخذه بلحيته لا لأجل عبادة قومه العجل بل لأجل تعليمه بأن الحق يعبد في صورة العجل فما قال للسامري ما قال وما غضب على هارون إلا تربية لهارون بالعلم ( لأحرّقنه ) أي وقال له انظر إلى إلهك لنحرّقنه ولننسفنه وإنما تصرف موسى في صورة العجل بالحرق والنسف .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فإن حيوانية الإنسان لها التصرف في حيوانية الحيوان لكون اللّه سخرها ) أي الحيوان ( للإنسان ولا سيما وأصله ليس من حيوان ) بل هو معمول من الحلي ( فكان ) العجل المعمول ( أعظم ) أي أهون ( في التسخير لأن غير الحيوان ما ) أي ليس ( له إرادة ) فلا يمتنع بما يريد الإنسان ( بل هو بحكم من يتصرف فيه من غير إباء ) أي امتناع .
قال الشيخ رضي الله عنه : (وأما الحيوان فهو ذو إرادة وغرض فقد يقع منه الاباءة في بعض التصريف فإن كان فيه ) أي في الحيوان ( قوة إظهار ذلك ) الاباءة ( ظهر منه الجموح ) يقال جمح الفرس جماحا وجموحا وبالفارسية سركشي كردن أي ظهر منه عدم الانقيادي و ( لما يريده منه الإنسان وإن لم يكن له هذه القوة أو يصادف ) أي يوافق ( الإنسان غرض الحيوان انقاد ) الحيوان ( مذللا لما يريده منه ) الإنسان ( كما ينقاد ) الإنسان ( مثله ) من الإنسان ( لأمر ) أي أي لأجل أمر ( فيما رفعه اللّه ) أي في الذي رفع اللّه ذلك المثل المنقاد إليه ( به ) عائد إلى ما قوله ( من أجل المال الذي يرجوه منه ) يتعلق بالانقياد (المعبر عنه في بعض الأحوال بالأجرة في قوله تعالى ) أي كما جاء انقياد الإنسان .
مثله في قوله تعالى : (" وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ " [ الأنعام : 165 ] ، ليتخذ بعضكم بعضا سخريا فما يسخر له من هو مثله إلا من ) جهة ( حيوانيته لا من ) جهة ( إنسانيته ) فالمسخر اسم فاعل هو الانسانية والمسخر اسم مفعول هو الحيوانية وإنما لا يسخر من إنسانية.
قال الشيخ رضي الله عنه : (لأن المثلين ضدان ) والضدان متساويان في الدرجة لا يجتمعان ليس بينهما جهة جامعة من هذا الوجه فلا ينقاد الإنسان من هو مثله من جهة الانسانية (فيسخره الأرفع في المنزلة بالمال أو بالجاه بإنسانيته ويتسخر له ذلك الآخر إما خوفا أو طمعا ) قوله ( من حيوانيته لا من إنسانيته ) يتعلق بيتسخر ( فما يسخر له من هو مثله ) في المنزلة ( ألا ترى ما بين البهائم من التحريش لأنها أمثال فالمثلان ضدان فلذلك ) أي فلأجل عدم تسخير الأمثال بعضهم بعضا ( قال اللّه تعالى :وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ فما هو ) أي فليس المسخر ( معه ) أي المسخر ( في درجته ) أي في درجة المسخر ( فوقعالتسخير من أجل الدرجات والتسخير على قسمين تسخير مراد للمسخر اسم فاعل قاهر في تسخيره لهذا الشخص المسخر كتسخير السيد لعبده وإن كان مثله في الانسانية وكتسخير السلطان لرعاياه وإن كان أمثالا له في الانسانية فيسخرهم ) أي فيسخر السلطان لرعاياه .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( بالدرجة والقسم الآخر تسخير بالحال كتسخير الرعايا الملك القائم بأمرهم في الذب عنهم وحمايتهم وقتال من عاداهم وحفظ أموالهم وأنفسهم عليهم وهذا ) المذكور ( كله تسخير بالحال من الرعايا يسخرون بذلك مليكهم ويسمى ) هذا التسخير ( على الحقيقة تسخير المرتبة ) وأما على الظاهر فتسخير بالحال ( فالمرتبة حكمت عليه ) أي مرتبة الرعية حكمت على الملك.
قال الشيخ رضي الله عنه : (بذلك فمن الملوك من سعى لنفسه ) وما عرف أن مرتبة الرعية تسخره في ذلك الأمر ( ومنهم من عرف الأمر فعلم أنه بالمرتبة في تسخيره رعاياه فعلم قدرهم وحقهم فآجره اللّه ) أي أعطى اللّه ذلك الملك العالم العامل .
( على ذلك ) العلم والعمل ( أجر العلماء بالأمر على ما هو عليه وأجر مثل هذا ) العمل الذي ( يكون على اللّه في كون اللّه في شؤون عباده ) فمثل هذا السلطان خليفة اللّه وقائم مقامه في قضاء حوائجهم فأجر هذا العمل على اللّه (فالعالم كله مسخر بالحال ) اسم الفاعل ( من لا يمكن أن يطلق عليه أنه مسخر ) اسم مفعول فاستحال على اللّه إطلاق هذ الاسم عند أهل الشرع وأما عند أهل الحقيقة فمجرد وجود المعنى يجوز إطلاق اسم ذلك المعنى على اللّه .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( قال اللّه تعالى ) في ثبوت هذا التسخير بينه وبين عباده :" كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ " [ الرحمن : 29 ] ، من شؤون عباده ثم رجع إلى أصل المسألة فقال (فكان عدم قوة إرداع ) أي عدم تأثير منع ( هارون بالفعل أن ينفذ في أصحاب العجل بالتسليط على العجل كما سلط موسى عليه السلام ) أي العجل بالحرق والنسف ولم يقدر هارون بالفعل كذلك .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( حكمة من اللّه ) خبر كان ( ظاهرة في الوجود ليعبد ) الحق في كل صورة نوعية من الأنواع وإنما قيدنا بذلك القيد إذ لا يعبد الحق ( في كل صورة ) شخصية بل يعبد في صورة شخص من كل نوع ( وإن ذهبت تلك الصورة بعد ذلك ) أي بعد عبادة الحق فيها ( فما ذهبت ) الصورة (إلا بعد ما تلبست عند عابرها بالألوهية ولهذا ) أي ولأجل اقتضاء الحكمة أن يعبد الحق في كل صورة ( ما بقي نوع من الأنواع إلا وقد عبد الحق ) في صورة فرد من أفراد ذلك النوع .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( إما عبادة تأله ) كما في العجل والأصنام والشمس والقمر والنار ( وإما عبادة تسخير ) كما مر في تحقيق التسخير ( فلا بد من ذلك ) العبادة إما تأله وإما تسخيرا ( لمن عقل ) عن اللّه فإنه يعلم ما قلناه ويميز المراتب فالأمر في هذا المقام منقسم بين العابد والمعبود والمعبود لا يكون معبودا إلا بعد الظهور بالرفعة عند عابدة وهذا معنى قوله ( وما عبد شيء من العالم إلا بعد التلبس بالرفعة عند العابد و ) بعد ( الظهور بالدرجة في قلبه ولذلك ) أي ولأجل عدم عبادة المعبود إلا بعد ظهور بالدرجة في قلب العابد .
( يسمى الحق لن برفيع الدرجات ولم يقل رفيع الدرجة فكثر ) من التكثير ( الدرجات في عين واحدة فإنه قضى أن لا يعبد إلا إياه في درجات كثيرة مختلفة أعطت كل درجة مجلى إلهيا عبد فيها وأعظم مجلى عبد فيه وأعلاه الهوى كما قالأَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُفهو أعظم معبود ) وإنما كان الهوى أعظم معبود ( فإنه لا يعبد شيء إلا به ) أي بالهوى حتى الحق لا يعبد إلا به.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ولا يعبد هو ) أي ولا يعبد الهوى ( إلا بذاته وفيه ) أي في حق الهوى
( أقول شعر : وحق الهوى ) والمراد هو الحق .
( أن الهوى سب الهوى ... ولولا الهوى في القلب ) وهو المعبود بذاته
( ما عبد الهوى ) وهو المعبود بالهوى ( ألا ترى علم اللّه بالأشياء ما أكمله ) أي علمه و ( كيف تمم ) علمه ( في حق من عبد هواه واتخذه إلها ) أي سماه إلها فقط دون من مجالي الحق لظهور الحق له فيه دون غيره .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فقال ) في حقه (وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ والضلالة الحيرة وذلك ) التكميل والتتميم ( أنه لما رأى ) الحق ( هذا العابد ) وهو من عبده هواه واتخذه إلها ( ما عبد إلا هواه بانقياده لطاعته ) أي لطاعة هواه (فيما ) أي في الذي ( يأمره ) الهوى ( به ) راجع إلى العابد ( من عبادة من عبده من الأشخاص ) بيان لما ( حتى أن عبادته ) أي عبادة من عبده هواه (للَّه كانت عن هوى أيضا ) كما أن عبادته لمن عبده من الأشخاص عن هوى وإنما كانت عبادة هذ العباد عن هوى ( لأنه لو لم يقع له في ذلك الجناب المقدس هوى وهو الإرادة ) النفسانية من رجاء الجنة والنجاة عن النار ( بمحبته ) أي مع محبة اللّه ( ما عبد اللّه ولا آثره على غيره ) ولولا عظمة شأن الهوى لما سلط على هذ العابد .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وكذلك كل من عبد صورة ما من صور العالم واتخذها إلها ما اتخذها ) إلها ( إلا بالهوى ) فإذا كان كذلك ( فالعابد لا يزال تحت سلطان هواه ) فله حكم في كل عابد ( ثم رأى ) أي علم الحق ( المعبودات ) الكونية والاعتقادية ( تتنوع في العابدين فكل عابد أمرا ما يكفر من يعبد سواه ) وهم المحجوبون .
( والذي عنده أدنى تنبه ) أي أدنى مرتبة من العلم وهو الذي عبد هواه واتخذوه إلها ( يحار ) أي وقع في الحيرة فلا يكفر أحدا من العابدين فيم عبده فقوله والذي مبتدأ يحار خبره ( لاتحاد الهوى ) يتعلق بقوله أدنى تنبه لا بقوله يحار إذ سبب الحيرة هو العلم باتحاد الهوى ( لا اتخاذ الهوى ) ويجوز أن يتعلق بقوله يحار .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( بل لأحدية الهوى فإنه ) أي الهوى ( عين واحدة في كل عابد فأضله اللّه أي حيره على علم بأن كل عابد ما عبد إلا هواه ولا استعبده إلا هواه سواه صادف ) هواه ( الأمر المشروع أو لم يصادفه ) فإذا علم هذا العابد هذا المعنى أكمله اللّه علمه في حقه بقولهوَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍولم يقل فأضله اللّه على جهل وهو حيرة الجهل ،
فهو علم تام عند اللّه فهذا العابد يعلم هذا المقام كما علم اللّه والمقصود أن الهوى أعظم مجلى عبد فيه الحق لذلك أكمل الحق علمه في حق من عبد الهوى واتخذه إلها بقوله "وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ" فدل هذا الكلام أن الهوى أعظم مجلى إلهي عبد فيه الحق
فكانت عبادته للهوى واتخاذه إلها عن علم تجلى وجواب لما قوله "وَأَضَلَّهُ اللَّهُ " أدخله الفاء لطول الكلام أو محذوف لقرينة دالة عليه تقديره لما رأى الحق كذا وكذا أكمل علمه في حق من عبد الهوى واتخذه إلها أو تمم علمه أو أضله اللّه كيف شئت قلت .
ويظهر من هذا المقام أن العابد ثلاثة أقسام عابد جاهل غير منقاد للشرع كعابد الأصنام وعابد محجوب منقاد للشرع ولا يعلم هذ العابد بأن كل عابد ما عبد إلا هواه بل هو صاحب اعتقاد يعتقد أمرا ما في حق الحق ، وعابد يعلم بأن كل عابد ما عبد إلا هواه وهو الذي قال في حقه وأضله اللّه على علم وهو الذي أعلى العابدين وأدنى العارفين وليس هو عارفا مكملا .
( والعارف المكمل من رأى كل معبود مجلى للحق يعبد فيه ) أي يعبد الحق في ذلك المجلى ولا كذلك ذلك العابد فإنه رأى الهوى مجلى للحق يعبد فيه وبه يلحق بالعارفين ولا يرى غير الهوى مجلى إليها يعبد فيه الحق وليس كذلك بل الحق هو المعبود مطلق سواء كان في الصور الهوائية أو غيرها من الصور الامكانية وبعد علمه بهذا انفصل عنهم .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ولذلك ) أي ولأجل أن العارف المكمل رأى كل معبود مجلى يعبد فيه الحق ( سموه كلهم ) أي سموا المعبود كلهم ( إلها ) مجازا تسمية المظهر باسم الظاهر وإنما اصطلحوا هذا الاسم لتوقف إفادة بعض المعاني واستفادتها عليه وهذا الاسم ليس من حيث شخصيته بل من حيث أنه مظهرا إلهي من المظاهر الإلهية.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( مع اسمه الخاص بحجر أو شجر أو حيوان أو إنسان أو كوكب أو ملك هذا اسم الشخصية فيه ) أي في كل معبود ( والألوهية ) فيه ( مرتبة إلهية تخيل العابد له ) أي تخيل عابد هذا المعبود ( أنها ) أي الألوهية (مرتبة معبودة ) وليس الأمر كم تخيله بل الأمر فيه على الحقيقة ما بينه بقوله ( وهي ) أي تلك المرتبة .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( على الحقيقة مجلى للحق لبصر هذا العابد الخاص المعتكف على هذا المعبود في هذ المجلى المختص ولهذا ) أي ولأجل كون تلك المرتبة مجلى للحق لبصر هذا العابد ( قال بعض من عرف ) هذا المعنى من عبدة الأصنام ( مقالة جهل ) مصدر قال (م نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى مع تسميتهم إياهم إلهة ) فلو لم يعرفوا وحدة الحق لما أجابوا بهذا القول فإن قولهم " لِيُقَرِّبُون إِلَى اللَّهِ " يدل على ما في علمهم من وحدة الحق وتسميتهم آلهة تدل على أنها مجالي الحق لكنهم عبدوا المجالي من حيث هي مجالي للحق لا من حيث شيئيتها ، ولا يعبدون الحق الظاهر فيها وإنما كان هذا القول مقالة جهل جهالة لأن عبادة الأصنام لا يقرب فيها إلى اللّه فصدر هذا الكلام منهم عن جهل
( حتى قالوا أجعل الالهة إلها واحدا إن هذا ) أي جعل الالهة إله واحدا ( لشيء عجاب فما أنكروه ) أي ما أنكروا كون الإله واحدا ( بل تعجبوا من ذلك ) أي من كون الإله واحدا وإنما تعجبوا من ذلك ( فإنهم وقفو ) أي ثبتوا وقنعوا ( مع كثرة الصور ونسبة الألوهية لها ) أي إلى الصور الكثيرة ( فجاء الرسول دعاهم إلى إله واحد يعرف ) أي معروف عندهم ( ول يشهد ) أي ولا مشهود فإن إلهتهم المشهودة لهم أصنامهم ( بشهادتهم إنهم أثبتوه ) أي الإله الواحد .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( عندهم واعتقدوه في قولهمما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى) وإنما قالوا ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى اللّه ولم يقولوا لكونهم إلهة ( لعلمهم بأن تلك الصورة حجارة ) لا تستحق العبادة لذاتها بل إنما تستحق العبادة لكونها مقربة إلى اللّه .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ولذلك ) أي ولأجل علمهم بأن تلك الصورة حجارة لا تستحق العبادة والألوهية ( قامت الحجة عليهم بقوله قُلْ سَمُّوهُمْ فما يسمونهم إلا بما يعلمون أن تلك الأسماء لهم ) من الحجر والشجر والكوكب (حقيقة ) فظهر أن تسميتهم إلهة لهم مجاز عندهم .
والمقصود أن الرسول ما دعاهم إلى المجهول المطلق عندهم بل دعاهم إلى عبادة ما علموا من الحق فإنهم علموا أن اللّه واحد حقيقي واعتقدوه لكنه لما غاب وبعد مشاهدتهم لا يعبدون ولا ينقادون إليه لاستحالتهم عبادة الغائب عن المشاهدة ولو قرب مع مشاهدتهم لعبدوه لذلك
قالوا ليقربونا فلا يمكن العبادة بدون القرب والمشاهدة عندهم فكأنهم قالوا في التحقيق ما نعبد إلها لم نره ولم ينكرو بأن اللّه واحد وإنما إنكارهم في عبادة الإله الواحد المعروف الغير المشهود لهم فجاء الرسول بما يزيل به إنكارهم من أن الإله المعروف الغير المشهود يجب له العبادة وقرّر ما في علمهم واعتقادهم من أن الإله واحد .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وأما العارفون بالأمر على ما هو عليه ) وهو الذين علموا أن الحق واحد ظاهر في مجالي متعددة ( فيظهرون بصورة الإنكار لما عبد من الصور ) مع علمهم بأن الصور كلها مجالي إلهي عبد فيها الحق ( لأن مرتبتهم في العلم تعطيهم أن يكونو بحكم الوقت لحكم الرسول الذي آمنوا به عليهم الذي به ) أي الايمان الذي يسببه .
( سموا مؤمنين فهم عباد الوقت ) أي يعبدون اللّه بمقتضى الوقت فالوقت يحكم على ظهورهم بصورة الإنكار لما عبد من الصور قوله ( مع علمهم ) يتصل إلى قوله فيظهرون العارفون بصور الإنكار مع علمهم ( بأنهم ) أي بأن عبدة الأصنام ( ما عبدوا من تلك الصور أعيانها ) المسماة بأسماء المحدثات (وإنما عبدوا اللّه فيها ) أي في أعيان الأصنام .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( بحكم سلطان التجلي الذي عرفوه منهم ) أي من صور أصنامهم فعبادتهم للأصنام ليست إلا ما كان عليه الأمر فإنكار العارفين ليس عن جهل بحقيقة الأمر بل مرتبتهم في العلم تعطيهم ذلك وقوله بحكم يتعلق بقوله عبدوا اللّه ( وجهله ) أي جهل بم علم العارفون من أن عبدة الأصنام ما عبدوا أعيانها ( المنكر الذي لا علم له بم تجلى ) اللّه لعباده في صور الأكوان ( وستره ) أي ستر تجلي الحق في الصور الكونية والعبادة فيه
قال الشيخ رضي الله عنه : ( العارف المكمل من نبي ورسول ووارث عنهم ) فإنكارهم ستر الإنكار على الحقيقة ( فأمرهم ) أي أمر العارف عبدة الأصنام ( بالانتزاح ) أي بالاجتناب ( عن ) عبادة ( تلك الصور لما انتزح عنها رسول الوقت اتباعا للرسول طمعا في محبة اللّه إياهم الثابتة بقوله قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّه فدعا ) الرسول عابد الأصنام ( إلى ) عبادة ( إله يصمد ) على صيغة المجهول أي يحتاج ( إليه ) كل شيء في وجوده وجميع أحواله ولا يحتاج هو إلى غيره .
( ويعلم ) مبني للمفعول (من حيث الجملة ) أي من حيث الإجمال أي يعلم كل شيء إجمالا أن لهم إلها وهذا العلم بديهي لذلك لا ينكر أحد وجود الحق وإنما الاختلاف في التعيين فبعضهم عين الأصنام وبعضهم الكوكب وبعضهم النار وغير ذلك ( ولا يشهد ) ذاته كما قال تعالى :" ل تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ" [ الأنعام : 103].
قوله رضي الله عنه : ( للطفه وسريانه في أعيان الأشياء ) تعليل لقوله "لا تُدْرِكُهُ" ولقوله "وَهُوَ يُدْرِكُ" ( فلا تدركه الأبصار كما أنها ) أي كما أن الأبصار ( لا تدرك ) قوله ( أرواحها ) مفعول لا تدرك الضمير راجع إلى الأبصار ( المدبرة ) منصوب صفة أرواحها ( أشباحها ) منصوب بالمدبرة (وصورها ) عطف على أشباحه ( الظاهرة ) صفة لصورها فإذا كان كذلك .
( فهو ) أي الحق ( اللطيف الخبير والخبرة ذوق ) كما ذكر ( والذوق تجلى والتجلي ) لا يكون إلا ( في الصور فلا بد ) لظهور التجلي ( منها ) أي من الصور ( ولا بد ) لظهور الصور ( منه ) أي من التجلي إذ لا يكون الصور أيضا بدون التجلي ( فلا بد أن يعبده من رآه ) قوله ( بهواه ) متعلق بقوله أن يعبده ( إن فهمت ) م ذكرناه لك ( وعلى اللّه قصد السبيل ) أي بيان الطريق الموصلة إليه .
.
....

yfBV04DhRgw

  السابق

المحتويات

التالي  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب فصوص الحكم وشروحاته

مطالعة هذه الشروحات والتعليقات على كتاب الفصوص


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!